39- انسحاب

19.7K 1.1K 45
                                    

كان ذلك اليوم هو الاسوأ فى حياتى كلها. حيث لم يسبق لي من قبل ان أكون مثاراً للسخرية من قبل الجميع لأكثر من مرة و في يوم واحد .
ما جعل الامر اسوأ و زاد الطين بلة ان كل ذلك تم امام مرأى و مسمع الشخص الذى احب!
دون وعي مني غادرت المكان بأقصى سرعة ، دون قول شيء، مبتعدة عن ذلك الوضع المخزي الذي وجدت نفسى فيه. أو بالاصح وضعت نفسى فيه !
ما ان غادرت المبنى احتضنتني رياح الموسم الباردة لتعيدني الى وعيي ( كيف لي أن انسى اخذ معطفى؟ بل كيف لى ان لاادرك انى ارتدي فستاني القصير هذا! ياإلهي انى اموت برداً)

كان البرد قد تسلل الى جسدى و افقدنى الشعور باطرافي.
سريعاً و قبل ان اعي ،كنت ارتجف دون قدرة لي على السيطرة على الوضع، لذا حاولت المشي كي اشعر بالدفء و انا انتظر سيارة اجرة ترأف لحالي قبل ان اتجمد كالمثلجات.
لكن المكان لم يكن على المسار الذي تتجول فيه سيارات الاجرة عادة ، فلم اتمكن من رؤية سيارة اجرة واحدة ، مهما انتظرت.
و لم يمر وقت طويل حتى بدأت اندم على رحيلي من الفندق. حتى ان فكرة كالعودة لاخذ معطفي قد راودتني لكن كرامتي المجروحة فضلت ان اموت بما تبقى منها على ان اعود الى هناك.
اردت البكاء بشدة لكن لم اسمح لنفسى بالانهيار. فى تلك اللحظة ألتفت سترة كبيرة دافئة حولي كما لو انها ارسلت من الجنة! أحدهم وضعها حولي و كان يضمني بذراعين قويتين هادئتين من الخلف.
استدرت بسرعة خائفة ممن قد يكون ، لأجده بيتر و فوراً بدأ قلبي يتصرف بغرابة من وكأنه لايعلم كيف ينبض وحوله بيتر!
لم ينطق بيتر بكلمة طوال الوقت و كذلك انا لم افعل ، عم الصمت المكان و انا ازداد توتراً بمرور الدقائق .كل هذا بيننا لم اتوقف عن الارتجاف كورقة خريف فى مهب الريح.
حينها انقذني الحظ و مرت أخيراً سيارة الأجرة التى انتظرتها كما بدى و انه ساعات. سبقني بيتر فى ايقافها و بهدوء صعد كلينا عليها. دون ان املك ادنى فكرة لمٓ تبعني ، و في الوقت ذاته لم امانع رفقته لمزيد من الوقت بعد ، قبل ان اغادر.
لم اعرف ان السائق سأل عن الوجهة التى نريد الذهاب إليها الا عندما سمعت بيتر يعطيه عنوان شقته . عندها و كمن عاد عقله فجأة ،صححت العنوان لمكان الفندق الذى سكنت فيه بنبرة صارمة ثم ألتفت الى بيتر و قلت "
لست بحاجة لك بيتر لذلك غادر فوراً" اخبرت السائق أن يتوقف.
بيتر
"لن افعل قبل أن تخبرينى لماذا فعلتِ كل ذلك جاين؟"
كان يحطم قلبي قليلا في كل مرة ينطق بجاين و هو الذي كان يوما يدللني بجايني و هو الاسم الذي لم اسمح لاحد استخدامه سواه.. و مع ذلك فقد كان توقف عن مناداتي به و ذلك كان يشعرني بنوع من الغربة كما لو كان لا يزال بعيدا رغم جلوسه الى جواري.
استطردت الفكرة و اجبت مدعية الصرامة "انها غلطتى لانى فهمت الامر بشكل خاطئ.. لكني كنت اريد حمايتك لا-"
قاطعني بيتر " لماذا الان تهتمين بي؟ بينما كنتِ طوال الوقت الذى مضى برفقة كايل؟ لماذا عدتِ وقد قررتِ خيارك بالفعل و فضلتيه عليّ ؟؟!"
نظرت إلى بيتر بعينين ممتلئتين بالدموع و انا افكر ( لهذا كنت قاسياً معي طوال هذا الوقت ؟ انت تظن اني احب كايل و اننا معاً؟.. انا لا أصدق بيتر ! انت اهم شيء في حياتي كيف يمكنك قول ذلك؟ انا لا اعلم كيف يمكنني اخبارك .. اني احبك كما لم افعل في حياتي )

نظرت إلى عينيه و ألتقت نظراتنا لاشعر برغبة في احتضانه و البكاء .حاولت قول كل شيء لكن لا شيء خرج من فمي بينما بيتر انتظرني لاقول شيئا.

كانت لحظة الصمت الطويلة لكن في الاخير كانت قد قوطعت اخيراً بمغادرة بيتر السيارة .عندها انفجرت دموعي كفيضان بهدوء. شعرت بالألم يمزقني و يجعل تنفسي صعباً .لم يكن يفترض بكل ذلك أن يحدث .
و بدأت ألوم نفسي لاني لم اتكلم، كنت قد اضعت فرصتي للابد.
شعرت و كأنني في كابوس و ليس الواقع و بقيت انتظر أن ينتهي الحلم و اصحو.
بعيدة عن الشعور أحسست كما لو كنت مخدرة و لا يمكنني الاحساس بشيء.
بدأ الوقت يمضي كما لو انه لا يعنيني.. رفضت أن أصدق أن بيتر أصبح يعيش حياته بشكل جيد بينما كنت انا لا زلت معلقة في حبه .

و بتلك الطريقة الجافة و الباردة ،كنت قد غادرت مدينة ساينتوود مكسورة الفؤاد. وعدت إلى مسقط رأسي و الى ذراعي امي الحنونة ، كطفل صغير يبحث عن المواساة في حضن امه.
فقد كانت الوحيدة التي كان بامكانها دعمي في تلك المرحلة العصيبة التي كنت أمر فيها .
لم تسألني امي او تلح علي لاتكلم معها ، بالرغم من انها و لابد كانت قد علمت ان هنالك خطب ما . كما لو كانت تعلم أن نهاية ترحالي هو عودتي إليها بقلب مثقل.

مرت خمسة أيام منذ رحيلي من مدينة ساينتوود، خلالها لم اتوقف عن اعادة عيش تلك اللحظة التي كان يجدر بي فيها ان احكي كل شيء لبيتر .. احيانا شتمت نفسي ، و احيانا اخرى كرهتها . لكن في الاخير ما كان قد كان و كان عليٌ ان اتقبل كيف انتهينا.
لكني كنت لا ازال أشعر بأني أشتاق إلى بيتر في كل لحظة ، اشتياق دون امل .

في ذلك اليوم ، قررت والدتي أن تقوم بتغيير الجو الكئيب الذي سكن البيت منذ عودتي فقامت بعمل خيمة في حديقتنا الخلفية تماماً كما كنا نفعل و انا صغيرة، و كانت ستشعل نارا صغيرة للدفء.

حاولت الاعتراض لبرودة الطقس لكن لم يكن ذلك كفاية لإيقاف والدتي .
كنا سنشوي اللحم في العراء ثم نتسامر حتى يغلبنا النعاس و نخلد للنوم داخل خيمتنا الدافئة .
و بعد أن جرتني امي للجلوس أمامها و المشاهدة .كانت قد انتهت من تثبيت الخيمة و قالت " انهضي حبيبتي و احضري بعض الاخشاب من الشرفة بينما احضر اللحم من المطبخ"
نهضت متثاقلة امشي نحو منزلنا إلى البوابة الأمامية حيث كانت والدتي قد وضعت اكواماً من الاخشاب المقطعة .
وبينما كنت على وشك اخذ عدد من الاخشاب  بين ذراعيّ شعرت بأحدهم ورائي يقول " دعيني اساعدكِ " ألتفت خائفة ليس من كون رجل غريب كان ورائي بعد أن ظهر من العدم، بل إن ذلك الرجل لم يكن غريباً !
ذلك الصوت البارد الاجش كان مألوفاً اكثر من المفترض ..لم أرد أن ألتفت لاجد نفسي اتوهم و لا أحد ورائي .
أو أن يكون احداً اخر و ليس بيتر، لذلك و بكل غباء تجمدت و لم اجرؤ على ان ارى ورائي ،شعرت بذراعيه تنزلقان بين يديّ يساعداني لكني لم أتمكن من الصمود ولا اعلم كيف او متى خذلتني قوتي وسقطت الاخشاب من يديّ ما أن شعرت بلمسة بيتر على يدي.
ألتفت سريعاً نحوه مذعورة من ان يكون قد تأذى . أردت أن اتأكد من انه بيتر حقاً دون سواه . أردت أن ارمي المنطق و اتمسك برغبتي الشديدة في أن يكون قد قطع كل تلك المسافة من ساينتوود إلى هنا فقط ليراني..
أردت بشدة لو انه بيتر ، و كان هو بالفعل من يقف أمامي.

شعرت برغبة في البكاء و أن ارتمي بين ذراعيه .لكني اكتفيت بأن ابتسمت بسعادة كانت تغمرني حتى العمق . تقابلت عينينا للحظات و شعرت بأن الزمان قد، توقف و لم أكن امانع أن أعيش بضع سنين في تلك اللحظة.

كانت ابتسامة جميلة مرسومة على وجهه .بينما سألته " مالذي أتى بك كل هذه المسافة إلى هنا بيتر ؟؟!"

©ManarMohammed

مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن