الفصل الخامس عشر

10.1K 194 1
                                    

وقفت عشق تنتظر دورها  ركوب الميكروباص  و لم تسلم من نظرات الفضوليين او معاكسات  بعض الواقفين من حولها فقد كانت تبدو  جميله مختلفه عن ما حولها على الرغم من الضعف و الشحوب الظاهر عليها   كانت  قد أمضت اليومين السابقين  فى شقه الحاجه فاطمه حتى تختفى بعض اثار الضرب الظاهره على وجهها و تستعيد جزء من صحتها حاولت الحاجه فاطمه و هدى العنايه بها و التهوين عليها بشتى الطرق فهم يعلمون ما تعانيه خصوصا عندما انطلقت الزغاريد من المنزل المجاور لتعلن عن خطوبه  شهد و عمر و التى قاطعها كل من  ابوه و امه و كل  أفراد الاسره تضامنا معها و لكنها و على الرغم من امتنانها لهم جميعا الا انها كانت تشعر بطعنه و جرح فى قلبها و كرامتها لا يمكن  ان يختفًى ببساطه طلت يومها صامته لم تنطق بكلمه او تنزل لها دمعه واحده من عينيها و كانما اختارت ان يبكى قلبها و لكن فى صمت  و فى اليوم الثالث قررت انه قد حان الوقت للرحيل فهى تخشى ان تخبرهم امينه بحملها و هى لن تستطيع مواجهتهم  جميعا فى تلك الظروف   .
خرجت فى الصباح و قبل ان يستيقظ الجميع بعد ان ألقت عليهم نظره مودعه وخصوصا هدى التى تحبها و تعتبرها اخت لها كانت اثار الضرب على وجهها قد اختفى معظمها و لم يبقى الا القليل و التى اخفته ببعض المساحيق و بنظاره كبيره سوداء صعدت الى شقتها كان عمر قد ترك المنزل منذ تلك الليله التى طرده فيها ابوه ليقيم فى احد الشقق المفروشه القريبة من المكان  علمت ذلك من حديثهم الهامس عنه و الذى جاهد الجميع فى إخفاءه عنها  جمعت بعض ملابسها فى حقيبه صغيره   فتحت حقيبه يدها لتحصى  ما معها من نقود  لم يكن معها ما يكفى لتقيم فى احد الفنادق  تنهدت و هى تنظر الى بطاقتها البنكيه ترى هل ترك عمر لها فيها بعض النقود و لكنها كانت تعلم انها واهمه حتى كل مشغولاتهم الذهبيه فقد تركتها فى خزينه البنك و التى يستطيع عمر الدخول اليها و الحصول على ما فيها عمر حبيب القلب الخائن معشوقها الذى زهد حبها و باعها بارخص ثمن تنهدت و هى تُمسح دموعها و تقسم  لنفسها انها ستكون  اخر مره تبكى فيها و انها ستكون أقوى من ذلك و لن تسمح له او للظروف  ان تكسرها .
اخرجت بعض الحلى و سلسله ذهبيه صغيره من علبه موضوعه أمامها نظرت لها بأسف فقد كانت تلك السلسله عزيزه عليها لاتفارق رقبتها رغم كل ما تمتلك فقد كانت الذكرى الوحيده الباقيه لها من امها و لذلك فهى لم تضعها فى البنك مع باقى مقتنياتها  اغمضت  عينيها و تنهدت  و هى تضعها فى حقيبتها و تغلق عليها بأحكام فهذا كل ما تبقى لديها مع بضعه جنيهات قليله  و عليها ان تحافظ عليهم جيدا فهى لا تعلم الظروف .
مدت يدها لتغلق الباب و تنزل بهدوء لتخرج من باب المنزل الى الطريق .كانت تنظر الى ما حولها فى دهشه طفل يتعرف على الحياه من جديد لاول مره  فهى لم تعتد الخروج و السير فى هذا المكان المزدحم كانت تخرج مع عمر بالسيارة او يقوم بتوصيلها الى باب المنزل و لكنها اول مره تسير فيها على قدميها فى هذا المكان كانت خائفه و خصوصا ان بعض من حولها كانوا ينظرون اليها فى فضول  ظلت تسير حتى خرجت الى الشارع الرئيسى كانت السيارات مسرعه لتسأل نفسها الى اين ستذهب الان و ليس لديها مكان او منزل ان الوقت ما زال مبكرا و لكن عليها ان تفكر فى مكان لتنام فيه فالشارع ليس مكان مناسبا بأمثالها و خصوصا فى الليل  كادت ان تشير آلى احدى عربات الاجره و لكنها تذكرت انه ليس لديها ما يكفى من النقود  فأسرعت الى احدى الواقفات  لتسألها عن الطريق و ماذا يمكنها ان تفعل لتشير لها الى موقف سيارات الاجره لتقف عشق تنظر دورها فى الركوب . وضعت رأسها على نافذه السياره التى تنطلق فى سرعه بينما يستمع الجميع الى اخد الاغانى الشعبيه الرديئة و التى لم تستطع ان تفهم كلماتها جيداً . مضى وقت طويل عليها و هى فى حيره من ان تضل الطريق و لكنها بمعجزه وصلت الى عنوان الصائغ الخاص بأسرتها و الذى رحب بها و خرجت من عنده تحمل بضع مئات اخرى من الجنيهات و قد صارت حقيبتها خاليه من كل ذكرياتها مع امها اتجهت بعد ذلك الى احدى الفنادق المتواضعة التى دلها عليها أهل الخير لتحجز لها غرفه. ثم تخرج بعد ذلك  بحثا عن عمل لم تكن تستطيع ان تذهب الى اى من معارفها   فماذا ستقول لهم و على مدى ثلاثه ايام كانت تبحث دون جدوى حتى اوشكت نقودها على النفاذ
فى ذلك الوقت كانت أسره عمر تكاد تجن فقد اكتشفوا غيابها و اخذت الام تبكى فى صمت
- هنعمل ايه دلوقت يا حاج  لازم نقول  لجوزها
- جوزها صاح زوجها عليها غاضبا انتى لِسَّه بتقولى جوزها  انا خلاص غضبان عليه ليوم الدين ضيع البنت منه لله
- متدعيش عليه و النبى. يا حاج ادعيله بالهداية
- الهدايه انا على اخر عمرى اخون الامانه اللى الراجل الله يرحمه امنى عليها خلاص  بنته ضاعت و اروح ادور عليها فين دلوقت حسبى الله و نعم الوكيل فيه و المصيبه ان حتى مسبش للغلبانه دى اى حاجه اخد منها كل حاجه حتى بيتها يا ترى راحت فين و هتعمل ايه
نزلت دموع هدى و هى تقول
- احنا لازم ندور عليها يا بابا هى هتعمل ايه دلوقت و هتروح فين دى متعرفش حاجه فى الدنيا 
- ندور عليها فين بس  يا بنتى ربنا اعلم بيها
- طيب نقوله يمكن هو يعرف يتصرف
أسمعى يا حاجه انا مَش عايز اسمع اسمه او اشوفه هنا بعد كده  خلاص انا أتبريت  منه ليوم الدين و مَش عايز كلام  فى الموضوع ده  ثانى
- طيب و عشق
ربنا يتولاها يا بنتى هو احن عليها من الكل و انا هاعمل اللى ربنا يقدرنى عليه و احاول انى ادور عليها   قاطع كلامهم صوت الجرس لتدخل الدكتوره امينه 
- السلام عليكم
-  و عليكم السلام ازيك يا دكتوره فينك
- معلش كان عندنا حاله طوارىء فى المستشفى و انشغلت شويه  ممكن ادخل اطمن على عشق انا جبت  ليها دوا كويس جدا ينفع فى حالتها
- نظر الكل الى بعضهم البعض فى حيره  بماذا يخبرونها
- هى  نايمه دلوقت  طيب انا ممكن اجى فى وقت ثانى لو الوقت مَش مناسب
لترد الحاجه فاطمه و هى ترحب بها
- لا ابدا يا بنتى اتفضلى اهلًا بيكى فى اى وقت  كثر خيرك على تعبك معانا 
- انا هاروح اصلى العصر يا حاجه نورتينا  يا بنتى
دخلت الدكتوره امينه لتتركها الحاجه فاطمه مع هدى 
- انا هاروح أعملك حاجه تشربيها تحبى تشربى ايه يا بنتى
- متتعبيش نفسك يا حاجه انا كنت هامشى علطول
- لا ابدا مفيش تعب و لا حاجه  ها أعملك شاىً
- طيب شكرًا
نظرت لها هدى  فى تردد فلم يتبق سواهم فى الحجره
- آيه يا هدى هو فيه ايه بابا و ماما مالهم شكلهم متضايق  و فين عشق هو فيه ايه ؟
- عشق مشيت
نظرت لها امينه فى صدمه مشيت ازاى و امتى؟
- من ثلاث ايام صحيوا  لقيناها مشيت و مَش عارفين راحت فين انا هاتجنن عليها يا امينه و قلقانه جدا
- هى قلتلك حاجه
- عن ايه؟
- لا ابدا طيب انا هاستاذن دلوقت و وبِنَا يصلح الاحوال
- امينه استنى  انتى عارفه اننا اصحاب رغم فارق السن بس انا عارفاكى  كويس مخبيه  عنى ايه ؟
- دى امانه يا هدى و انا مقدرش اخون الامانه لما تقابلى عشق تبقى هى تقولك
- ؟تقولى ايه
- المهم  انكم لازم تعرفوا هى فين و تطمنوا عليها خصوصا فى حالتها دى
- حاله ايه امينه عشان خاطرى انا مَش ناقصه الغاز  خصوصا فى الظروف دى طمنينى الله يخليكى هى عشق تعبانه؟ 
- مَش بالضبط
- يعنى ايه
- يعنى فيه حاجه كده مخبيها عليكم
- حاجه ايه مَش  فاهمه انتى تقصدى ايه ثم اتسعت عيناها من الصدمهً فقد ادركت ما تحاول امينه ان توضحه لها  بدون تصريح مباشر منها ذبولها فى الايام الاخيره الغثيان المستمر و عدم تقبلها الطعام و على الرغم من عدم خبرتها فى تلك الأمور بحكم سنها الا انها ادركت ما يحدث بالضبط
- امينه هى  عشق حامل
- عشان خاطرى يا هدى متجبيش سيره لحد انا وعدتها انى مَش هاتكلم و لا هاقول بس انا قلقانه عليها فى الظروف دىً عايزه اطمن عليها  و خصوصا انها تعبانه و صحتها ضعيفه انا اضطريت اقولك عشان تبلغينى لو عرفتى حاجه و تطمئنينى  بس اوعى بابا او ماما يعرفوا حاجه
يعرفوا لا طبعا دى كانت  ماما تموت فيها لو عرفت دا هما هيتجننوا من القلق عليها  من غير حاجه امال لو عرفوا يا حبيبتى يا عشق يا ترى انتى عامله ايه دلوقت .

تسير فى الطريق بلا هدى فقد اغلقت كل  الأبواب فى وجهها مضى أسبوع سبعه ايام فقط مضوا عليها كعمر كامل فهى لم تكن تعرف كم ان الحياه قاسيه على الفقراء هى التى لم تعرف ابدا معنى الجوع او الفقر طرقت كل الأبواب بحثا عن عمل و لكنها لم تستطع الحصول على اى وظيفه كما انها لم تستخرج الأوراق الخاصه بمؤهلها الجامعى و كل اوراقها الخاصه و شهادات تخرجها تركتها فى منزلها الذى استولى عليه زوجها و حرمها من دخوله الى الأبد اضطرت ان تبحث عن اى عمل حاولت ان تعمل فى محل للملابس و قد رأفت صاحبه المحل لحالها و البؤس و الحزن الظاهر على ملامحها الجميله و لكن العاملات هناك لم يتقبلوها و كيف يفعلون وهى بهذا الجمال و تلك الهيئه فلم تستطع ان تمكث هناك لأكثر من عده ايام ثم طردتها صاحبه المحل بعد ان اتهمتها باقى العاملات بالسرقه . نفذت النقود التى تحملها من بيع السلسه و اضطرت ان تترك الفندق لتبحث عن اخر ولكن كيف تسدد ثمنه لتخرج  الى الطريق لا تدرى ماذا تفعل كانت تسير حامله حقيبتها و ملابسها القليله لا تدرى ماذا تفعل  لقد دخل عليها الليل و تاخر الوقت و بدات العديد من السيارات تتوقف لتنظر اليها و تحادثها و ربما طلب مرافقتها  فكانت تهرب فى سرعه من المكان و دموعها تتساقط
هى دى النهايه يا عشق هتعملى ايه و هتروحى فين انتى ولا حاجه من غير ابوكى و فلوسك  . مش هينفع أفضل فى الشارع كده كفايه اللى بسمعه و لِسَّه لما الوقت يتاخر اكثر اللى هيشوفنى هيفكر فى ايه؟  ارجع لبيت الحاجه فاطمه مهو ممكن ميرضوش بعد ما سبتهم و مشيت كده لكن هما طيبين  مَش هاهون عليهم   طيب مهم هيعرفوا انى حامل و ساعتها ممكن يحاولوا يضغطوا عليا ارجعله لا مَش ممكن انا مَش هارجع ثانى ابدا حتى لو هاموت...  اموت  دا الحل الوحيد اللى ينجدنى من الحياه  دى و اللى هاشوفه فيها و اللى فى بطنى ده ذنبه ايه يتمرمط  معايا كده فى الشوارع  اروح لمين لو روحت لحد من صحابى مَش عارفه
هأقوله ايه و هيستحملنى لحد امتى اروح للمحامى طيب مهو حذرنى و انا اللى مسمعتش كلامه الحب و الثقه و عشقى لعمر عمانى عن كل حاجه  .
اخذت تسير لمده طويله حتى تعبت قدميها من المشًى و احست ان بطنها تتمزق من الالم و الجوع   تساقطت دموعها  و هى تجلس شارده على الارض لتنظر فيما حولها فى ضياع  لقد اخذتها قدميها دون وعى و عادت الى بيتها بيت ابيها الذى لم يعد مسموحا لها بدخوله مره اخرى و الى الأبد  .  كان البيت كله مظلما على غير العاده  و ليس فيه الا ضوء  خافت من مقر الخدم  اخذت تنظر الى البيت فى حزن لقد اصبح محرما عليها دخوله فلم يعد ملكها  انه المكان الوحيد الذى يشعرها بالامان لقد سارت دون ان تشعر حتى وصلت الى البوابه نظرت الى اللافتة الحديديه و التى تحمل اسم ابيها عليها و راحت تبكى فى حرقه
-اه يا بابا سبتنى ليه انا مَش عايزه أعيش فى الدنيا دى خدنى معاك و مع ماما انا معدش ليا حد ضايعه  و مَش عارفه اعمل ايه ولولا خوفى من ربنا كنت موت نفسى من زمان  .
جذب صوتها و دموعها حارس  امن البوابه الذى فتح الباب و هو يسألها
- انتى مين وبتعملى ايه  هنا فى الساعه دى
نظرت فى خوف فهى لا تعرفه و يبدو انه جديد على المكان ربما عينه زوجها مؤخراً
مسحت دموعها فى سرعه  و هى تنظر له فى خوف
  - انا  انا كنت ماشيه انا الظاهر غلطت فى العنوان
- عنوان ايه انتى كُنتُى بتدورى على مين عايزه مين يعنى  شكلك كده مَش مطمنى 
حاولت النهوض  بسرعه و هى تغالب الالم الذى بدا يهاجمها بشده   
- خلاص  انا هامشى 
- استنى هنا  انا بأكلمك
حاولت الابتعاد فى سرعه اخذ الحارس يناديها و لكنها كانت خائفه  و لكنها لم تكد تسير عده خطوات حتى شعرت بالدوار حاولت التماسك و لكنها لم تستطع لتسقط و تغيب  عن الوعى.

قصه عشق  - الجزء الاول حيث تعيش القصص. اكتشف الآن