الحلقة الخامسة - التوسل

9.1K 150 3
                                    


كان ألم المرأة كبيرا و السبب أكبر بكثير، الرجل الذي أعطته قلبها قد أكل عمرها، لم تستطع التحمل أكثر و أعلنت روحها التمرد، لم تعد ساقاها تحملانها و انهارت على الأرض باكية. كان ميران ينظر إليها بلا روح، ببرود، مثل الجليد، كانت جونول تختنق في نظرات لؤلؤتيه الزرقاء، قالت بصوت منهك:
"أنا لا أتحمل، لماذا لا تفهم؟"
رغم صوتها المرتعش كانت تحاول التكلم، واصلت الصراخ أمام الرجل الغاضب عديم الرحمة:
"رجاءا يا ميران... أتوسل إليك أنهِ هذه اللعبة"
غضب ميران من المرأة التي تبكي كالطفلة أمامه، كان غضبه يكبر مع كل صرخة، أمسك نفسه بصعوبة كان لا يهدم كل شيئ في الغرفة، جونول و تذمرها الذي لا ينتهي... هل وضع كل هذه الخطط كي تفسدها زوجته بسبب غيرتها؟ بعد أن وصل إلى النهاية، كل شخص يقف أمامه سيدهسه و يمر.
" انظر الجميع خائف من أن يحدث لك شيئ"
"اخرسي!"
انعكس كل غضبه في صوته المرتفع و هي واصلت البكاء:
"قلت لك اخرسي! اصمتي، لا تبكي، هذا يكفي!"
كان يصرخ بأعلى صوته، العروق التي في رقبته كانت على وشك الإنفجار، لقد أخطأ بإحضار هذه المرأة إلى هنا و لكن مهما يكن لن يتركها تعثر طريقه.
"لا أريد أن أراها بجانبك يا ميران، لنذهب من هنا و إلا..."
نهضت من الأرض و وقفت أمام ميران ثم وضعت عينها في عينه:
"و إلا أذهب غدا و أخبر ريان بكل شيئ مهما كان الثمن"
ميران جن جنونه أمام تهديد جونول، ألا تخاف منه عند توجيهها هذا الكلام له؟ ماذا يعني أن تخبر ريان بكل شيئ؟ لقد كلفته هذه الخطة سنة من عمره. جذب ذراع زوجته و دفعها على الحائط بغضب ثم لكم الحائط بقوة، الآن فعلا جن جنونه:
" قلت لك ألف مرة قبل أن تأتي إلى هنا، قلتِ حسنا لن أحدث مشكلة، هل تريدين جعلي أُجن؟ ماالذي تفعلينه يا هذه؟"
بقيت جونول تنظر إلى وجه زوجها الذي يصرخ بقوة:
"حاولت، و لكن لا يمكن. أنا أتألم، لماذا لا تراني؟"
وضع يده على رقبته، أغمض عينيه ثم واصل الصراخ:
"لا أرى، و لا أريد أن أرى. لقد مللت منكِ يا هذه"
لم تتحمل جونول و وقعت على الأرض مجددا:
"ألا تحبني أبدا يا ميران؟"
سألت هذا السؤال بأمل و لكن في الواقع هي كانت تعرف الجواب، أما الرجل الغاضب صرخ بأعلى صوته:
"لا أحبك، و لم أقع في حبك أبدا و أنت تعرفين هذا جيدا، قلت لك ليس لدي وقت أضيعه في الحب و العشق. أنت تجولت ورائي كي نتزوج و أنت تعرفين أن هدفي الوحيد في الحياة هو أخذ إنتقامي."
رفع إصبعه في وجه جونول و كأنه يهددها:
"و الآن إذا حاولت إفساد عملي أقسم أنني سأطلقك."
كان صوته ينثر الرعب، هل كان سيفعلها؟ من دون شك يفعلها. كانت جونول تبكي مثل المجنونة، كانت خائفة من النظر في وجه ميران، روحها تؤلمها و لكن ميران لا يرى هذا، لا تهمه ماهي حالة جونول. بينما كانت تواصل البكاء بألم ما تحس به، ميران الذي لا يستطيع إخماد غضبه حطم كل ما في الغرفة، وضع لكمته في الطاولة و إمتلأت غرفة الفندق بحطام الزجاج، و كأن الحرب قد قامت هنا.
هذا المنظر ليس غريبا عنهما، هذا وضع يعيشان فيه بإستمرار، ميران لم يحب جونول، أما جونول كانت تجن لأنها لا تأخذ مقابل حبها، هذه المرأة تعشق بجنون هذا الرجل الذي لم يحبها أبدا. فكرة تقاسم زوجها مع أخرى جعلتها تُجن، سندت رأسها على الجدار و مسحت دموعها لتضيف دموع أخرى عليها:
"روحي تؤلمني كثيرا، قبّلت شعرها أمامي بينما لم تلمس شعري مرة واحدة حتى... نظرت إليها، ضحكت لها، أنت تحبها"
"قلت لك إخرسي"
كان يحاول إسكات زوجته كالعادة و لكن جونول لا تصمت:
"أمسكت يدها، وضعت خاتم في إصبعها و أهديت لها فستان الحناء الذي أكلت الضرب من أجله.. "
كلامها كان يصيب ميران بالجنون: "قلت إخرسي يا هذه، إخرسي"
عم الصمت في الغرفة لمدة طويلة، ثم أفسدت جونول الصمت:
"حسنا ماذا سيحدث لريان؟ لماذا ستدفع هي ثمن ذنب والدها؟"
وجه نظراته الغاضبة نحو زوجته مجددا و صرخ:
"و ماهو ذنبي أنا؟ كنت طفلا صغيرا، رأيت أبي يموت أمام عيني، ماهو ذنبي أنا؟"
"أنت لست شخصا سيئا إلى هذه الدرجة يا ميران، أنا أعرفك"
"أنت لا تعرفينني أبدا"
كانت جونول تحاول بعجز إخراج الرحمة القليلة الباقية في داخل ميران، كانت تتخبط رغم معرفة أن إقناعه مستحيل:
"أرجوك لنذهب من هنا، لنعد إلى إسطنبول و نكون مثل السابق"
هذه الكلمات أصابت ميران بالجنون، تتكلم و كأنه كان لديهم زواج عادي:
"كالسابق؟! هل تمزحين يا جونول؟"
"قل لي هل ستنام براحة بعد أن تأخذ إنتقامك؟"
نهضت جونول من الأرض و ذهبت إلى جانب ميران، ركعت بين ساقيه ثم نظرت إليه بألم، لم يأت جواب لسؤالها. هل كان سينام براحة حقا؟ ألن تأتي ريان بين عينيه عندما يغمضها؟
"أنتظر جوابا منك" قالتها بصوت باكي.
"لست مضطرا على إعطائك جواب"
"لن تكون مرتاحا يا ميران، أنت لست شخص سيئ، عندما يفتح ضميرك عينيه أنت الذي سيتألم"
ميران لا يجيب، لن يجادل هذه المرأة بعد الآن. أخذت جونول الشجاعة من صمت ميران و وضعت يديها على ركبته:
"أرجوك لنعد إلى إسطنبول، أعدك لن أسبب أي مشكلة و لن أحاسبك لماذا لا تأت إلى البيت" صوتها أصبح يرتعش:
"و لن أقول لك لماذا لا تحبني، و لن أحزن لأنك لا تحضنني و لكن أرجوك يا ميران.. أتوسل إليك إبقَ لي..."
عندما سندت جونول رأسها على ركبتيه، أغمض ميران عينيه بألم:
"لا تفعلي هذا بي يا جونول"
"لا أريد زواجك بريان حتى لو كان لعبة، لا أريد أن تراها، لا أريد أن تلمسها، أنا أموت"
أخذ ميران نفسا عميقا كي يهدأ، هذه الليلة و كأنها لن تمر بسهولة، جونول لا تفهم من الكلام، إذا واصلت هكذا، ميران لن يستطيع التحكم في غضبه:
"سأتزوجها يا جونول، أنت تعرفين منذ البداية أنك لن تستطيعي منع هذا. لا تتجاوزي حدودك"
سحبت جونول يدها من ركبتي ميران و نهضت:
"ماذا لو تجاوزت؟"
هذه الجملة التي سببت انفجار ميران، نهض من الكرسي و أمسك ذراع جونول بقسوة، بينما اقترب من هدفه، إعاقة جونول له جعلته يَُجن:
"لا تتدخلي في عملي، إياك أن تتدخلي، ستبقين فمك مغلقا و إلا أعرف كيف أغلقه للأبد"
بعد الكلمات المليئة بالتهديد ترك يد زوجته، أدار ظهره و اتجه نحو الباب، ضرب الباب بقوة و خرج، لو بقي أكثر كان غضبه سيسيطر عليه تماما و سيؤذي زوجته. كانت حياة هذا الرجل ذو القلب الظالم تتلخص في جملة طويلة: زوجته الباكية خلفه، حياة الفتاة البريئة التي ستتدمر بسبب هوس الإنتقام و والده البريئ الذي قُتل قبل سنوات من طرف هازار شانوغلو. الغضب عندما يسيطر على أحد، عينه لا ترى شيئ مثل ميران... مثل ميران كارامان.
منذ طفولته أقسم على الانتقام عندما مات والده أمام عينيه، سيدفع فاعل هذا الثمن بزيادة، بينما بقى رمق على هدفه لن يسمح لزوجته بإفساد هذا، و لكن هناك تفاصيل خلّفها ميران مثل أن ريان ليست ابنة هازار شانوغلو الحقيقية.
كان يمشي بصمت في شوارع ماردين، كان الوقت ليلا، مر شريط حياته أمام عينيه، مر كل عمره في هوس الإنتقام. كم هذا مؤلم! تذكر كلام جونول "انت تحبها" ضرب يده بقوة على شعره و كأنه يريد طرد هذه الفكرة المقرفة. لن يقع في الحب أبدا، و خاصة بإبنة عدوه اللدود، أبدا...
بدأ المطر يهطل بشدة لكن الرجل لا يهتم، قميصه أصبح مبللا و أظهر جسده. مشى لمدة ساعة وهو لا يعرف إلى أين يذهب ثم وجد نفسه أمام القصر ينظر إلى شباك غرفة ريان. بما أن الضوء مشتعل فهي لم تنم بعد. ريان اقتربت من الشباك و بدأت تشاهد المطر، الآن ميران يشاهد ظل ريان، لا يعرف كم بقي يشاهدها و عندما خطى خطوة ليذهب توقف مجددا و أدار ظهره ليرى اليد التي وُضعت على كتفه. إنه آزاد. آزاد ينظر إلى ميران بغضب كالعادة: "ماذا تفعل هنا في هذه الساعة؟"
دفع ميران اليد التي على كتفه بقوة، إنه غاضب جدا و يمكن أن يخرج كل غضبه من آزاد الآن:
"هل أنا مجبر على التبرير لك يا هذا؟"
كان يحس أن آزاد يكرهه وهو أيضا يكره آزاد، في الواقع هو لا يحب أحدا من هذه العائلة، لو قلنا ريان فمشاعره نحوها تأخذ منحى آخر... نظر الرجلان الغاضبان بقسوة، ميران غاضب أكثر من آزاد هذه المرة. كلما يتشاجر مع جونول، و هذا يحصل دائما، كان يخرج غضبه من شخص آخر... أمسك آزاد ميران من ذراعه و سحبه وراء القصر، لم يكن يريد أن تراهما ريان و ميران أيضا لم يكن يريد ذلك و إلا ماكان ليسمح لآزاد. الرجلان المبتلان بالمطر ينظران بغضب، سحب ميران ذراعه مجددا من يدي آزاد و انتظر ما سيقوله:
"ان كنت موجودا أمام بيتي نعم ستبرر لي"
نظر ميران له بنظرات ساخرة و هذا ما جنن آزاد كثيرا.
"إذا كانت خطيبتي التي ستصبح زوجتي بعد أيام موجودة هنا فأنت لن تتدخل... آزاد"
كان غاضبا من آزاد كثيرا منذ أن وجه لكمة على وجهه، فكر كثيرا و أراد كثيرا ان يخرج غضبه من آزاد و يكسر عظامه لكن هذا الوضع يمكن أن يكشف هويته الحقيقية لذلك هدّأ نفسه.
آزاد غضب أكثر من تحركات ميران الساخرة و وجّه لكمته مجددا إلى وجه ميران لكن أمسك ميران بذراعه و منعه. بدأ يخمن قليلا سبب غضب آزاد منه:
"ماذا تريد مني يا هذا؟ ماهي مشكلتك معي؟"
آزاد لم يعرف ما سيقوله أمام هذا السؤال، حقا ماذا يريد من هذا الرجل؟ لا لا يمكن أن يذهب هذا السؤال إلى ريان.. ميران دون يترك له فرصة الإجابة، قال ما يجول في عقله:
"أعرف أنك تحب ريان"....
هذه الكلمات أصابت آزاد بصدمة، الحقيقة التي لم يعترف بها لنفسه حتى الآن يسمعها و من ميران. لم يتقبل هذا على نفسه و صرخ: "ماذا تقول يا هذا؟"
"ما أقوله واضح جدا، يجب أن أكون أعمى كي لا أرى هذا"
قال ميران و هو يوجه نظرات التهديد نحو آزاد و عندما رأى ذعره فهم أنه ليس مخطئ. اللعنة إنه يحب ريان. حتى لو كان هذا الوضع يزعجه كثيرا فهو يحاول أن لا يظهر ذلك و تحول مجددا إلى الرجل المستبد:
" ضع هذا في عقلك، ريان أصبحت لي و إذا ظهرت أمامي بهذا الشكل مجددا ستبقى في يدي." ثم وضع يده على كتف آزاد و دفعه بقوة و التفت دون أن ينظر وراءه.
آزاد لم يخرج من صدمة ما سمعه، تجمد في مكانه، لم يعترف بهذه الحقيقة لنفسه حتى. اتجه إلى القصر في غضب و أثناء ذهابه إلى غرفته اصطدم بريان، كان على وشك إخراج كل غضبه منها، هو غاضب من ريان لأنه وقع في حبها أكثر من غضبه من نفسه، و لكن ما رآه من خوف و غضب في عيني ريان جعله يتوقف و يذهب مباشرة إلى غرفته.
عندما ذهب ميران إلى الفندق مجددا إكتفى بالنظر إلى غرفته، لم يكن يريد رؤية زوجته، مازال غاضبا جدا، لن يذهب و يبقى معها. طرق باب الغرفة المجاورة له ففتحت له خالته:
"خيرا يا بني؟"
دخل الغرفة دون أن يجيب، ذهبت السيدة نرجس إلى جانبه:
"هل حدث شيء يا بني؟ ما حالك هذا؟ لماذا أنت مبلل؟"
خلع ميران قميصه و جفف نفسه ثم ذهب مجددا إلى جانب خالته و جلس على الفراش، لقد تعب من كل شيء حتى من الإنتقام الذي سيأخذه:
"أريد أن أنام على ركبتك"
قال هذا و تمدد إلى جانبها، ابتسمت المرأة المسنة و بدأت تداعب شعر ابن أختها:
"هل تشاجرت مع جونول؟"
ليس صعبا تخمين هذا، أغمض عينيه كأنه يقول نعم: "انها مسألة ريان..." أخذت السيدة نرجس نفسا عميقا، كلما يمر اسم ريان يصبح جسدها كالشوك:
"لا يدخل النوم إلى عيني منذ أيام يا بني.. سنأخذ ذنب فتاة بريئة، لا بد أن عظام أمك ترتجف في قبرها"
لم لديه طاقة للكلام حتى، أصبح ميران ينزعج جدا من هذه النصيحة التي يسمعها دائما:
"رجاءا لا تبدأي أنت أيضا يا خالتي، تعرفين أنني لن أتراجع أبدا، انت أفضل من يعرف هذا"
"أنا خائفة، ماذا لو قتلوك؟"
"لا تخافي، لن يحصل شيئ كهذا"
قال هذا و غمس رأسه جيدا بين ركبتي خالته و استسلم للنوم... ميران صاحب ثروة كبيرة بقيت له من والده، وضع كل ما يملك من أجل إنهاء هذه العائلة، لقد جُنّ لهذه الدرجة. و إختار ضربهم من روحهم كأول هدف، الشرف يأتي قبل شيء بالنسبة لعائلة تعيش على هذه الأرض و ميران يعرف هذا جيدا، لهذا إختار ريان.
عندما حل الصباح ذهب ميران إلى غرفته، فتح الباب و دخل إلى الحمام، تحمم و ارتدى ثيابه ثم نظر إلى الفراش، كانت زوجته نائمة و لم يرد أن ينام إلى جانبها فترك الغرفة في صمت و ذهب في اتجاه سيارته، سيذهب إلى ديار بكر اليوم كي يشتري البيت الذي سيأخذ ريان إليه، إنه يسير في خطته بدون توقف...
آزاد نام إلى ساعات متأخرة اليوم و لم يذهب إلى العمل، كان يخاف من فتح عينيه، ما قاله ميران البارحه كان مرعبا. استيقظ الظهر، غير ثيابه ثم خرج من غرفته ووجد باب غرفة ريان مفتوح قليلا، كانت تجرب فستان الزفاف مع هافين. تجادل مع نفسه كثيرا كي لا ينظر إليها لكن لم يستطع. لقد كانت ترتدي فستانا أبيضا، ابنة عمه التي لم يتقبل بعد حبه لها، انها تذهب عروسا لرجل آخر. و كأن قلبه تحطم، كيف حدث و تعلق قلبه بإبنة عمه هكذا؟ كيف حدث ولم يلاحظ مشاعره من قبل؟ كان آزاد غاضب من كل شيئ، من عينه التي لم ترَ ريان من قبل و لسانه الذي لم يقل اسمها و بالأكثر على تأخره.
عندما حل المساء كان ميران عائد من ديار بكر بعد أن حل عمله هناك ثم رن هاتفه، كانت خالته المتصلة:
"أنا في الطريق يا خالتي، ماذا حصل؟"
"جونول جن جنونها يا بني، مهما فعلت لم أستطع منعها، انها ذاهبة إلى القصر الآن، ستقول كل شيئ"
ما سمعه جعله يظغط على الفرامل بقوة، رمى السماعة من أذنه قائلا: "اللعنة"
لن يترك هذا العمل ناقصا بعد كل ما فعله و سينهي أي شخص يحاول إعاقة هذا، صرخ بصوت عالي: "انت انتهيت يا جونول"
ألم تقم حرب البارحة بسبب هذه المسألة؟ ألن تعقل هذه المرأة أبدا؟ يجب أن يفعل أي شيئ ليصل إلى القصر قبل جونول، ان كشفت جونول لعبة ميران حتى هو لا يستطيع تخمين ما سيفعله بها. نظر إلى ساعته و ضاعف سرعته، بقي نصف ساعة ليصل إلى القصر... طريق يستغرق 45 دقيقة قطعه هو في 20 دقيقة، لقد تمالكه الخوف، ركن سيارته بجانب القصر و وقف ليأخذ نفسا عميقا. ماذا لو كانت جونول وصلت قبله و قالت كل شيئ؟ هذا يعني سقوط كل خططه في الماء و نهايته. انه يحس بالخوف في كل جزء فيه الآن، أخذ قراره و بدأ يمشي بخطوات مترددة ثم طرق باب القصر و كأن شخصا كان واقفا وراء الباب ينتظر قدومه و فتح له فورا. ضاق قلبه و أحس ان نفسه انقطع عندما رأى ريان أمامه، لأن الفتاة الوقفة أمامه كانت تبكي. لم يفتح فمه بكلمة واحدة ظنا بأن كل شيئ انتهى و بقى ينظر لها، مسحت ريان دموعها و نظرت إلى ميران و كأنها لم تكن تنتظر رؤيته، تقدمت نحوه خطوة و قالت:
"لماذا تنظر هكذا؟"
حبس الرجل أنفاسه، يجب أن يعرف ما قالته جونول، كان قلبه يخفق بقوة كما لم يحدث من قبل:
"انت، انت لماذا تبكين؟"
"لا شيء، هكذا"
ميران أخذ نفسه بهدوء بعد هذا الجواب، لا بد أن جونول لم تأت إلى هنا و إلا لم يكن سيبقى هذا القصر هادئا. كان عقله عند جونول و لكن قلق أيضا حول سبب بكاء ريان. لماذا كانت تبكي؟
"لماذا انت في هذه الحالة؟"
لأول مرة تخرج كلمات مترددة من فمه، لاحظت ريان القلق في عينيه، كانت عينها على الطريق و على ميران:
"ليس بي شيئ"
"ليس بك شيئ إذا لماذا تبكين يا ريان؟"
أخذ وجهها بين يديه و رسم ابتسامته المزيفة على شفتيه و نظر إلى ريان:
"قولي مابك يا روح روحي"
عانقت ريان الرجل الذي أمامها و اندهش الرجل الذي لم يكن ينتظر هذه الحركة. كانت يدي ريان على ظهره و تعانقه بشدة، أحس بدفئها في جسده، يديه التي بقيت في الفراغ عانقت ريان بصعوبة، هذا الوضع لم يعجبه، لقد انزعج من ريان أما هي لم تفهم كيف تجرأت على هذا، كيف حدث و عانقت ميران؟ ربما لم تستطع إمساك نفسها، بينما كانت تبحث عن ميناء تلتجئ إليه تركت نفسها بين ذراعي هذا الرجل الذي تثق به و كانت خائفة ان يراها أحد و يقول شيئ لكن روحها تؤلمها بشكل الآن لم تستطع التفكير بشيئ آخر. سأل ميران في قلق:
"ألن تقولي ماذا حصل؟"
فتحت ريان ذراعيها و وضعت رأسها على كتف الرجل الذي تحبه، كان هذا هو الأمان بالنسبة لها، رائحته أجمل من معطفه الذي تعانقه كل ليلة:
"حقا لا يوجد شيئ، تأثرت قليلا و حسب"
لم تقل له سبب بكائها، لم تكن تريد إزعاجه بهمومها من الآن. ميران بدأ ينزعج أكثر من قرب ريان منه، أبعد يديها عنه شيئا فشيئا و قال وهو يمسك وجنتها:
"إياك أن تبكي مجددا بدون سبب، و لا تبك بسبب أيضا، أنت لا تبكِ أبدا..."
بدأ مجددا بخداع قلب يحبه بكلمات كاذبة، لم يحزن أبدا وهو يفعل هذا، بالعكس كان سعيدا. هذا يعني أن جونول لم تتجرأ على القدوم إلى هنا. ريان نظرت مطولا إلى عيني ميران، من أين لها أن تعلم أن الرجل الذي يبعث الثقة لها في عينيه سيكون قاتلها...؟ أمسك ميران يديها، كان ناجحا جدا في تمثيل دور الرجل العاشق لدرجة أن الفتاة لم تشك به أبدا. وضع يده بين شعر ريان و واصل حرق قلبها بحبه الكاذب:
"انت لن تحزني أبدا، ستكونين بخير دائما"
و لكن كم هي كذبة فاخرة..!
ابتسمت له ريان، رؤية ميران أمامها خففت من ألمها و لكن ماذا يفعل هنا في هذه الساعة؟ سألته في قلق:
"لماذا جئت انت؟"
توقف قليلا أمام هذا السؤال المفاجئ ثم أجاب بحرفية:
"لأنني اشتقت لك، كنت مارا من هنا فقلت لأراها و أذهب فخرجت أمامي صدفة"
كم هو جميل أن يشتاق لك أحد، حتى كلمة عشق تبقى غير كافية أمام ما تحس به تجاه هذا الرجل... ذهبت يدها إلى وجه ميران، داعبت لحيته دون أن تفرق عينيها عنه، و لكن هذا المنظر قد يفتح لها مشكلة حتى لو لم تكن تريد فيجب أن تذهب: "يجب أن أذهب إلى البيت"
هزّ الرجل برأسه و بعد ذلك تفاجئ بالقبلة التي وُضِعت على خده، وضعت ريان قبلة على وجهه ثم ركضت إلى البيت. بقي ميران ينظر للفتاة التي تذهب، شعرها الأسود يتطاير مع الرياح و بقيت رائحتها في أنفه و لم يدرك كيف وضع يده على المكان الذي قبلته فيه ريان ثم عاد إلى وعيه عند تذكر جونول، أساسا من غيرها يمكن أن يفسد هذه اللحظة؟ بلوى رأسه، ذهب إلى سيارته و انطلق نحو الفندق.
الطرقات لا تنتهي بالنسبة له اليوم، وصل إلى الفندق، صعد إلى غرفته و طرق الباب بقوة، فتحت جونول الباب و دخلت الغرفة دون أن تنظر ورائها. غضب ميران أكثر من عدم اكتراثها له، أغلق الباب بقوة و كأنه سيكسره ثم ذهب نحوها و صرخ:
"لا يكفي ما فعلته و لا تنظرين إلى وجهي أيضا!! أنا معجب بشجاعتك"
جلست جونول في هدوء، وضعت شعرها خلف كتفها و كأنها غير مهتمة:
"أنت فاعل كل شيئ و أنا أكون المذنبة. كم هذا مضحك!"
اقترب من زوجته كثيرا و ثبت نظراته الغاضبة عليها، هدوؤها كان يوتره أكثر. وضع يده على شعر جونول و سحبه بقوة كنوع من التهديد:
"من أين خرج الذهاب إلى القصر؟ ألا تعرفين مالذي يمكن أن أفعله بك؟"
لم ترد جونول إغضابه أكثر، لقد تعبت من الشجار:
"نعم كنت سأذهب إلى القصر و أقول كل شيئ لكن تراجعت في أخر لحظة"
وقفت جونول و وضعت يدها على كتف زوجها، إنه المكان الذي سندت عليه ريان رأسها، ارتجف داخل ميران...
"لأنني خفت أن يحدث لك شيئ، الناس الذين لم يشفقوا على والدك هل سيشفقوا عليك؟"
أبعد ميران يد زوجته و تراجع خطوتين:
"تخلي عن قلقك هذا و خوفك من أن يحصل لي شيئ، ما تفعلينه يضعني في مشاكل و الأهم سيتسبب في قتلي لك، هل تفهمين هذا؟"
نظرت أليه جونول في ألم: "قلت لك لقد تراجعت، لا تضغط على أكثر..." قال ميران في صوت ساخر:
"هل أبارك لك؟! و لو لم تتراجعي أيضا!!"
لم ينظر لها و دخل إلى الحمام ليأخذ دوش، المياه لم تستطع إطفاء النار بداخله، بل بالعكس نقمته على الحياة تزداد أكثر... خرج من الحمام، ارتدى ثيابه و جفف شعره، كان يحس بالتعب، اتجه نحو فراشه و لم يكن يهتم بوجود جونول، رمى المنشفة على الأريكة ثم رمى بنفسه على السرير... جونول أطفأت الأضواء و جلست تشاهد زوجها، كان ينام مديرا ظهره لها كعادته، اكتفت بالإبتسام، هي معتادة على عدم الحب و على إدارة ظهره لها. لم يضحك وجهها أبدا منذ أن تزوجت ميران و لكن ليس لها نية أن تتركه لأحد، أكثر شيئ تخاف منه في هذه الحياة هو فقدان هذا الرجل، مرآة الحب ليست عمياء فقط بل عديمة الكبرياء أيضا.... يتتبع...

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن