جلس بالقرب من النافذة يحدق للخارج بشرود شديد , قلبه لم تهدأ نبضاته بعد و هو يرى بأنها لن تفعل قط , لازال راغباً بالبكاء بالرغم من أنه فعلها و كثيراً جداً لاسيما بالنسبة لشخصية تميل إلى كتمان و سجن كُل ما يؤذيها بأعماق قلبه حيث لا يسمح لتلك المشاعر بالخروج و رؤية السطح مُطلقاً , لكن ما يمر به الآن هي ظروف غير إعتيادية , مشاعر لا يرغب بتجربة تذوقها مُجدداً أبداً , وجهه لازال شاحباً و بقوة , هو يشعر بأنه مرهق من كل شيء بهذا العالم حتى نفسه !
نظر للخلف ما إن شعر بحركة ما تحديداً بالقرب من ذلك السرير الطبي حيث يقبع توأمه و أسرته الوحيدة , الشخص الذي تمكن بجدارة من تحطيمه و ثقته بنفسه بفعلته تلك , هو و منذ تلك اللحظة يبحث بذكرياته عن مواقف أخطئ هو بها لتقود توأمه للإنتحار , كلمات ذاك اللعين الذي يفترض أن يكون والدهما لازالت ترن بأُذنه محطمة إياه أكثر فأكثر .
الآخر و الذي استيقظ تواً أراد رفع يده بحركة عفوية عله يمحو أثار النعاس بهما إلا أن تلك اليد تجمدت عندما مُقلتيه أبصرتا تلك الضمادة حول معصمه !
هو بدى و كأنه استعاد ذاكرته تواً فسكنت حركته تماماً مُتأملاً نتيجة ما فعله ، عقله كان متوقفاً عن التفكير تماماً هو كان يحدق بها بشرود شديد ، لا يعلم كيف يشعر الآن سوى أن دقات قلبه تتزايد ، هو فشل ؟! عندما إستيقظ أول مرة مُطالباً برؤية توأمه لم يكن يذكر أي شيء سوى تلك المهمة فصرخ مُطالباً بتواجده الآن بإنهيار شديد .
وما فكر به تالياً مع ابتسامة شبه ساخرة بأنه أخفق حتى بالموت أم أن الموت يرفضه أيضاً ؟! و لكن شقيقه لم يفعلها بالنهاية ، ربما دائماً يمكنه تكرار ما فعله بالسابق و بهذا لن يقتل أبداً لكن ماذا لو لم يحدث هذا !؟ ماذا لو ضغطوا عليه أكثر بالمرة القادمة ؟ أو حتى سلبوا حياته منه بسبب فشله ؟
الرعب إحتل تقاسيم وجهه لعدة ثوان قبل أن يُظهر على ملامحه نظرة حملت الكثير من الألم و الاستياء وجهها نحو معصمه كأنه يعاتبه على إخفاقه ، الآن كل ما نجح بفعله هو زيادة مشاكل توأمه واحدة بدلاً من إزالتها للأبد .
هنري راقب كل تقلبات وجهه ، علم أن شقيقه ليس نادماً و لو بدرجة واحدة و هذا جعله يعض على شفتيه بقوة بينما قطعت قدماه المسافة الفاصلة بينهما بسرعة ، وجهه عكس أدق معاني الألم ، الانكسار و الذبول !
أمسك بمعصم أخاه يُحيل بين الضمادات و مُقلتي توأمه بينما ينطق بنبرة بذل الكثير من الجهد حقاً ليجعلها هادئة بعيدة عن كل عواصف روحه :" كيف تشعر الآن هاري ؟ "
هاري كاد يشهق بالفعل ما إن وضعت يد شقيقه على معصمه ، هو لم يلاحظ أنه معه بذات الغرفة حتى ، فقط ثوان قليلة و سحب يده برفق من يد توأمه و هو ينطق بصوت لم يخلو من التعب بعد :" أنا مازلت بخير كما ترى للآن ! "

أنت تقرأ
حطام خلفته الذكريات
Aventuraالأمس ما عاد سوى ذكرى تُرتسم بصفحة بالية بخزائن العقل , ذكريات ما حملت بطياتها سوى كوابيس أبت التخلي عن أصحابها ... غمرت قلوب بعضهم بمُستنقع اليأس الكريه ... هي كصندوق قديم مليء برسومات لصور باهتة رمادية مُمزقة لتثُير بصاحبها مشاعر ما كان بحاجة لها...