نسمات الهواء اللطيفة بعثرت شعر كلاهما بينما يسيران بتلك الطرقات بملامح مُختلفة أظهرت كما لو أن أحدهما هو الجليد ببرودته و الآخر كما المياه الجارية التي تسير بكل إنسياب و بساطة ! لكن أوليس الجليد و الماء وجهان لعُملة واحدة ؟!
تلك العينان الزرقاوتان لم تتخاذلا و لو للحظة من إظهار تلك النظرة الباردة عليهما و ملامحه رسمت الضجر و عدم الرضى عليها بدقة و بلا تردد , لكن أليس هذا حقه بالفعل ؟ لم يرغب بأن يُدرب أي أحد فكيف بجعل أحدهم يلاصقه طوال الوقت بل و يقضي معه الوقت بمنزله ؟
بالمكان الذي جمعه و توأمه فقط ؟ لا يعلم لما لكنه وجد بالأمر نوع من الخيانة وربما هذا ما زاد حدة تصرفاته مع الفتى الذي يسير خلفه يحدق بظهره بهدوء , بالبداية هو قرر إتخاذ الصمت عنواناً له لئلا يُزعج من أمامه و عسليتاه كانت تتأملان الطريق و ابتسامة مرسومة على شفتيه ! هو حقاً مُتحمس لكل شيء !
و ربما حماسه ذاك هو ما جعله يتخلى عن قراره السابق بالإحتفاظ بصمته , لذا سمح لنفسه بالتقدم و الوقف أمام هنري الذي رمقه بكل برود و حدة و كأنه يهدده و الشاب تجاهل تلك النظرات ينطق بمرح :" أنا معك منذ يومين و أنت ببساطة تجاهلتني لكن لا تهتم بأي حال إسمي هو أبيل ! و أنا بال..."
قطاعه صوت هنري البارد مع تحركه ليسبقه مُجدداً دون أن يلتف حتى مُجيباً إياه بلا أدنى إهتمام :" لست مُهتماً بمن تكون حقاً , أكمل تدريبك و لا تسمح لي برؤية وجهك "
و هذا أثار حفيظة أبيل الذي حدق به بعينان مُتسعة قبل أن يخرج لسانه كطفل دون أن يراه هنري ليبدأ بالسير و هو يتمتم بالعديد من الكلمات المُتذمرة , حقاً أليس من الفظيع أن يقاطعه فجأة هكذا ؟!
و هنري لم يكن ليقبل أساساً بإقتراب أحد منه فكيف بشخص يرى أنه كغيره سعيد بإنضمامه للعصابة التي تسلبه تدريجياً كل ما يتمناه ؟! هو سيكمل بكل تأكيد تدريبه لكنه سيسرع بذلك للتخلص منه , ليس سوى ثقل إضافي يزيد حدة مزاجه سوءاً كما أنه قلق بحق على مشاعر توأمه إن علم بأمر كهذا .
و ذلك الحوار القصير و التفكير به من قِبل كلاهما قتل شعورهما بطول الطريق و الوقت حيث وجدوا أنفسهم بذاك المكان المدعو بالمقر , و كما المرة السابقة ظهر ذات الشخص الذي أراد أخذ أبيل لتدريبه يعترض طريقهما ناطقاً بسخرية :" إذاً ماذا علمت الفتى خلال يومان ؟ أقمت بتحويله لفاشل آخر ؟ و كأن هذا ما نحتاجه بهذه العصابة ! "
رد آخر من فوره بذات تهكم الأول :" تخيل سنصبح بإثنان بدلاً من واحد ! "
ثم بدأ كلاهما بالضحك , تجاوزهم هنري ببرود تام غير آبه بكلماتهم أو ضحكاتهم القذرة , و أبيل حدق بهم بنوع من الإنزعاج فهم بحق صاخبون أكثر مما يجب !
حركة هنري و تجاهله لهم جعلت الأول يغضب بحق من وقاحة هذا الطفل و الذي للآن لا يفهم ما هي أهميته و كيف له أن يكون بهذا الغرور و هو ليس إلا حشرة ربما ؟ لذا تقدم و بنيته لكم من أمامه بقوة لكن الأصغر تمكن من تفاديها ببراعة يحدق به بسخرية مُبطنة ليتجاهله مُجدداً !

أنت تقرأ
حطام خلفته الذكريات
Aventuraالأمس ما عاد سوى ذكرى تُرتسم بصفحة بالية بخزائن العقل , ذكريات ما حملت بطياتها سوى كوابيس أبت التخلي عن أصحابها ... غمرت قلوب بعضهم بمُستنقع اليأس الكريه ... هي كصندوق قديم مليء برسومات لصور باهتة رمادية مُمزقة لتثُير بصاحبها مشاعر ما كان بحاجة لها...