10-انتكاسة

24K 1.4K 34
                                    

بعد ان تصالحنا، شربنا قهوتنا بهدوء و من بعدها عدنا للشقة التي كنت اعتقد انني غادرتها سابقاً للابد . بعد تفكير طويل في محاولة ايجاد طريقة لمساعدة بيتر نمت اخيراً.

استيقظت في اليوم التالي متأخرة على عملي و كان بيتر قد غادر بالفعل . شعرت بالغضب منه لانه لم يوقظني و هرولت الى المطعم معتذرة لمالكته العجوز الطيبة .
*******

عدت في المساء مرهقة كالمعتاد ، كنت قد تخلصت من جبيرتي و منذ وقت مضى كنت قد تخليت عن عكازي . شعرت بالحرية ما ان تحررت قدمي من ذلك القالب الحجري. و ترقبت عودة بيتر لاعلمه بالامر. مر الوقت و ساعة تلوى اخرى، دون جدوى حتى بدأت أقلق ان شيئاً ما قد حدث له، لم اعلم ماذا افعل او اين اذهب للبحث عنه , و لم يكن امامي حل سوى ان انتظر بهدوء و ادعو الله ان يكون سالما.
في منتصف الليل عاد بوجهه اللامبالي، كما لو ان كل شيء على ما يرام . لكن احساسي كان يخبرني ان شيئأ ما قد حدث . لم يترك لي فرصة لقول شيء كونه انطلق الى غرفته مغلقاً الباب دون ان ينبس ببنت شفة. لم افكر كثيراً بالامر و لم انزعج كوني كنت سعيدة بعودته سالماً و قد كان ذلك ما يهم حقا , ثم اني ذهبت للنوم.

***

في اليوم التالي ،فتحت عينيّ انظر للساعة بكسل و كانت التاسعة لذا كنت متأخرة مجدداً عن العمل. نهضت بسرعة للحمام ثم لاحظت ان بيتر لم يغادر بعد . فكرت بأنه ربما لم ينتبه لتأخر الوقت ,لذلك قرعت بابه بقوة و انا اناديه بإلحاح,و بعد وقت قصير فتح لي الباب وعاد ليستلقي على فراشه بكل اريحية كما لو انه لم يكن هنالك شيء وراءه ليقوم به !

انا بقلق " انت لم تستوعب بعد انك تأخرت ؟ هيا انهض انها التاسعة بالفعل !"

بيتر بنبرة لا تحمل اي مشاعر فيها " لا اريد ان اذهب"

فقلت و قد جلست الى جواره و مددت يدي الى جبينه اقيس درجة حرارته دون استئذان " لماذا ؟ انت لا تعاني من الحمى... هل حدث شيء ما ؟ هيا يمكنك اخباري انا صديقتك الوحيدة في هذه الحياة " نظر نحوي بإستهزاء و انا اعلم ان السبب هو انه على الارجح كان يملك اصدقاء اخرين و تعليقي كان مثيرا للسخرية - تماما كما اردته ان يكون.فقد كنت احب المبالغات على اية حال .

تابعت حديثي " لا تفكر كثيراً يا بيتر فقط اخبرني ما بك .. حسناً؟.."

عندها دفعني بيتر جانباً ففقدت توازني و سقطت من على سريره , لقد كان ذلك فظاً و اغضبني لكني تحملت لاني اعلم ان بيتر كان مكتئبا اليوم اكثر من المعتاد، لدرجة تجعلني اضع جانبا رغبتي في الذهاب للعمل مهما كانت العواقب .

نهض بيتر مغادراً الغرفة نحو الحمام و هو يقول " غيرت رأيي , أفضل ان اذهب الى العمل"

كنت اشعر بأن هنالك شيء خاطئ به و لم اكن لادعه بمفرده و هو في ذلك المزاج فما يدريني انه لن يحاول انهاء حياته مجدداً. لبست و كنت مستعدة للخروج قبل بيتر و بقيت انتظره امام الباب.

