19- حادثة الغرق

21.2K 1.2K 36
                                    

بعد ساعة ونصف تقريباً من البقاء بصبر مع بيتر سألت " بيتر قل لي مالذي يحدث هنا ؟"
نظر في عيني بيتر و أحسست بانه يخترقهما الى روحي مباشرة .. كان ذلك الشعور الغريب ذاته مجدداً  .
تكلم اخيراً " كيف بإمكانكِ ان تعرفي ذلك ؟!.. انتِ تعلمين انكِ صديقتي المفضلة أليس كذلك ؟"
سألته من باب الفضول " اشعر بالفخر لكن كم عدد أصدقاءك بالضبط ؟"
ضحك بيتر ضحكة مصطنعة ثم قال " انتِ حقاً تفهمينني .. ليس لدي أصدقاء كثر"
انا و قد نفذ صبري سألته مجدداً " ماذا حدث بيتر ؟"
بيتر و قد تنفس بعمق تكلم بنبرة منخفضة " والدي .. لقد رفض إعطائي اجازة .. لقد ترجيته لكنه .. رفض، انه وغد قاس القلب "
و لأول مرة ارى بيتر يمسح محرجاً دمعة خانته و تقطع قلبي . حينها فكرت لابد و انه يشتاق اليها .
انا " لمَ لا تسمع مني ؟ واجه والدك بما تريد .اشرح له حتى و ان لم يفهم . اترك كل شيء و اذهب اليها! انت لن تموت لان والدك طردك من عملك ستجد عملا آخراً .."
بيتر و قد تمالك نفسه و علت تلك النظرة الباردة عينيه " لا تقلقي بشأني سأكون بخير . سأكون بخير.. في النهاية"
كان الحديث معه محبطاً و أردت ان أشتمه و أظهر مدى يأسي منه لكني لم استطع.
بعدها رِن هاتف بيتر عدة مرات و هو اخذ يتجاهله . قرأت اسم مارك على شاشة هاتفه و عندما سألته من يكون اخبرني انه اخاه الأكبر . تساءلت لمَ لا يجيبه .بيتر أجابني بكل بساطة انه لا يريد.
ليلتها بقيت لساعات معه. لم اكن اتكلم و هو أيضاً ألتزم الصمت . كما لو كان يخبرني انه يريد ان يشعر بوجود احد بجواره عندما يكون مستاءً حتى و ان لم يتبادلا اي حوار .
ثم كسر هو بنفسه حاجز الصمت بعد ان طال
بيتر بعد ان تنهد يائساً " هل بدأتي البحث عنه؟"
كنت اعلم انه يتحدث عن كايل فأجبت بيأس انا الاخرى " ليس لدي خطة واضحة للبحث لكني أتخبط هنا و هناك علني اجده في الاخير .."
نظرت الى بيتر الذي بدى و كأنه يشعر بما احس فأكملت " يجب ان تكون سعيداً بيتر " نظر نحوي و قد شدت طريقة حديثي انتباهه.
انا " انت في حال افضل مني .. انت تعلم انها تحبك بالاضافة انت تعلم بمكانها و يمكنك الذهاب اليها متى اردت " ابتسمت بحزن.
نظر الى الأعلى وقال " اتمنى لو انني استطيع ان.. " شعر بالاحباط كما لو انه اراد قول شيء لست افهمه لكنه تراجع.

بعد دقائق وصلت رسالة هاتفيه و فتحها بيتر ليقرأها ثم اخبرني بان عليه الذهاب .
صمم يومها على إيصالي لان الوقت كان قد تأخر ليلاً فوافقت. ليلتها ودعته و انا لا اريد ذلك.
رغم الالم و اليأس فان رفقة بيتر كانت تشعرني بأني بخير واحساس كان يخبرني انني كنت اجعله يشعر بذلك ايضا وهو معي.
****

كان من المفترض و ككل مرة ان تمضي بضعة أسابيع حتى ابدأ بالتفكير في الرحيل مجدداً الى مدينة اخرى . لكن في هذه المدينة كنت قد التزمت بمساعدة بيتر و لم اكن لاغادر قبل ذلك .
بعد ايام قليلة تلقيت مكالمة من بيتر يخبرني بأن اذهب الى حفلة معه .حاولت التملص بالاعتذار كوني اكره المناسبات الاجتماعية لكنه صمم و ذكرني بوعدي له عندما ساعدني مع امي .
و هكذا انتهى بي الامر بالموافقة . و في مساء الجمعة أتى بيتر لأخذي. كنت قد ارتديت ثوباً للسهرة و قررت ان احاول الاستمتاع بوقتي . رأيت نظرة الإعجاب بما أرتديه في عيني بيتر لكنه لم يعترف بذلك .لذلك ابتسمت و أعطيته نظرة تحد و قلت "اعلم بأنك تفكر أني أبدو جميلة الليلة لكنك لا تريد ان تقولها ." ابتسم هو بخجل مما جعله يبدو لطيفا للغاية.
ما ان وصلنا حتى اكتشفت ان الحفلة ستقام على متن يخت عملاق . ذلك جعلني افكر ان تلك الليلة مشؤومة فأنا لم اكن احب الحفلات بالاضافة اني كلما كنت بقرب الماء اتوتر و اشعر بالضيق .
ظننت ان السبب هو لانني لا استطيع السباحة لذلك اكون متوجسة من الغرق كلما اقتربت من المياه .
تنفست بعمق استجمع شجاعتي و صعدت على اليخت الذي كان يبدو غاية في الجمال و يزينه الكثير من الاضواء و الورود .
تناسيت قلقي بكلامي مع من حولي و ما ان جاء بيتر إليَّ و أخذ يحدثني حتى نسيت تماماً انني قريبة من الماء. لذلك بقيت اتبعه أينما ذهب كالطفلة أبدو كالحمقاء لكني لم أكن لأبالي .
تعرفت على والد بيتر الذي كان يبدو لطيفاً و عاملني بطريقة لبقة عكس الوضع الذي تخيلته . ثم قابلت مارك اخ بيتر الأكبر و دهشت لكونه عكس اخيه تماما ، فقد كان شخصا مختلفا عما رسمت له في رأسي من صورة خيالية .
كانت شخصية مارك عكس بيتر تماماً فقد كان ذو شخصية مرحة و كان اجتماعياً وجذاباً. لكني كنت افضل بيتر بالطبع الذي رغم الانطباعات السيئة التي كان يعطيها للناس فقد كان دافئاً اكثر من اي شخص اخر عرفته ، يخبئ الشخص الجيد في داخله كما لو انه كان خائفا ان يجعله ذلك يبدو ضعيفاً.

مشيت مع بيتر في الانحاء،كنت قد بدأت اشعر بالملل . بيتر " انا اكره الحفلات كثيراً لكني لا اشعر اليوم بذلك و انتِ معي "
انا باستغراب " لقد ظننت انك ستتذمر من كوني ألحقك في كل مكان .. انا أيضاً لست شخصاً يستمتع بمثل هذه المناسبات "
بيتر و قد ابتسم " اذن لمٓ لا نخرج قليلاً الى السطح ، سيكون الجو منعشاً"
ترددت قليلاً ثم وافقته و لبسنا المعاطف ثم توجهنا الى سطح اليخت الذي لم يكن مزدحماً كما في الداخل . لكن ما ان توقفنا على حافة اليخت و رأيت الامواج تتلاطم في الأسفل حتى شعرت بالرعب و تشبثت ببيتر .
استغرب بيتر و سألني ان كنت بخير عندها أخبرته كم كنت اكره الأنهار و البحار و كل شيء يحتوي مياه كثيرة خوفاً من الغرق . فرد بيتر مستهزءاً بأنه لن يطلب مني احد ان أسبح في ذلك الجو البارد حتى اخشى من الغرق . كان يتكلم بمنطقية وفي الوقت ذاته كان تعليقه لا يخلو من السخرية الجافة، كعادته لذلك تجاهلته .
كنت بدون وعي قد غرست مخالبي بقوة في معطف بيتر متمسكة بذراعه . لم  اكن اعلم لماذا لم استطع التحكم بخوفي ليلتها.
بيتر الذي لاحظ مدى قلقي نظر الى الارض ثم رفع علبة بلاستيكية كبيرة بدت كحافظة طعام و قال لي " امسكي بهذه ريثما اذهب لإحضار سترة نجاة لكِ "
توقف عندما همّ بالابتعاد و انا صرخت بخوف اطلب منه ان لا يذهب لكنه صمم قائلاً " ستكونين بخير اعدكِ. سأعود في الحال توقفي عن الخوف و تمسكي بطوق النجاة الغريب الذي اعطيتكِ"
ابتسم و هو يبتعد مسرعاً بينما حدقت بالعلبة التي في يدي بسخرية .
لم تمر الا لحظات قليلة حتى سمعت همسات مخيفة جعلتني استنفر و بدأت افكر هل هي جزء من الاغنية التي تعزفها الفرقة ؟  اردت ان اطمئن نفسي بأني أتوهم.
( هذا ليس وهماً) قلت في نفسي و قد تجمدت في مكاني عندما شعرت بريح ثلجية تهب نحوي اقشعر بدني وشعرت بكل اجزائي تستنفر .. كان هنالك شيء ما يحوم حولي ،شيء خبيث و شرير خفي عن العين بعث في روحي خوفاً لم اخبره من قبل قط. تنفست باضطراب وكنت اسمع انفاسي تزداد صخبا و اصبح صوت ضربات قلبي تغطي على الاصوات الخارجية.
مهما حاولت النظر لم يكن هنالك احد سوى زوجين في الطرف الاخر من اليخت يديران ظهرهما لي كنت ارتعش حينها سمعت خطوات ثقيلة و سريعة نحوي مباشرة و قبل ان اتمكن حتى من الصراخ شعرت بدفعة قويةنحو الحافة  كما لو انني ارتطمت بشيء ضخم متحرك بسرعة دافعا اياي بتسارع مخيف لاجد نفسي معلقة لجزء من الثانية في الجو و قبل ان استوعب ما كان يحدث وجدت نفسي عاجزة عن فعل اي شيء سوى محاولة التمسك بالعلبة التي اعطانيها بيتر بينما كنت أهوي متوجهة نحو مياه النهر العميقة .
سريعاً كنت قد غمرت بالماء و انفلتت  من يدي العلبة البلاستيكية .
بلا حول او قوة بدأت بهدوء غريب أراقب جسدي يغوص ببطء نحو الأسفل .
حاولت بكل ما أوتيت من قوة ان احاول السباحة او حتى التحرك لكن كما لو كنّت مقيدة بسلاسل ثقيلةحول جسدي لم استطع .
©ManarMohammed


مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن