الحلقة 32 - القبر

6.8K 111 6
                                    

ريان الغبية... غضبها من نفسها لن ينفع بشيء الآن. في النتيجة هل قامت بهذا الجنون؟ نعم. هل قالت كل ما تعرفه دون أن تحسب حساب إن كانت السيدة نرجس تعرف الحقيقة أم لا؟ نعم مجددا.
السيدة نرجس كانت تعرف أن أختها كانت متزوجة من هازار شانوغلو قبل سنوات. ديلشاه في آخر أيام مرضها و عندما فهمت أنها ستموت لم تترك سوى وصية واحدة: ميران لن يعرف أبدا أن أمه كانت متزوجة من رجل آخر. و السيدة نرجس نفذت طلب أختها الأخير و صمتت لسنوات. هذا كل ما تعرفه هذه المرأة. ديلشاه لم تقل أبدا للسيدة نرجس أن ميران إبن هازار شانوغلو، ربما ديلشاه أيضا لم تتقبل هذه الحقيقة في وقتها. ما هذا الكره الذي جعلها تخفي والد إبنها عن الجميع؟
السيدة نرجس سمعت هذه الحقيقة المدوية لأول مرة اليوم من فم ريان، ما حدث بعد ذلك أساسا كان كارثة. فقدت وعيها لمدة طويلة. غير ذلك لقد نسيت أن لديها ضيف آخر في البيت غير ريان في ذلك الوقت، لقد وقعت في همها و نسيت. بعد محاولات ريان أخيرا عادت المرأة إلى وعيها و سمعت تلك الحقيقة مجددا، بعد كل ما حدث ريان لم تعرف لمن ستعطي الحق في هذه الحكاية.
ريان تجلس في المقعد الخلفي للسيارة الآن، علي يأخذها إلى البيت مثلما أحضرها. سندت رأسها على الزجاج و بقيت تشاهد شوارع إسطنبول المزدحمة و لكن عقلها بقي في ذلك الماضي. ما قالته السيدة نرجس أصبح جرحا عميقا في قلبها، نعم تلك المرأة أخفت الحقيقة التي تعرفها لسنوات عن ميران، أخفت عنه زواج أمه القصير من هازار شانوغلو. حتى أنها كذبت عليه و قالت له أن والده مات بسبب قضية أراضي و أملاك لأن والدته هي التي أرادت أن يعرف كل شيء بهذا الشكل... ريان تحترق على غبائها، لقد أخطأت مجددا و قالت شيئا لا يجب أن تقوله. ذهبت إلى بيت الخالة و هي تظن أنها على علم بكل شيء، ظنت أنها تعرف أن هازار شانوغلو هو والد ميران و أخفت عنه هذا عمدا. و لكن اليوم، شخصا آخر عرف هذه الحقيقة و لكن من حسن الحظ أن السيدة نرجس وعدتها أنها لن تقول أي شيء لميران... و أساسا تأكدت ريان أكثر من أن السيدة نرجس لم تكن تعرف شيئا عندما قالت لها هذا:
"لقد كنا نعرف أنك إبنة هازار شانوغلو الحقيقية يا ريان، لو كنتُ أعرف أن ميران إبن هازار، هل كنتُ سأسمح بزواج أخ بأخته؟"
ريان لم تفكر بهذا أبدا، أحيانا عقلها لا يعمل. منذ أن عرفت هذا السر كانت تظن أن السيدة نرجس تعرف كل شيء و لكن الخالة تقول الحقيقة. واضح جدا أنها لم تكن تعرف شيئا، مهما كان الإنسان سيئا لن يسمح بزواج أخ بأخته... حسنا مالذي تعرفه عن هذا الماضي الأليم؟
"عندما تزوجت في سن صغيرة و خرجت من ماردين كانت ديلشاه مازالت صغيرة جدا، أنا إبنة البيت الكبيرة و ديلشاه كانت الصغيرة، كان هناك فرق سن كبير بيننا. كانت ما تزال طفلة عندما تزوجت و ذهبت من المنزل. لم أرى كيف كبرت ولا كيف تزوجت و لهذا السبب أنا لا أعرف الرجل الذي تزوجته هي ولا هازار يعرفني... أبي عديم الخير بعد أن أرسلني عروسا إلى ألمانيا لم يسأل عني، لم يصبح لدي طفل لعدة سنوات و بعد ذلك أنجبت إبنتي أيلول... لم يمر الكثير حتى فقدت زوجي في حادث سيارة و بعد ذلك قررت العودة و الإستقرار في إسطنبول و في حضني طفلة بحجم اليد... ديلشاه وجدتني و كان بجانبها طفل صغير بعمر السنتين. أخبرتني كيف أن أبي زوّجها غصبا برجل لا تحبه و بعد ذلك هربت إلى هنا مع أحمد كارامان، أحمد الذي كنت أظن أنه والد ميران، كان رجلا طيبا و إعتنى بنا كثيرا لمدة 4 سنوات.  بعد ذلك لم ينجو من يدي هازار شانوغلو الدامية. ديلشاه كانت تكره ذلك الرجل لدرجة أنه لم تذكر إسمه أبدا بعد موت زوجها أحمد، ربما لهذا السبب لم تخبرني حتى أنا أن هازار هو والد ميران الحقيقي"
كل شيء كان عبارة من هذا، ذلك السر لم يذهب معهما للقبر، تم إخفاؤه لسنوات و كان سببا في تدمير حياة بعض الناس. الأب و الإبن لم يعرفا بعض أبدا و عاشا كعدوين كل هذا الوقت. ديلشاه لم تكتفي بتدمير حياتها فقط بل جرّت إبنها و الجميع معها إلى هذه النار.
عندما وصلت ريان إلى البيت كان هناك حمل كبير على ظهرها لا تستطيع حمله. عندما وصلت أمام الباب الحديدي قلّبت حقيبتها و أخرجت مفتاحها ثم دخلت إلى البيت. توجهت إلى المطبخ لتشرب كأسا من الماء و حينها سمعت صوتا قادما من غرفة المكتب فغيرت إتجاهها و قالت:
"ميران؟"
"أنا هنا"
بعد أن تأكدت أن الصوت القادم من الغرفة هو صوت ميران فتحت باب المكتب و دخلت. وجوده في البيت في ساعة مبكرة أضحك وجه ريان و في نفس الوقت آلمها كثيرا، لقد أصبح هذا صعبا جدا. الآن تريد أن تركض إليه و تحضنه و تخبره بالحقيقة  ثم تضمد جروحه واحدا تلو الآخر، لأنها تعرف أن ميران سيتألم كثيرا... و لكنها لا تستطيع فعل شيء سوى الصمت.
"أنا هنا، لكن أنتِ أين كنتِ؟"
بعد أن قال ميران هذا أغلق درج مكتبه بمعصمه  و كان في يده ملف أزرق، وضعه على المكتب و بدأ يقلّب أوراقه ثم قال لريان دون أن يُبعد عينيه عن الملف:
"لقد سألتكِ سؤالا يا ريان"
مازال ميران يحافظ على مسافته تجاه ريان، لقد مر أسبوع على ليلة الخطوبة المشؤومة و لكن ميران لم يعد ميران القديم، كانت ريان تفهم هذا من صوته البارد الذي لم تكن متعودة عليه أبدا و عينيه التي تدمر قلبها. كان ينظر بشكل منكسر... همست ريان:
"و كأنك لا تعرف إلى أين ذهبتُ، لقد ذهبتُ إلى بيت خالتك"
كلما خرجت ريان من البيت كان علي يلحق بها و يأخذها إلى أين تريد ثم يقدم تقريرا إلى ميران. لهذا السبب ليس من الممكن لريان أن تتنفس حتى بدون علم ميران. ربما هذا الوضع لا يعجب ريان و لكن بالنسبة لميران هو نوع من الإحتياط، يظن أنه يحميها من تهديد آزاد.
"الذهاب إلى منزل خالتي ليس من عادتكِ، أنا أسألكِ من أين خرج هذا؟"
قال ميران هذا بكل هدوء ثم وضع عينيه على ريان و كأنه يستجوبها. ريان لا تعرف بماذا ستجيب، أساسا هي متأثرة جدا و قد تبكي في أي لحظة. أحنت رأسها و قالت:
"نعم، هذا صحيح و لكن هذه الفترة أحس نفسي وحيدة و فكرت بأن هذا سيكون تغييرا"
قول ريان بأنها تشعر نفسها وحيدة إنتزع قلب ميران من مكانه، منذ أيام هو لا ينظر إلى وجهها... هو أيضا في حالة مزرية، و كأن روحه تخرج من مكانها، هو يعيش في شك لعدة أيام و يفكر بأشياء غير معقولة. هو متأكد جدا أن ريان تخفي عنه شيئا و لكنها لا تقول أي شيء و لذلك ميران لا يستطيع أن يضغط عليها أكثر. ريان لا تنجح في الكذب، كلما سألها شيئا يحمر وجهها و تهرّب عينيها. ميران الآن لم يعد يعرف كيف سيقترب من ريان.... ترك تدقيق الملفات التي أمامه ثم قال:
"هل أنا من أجعلكِ تحسين بهذا؟"
ثم خطى ميران عدة خطوات نحو ريان، النظر إليها من بعيد و عدم معانقتها في الليالي كم هو صعب... ميران لا يستطيع التحمل أكثر و سيهدم الآن ذلك الجدار الذي بناه بينهما قبل أيام. حبس وجهها الجميل بين يديه و كان ينتظر منها جوابا. كانت عينا حبيبته تنظر بإنكسار ثم هزت رأسها بمعنى نعم.
"و أنا أحس نفسي مخدوعا يا ريان... و أنتِ من جعلتني أحس بهذا"
ريان تكره نفسها لأنها مازالت تنظر إلى عينيه و تستمر في الكذب... عانقت ريان ميران بقوة، صوت ضميرها يخبرها أنها لا تملك الحق لتفعل هذا و لكنها كانت تدافع عن نفسها في داخلها. كل ما تفعله بسبب حبها له و لأنها لا تريده أن يتألم. أساسا في يوم من الايام ريان ستعترف له أنها كانت تعرف كل شيء و ستجعله يسامحها و لكن هذا ليس وقته أبدا... وضعت رأسها على صدره و قالت:
"ميران... لقد إشتقت لحبك لي و إلى حضنك"
إرتسمت ملامح الهم على وجه الرجل الشاب، هو أيضا كان حزينا، إنهزم لحبه لهذه المرأة و حضنها هو أيضا و قال:
"و أنا إشتقت لكِ... أنا آسف لأنني أبعدتكِ عني"
رفعت ريان رأسها و نظرت إلى ميران، لا يوجد وضع ليعتذر عليه، هو كان محقا للنهاية فيما فعله... بقيت ريان صامتة و سلمت نفسها لهذه اللحظة الساحرة، لأول مرة يعانقها ميران منذ عدة أيام و الحال أنها لم تكن تبتعد عن أحضانه أبدا، ريان ليست متعودة على هذا البعد، لقد تعودت على ميران كثيرا في ستة أشهر فقط و غيابه قد يسبب لها الجنون، و كأن هذا الرجل موجود في حياتها منذ سنوات... أغمضت ريان عينيها عندما لمست شفاهه جبينها. لمسة واحدة منه كافية لجعلها تفقد عقلها. سألت ريان وهي فرحة مثل طفلة صغيرة:
"هل هذا يعني أننا تصالحنا الآن؟"
"أساسا لم نكن متخاصمين"
قال ميران هذا بدون إحساس و هذا ما أطفأ حماس ريان، لماذا هو هكذا؟ سألته و الخوف يملأها:
"و لكنك لست سعيدا أبدا؟"
و كانت محقة في هذا، في هذه الأيام ميران ليس في مزاجه أبدا، سبب هذا ليس الإنكسار الذي في قلبه و لا الجرح الذي فتحته حبيبته في قلبه فقط. هناك ألم في داخله لم يخبر أحدا به، هذا الألم يأسره مجددا اليوم و يذكره بأكبر نقص في حياته. مهما مر عليه من الوقت فهو لا يستطيع أن ينسى، و خاصة لا يمكن أن ينسى الرجل الذي كان سببا في هذا.
"هل مازلت غاضبا مني؟"
وضع ميران شفتيه على شعرها و قبّله ثم قال:
"لا، لستُ غاضبا منكِ يا جميلتي. أنا فقط..."
ثم نظر إلى الإطار الموجود فوق مكتبه، كان بداخله صورة قديمة تجمع أمه و أباه، صورة صفراء و ذابلة، هما أكبر جرح في قلب ميران. عندما رفعت ريان رأسها و نظرت إلى الصورة التي ينظر لها ميران شعرت بالخوف، ترى هل عرف شيئا؟ لماذا يتصرف بغرابة هكذا؟
"اليوم عيد ميلاد أمي... لو عاشت كانت ستكون في سن التاسعة و الأربعين"
إبتعدت ريان عن ذراعي ميران شيئا فشيئا، هي لا تعرف ماذا يُقال في وضع كهذا. لقد عرفت اليوم العديد من الأشياء بخصوص والدته، أليسوا في هذه الحالة اليوم بسبب كره هذه المرأة لزوجها و والد إبنها؟ ريان لا تعرف ماهي الحالة التي سيصل إليها ميران حين يعرف أن أمه أخفت عنه والده الحقيقي، كلما فكرت بهذا يرتجف جسدها من الخوف.
"لا تحزن"
هذا ما إستطاعت ريان قوله للرجل الذي تحبه، حتى لو حاول ميران الإبتسام فالحزن الذي في عينيه كان واضحا.
"جزء مني كان ناقصا دائما يا ريان... كنت أشعر بالنقص طول حياتي"
قال ميران هذا وهو ينظر إلى تلك الصورة ثم أدار وجهه و نظر إلى زوجته قائلا:
"و لكنني لا أحزن بعد الآن... أنا إكتملتُ حين جئتِ أنتِ و أحضرتِ إبنتنا إلى حياتي"
أراد ميران أن يرفه عم نفسه قليلا فذهب إلى مكتبه مجددا و واصل تقليب الدفاتر التي فوقه، عندما وجد الملف الذي يبحث عنه جمع البقية. مدت ريان يدها قائلة:
"أعطني لأضعهم في الخزنة"
سلّمها ميران الملفات و عند ذهابها بإتجاه الخزنة كان ميران يتصل بأحدهم:
"صرب، هلّا جئت لأخذ الملف؟ أنا لن آتي إلى الشركة اليوم"
بعد أن وضعت ريان الملفات في مكانها إلتفتت و نظرت إلى ميران و هو أيضا نظر لها و قال:
"بعد أن أعطي هذا الملف لصرب سأخرج، لدي عمل"
"إلى أين ذاهب؟"
"إلى جانب أمي و أبي"
قال ميران هذا ثم إتجه نحو باب الغرفة، بعد خروجه سندت ريان رأسها على الحائط، بعد بضعة ساعات سيصبح أمامها رجل غاضب و جريح جدا، حتى أنه سيكون منهار و مشتت.
ريان أيضا تركت غرفة المكتب و ذهبت إلى غرفة النوم و فتحت الباب. ميران كان أمام الخزانة، نزع قميصه و يرتدي تيشورت رياضي. سألت ريان في حرج:
"هل أستطيع أن أذهب معك؟"
لا تريد أن تترك ميران وحيدا. إلتفت ميران و نظر إلى ريان و على وجهه الدهشة و الفرح، لا بد أنه لم يكن ينتظر عرضا كهذا من ريان.
"إن كنتِ تريدين هذا، تعالي طبعا"
وضعت ريان يدها على بطنها و قالت:
"نعم، نريد هذا كثيرا"
في تلك اللحظة إبتسم الرجل الذي أمامها و الذي كانت تجاهد منذ دقائق لترى إبتسامته. مهما يكون ميران غاضبا من ريان، عندما يكون الموضوع متعلقا بإبنته فإنه يذوب و ينتهي... إقترب عدة خطوات من زوجته و ركع على ركبتيه أمامها و بدأ يلمس بطنها التي كبرت. بعد عدة سنوات لن يذهب لهذه الزيارة لوحده بل سيذهبون كثلاثة أشخاص... قبل أن ينهض على قدميه قبّل بطن ريان لعدة مرات ثم قال جملته الشهيرة التي كلما قالها ينتزع قلب ريان من مكانه:
"لأكون فداءا لكما"....
تقدم ميران و ريان في طريق المقبرة الذي يحفظه، هذا المكان هو بيته الثاني. كان هناك مراسم دفن أمامهما و كان العديد من الناس يذرفون الدموع، تألم قلب ريان. من يعلم كم بكى ميران في جنازة أمه عندما كان طفلا صغيرا؟
كان ميران يمشي بخطى سريعة فإضطرت ريان التي تمسك يده أن تمشي بنفس سرعته. عندما وصلا إلى قبر والديه ترك ميران يد ريان، ذهب أولا إلى قبر أمه و بجانبه بالظبط كان يوجد قبر أحمد كارامان... ريان لا تعرف أن ميران يأتي إلى هذا المكان بشكل دائم و لكن من الواضح أنه يتم الإهتمام جيدا بهذا القبر، تربته مبللة و يوجد العديد من الزهور فوقهما. نظّف الرجل الشاب بيديه الحجارة الصغيرة التي كانت فوق القبر، ريان لم تبعد عينيها عنه أبدا. لم تكن توجد أي إفادة على وجهه و كأنه لا يحس بشيء. هو هكذا دائما، حتى لو مات من ألمه لا يظهر شيئا.
جاء إلى عقل ريان والدها الحقيقي، في كل يوم عيد كانت تذهب مع أمها إلى قبر أبيها الذي لم تره أبدا، في العادة آزاد كان يأخذهما ثم يبقى يشاهدها من بعيد. بينما لم ترى ريان وجه والدها سوى في صورة قديمة و ذابلة كانت أمها تبكي على قبره في صمت. عندما كبرت و أصبحت فتاة شابة سألت أمها دائما: "لماذا تزوجتِ رجلا لا تحبينه بعد وفاة أبي؟" لأن ريان كانت تعرف أن الرجل الوحيد الذي أحبته أمها كان والدها الحقيقي. أما هازار شانوغلو هو أيضا لم يكن يحب أم ريان بل أحبّ والدة ميران دائما، عندما روى قصة ماضيه كانت ريان ترى كيف يرتجف لسانه كلما قال إسم ديلشاه...
عندما رفع ميران يديه إلى السماء و بدأ يدعي، تذكرت ريان والدها الذي رباها، أي والد ميران الحقيقي، ذلك الرجل الذي كان سببا في موت هذين الشخصين: هازار شانوغلو. ترى هل يعذبه ضميره على ما فعله؟ ريان لا تستطيع أن تغضب منه، لقد وقع ضحية جهله قبل سنوات، و لكن لا يوجد أي سبب مقنع يمكن أن يجعل الإنسان قاتلا.
إبتعد ميران عن قبر أمه و ذهب إلى قبر الرجل الذي يظنه والده، جلس على حافة الرخام الأبيض ثم لمس بيده المكان الذي يُكتب فيه إسمه. حتى لو لم ترى ريان ما يحس به ميران الآن فهي متأكدة أن داخله يبكي دما الآن، كم كانت تريد أن تقول له الآن أن والده حيّ و لم يمت... ذهبت إلى جانبه و وقفت خلفه تماما و الحال أن روحها قد عانقت حبيبها منذ مدة، تداعب جروحه و تخبره بأن هذا سيمضي، حتى لو لم يسمع هو... لم تستطع منع دموعها التي كانت تحرق داخلها، كم هو سيء أن ترغب بقول الحقيقة ولا تستطيع. لا تعرف إن كان ما تفعله صحيح أو خاطئ، ربما هو خاطئ تماما و لكن الله يعرف أنها تعيش ضعف الألم الذي يعيشه ميران.
كلما رأت تألم ميران تذهب روح من روحها و لم تدرك أنها كانت تبكي بشدة و إحمر وجهها. عندما لاحظ ميران بكاء ريان إلتفت نحوها في قلق و مسح وجنتيها بيديه ثم سأل في دهشة:
"ريان، لماذا تبكين؟"
لقد سمع كثيرا أن المرأة تكون حساسة جدا أثناء فترة الحمل و لكن ريان حساسة زيادة عن اللزوم هذه الأيام و لهذا السبب كان ميران يفكر مرتين و يقيس كلامه قبل أن يقول لها شيئا... هل لدى ريان إجابة عن هذا السؤال؟ هل ستقول له أنا أعاني عذاب الضمير لأنني أخفيت عنك الحقيقة؟ لا يمكنها قول هذا... مسح ميران دموع ريان بأصابعه، لا يريدها أن تبكي لأنها تحزن عليه، كان يكره أن يشفق عليه أحد أو يحزن على حاله حتى لو كان هذا ريان. رفع وجهها بيده و جعلها تنظر له ثم قال:
"أنا أسألك يا ريان، هل تحزنين علي؟"
هزت ريان رأسها و بدأت تبكي أكثر، فوضع ميران يده في يدها ثم نظر لآخر مرة إلى قبر والديه و قال:
"هيا، سنذهب"
مسحت ريان دموعها و إعترضت قائلة:
"لو نبقى أكثر قليلا؟... لا تهتم لحالي، حقا"
"لقد بقينا بما فيه الكفاية، أنا لا أتحمل أن تكوني حزينة"
عادا من نفس الطريق التي جاؤوا منها و أثناء ذلك توقفت ريان عن البكاء، لو يعرف ميران على ماذا تبكي هل كان سيواسيها هكذا؟ ريان تبكي على ما سيحدث، تبكي لأنها ستشهد إنهيار ميران... ركبا السيارة و ذهبا في طريق المنزل و كان كلاهما صامتان، ميران متعود على هذا الألم، في كل زيارة للقبر كان يحزن هكذا و لكنه لم يتحمل حزن ريان. سحب عينيه عن الطريق و نظر إليها مبتسما:
"دعينا لا نذهب إلى البيت إذا أردتِ؟ لنفعل بعض الأشياء، ما رأيك؟"
مازال وجه ريان عابس، هي لا تظن أبدا أنه بإمكانها أن تتجول و تستمتع في هذه الحالة:
"برأيي لنذهب إلى البيت"
"برأيي أن لا نذهب إلى البيت"
ميران وضع هذا في رأسه، لن يذهب إلى المنزل، غير طريقه ثم قال لها:
"حقا، نحن لم نذهب إلى السينما أبدا هذه الفترة أليس كذلك؟"
عندما هزت ريان رأسها بمعنى نعم إبتسم لها ميران و قال:
"إذا سنذهب إلى السينما"
ريان لا تملك القوة لتعترض الآن، رغم أنها ليست في مزاجها إلا أنها قبلت هذا العرض من أجل ميران. يجب أن تستمتع بهذا اليوم لأنه قد يكون هذا آخر يوم سيضحكان و يستمتعان فيه.
****
عندما خرجا من الفيلم كان قد حل المساء، الساعة كانت حوالي الثامنة و النصف و لكن ميران مازال لا يريد الذهاب إلى المنزل. تناولا طعام العشاء ثم بدآ يتجولان في المغازات. أخيرا رفهت ريان عن نفسها و الآن أصبحت تضحك، أساسا ميران يكون سعيدا عندما تكون هي سعيدة... في كل مغازة يدخلوها كان يزداد عدد الأكياس في يدي ميران، كانت ريان تجد في كل مكان شيئا لتشتريه، كانت تشتري أشيائا لإبنتها بالأكثر، أساسا لقد إقترب الوقت و يجب أن يبدآا في التحضيرات لإستقبال إبنتهما.
آخر شيء تجولا في معرض للموبيليا و أُعْجِبت ريان بغرفة أطفال ذات لون وردي، لمست ذراع ميران و أشارت للغرفة التي أعجبتها ثم قالت:
"أليست جميلة جدا برأيك؟"
"جميلة... جميلة و لكن، برأيكِ ألم يصبح كل شيء وردي؟"
نظرت ريان إلى الأكياس التي بيديه ثم قالت:
"على الأغلب أنت محق، فعلا لقد إشتريت كل شيء باللون الوردي... أنا لم ألاحظ هذا حتى، لماذا لم تحذرني أنت؟"
لم يهتم ميران بكثرة الأكياس التي في يده و قرص أنف ريان بأصابعه و كأنه يداعب طفلة صغيرة:
"لقد أعجبوكِ كثيرا و لم أتحمل أن لا نأخذهم"
ضحكت ريان و لم تقل شيئا ثم أخذت تنظر إلى المغازات مجددا. هذه المرة وقعت عينها على طقم لونه أبيض، قالت في حماس:
"حسنا ماذا عن هذا؟ هل هو جميل؟"
"عفوا... نحن نغلق المحل الآن"
عندما سمعت ريان هذا أدارت ظهرها و رأت البائعة الشابة تبتسم لميران. لماذا لم تقل هذا لها و قالته لميران و تبتسم له أيضا؟ ريان إنزعجت من هذه الفتاة كثيرا... قال ميران إلى تلك الفتاة مبتسما:
"هلّا تسمحين لنا بدقيقتين؟"
و كأن تلك البائعة قد ذابت أمام طلبه هذا فهزت رأسها و هي تبتسم و سمحت لهما بالدخول... إنزعجت ريان من إبتسامات ميران و هذه الفتاة لبعضهما و لكن عندما نظر لها ميران كان وجهها عابسا.
"هيا إذا ما دمتِ تريدين، لننظر حالا"
ذهب حماس ريان في لحظة و بقيت تنظر في غضب إلى الفتاة التي كانت تبتعد عنهما ثم قالت:
"لماذا تبتسم لإمرأة أخرى؟"
نظر ميران إلى الفتاة التي ذهبت ثم إلى ريان في دهشة و قال ضاحكا:
"لا يُعْقل يا ريان!! هل غرتِ من هذه الفتاة؟"
"قلت لكَ لا تضحك لإمرأة أخرى"
قالت ريان هذا وهي تهز بكتفيها، ثم أغمض ميران عينيه و كأنه يقول لقد إستسلمت. إتجه نحو الطقم الذي أعجب ريان قائلا:
"حسنا لن أضحك، هيا لننظر إلى هذا الطقم"
"لا أريده، لقد غيرت رأيي. أساسا لونه مثل ال****"
أدار ميران ظهره نحو ريان في ذهول و قال:
"مثل ماذا؟ مثل ماذا؟... من أين تتعلمين هذه الكلمات؟"
لم تجب ريان و إتجهت نحو مخرج الغمازة أما ميران فقد بقي ينظر وراءها و هو غير مصدّق ثم بعد ذلك لحق بها. البائعة التي واقفة أمام الباب كانت تنتظر خروجهما، قال ميران لها تصبحين على خير محاولا أن لا يبتسم. كم هو صعب فهم حالة ريان التي تتغير في لحظة، آآه من هذه الهرمونات!!
لقد تخلّت عن الغرفة التي أعجبتها فقط لأنها غارت من تلك الفتاة، ترى هل ريان غيورة لهذه الدرجة أم أن الحمل هو سبب هذا؟ إذا لم يكن هذا بسبب حملها فإن ميران إحترق رسميا... حاول ميران اللحاق بزوجته التي كانت تمشي بسرعة ثم قال:
"أنا لا آصدقكِ يا ريان، أولا تعجبك الغرفة ثم تتخلين عنها"
"لقد قلتُ لكَ، لونها كان سيئا"
لقد كانت تمشي بسرعة كبيرة حتى أن ميران وجد صعوبة في اللحاق بها، أساسا لقد أعطته كل الأكياس في يده.
"تلك الفتاة نحيفة أكثر مني، لقد إنزعجت منها كثيرا"
ضغط ميران على شفتيه و همس في داخله: لا يُعْقَلْ. تأتي إلى أنفه رائحة غيرة خطيرة، قال وهو يمسك نفسه بصعوبة كي لا يضحك:
"و أنتِ أيضا نحيفة يا جميلتي"
توقفت ريان في مكانها ثم نظرت إلى ميران بشكل جدّي و قالت:
"أين هي هذه النحافة؟ هل تسخر مني؟ لقد أصبحتُ مثل البرتقالة"
أمسك ميران نفسه كي لا يضحك بصوت عالي، و لكن ريان فعلا لم تكن سمينة، كانت بطنها فقط هي التي تكبر.
"أنتِ حامل يا جميلتي و بطنكِ فقط كبرت"
"دعكَ من هذا... قل لي أنتِ سمينة و إرتاح"
كانت حالة ريان و كأنها ستبكي، نزلا من الدرج و ذهبا نحو مرآب السيارات و هي مازالت تتذمر:
"قالت الطبيبة نيلجون أنني سأكتسب وزنا زائدا خلال ثلاثة أشهر، يعني أنا سأنتفخ مثل البالون أليس كذلك؟"
ثم نظرت إلى ميران نظرات حادة و قالت:
"كل هذا بسببكَ"
نظر لها ميران في دهشة ثم رفع ذراعيه المليئة بالأكياس في الهواء و قال:
"ماذا فعلتُ أنا الآن؟"
"لقد إبتسمتَ لتلك الفتاة"
"يعني أنتِ إكتسبتِ وزنا زائدا لأنني إبتسمتُ لها؟"
"نعم يا ميران"
ضحك ميران و فتح باب ثم وضع الأكياس فيها بينما ريان مازالت تتذمر، ميران أيضا كان يتذمر طبعا و لكن بصوت منخفض قائلا:
"لقد أكلتِ عمري يا ريان😂"
ثم ذهب ميران إلى الباب الأمامي للسيارة و فتح باب ريان ثم نظر لها مبتسما:
"هيا لنذهب إلى بيتنا"
ركبت ريان من الباب الذي فتحه لها ميران و كانت متوترة طول الطريق، كلما رأى ميران حالتها هذه كان يريد أن يضحك بشدة و لكن حاول إمساك نفسه، همس بصوت منخفض:
"بكل تأكيد: الغيرة تجعل الإنسان يكتسب وزنا زائدا"
لقد مرّ هذا اليوم بشكل جميل بالنسبة لميران، ريان كانت مثل كرة التوتر لديه.
*****
بداية يوم البارحة بشكل سيء ثم نهايته السعيدة لا تمنع أن اليوم سيكون مليئا بالتوتر. اليوم ميران في الشركة، إنه يتجول غاضبا في غرفته منذ عدة دقائق في هذا الصباح الباكر. إلتفت إلى باب مكتبه الذي فُتِحَ فجأة بدون إستئذان، القادم كان آردا.
"عساه خيرا؟"
وجه آردا كان عابسا لأن ميران كان يحيك أمورا من خلفه و حين سمع آردا بهذا فقد كل هدوئه، و الحال أنه رجل مهذب و هادئ جدا على الرغم من ميران. قال آردا:
"خلف ماذا تسعى هذه المرة يا أخي؟"
"خلف ماذا أسعى؟"
أجاب ميران بشكل هادئ وهو ينظر إلى الساعة التي في معصمه، هو لم يعرف حقا ماذا يقصد آردا، ترى عن أي أمر مخفي هو يتحدث؟... قال آردا في غضب:
"لقد سمعتُ من صرب... ماذا كان إسم ذلك الطبيب؟... هااا، فرات"
الآن ميران فقد كل هدوءه و سيدمّر وجه ذلك الثرثار صرب بعد قليل، لماذا يخبر آردا بمسألة فرات؟ أغمض ميران عينيه في غضب ثم إتجه إلى المكتب و جلس على كرسيه دون أن يهتم لآردا.
"لماذا تجعل صرب يراقب ذلك الطبيب؟ أنا لا أفهم هذا"
ثم جلس آردا على كرسي أمام ميران و أكمل:
"أساسا أنت لم تخبرني عما حدث في ليلة الخطوبة تلك"
كان ميران يلعب بالقلم بين أصابعه محاولا إخراج غضبه، نعم هو جعل أحدهم يراقب فرات منذ ليلة الخطوبة، هو لا يطيق ذلك الرجل لأنه يخفي شيئا ما، عدم فهمه لما حدث في تلك الغرفة تلك الليلة كان يجعل ميران مثل المجنون، ماهو الرابط الذي بين ريان و فرات؟ سيجن من التفكير.
"هناك شيء ما يا آردا... تلك الفتاة خطيبة فرات، قالت أن ريان و فرات يخفيان شيئا"
كان ميران ينظر إلى القلم الذي بيده أثناء قول هذا ثم رمى ذلك القلم بقوة على المكتب و نظر إلى آردا في غضب:
"أنا أشكّ، هل تفهم؟"
الآن آردا أيضا مندهش من هذا، سند رأسه على يده ثم قال:
"حسنا، ريان... ألم تسألها عن أصل هذا الأمر؟"
"سألتها، سألت عدة مرات و لكن لم آخذ كلمة واحدة منها... هي غير مدركة لهذا و لكن واضح جدا من عينيها أنها تخفي شيئا ما"
"ماذا يمكن أن يخفيا؟"
قال آردا هذا بصوت هادئ، هو أيضا قلق الآن، لا يتطلب الأمر سنوات طويلة لمعرفة إنسان ما، آردا يعرف ريان جيدا و هو متأكد أنها لن تفعل شيئا خاطئا، وهو يعرف أيضا أن ميران متأكد من هذا. لابد أنه شيء تخاف منه ريان و لابد أنها تخفي هذا الشيء خوفا من إغضاب ميران... قال ميران:
"لا أعرف ما يخفيانه و لكن سأعرف... لا أستطيع أن أسأل ريان، لا أضغط عليها خوفا من أن يحدث لها أو للطفلة شيء و لكنني آكل نفسي منذ أيام... بالتأكيد سأعرف، إذا تطلب الأمر ذلك فرات س...."
بقي كلام ميران في المنتصف حين طُرِق باب المكتب، نظر ميران إلى الباب و قال:
"ادخل"
عندما رأى أن صرب هو القادم سيطر الغضب على ميران مجددا، منذ متى هذا الرجل لا يطبّق أوامره و يسرّب كل شيء لآردا؟
"تعال يا عديم الشرف صرب، ادخل"
توقف  الرجل في مكانه بعد الإهانة التي سمعها و بقي ينظر إلى ميران في خوف. عندما لاحظ آردا خوف صرب حاول أن ينقذ الوضع، أساسا لقد بقي يضغط على هذا الرجل طيلة ساعتين ليعرف منه ما حدث و الآن لن يسلّمه هكذا في يد ميران.
"لا يوجد ذنب لصرب يا ميران، لقد سمعت بهذا بشكل آخر. و أيضا ما أهمية هذا؟"
أساسا ميران لن يبحث في هذا الموضوع كثيرا، هو متأكد مثل إسمه أن صرب من أخبر آردا بهذا و لكنه لن يتحامل عليه أكثر... لقد قال لصرب أن لا يأتي إلى مكتبه إلا عندما يكون هناك شيء مهم بخصوص فرات. نظر له و قال:
"ماذا حدث؟ هل وجدت شيئا؟"
"نعم"
قال صرب هذا في حرج، نعم لقد وجد شيئا و لكن لم يعرف كيف سيقوله لأنه يعرف أن ما سيقوله بعد قليل سيُغضب ميران كثيرا.
"اليوم السيد فرات غادر المستشفى باكرا و إلتقى بأحدهم"
"بمن إلتقى؟"
قال ميران هذا دون أن يعرف أن الإسم الذي سيسمعه بعد قليل سيخرب كل موازينه و سيشعل غضبه.
"هازار شانوغلو"
قال صرب هذا ثم أكمل جملته وهو ينظر إلى عيني ميران التي فُتِحت في ذهول:
"هازار شانوغلو في إسطنبول، و هناك شيء بينه و بين المدعو فرات".... يتتبع....

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن