22- لَنْ يَتَحمَلُها أَحَد.

5.5K 471 87
                                    

سقط خبر وفاتها عليه كالصاعقة، رمق مريم بملامحٍ ترفض تصديق ما تقوله وظهر ذلك عليه عندما هزَّ رأسه نافيًا، ربتت على يديه بمواساة وتعجبت وهيَّ تراه يقف سريعًا وهرول راكضًا نحو الخارج.

ركضت بخطواتٍ سريعة خلفه واوقفتها والدتها تستفسر بتعجب:-
"مالك يا مريم بتجري كدا ليه؟ عمر ماله؟ أتخانقتوا تاني؟!"

نظرت لها مريم تهمس بحزنٍ:-
"خالتو ماتت."

ضربت والدتها كفٍ على كفٍ وهي تقول:-
"لا حول ولا قوة إلا بالله، الله يرحمها يابنتي.. خالتك ميتة من أكتر من عشرين سنة!"

هزت مريم رأسها نافية واحكمت حجابها الخاص برداء الصلاة وهي تشرح لها الوضع بأختصار ولم تمهلها الفرصة بالتحدث فتركتها في صدمة حائرة من أمرها وهيَّ تغادر لاحقة بعمر الذي كان سعلى وشك المغادرة بالسيارة فأوقفته تقول بنبرة مرتفعة:-
"عمر أهدى مينفعش كدا، تعالي نشوف تاكسي أنتَ مش هتقدر تسوق!"

لا تدري من أين جاءت لها القدرة على الصمود والتحدث بتلك النبرة بعد الخبر الذي سمعته، تُدرك أنها يجب عليها القوة الآن فالوضع لا يسمح بالإنهيار وحالة عمر تجبرها على الهدوء قليلًا حتى وإن كان بداخلها عكس ذلك.

كان سيذهب بالسيارة ولم يستمع لحديثها فقد كان يشعر كأنه في عالمٍ آخر، اوقفته ثانية وفي تلك المرة ركبت بجواره وأنطلق الآخر بالسيارة مسرعًا غير عابئًا بما تقوله مريم من عبارات تحاول جعله يقود بهدوءٍ.

أثناء طريقهم هاتفت يونس، الشخص الأول الذي خطر ببالها وشعرت بحاجتها له.. أخبرته بما حدث وبأنها ذاهبة الآن للمشفى وأخبرها هو أنه في الطريق إليها.

وصل عُمر للمشفى في وقتٍ قياسي، ترجل راكضًا للداخل لحجرة والدته الذي حفظ مكانها، بأعين فاضت بالدمع وقف بقدمين لا تقوى على حمله.. وقف أمام باب الغرفة فلم يجدها، روى الطبيب على مقربة منه فتوجه ناحيته يسأله بنبرة مرتعشة:-
"هيَّ فين؟ ليه مش في أوضتها؟"

"حضرتك عُمر سالم، مش كدا؟" قالها الطبيب بنبرة هادئة فهز عمر رأسه سريعًا، جاءت مريم من الخلف ووقفت بجوار عُمر الذي ربت الطبيب على زراعه قائلًا:-
"البقية في حياتك."

"هيَّ.. هيَّ فين؟ عايز أشوفها." قالها عُمر بنبرة مازالت لا تستوعب ما يحدث، نظر له الطبيب بحزنٍ وأومأ يصطحبه للغرفة التي بها والدته ودقائق وكان عُمر يقف بجوار مريم على أعتاب غرفة ذات ضوءٍ خافت، لمحت عيناه والدته النائمة والتي أشار عليها الطبيب وغادر يتركه معها لبضع دقائق.

سار بقدمين ثقيلتين، ساندته مريم حتى وقف أمام والدته التي غُطِي وجهها بملائة بيضاء أزاحها هو بيدٍ ترتجف وسرعان ما رأي وجهها..

عيناها التي أغلقت وملامحها الهادئة وبشرتها الشاحبة بعض الشيء، ارتفعت دقات قلبه وتساقطت الدموع في عينيه وبدأ يدرك أنها توفت حقًا، كان ينكر تركها له وحيدًا حتى رآها أمامه الآن وكذلك كانت مريم التي وقفت تضع يديها على فمها تبكِ هيَّ الأخرى بعدم إستيعاب.

يا سُكَّرِي الأَسْمَر.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن