بارت 1

18.5K 478 272
                                    

كيف يمكن للآخرين وأد الأحلام ؟ أحقاً يُمكن للحياة سلبنا كل شيء !؟ آمالنا و أحلامنا بلحظة واحدة ما كانت لتخطر على عقل أي منا !

قد لا يتمكن البعض من تصديق ذلك فكم من شخص عاش حياته بأمان يكذب ذلك الإنقلاب السريع بالحال وفجأة وجد نفسه غارق ببحر من الظلام الدامس بلا قاع ، حينها فقط هو سيندم على كل لحظة سخر منها من تلك المُعتقدات ، سيعلم و يؤمن وقتها أن لا شيء بهذه الحياة ثابت ، لا الألم و لا السعادة !

*

عدة طرقات من مطرقة القاضي أجبرت جميع من بالمحكمة على الصمت بأجواء مُغلفة بجبروت القلق و الخوف ، و ما أفظعها من لحظات تُضعف حتى قلوب أشد الرجال فكيف لو كانت هذه المطرقة و صاحبها على وشك تحديد مصير طفلان بالعاشرة من العُمر ؟ مسألة مؤلمة و قضية لم يحسب أي شخص ممن شهدها على أنه سيأتي يوم ما و يروا ذلك حقاً بل هي هدية إعتيادية من الأيام التي قلبت موازين سعادتهم و أغرقتهم بالألم .

كلاهما وقفا خلف الزنزانة الصغيرة بإنتظار حكم القاضي بأمرهما بمشاعر متفاوتة ، أحدهما كان يحدق بالقاضي بإنكسار و ألم بينما دموعه تهدد بالتحرر القريب أما الآخر فقد كان يحدق بكل ما حوله بإستياء شديد و شيء من الحقد و إن لم تتمكن عيناه من كتم الرعب الذي يتجرعه !

حدق القاضي بالأدلة أمامه وهو ينطق بحزم مُغمضاً عيناه :" لقد تم الحكم على المذنبين بجريمة القتل غير متعمد بالسجن لخمس سنوات بسجن الأحداث "

أنهى عبارته ليطرق مجدداً مُنهياً تلك الجلسة المشؤومة ، بينما إتسعت عينا الصغيران بخوف و ألم وهما يريان أنه ما عاد لهم أي أمل أو سند حقاً فما كان منهما سوى الإنقياد خلف الشرطة للعودة لزنزانتهما إستعداداً لنقلهما لسجن الأحداث الذي سيقضيان به فترة طفولتهما و التي حكم عليها بالإعدام قبل أن تُزهر حتى !

****

رفع حقيبته يضعها على ظهره بعشوائية شديدة وهو يتأمل حركة الأشخاص من حوله بشيء من البرود بينما يرن صوت مُضيفة الطيران بأذنه وهي تشكرهم على إختيار هذه الرحلة ، تثائب قليلاً قبل أن يحرك جسده بهدوء و من ثم يلتفت بعيناه ذات اللون العسلي النقي لرفيق طفولته و حياته :" ألم تجد حقيبتك بعد ليو ؟ أترغب حقاً بأن أتركك خلفي ؟ "

عبس رفيقه وقد عثر على ضالته أخيراً قبل أن يوجه أنظاره لصديقه وهو يتحدث بإستياء طفولي :" أأنت جاد ؟ أتستطيع فعلها حتى ؟ "

صمت قليلاً قبل أن يُردف بيأس :" أهكذا تخاطب رفيق دربك آلفين ؟! ناكر للجميل حقاً "

تململ آلفين منه وهو يعيد ترتيب خُصلات شعره الداكنة للخلف راداً على صديقه بتهكم :" لا تغتر كثيراً بنفسك حتى لا يحدث لك مكروه ما "

شهق رفيقه بفزع وهو يتمتم بضيق :" فظيع ! فقط كيف قضيت حياتي معك ؟ "

نظر له من طرف عينه بشيء من السخرية ليسير للأمام خارجاً من المطار ، هو فقط وقف يحدق بالشوارع ، لا يدرك حقاً سبب عودته لهذه المدينة كما لم يتوقع أن يكون الهواء هُنا خانقاً لهذه الدرجة المؤلمة !

حطام خلفته الذكريات حيث تعيش القصص. اكتشف الآن