لقد ظن في بادئ الامر بأني ذاهبة الى العمل، و لم يكن يدري انني كنت سأتتبعه . يومها لم يأخذ بيتر سيارته بل استمر في المشي و انا الحقه . باحساسي القوي كنت متأكدة انه لم يكن ذاهباً للعمل حقاً.
عندما لاحظ ما كنت افعله توقف في منتصف الطريق ينظر الي . علمت ما اراد ان يقول لذا سبقته بالاجابة " سأرافقك اليوم "

نظر نحوي باستياء للحظات قبل ان يقرر ان يتجاهلني و واصل مشيه . قاومت رغبتي في الكلام لعدة مرات و انا افكر انه خرج على الارجح ليهرب من كلامي الذي لا ينتهي . كانت مهمتي هي ان اتبعه كظله بهدوء لحمايته من أي شيء قد يفكر بالقيام به لايذاء نفسه .

بعد لحظات رن هاتف بيتر و هو تجاهله لكن عندما استمر في الرنين استسلم و اجاب المكالمة . بعد ان انتهى المتحدث من الكلام اليه رد بيتر " نعم , كنت اقوم بالبحث فيما يخص هذا المشروع , سآتي في الحال "

انا و قد فهمت انه اتصال من العمل " هل ستذهب الان للعمل ؟" اجاب بنعم سريعة و هو يوقف سيارة اجرة و يصعد عليها و قبل ان يتمكن من اغلاق الباب دفعته لاجلس الى جواره ثم اغلقت الباب بنفسي .

علق بيتر " انتِ!..." تنفس بعمق بينما انا ابتسمت , و هو تابع تذمره " انا لا اصدق ! لا اعتقد ان هناك اناس اخرون مثلكِ في هذه الحياة ! لمَ تستمرين في اقحام نفسكِ في شؤوني الخاصة دون حياء؟"

انا بابتسامة خجولة مزيفة " سعيدة بأنك تراني فريدة من نوعي , لكني لا اقحم نفسي في امور احد .. سواك طبعاً و سببي وجيه و هو انك شخص انتحاري و لا ادري ان كنت سأراك واقفاً على جسر ما او مبنى اخر تحاول القفز او تربط حبلاً كطريقة كلاسيكية للانتحـــ" جمدتني نظرته الساخطة و الغضب واضح عليه . فكرت انني ربما لم اختر كلماتي بعناية .

بيتر " اخبرتكِ عدة مرات ان تتوقفي عن قول هذه الاشاعات عني , انتِ لا تعين ما سيترتب على انتشار مثل هذا الكلام"

انا بحنق " ما الذي تعنيه؟ انا لن اخبر احداً , انا لست ثرثارة .."

قاطع بيتر " بلى! اذناي يؤلمانني بالفعل "

تنفست بعمق و قلت بهدوء " حتى و ان كنت ثرثارة لست غبية لكي اضرك بيتر , انت صديقي الوحيد "
نظر نحوي وهو يرفع احد حاجبيه ابتسمت و قلت " و انا صديقتك الوحيدة " تغيرت نظرته للاستياء و لم يقل شيئاً .
اخبرتها بعدها بأمر نزعي للجبيرة واريته قدمي و انا احذره ان يستعد للمشاكل بما انه كان خائفا مما يمكنني عمله بقدمين اثنين !
تمكنت من ارغامه على الابتسام في النهاية مما اشعرني بالفرح.

وصل بيتر الى مبنى الشركة و وقفت امامه امنعه من العبور و هو ينظر الي و قد بدأ صبره ينفد .

انا بتصميم و اصرار " عدني اولاً انك ستعود للمنزل فور انتهاءك من العمل و الا سأرافقك في كل مكان و احرجك كثيراً"

بيتر و قد تيقن انني لم اكن امزح قال مستسلما " اعدكِ.. فقط ابتعدي عن طريقي"
تنحيت جانبا بسلاسة اشعر بانني قمت بالشيء الصحيح و هو اسرع الى المصعد و انا افكر ( اعتقد بأنه مشروع يهمه حقاً ليأتي للعمل حتى و هو في حالته المزاجية هذه!)    
شيء ما كان يحدث له و كم تمنيت او انني استطيع ان اكون ذات عون له ، لكن في تلك اللحظات كل ما تمكنت من تقديمه هو ان احرص ان لا يؤذي نفسه.
بعد ان قضبت وقتي معه و تعرفت عليه اكثر لم اتمكن من تحمل فكرة انني قد اصل متأخرة يوما ما لاجده قد فارق الحياة، كانت الفكرة نفسها تجلب لي الهلع والحزن ،و هذا وحده زاد من تصميمي على حماية هذا الانتحاري الخفي.

©ManarMohammed

مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن