22- انتحار اخر

20.8K 1.2K 12
                                    

كنت امام باب شقته اطرق الباب بعناد دون توقف كنت خائفة و لا اعلم ماذا يحدث لذلك قمت بتهديده . صرخت ليسمعني " بيتر ان لم تفتح الان سأفترض الأسوأ و اتصل بالإسعاف .. انا لا امزح هنا!"
بعد لحظات سمعت الباب يفتح و شعرت بالراحة ، ما ان فتح الباب اقتحمت الشقة بينما عاد بيتر ليجلس على الأريكة نظرت اليه و كان يبدو شاحباً لدرجة إخافتني واشعرتني بألم في قلبي لكن لم يكن هنالك وقت لابدو ضعيفة كان عليّ ان اكون قوية لأجل بيتر .
اقتربت منه لالاحظ علب أدوية ملقاة على الارض و قد تناثرت أقراص الدواء على الارض و اُخرى بقت على الطاولة . شعرت بقلبي يتوقف رعباً و قفزت لأجلس على الطاولة أمامه و اهز كتفيه لانه بدى مغيّباً عن الوعي بالرغم من ان عينيه كانتا مفتوحتين.
انا بصوت عالٍ " بيتر هل انت بخير ؟" لكنه لم يرد " بيتر ارجوك ! .. كم مقدار ما شربته منها؟؟" كانت دمعة قد تمكنت من الفرار مني و أسقطت قناع القوة التي كنت أرتديه .
تكلم بيتر بصوت خافت " انا رجل جبان لم استطع حتى شرب حبات سخيفة من الدواء"كانت عينيه مليئة بالدموع لكن ملامحه لا تظهر اي مشاعر . شعرت بسعادة لانه لم يتناول أية أدوية نظرت إليه بلونه الشاحب والهالات السوداء حول عينيه دليل على انه كان يعاني ولا ينام وبعد قليل من التفكير احتضنته وانا أطمأنه " كل شيء سيكون بخير بيتر . انا هنا "

كان بيتر أشبه بقطعة جليد ، بارد للغاية.لذلك نهضت لاشغل نظام التدفئة . وعدت اليه بغطاء صوفي ولففته حوله بينما جلس في مكانه بيتر وهو يبدو انه في مكان اخر .
تفقدت مطبخه لأجد بعض اكياس الحساء سريع التحضير المتبقي . لذلك أعددته وبصعوبة جد بالغة تمكنت من جعل بيتر يتناول بعضاً منه .
كان لونه لم يعد شاحباً كالسابق فشعرت ببعض الراحة . جلست بجواره بصمت . لم ارد ان اقول شيئاً وازعجه لذلك انتظرته حتى يبدأ الكلام .
مرت ساعات و الصمت يعم المكان . فقط انا و بيتر جنباً الى جنب و كل واحد منا بعيد جداً في عالمه الخاص.
شعرت برأس بيتر يسقط على كتفي . كان قد غفا اخيراً و بما انني علمت بأنه لم ينم منذ وقت طويل لم أشأ تحريكه كي لا يستيقظ و تحملت الى ما يقرب الساعتين ، كان كتفي و ذراعي يؤلماني و اشعر بالتنميل فيهما . اخيراً لم اكن استطيع ان أتحمل اكثر . ببطء أمسكت برأسه ثم نهضت و جعلت بيتر يستلقي على الأريكة .
****
كانت الساعة العاشرة ليلاً عندما استيقظ بيتر من سباته و دخل غرفته بعد ان تناول القليل من الطعام . كنت ادرك ان بيتر في حال يرثى لها و مهما حاولت لم استطع إخراجه من اكتئابه او حتى التخفيف عنه.
لم احاول اللحاق به وإزعاجه في غرفته ، فقط انتظرت في غرفة المعيشة بهدوء لا اعلم ماذا افعل لاساعده لوقت طويل . و لم اشعر بنفسي متى غصت في عالم الاحلام .
استيقظت على صوت باب يفتح وسريعاً علمت ما كان يحدث . بيتر كان يغادر المنزل و اكثر ما خشيته كان مالذي يدور في رأسه ؟ و ماذا يخطط لعمله ؟
لذلك ارتديت حذائي و اخذت معطف لي و آخر لبيتر على سبيل الحيطة و جريت خارج الشقة اتبعه .
كما توقعت بيتر كان قد غادر في صباح ديسمبر قارس البرد و هو لا يرتدي سوى قميصاً قطنيا خفيفاً. لم يكن مبالياً بحياته و هو ما إخافني اكثر .
تتبعته بصمت بينما مشى في شوارع المدينة بلا هدف . مرت نصف ساعة توقف فيها بيتر امام احدى إشارات المرور فأسرعت الى بائع متجول اشتري بعض الطعام ،ثم خطرت لي فكرة . أعطيت البائع بعض المال و بقيت أراقبه بينما توجه البائع و وضع المعطف على بيتر و اعطاه كيساً من النقانق كنت قد اشتريتها منه . سعدت لان بيتر وافق بلا مبالاة على اخذها و لم يرفض.
لاقناع البائع بالذهاب الى بيتر و إعطاءه الطعام كان قد استنفد مني طاقتي بالفعل و لم ادر ما كنت سأفعله ان لم يقبل ارتداء المعطف و قرر التجمد حتى الموت .
شكرت البائع و أسرعت باللحاق ببيتر ما ان عاد يتحرك مبتعداً من جديد. و عدنا للمشي لساعات هذه المرة !
لم ارد مقاطعته ان كانت رغبته البقاء بمفرده ،كما فعلت في المرة السابقة و اكتفيت باتباعه بصمت .

انتهى بِنَا الامر في حديقة عامة و النَّاس مع عائلاتهم فقد كان ذلك اليوم عطلة نهاية الاسبوع . تمنيت لو اني استطيع فهم بيتر و ماذا كان يفكر ليتوقف و يجلس هناك .
بقيت اراقبه مختبئة على مسافة غير بعيدة منه بينما بيتر كان بوجهه الخال من الملامح ينظر الى مكان واحد مهما مر من الوقت .
بعد ساعتين تقريباً بدأ بتناول ما في الكيس من نقانق. شعرت بالراحة و هناك سمعت بطني تعترض لقد كنت جائعة أيضاً. لذلك ذهبت لشراء بعض الطعام من استراحة الحديقة و عيني لم تفارق بيتر للحظة خوفاً من ان أفقده .
بعدها استلقى بيتر على الارض المليئة بالعشب و انا بقيت اشاهده من وراء شجرة قريبة منه و انا غارقة في التفكير عندما تكلم احدهم من ورائي و ألتفت لرؤيته "اذا كنتِ تحبينه لمٓ لا تذهبي و تخبرينه بدلاً من مراقبته كالمترصدة!"
كان مضحكاً ما قاله ذلك الولد الذي كان يمسك بيده كرة مطاطية .لم يكن يتجاوز الثالثة عشر و مع ذلك فقد وقف بثقة ليعظني كان ذلك ظريفاً و مضحكاً لولا انه فهم الوضع بشكل خاطىء .
انا " انا لا احبه انه فقط صديقي و انا احاول الاطمئنان عليه "
نظر إليَّ بعيون الريبة ثم قال و هو يمشي مبتعداً " مهما يكن "
عدت بنظري الى بيتر الذي كان قد أغلق عينيه بهدوء مستلق هناك امامي . فكرت ( الحب مهم في حياتنا .. اعتقد انه مهم كثيراً لبيتر لذلك هو لم يستطع تناول أقراص الدواء و انهاء حياته . لانه يحب ماري ،و لا يريد ان يكون مصدر حزنها او ألمها.. يجب ان اجد طريقة مناسبة ليقتنع بالذهاب إليها.
*****
كانت الساعة تعدت الخامسة و نحن لا نزال في الحديقة كنت قد بدأت اشعر بالملل حتى شد انتباهي تعثر احد الاطفال و الذي كان يلعب مع والده و سقوطه المؤلم أرضاً .ما ان تمكن الأب من اسكات ولده وأخذه الى المكان الذي جلست فيه أمه ،عدت بنظري الى بيتر كان قد اختفى !!
كانت الشمس على وشك الغروب و أدركت ان امامي وقت قصير لأَجْدَه ، توقف قلبي من شدة الذعر للحظات ثم انطلقت اجري كالتائهة  .
لحسن الحظ كنت قد احضرت لبيتر معطفاً ابيضاً كنت قد اخترته له بنفسي و سبب شرائي له كان اعجابي بأن فيه خيوطاً فسفورية جعله منيراً و مرئياً ما ان وقع نظري عليه .
جريت لألحق ببيتر لانه كان قد ابتعد عني و شكرت في داخلي الله كثيراً . توجه بيتر الى المجمع التجاري الأضخم في المدينة تتبعته بصمت و انا اتساءل لماذا شخص بحالة بيتر النفسية قد يدخل مجمعاً تجارياً لا يعقل انه يفكر بالتسوق ؟! الى ان دخل مصعداً خالياً وشعرت بأن شيئاً ما لا يبدو صحيحاً .
نظر إلي مباشرة كما لو كان يعلم اني اتبعه واغلق باب المصعد رغم اخباري له ان ينتظر تجمدت امام المصعد أراقب أين سيتوقف المصعد وأسوأ شكوكي انه متوجه نحو السطح لينهي حياته لكني لم ارد التصديق . توقف المصعد في ادوار عدة لكنه ظل يتجه نحو الدور الاخير . لم انتظر اكثر ودخلت اول مصعد يفتح بابه ويداي تتصببان عرقاً كنت خائفة من ان أصل متأخرة .
تركت المصعد و توجهت نحو باب السطح الذي كان قد فتحه بيتر بالفعل و شعرت بغثيان في داخلي وانا اتذكر المرة الماضية . خرجت الى سطح المبنى لأرى ان بيتر كان لا يزال في طريقة الى احد الحواف .
انا بغضب " هل ظننت انني سأتركك حقاً؟؟"

©ManarMohammed

مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن