23-حقيقة صادمة

19.9K 1.3K 94
                                    

ألتفت بيتر نحوي منزعجاً لكنني كنت اكثر منه استياءً. أسرعت بالخطى حتى وصلت اليه و قمت بدفعه بغضب حتى تراجع خطوة للوراء ، و بغضب رفعت صوتي " الى متى ستظل تهرب من مشاكلك ؟"
بيتر و هو يصرخ " ماذا تريدينه مني ؟ و لماذا تستمرين بالتدخل في شؤوني؟"
أستدار مبتعداً فأمسكت بقوة بذراعه بكلتا يدي لاوقفه " ارجوك بيتر .. لا تفعل !"
سحب بيتر ذراعه عني بالقوة و دون ان يلتفت لينظر الي قال بنبرة باردة " اذهبي وازعجي شخصاً اخر "
جريت و توقفت بإصرار أمامه بينما امد يدي الى آخرهما لاشكل سوراً مانعاً امامه . عازمة بكل اصرار ان أوقفه مهما كلّف الامر.
ارسل بيتر نحوي نظرة إخافتني " لقد سئمت منكِ ارجوكِ اخرجي من حياتي فربما حينها أتوقف عن محاولة قتل نفسي انتِ مزعجة ولا استطيع اخراجكِ من رأسي لدرجة اريد فيها ان انهي .."
كان كلامه جارحاً لي لدرجة لا توصف و شعرت بقلبي يتم دهسه تماماً و هو يقول لي كلماته الخبيثة ، لم أتحمل سماع المزيد كي لا أكرهه لذلك جعلته يصمت عندما صفعته بقوة .
ساد الصمت للحظة بينما بيتر تغيرت تعابيره الغاضبة الى الحزينة التي كان يشعر بها حقاً و يقوم باخفائها طوال الوقت. بعد لحظات من الجمود تخطاني بهدوء .
كنت لا زلت احاول ان اكلم نفسي بأن لا احزن و ان بيتر على الأغلب لا يعني ما كان يقوله ، و عندما ادركت انه لم يكن الوقت مناسباً لان اضعف في موقف حرج كالذي كنت فيه . استدرت لأرى بيتر الذي كان قد تسلق على احدى الحواف مصمماً كما بدى على القفز و قررت فوراً اني لن ادع ذلك يحدث حتى و ان كلفني الامر حياتي .
استجمعت شجاعتي و صعدت على الحافة التي كان عرضها اقل من المتر الواحد .
ارتبك بيتر " مالذي تفعلينه الان؟!!"
وقفت ورائه و تشبثت بخفة بمعطفه و انا اقول بصوت هادئ حزين " ان لم استطع ثنيك عن القفز دعنا فقط نموت معاً "
بيتر " انتِ مجنونة حقاً .. أنزلي حالاً !"
انا بنبرة حزن قمت بمحاولة اخيرة فربما يغير رأيه " بعد التفكير ملياً اعتقد انها فكرة رائعة . اعني حياتي مثار للشفقة أتجول في كل مدن البلاد ابحث عن شخص عرفته منذ سنين و قد اجده و هو قد اصبح متزوجاً او اسوأ من ذلك انه قد نسي كل شيء عني حتى اسمي ! من الأفضل ان انهي حياتي الان معك "
لم يقل بيتر شيئاً ففقدت الأمل تماماً . و تعمقت في داخلي فكرة اني كنت سأموت لا محالة .
ساد الهدوء و كنت اشعر بالموت قريبا مني بالفعل ، كنت سأقفز الى الموت مع صديقي الانتحاري بعد ان فشلت في جعله يرى الأمل في الحياة . كانت بقايا أشعة الشمس كأطفال صغار يلحقون والدتهم على عجل ، كنت حينها قد بدأت أودع كل شيء سأتركه ورائي في الحياة .. امي كاميرتي حلمي في ان اجد كايل ... و دون شعور مني كانت دموعي تنهمر .
سمعت بيتر " ماذا الان؟؟!" لابد وانه علم اني كنت ابكي من شهقاتي المتوترة.
قلت وانا جد حزينة بصوت منخفض بالكاد سمعته انا " لا اريد ان اموت "
بيتر و قد اخذ نفساً عميقاً قال " يا الله ساعدني ! .. انتِ مجنونة الى مدى يصعب علاجه و تقودينني معك الى نفس المآل!"
مرت ريح قوية و خفت ان تقوم بدفع بيتر فيسقط لذلك لففت ذراعيّ حوله و انا ابكي بصوت عال كالاطفال كنت مذعورة وفي حالة يرثى لها
بيتر و قد أمسك بيدي " حسناً استسلم ... سأقوم بالأمر بطريقتكِ"
عندها كنت في حالة لا تصديق و لم اكن متأكدة من ان ما سمعته صحيح ! نظرت اليه بينما كان لا يزال ممسكاً بيدي يساعدني للنزول عن الحافة . بينما كنت لا ازال مصدومة اريد ان اصرخ سعادة لكني كنت خائفة من ان يزعج ذلك بيتر فيقرر إنهاء حياته من جديد بعد ان غير رأيه لذلك ابتسمت و الدموع ازدادت تدفقاً عندما شكرت بيتر كثيراً بينما اخذ هو يحاول تهدأتي.
****
في ذلك اليوم الذي كدت اموت فيه علمت بشكل واضح ما اريد عمله بعد ان عدت سالمة.
كان اول شيء امامي هو ان اكلم مارك عن حالة بيتر الجدية و طلبت منه ان يفعل شيئاً بشأن عمل بيتر ، و بالفعل مارك تدبر لبيتر اجازة مفتوحة .
عندما بيتر علم بأمر الإجازة اخبرني انه لم يعد يملك اعذارا سوى ان يذهب لرؤية ماري . لكنني و بكل صرامة رفضت و أخبرته انه يجب ان يكون في افضل حال عندما يذهب لرؤيتها لذلك عليه ان يعمل اولاً ليحسن من نفسه ، و على مضض وافق بيتر .
بعدها كان عليّ ان اقنعه بالذهاب إلى معالج نفسي لان ما كان يمر به اكتئاب كان لابد من معالجته ليعود طبيعياً . كانت خطوة صعبة لان بيتر كان متردداً و غير موافق في البداية . لكني لم اتركه يفعل ما يريد لانه كان قد أعطى كلمته في ان يتبع طريقتي. شرحت له ان ذهابه الى طبيب نفسي لا يعني بأنه مجنون و ان هذه نظرة متخلفة كما أكدت له انه سيتعالج لفترة ثم سيعود لطبيعته وسيتوقف عن اخذه الدواء وهكذا حصل ما اردت .
وذهبت معه في كل زيارة لاني علمت انه لن يذهب ان لم اكن معه . كنت انتظره الى ان ينتهي مع الطبيب ثم نخرج لعمل شيء ما يحبه . بقيت معه ليلاً نهاراً للحرص على انه بخير ويتناول ادويته وهكذا تتالت الايام بينما كنت كخيال بيتر ارافقه في كل وقت .
كان بيتر يعتمد عليّ اكثر فأكثر وأصبحت تصرفاته كالطفل المدلل المتعلق بأمه . كنت اتحمل كل ذلك في سبيل ان يتحسن .و في سري سعدت بتدليله و لم ارى الامر مزعجاً.
****
مرت اشهر قليلة حتى بدأت اشعر بتغيره بالفعل . لأول مرة كنت أراه يبتسم ويضحك بكل بساطة وعلى اشياءً تافهة بعد ان كان الحصول على ابتسامته صعباً كالتنقيب عن الذهب!
كان نشاطه قد ازداد بشكل ملحوظ وأصبح يذهب الى نادٍ رياضي في الجوار وحتى انه كان قد اصبح يستمع الى الأغاني ويشاهد الافلام !
عندها أخبرته بما كان يتطلع لسماعه وهو ان بإمكانه الذهاب لرؤية ماري بشرط ان يعد بعدم انقطاعه عن اخذ دواءه مهما كلّف الامر .
****
شعرت بالغرابة  و انا أودعه في المطار . كنت قد اصبحت مقربة جداً منه في الفترة التي انقضت . و رؤيتي له يتغير للافضل ليصبح رجلاً جديداً احببته اكثر من بيتر القديم جعلني اشعر بأنني بطريقة ما، انني لا أريده ان يذهب الى ماري و كأنها كانت ستأخذه و لن تعيده للابد .
راقبت بيتر يتجه نحو طابور من المسافرين  بينما اشعر بحزن و مشاعر كثيرة ألفتها في المرحلة الاخيرة دون ان اجد لها تفسيرا . ابتعد بيتر ومعه حقائبه. فكرت في كم كان الامر ليجعلني سعيدة ان قرر فجأة ان يبقى معي ثم ابتسمت ساخرة من نفسي و استدرت لامشي مغادرة .

فجأة توقف قلبي عن النبض عندما احدهم احتضنني من الوراء بعد ان توقف فجأة عن الركض.
شعرت بأني سأفقد توازني ، و توازن قلبي المتخبط جدا في تلك المرحلة .لقد علمت بأنه كان بيتر على الفور . لكني تفاجأت من احتضانه لي .
بعد لحظات ألتفت اليه و نظرت قلقة الى وجهه احاول معرفة ان كان شيء ما قد حدث .
بيتر و هو ينظر نحوي " جايني سامحيني لكني لن اذهب الى ماري "
اتسعت عيناي في صدمة و انا احاول ان افهم ما يجري " لماذا ؟ انت تنتظر هذه اللحظة منذ اشهر !"
بيتر "  سامحيني جايني . في الحقيقة..انا وماري انفصلنا عن بَعضنا من قبل حتى ان اقابلكِ."

©ManarMohammed

مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن