رﺃﻯ ﺍﻹﻣﺎﻡ (ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ)
ﻓﻰ ﻣﻨﺎﻣﻪ ﺭﺅﻳﺎ عجيبة، ﻓﻘﺪ ﺭﺃﻯ ﺧﻨﺰﻳﺮًﺍ ﻳﻨﺤﺖ ﻓﻰ ﺷﺠﺮﺓ، ﻭﻛﺎﺩ ﺃﻥ ﻳُﺴﻘﻄﻬﺎ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﺗﻰ ﻓﺮﻉ ﺻﻐﻴﺮ منها، ﻓﻀﺮب الخنزير، ﻓﺘﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻋﺒﺪٍ ﺻﺎﻟﺢٍ ، ﺟﻠﺲ ﻳﻌﺒﺪ ﺍﻟﻠّﻪ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ.
ﻓﻠﻤّﺎ ﺍﺳﺘﻴﻘﻆ (ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ) ﺫﻫﺐ ﻣﺴﺮﻋًﺎ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺨﻪ (ﺣﻤّﺎﺩ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ)؛ ليفسّر ﻟﻪ ﻣﺎ ﺭﺁﻩ ﻓﻰ ﻣﻨﺎﻣﻪ -وﻛﺎﻥ عُمْر (ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ) ﻓﻰ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮة- فوﺟﺪ شيخه ﻳﻌﻠﻮﻩ ﺍﻟﻬﻢّ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ، فنسيَ ﺃﻣﺮ ﺭﺅﻳﺎﻩ، ﻭسأل ﺷﻴﺨﻪ: ﻣﺎﺫﺍ ﺣﺪﺙ، فأنا ﺃﺭﺍﻙ ﻣﻬﻤﻮﻣﺎ؟!
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻟﻘﺪ ﺃﺭﺳﻞ ﺇليَّ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﻳُﺮﻳﺪﻧﻰ ﺃﻥ ﺃﺟﺎﺩﻝَ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ، ﺍﻟﺬﻳﻦ لا ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻟﻠّﻪ، ﻭﺇﻧّﻪ -ﻭﺍﻟﻠﻪ- ﻷﻣﺮٌ ﺟﻠﻞ؛ ﻓﻨﺤﻦ ﻻ ﻧﻌﺮﻑ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﺬّﺍﺕ ﺍلإلهية ﺣﺘﻰ ﻧﺠﺎﺩﻝ ﻓﻴﻬﺎ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ حنيفة: ﺩﻋﻨﻰ ﺃﺫﻫﺐ ﻣﻜﺎﻧﻚ ﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺘﻬﻢ؛
ﻓﺈﻥ ﺣﺠﺠﺘُﻬﻢ فكيف إن حججُهم ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻭﺇﻥ حاجوﻧﻰ ﻓﻤﺎ ﺃﻧﺎ ﺇﻻ ﺗﻠﻤﻴﺬ ﺻﻐﻴﺮ.
ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ ﺷﻴﺨﻪ: ﺍﺫﻫﺐ ﻋﻠﻰ ﺑﺮﻛﺔ ﺍللّه.
ﻓﺬﻫﺐ ﺍﻹﻣﺎﻡ (ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ) ﺇﻟﻰ ﻗﺼﺮ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﻓﻮﺟﺪ ﻗﻮمًا ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ، ﻓﻘﺎﻝ :
ﺍﻟﺴّﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠّﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ.
فردّ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ ﺍﻟﺴّﻼﻡ، وقال: أين ﺷﻴﺨُﻚ (ﺣﻤّﺎﺩ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ) ﻟﻘﺪ ﺃﺭﺳﻠﺖ ﻓﻰ ﻃﻠﺒﻪ؟!
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ: ﻟﻘﺪ ﺃﺭﺳﻠﻨﻰ ﺷﻴﺨﻰ ﻷُﻣﺜِّﻠﻪ.
وطلب (ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ) من الملحدين ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻟﻮﻩ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺭﺟﻞ منهم: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ، ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻟﻢ ﻳﺤﻀﺮ ﺷﻴﺨﻚ؟
ﺃﻟﻴﺲَ لدﻳﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻟﻴﺤﺎﺟﺠﻨﺎ؟
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﻨﻴﻔﺔ: ﺇﻥّ ﺷﻴﺨﻰ ﻫﻮ ﺷﺠﺮﺓ، ﺗُﺜﻤﺮ ﻋﻠﻤًﺎ، ﻭﻟﻜﻨﻜﻢ ﻟﺴﺘُﻢ ﺃهلًا ﻷﻥ ﺗﺠﻠﺴﻮﺍ معه.
ثمّ ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﻤﺠﺎﺩﻟﺔ ﺑﺴﺆﺍﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ:
ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻫﻞ ﺭﺃﻳﺖَ ﺭﺑَّﻚ؟
فقال: ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺭﺑﻰ! ﻻ ﺗُﺪﺭﻛﻪ ﺍﻷﺑﺼﺎﺭ، ﻭﻫﻮ ﻳﺪﺭﻙ ﺍﻷﺑﺼﺎﺭ.
فقال رئيس الملحدين: نحن ﻻ ﻧﺆﻣﻦُ ﺑﻤﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻧﺤﻦ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻄّﺒﻴﻌﺔ، ﻓﺄتِ ﻟﻨﺎ ﺑﻤﺜﺎﻝ منها.
فقال ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ: ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺘُﻢ ﺟﻠﻮﺳًﺎ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻞ، ﺣﻀﺮﺗﻪ ﺳﻜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻮﺕ، ثمّ مات ﺍﻟﺮﺟﻞ، فماﺫﺍ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻨﻪ؟
ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﺗﺨﺮﺝ ﺭﻭﺣﻪ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ: ﻓﻬﻞ ﺗﺮﻭﻧﻬﺎ عندما تخرج؟
ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻻ
ﻗﺎﻝ: إذا كنتُم لا ترون ﺍﻟﺮّﻭﺡ التي ﺧﻠﻘﻬﺎ ﺍﻟﻠّﻪ، ﻓﻜﻴﻒ ﺗﺮﻭﻥ خالقها؟!
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻃﻐﺖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺤﺠّﺔ؛ ﻭﻟﻜﻨّﻬﻢ ﺃﺭﺍﺩﻭﺍ ﺃﻥ ﻳﺘﺪﺍﺭﻛﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ، ﻓﺴﺄﻟﻮﻩ ﺳﺆالًا ﺁﺧﺮ: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﻓﻰ ﺃي ﺍﺗّﺠﺎﻩ ﻳﺘّﺠﻪ ﺭﺑُّﻚ؟
ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ:
"ﺃﻳﻨَﻤَﺎ ﺗﻮﻟُّﻮﺍ ﻓﺜﻢَّ ﻭﺟﻪُ ﺍﻟﻠّﻪِ" .
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻭﻥ:
ﻧﺤﻦ ﻻ ﻧﺆﻣﻦ ﺑﺎﻟﻘﺮﺁﻥ، آتنا ﺑﻤﺜﺎﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ.
ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ: ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺘُﻢ ﻓﻰ ﻏﺮﻓﺔ ﻣﻈﻠﻤﺔ، ﻭﺃضأتُم ﻣﺼﺒﺎﺣًﺎ، ﻓﻔﻰ ﺃﻯّ ﺍﺗّﺠﺎﻩ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨّﻮﺭ؟
ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨّﻮﺭ ﻓﻰ ﻛﻞّ الاﺗّﺠﺎﻫﺎﺕ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ: ﻫﻜﺬﺍ ﺭﺑّﻰ ﻳﻜﻮﻥ؛ ﻓﻬﻮ ﻧﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭ.
ﻭﺃﺧﺬﻭﺍ ﻳﺴﺄﻟﻮﻥ ﺍﻹﻣﺎﻡ (ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ) ﻭﻳﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺤﺠﺞ، ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻠﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺳﺆﺍﻟﻬﻢ ﺍﻷﺧﻴﺮ: ﺗﻘﻮﻟﻮﻥ ﻓﻰ ﺩﻳﻨﻜﻢ إﻥّ ﺍﻟﺠﺎﻥ ﻗﺪ ﺧُﻠﻖَ ﻣﻦ ﺍﻟﻨّﺎﺭ، ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﺬبه ﺍﻟﻠّﻪ ﻓﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ؟
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ: إﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻳﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﺇﻳﻀﺎﺡ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ، ثمّ انحنى ﻭﺍﻟﺘﻘﻂ ﻗﺎلبًا ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺿﺮﺏ ﺑﻪ ﺭﺃﺱ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ.
ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﺔ: ﻣﺎﺫﺍ ﺗﻔﻌﻞ ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ؟!
ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ: ﺇﻥّ ﻫﺬﺍ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﺜﺎﻝ ﻟﻺﻳﻀﺎﺡ؛ ﻓﺈﻥّ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺎﻟﺐ ﻗﺪ صُنع ﻣﻦ ﻃﻴﻦ، ﻓﺎﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻋُﺬّﺏَ ﺍﻟﻄﻴﻦُ ﺑﺎﻟﻄﻴﻦ، ﻛﺬﻟﻚ ﻳُﻌﺬّﺏ ﺍﻟﻠّﻪ -تعالى- ﺍﻟﻨّﺎﺭ ﺑﺎﻟﻨّﺎﺭ.
فأﻋﺠﺐ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﻣﻦ ﻓﺼﺎﺣﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻭﻋﻠﻤﻪ، ﻭﺗﻮﺟّﻪ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ ﺇليه ﻗﺎئلًا: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺣﻨﻴﻔﺔ، ﺩُﻟﻨّﻰ ﻋﻠﻰ ﺷﻴﺨﻚ؛ ﻷﻛﻮﻥ ﺗﻠﻤﻴﺬًﺍ ﺗﺤﺖ ﻗﺪﻣﻴﻪ!ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻋﻠِﻢَ (أﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ) ﺗﺄﻭﻳﻞ ﺭﺅﻳﺎﻩ، ﺍﻟﺘﻰ ﺭﺁﻫﺎ ﻓﻰ ﻣﻨﺎﻣﻪ. (ﻓﺎﻟﺨﻨﺰﻳﺮ) 🐷ﻫﻮ ﺭﺃﺱ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ،
ﻭ(ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ)🌴 ﻫﻰ ﺷﺠﺮﺓ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻭﻫﻰ (ﺷﻴﺨﻪ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺎﻥ)، ﺃﻣّﺎ (ﺍﻟﻔﺮﻉ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ)🌱 ﻓﻬﻮ (أﺑﻮﺣﻨﻴﻔﺔ) ، ﺍﻟﺬﻯ ﺣﺎﺟﺞ ﺍﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ، ﻭﺟﻌﻠﻬﻢ ﺗﻼﻣﻴﺬًا ﻋﻨﺪ شيخه.