الحلقه 14 - مثل العمر

8.8K 144 5
                                    

يتواصل نزول المطر بكل قوته و هذا الشيء الوحيد الذي كان يثبت لريان أن ما تمر به ليس كابوس و إنما حقيقة. ميران عندما عرف مكان ريان خرج من البيت فورا رغم أن الوقت كان متأخر جدا و بقي يراقب المنزل الذي تبقى فيه ريان لعدة ساعات، لم تكن لديه قوة لا لطرق الباب و الدخول ولا للإبتعاد و الذهاب من هناك. في نهاية اليوم بعد حلول المساء جاء رجل إلى هناك، أثناء طرق الرجل للباب كان ميران يراقبه بفضول و أحس بالغيرة قليلا، و عندما رأى من فتح له الباب تجمد في مكانه، و كأنه طُعِن بخنجر في قلبه، و كأن الغيوم أصبحت حجرا و تسقط فوق رأسه، في تلك اللحظة كان ميران يتنفس بصعوبة و كأن يد مخفية تمسك بحلقه، المنظر الذي أمامه يأخذ روحا من روحه، كان يضغط على يده بأظافره بقوة شديدة لدرجة خروج الدم... و أخيرا رآها، انها ريان، التي تتحدث مع ذلك الرجل هي ريان. حبه المجنون، ألم قلبه و النار التي لم يضع لها إسما. تلك اللحظة أحس بألم لا يمكن وصفه، لماذا تتألم روحه؟ هل بسبب رؤيته لريان بعد شهر؟ أم بسبب ندمه على ما فعله بها؟ لم يستطع وضع إسم لما يحس به. لا الرياح التي تعصف ولا الأمطار التي تنزل كانت كافية لإطفاء النار في قلبه... انتظر ميران حتى أنهت ريان حديثها مع ذلك الرجل و عندما ذهب ذلك الرجل الغريب نزل من سيارته فورا و اتجه نحوها لأنه لم يتحمل أكثر، عذاب الضمير كان ثقيلا لدرجة...
الآن هما أمام بعض، و كأن أعواما كثيرة مرت و ليس شهرا. ريان بقيت تنظر له هكذا و كأنها مشتاقة لسنوات، يده مازالت على ذراع ريان، لم يجد أي كلمة يقولها، استطاع فقط أن يمسكها أما ريان فلم تستطع التحرك حتى من صدمتها. هي محقة في صدمتها، لم تكن تنتظر رؤية ميران مجددا أبدا، عندما تركها هذا الرجل لم يكن يبدو عليه أنه سيخرج أمامها مجددا أبدا.
قال ميران و كأنه قرأ عقل ريان:
"أنت محقة في صدمتك... لم تنتظري رؤيتي... لم أكن أود الخروج أمامك بهذا الشكل... أنا آسف"
هذه الإجابة الوقحة كانت مثل الصفعة على وجه ريان، ميران قاتل أحلامها، يقف أمامها بشحمه و لحمه.
"أنت...."
شفتاها الأسيرتان لصدمتها لم تستطع قول أي شيء آخر. ماذا يفعل ميران هنا بعد كل ما حصل؟ لم تكن تعلم. تريد أن تفعل العديد من الأشياء الآن مثل الصراخ و تقيأ غضبها و الأهم سؤاله مرة أخرى: لماذا فعلت هذا؟
نظرت إلى عيني ميران، رأت شيئا لم تره من قبل أبدا، هو الآن جريح و متعب كما لم يكن من قبل. الآن لاحظت أن ذراعها في يد ميران، سحبت يدها بقوة ثم تراجعت خطوة إلى الوراء.
"ريان..."
"إياك !!"
صرخت ريان في وجهه و تحولت عيناها إلى كرتي نار، الإفادة التي على وجهها أحرقت قلب ميران، الآن تغيرت الأدوار، ريان هي المليئة غضبا و ميران هو الذي ينظر لها بعيون متوسلة.
"إياك أن تلفظ إسمي، إياك..."
ميران كان ينتظر ردة فعلها هذه. ماذا كان سيحصل؟ هل كانت ريان ستركض و تعانقه عندما تراه؟ و لكن رغم ذلك انكسرت أشياء كثيرة في داخله.
"اسمحي لي بأن نتحدث"
قال ميران بصوت منهك، إذا لم تعطه ريان هذه الفرصة لا يعرف كيف سيكون. حقا متى وصل ميران إلى هذه الحالة؟ متى أصبح يحتاج لهذه الفتاة مثل حاجته للماء و الطعام و التنفس؟
"عن ماذا سنتحدث؟ هل عن كيف تركتني و ذهبت مثلا؟ أو كيف خدعتني؟ أو عن كيف كنت تستهزأ عندما قلت لك أنني أحبك؟"
كان في صوت ريان الكثير من الغضب و قليل من الإستهزاء و الصدمة. ثم توقفت و وضعت شعرها الأسود خلف أذنها و قالت بكل الكره الذي بداخلها:
"أم ستحدثني عن كيف تزوجت مرة أخرى رغم أنك متزوج؟"
صمتت و نظرت إلى ميران، رغم كل شيء أرادت أن ينكر هذا و لكن للأسف كان الرجل صامتا، ريان لم تخطئ و كم كانت تريد أن تكون مخطئة.
ضغط ميران على شفتيه و فهم مرة أخرى كم سيكون صعبا وصوله لريان. لم يكن يعرف كيف و متى عرفت ريان بزواجه من جونول و لكن لم يتفاجئ، في النتيجة لا تبقى أي حقيقة مخفية للأبد أليس كذلك؟
"كل شيء ليس كما تعرفين"
قال ميران ثم مد يده نحو ريان مجددا و لكنها ابتعدت خطوة و نظرت و كأنها تشمئز منه.
"لا تفعلي هذا يا ريان أرجوك، اسمحي لي بأن أشرح لك"
و الحال أنه لا يعرف مالذي سيشرحه، لا يملك أي سبب مقنع يدافع به عن نفسه غير هذا الألم الذي يحرق قلبه.
عندما ذهبت ريان نحو المنزل بقي ميران ينظر وراءها هكذا، ليست لديه نية للإستسلام. مهما كان الأمر صعبا سيحارب حتى النهاية... قالت ريان قبل دخولها المنزل:
" أنت رجل متزوج، اذهب إلى بيتك و تصرف و كأنني لم أكن في حياتك أبدا. لأن رؤية وجهك مجددا سيكون أسوأ ثاني شيء يحصل لي في الحياة"
"و ماهو الأول إذا؟"
"خداعي من طرف إنسان مثلك..."
ثم ضربت الباب بقوة و دخلت و بقي ميران يتألم وراءها. أبواب ريان لأول مرة تُغْلَق في وجهه، من يعلم بعد الآن كم مرة سيعيش هذا المشهد؟ كم مرة سيحاول إسماع صوته لريان وراء هذه الأبواب المغلقة؟ ميران في أعماق العجز الآن، هو واقف أمام هذا الباب يواصل إنتظار تحت الأمطار أما ريان كانت جالسة ترتعش، كانت قوية أمام ميران و هذا ما أدهشها... لم تعرف أين تضع يديها المرتجفتين فوضعتهما على بطنها ثم اصفر وجهها و جاء إحتمال مرعب إلى عقلها عندما سألتها أليف ماذا يحدث، لقد عرفت مؤخرا أنها حامل. أم أن ميران كان يراقبها منذ البداية و سبب ظهوره أمامها هو رغبته بأخذ طفله؟
قالت ريان لأليف بصوت مرتجف:
"ميران هنا... لماذا جاء يا أليف؟ ماذا يريد مني؟ مالذي بقي ليآخذه مني؟"
ثم سحبت يدها من بطنها و وضعتها على شفتيها، كانت ترتجف من الخوف مما ستقوله:
"أم انه يريد طفلي؟ هل يمكن أن يكون يعرف بهذا يا أليف؟"
أليف لم تتجاوز بعد صدمة أن ميران أمام الباب، تحولت إلى مجنونة أمام أسئلة ريان المتتالية و لكن استجمعت نفسها بسرعة، الخالة صدّيقة نائمة يجب أن تكونا هادئتين.
"كوني هادئة يا ريان، ابقي في الغرفة، سآتي فورا"
"توقفي لا تذهبي. لا تفتحي له الباب. أنا خائفة... أنا خائفة جدا"
رغم خروج ميران أمامها في حالة منهية و مزرية و بعينين مليئة بالندم كانت خائفة منه، ليس بيدها، لقد تعرفت على وجهه المرعب لمرة و فهمت أي رجل هو. لا حدود لما يمكنه فعله.
"لن يحدث شيء، انتظري فقط"
تركت أليف ريان في الغرفة و خرجت. هي الآن غاضبة جدا، بأي حق يخرج ميران أمام ريان؟ وصلت إلى باب المنزل بخطوات هادئة و ارتدت معطفها. عندما فتحت الباب قليلا ملأ صوت المطر أذنيها، أخرجت رأسها قليلا و رأت ميران واقف على بعد خطوات منها متكئ على الحائط و ينتظر هكذا، نزل شعره المبلل على جبينه، هو في وضع مزري.
أليف لم تصدق أن الذي أمامها هو ميران، ماذا حدث لهيبته التي تذيب الجبال؟ و أين هو غضبه الكبير و كبرياؤه الذي لا ينزل؟
"ماذا تفعل هنا؟"
بعد أن قالت أليف هذا ابتعد ميران عن الحائط و اقترب من أليف و وجّه عينيه نحو الباب بأمل. قالت أليف بعصبية:
"لا تنتظر على الفاضي. لن ترى وجهها بعد الآن أبدا"
"يجب أن أتحدث... يجب أن أتحدث مع ريان"
و كأنه غير مهتم بما قالته أليف و كان كأنه يتوسل إليها.
"مالذي بقي لتقوله؟ ألست عبارة عن كذبة كبيرة و انتهت؟"
عينا ميران مازالت على باب المنزل، كان يمسك نفسه بصعوبة كي لا يرتكب جنونا و يدخل إلى المنزل. قال مجددا:
"يجب أن أتحدث مع ريان"
"اذهب من هنا و إلا سأتصل بالشرطة، أو سأصرخ قائلة هذا لص و أجمع كل الحي حولك"
استهزأ ميران بتهديدات أليف السخيفة، هل هو شخص يخاف من هذا؟ لم يجد حاجة حتى للإجابة على هذه التهديدات الجافة، تخطى أليف و ذهب إلى باب المنزل ثم صرخت اليف:
"إياك أن تخطو خطوة داخل المنزل"
و لكنها تأخرت... ميران الآن داخل البيت...
حتى لو كان يدخله لأول مرة فهو لن يجد صعوبة في إيجاد ريان، لأنه مجرد بيت صغير مكون من بضعة غرف. أثناء بحثه عن ريان بعينيه في داخل البيت خرجت أمامه إمرأة مسنة من الواضح أنها كانت نائمة:
"من أنت؟"
أبعد ميران نظراته عن السيدة صدّيقة و نظر إلى الغرفة التي أمامه، ذهب نحوها بسرعة و بقيت السيدة صدّيقة وراءه قائلة:
"من أنت يا بني؟ ماذا تفعل في بيتي في هذا الوقت من الليل؟"
ثم لحقت بها أليف و قالت في غضب:
"هذا هو... لنفعل شيئا يا خالة صدّيقة، يمكن أن يؤذي ريان"
أحست أليف بالندم لأنها لم تسمع كلام ريان قبل قليل و فتحت الطريق أمام ميران ليدخل المنزل... ميران الآن أمام الغرفة التي تبقى فيها ريان، وضع يده على المقبض لفتح الباب و عندما لم يُفْتَح وضع يده على الباب و قال بصوت منكسر:
"ريان... طلبي الوحيد هو التحدث معك، لا تستكثري هذا علي أرجوك"
ريان كانت وراء الباب مباشرة، راكعة على ركبتيها و الخوف يملأها، وضعت يدها على بطنها و اليد الأخرى على شفتيها، كلما سمعت صوت ميران ينبض قلبها بشدة و لكن هذه المرة ينبض من الخوف و ليس من الحب... و كأن ميران احس بخوفها:
"هل تخافين مني إلى هذه الدرجة يا ريان؟ لن أفعل شيئا... صدقيني أريد فقط التحدث معك"
"هل انت رجل لا يُخاف منه؟"
خرج هذا الإعتراف من فم ريان فجأة، حتى هي تفاجئت من نفسها و لكن لم تكن تريد أن تبدو ضعيفة أمام ميران:
"اذهب من هنا، صدقني لا أريد شيئا غير هذا الآن"
"ريان... أرجوك"
"اذهب، اذهب، اذهب"
مع كل كلمة "اذهب" تقولها كانت كأنها تطعن سكينا في قلبه، ضغط على لكمته ثم ضرب الباب بقسوة. لا هي لا تفهم، لماذا تهرب؟ هي لم تفعل شيئا تخجل منه، بينما كان يجب أن تقف هي أمام ميران و تواجهه، لم تهرب؟ في الواقع ريان تهرب من مشاعرها و إلا هذا الحب و وجود هذا الرجل سيكون نهايتها.
قال ميران في استسلام، الآن هو الذي يركع على ركبتيه:
"أنا كنت أعرف إساسا... انك لن ترغبي برؤيتي، و عندما ترينني ستنظرين بإشمئزاز هكذا... كنت أعلم و لكن عيش هذا صعب جدا، لا يتقبل الإنسان هذا"
بعد كل ما حصل و بعد كل ما فعله لها استغربت ريان طلبه للحديث معها، هما ليسا شخصين انفصلا لسبب عادي، العلاقة التي بينهما أخذت بعدا مقرفا، لا يوجد ما يمكن التحدث فيه. ميران في نظر ريان ليس سوى رجل خانها أكبر خيانة يمكن أن يخونها رجل لإمرأة. صرخت ريان:
"أنا لا أصدقك... لا أصدق رجلا مثلك. لو كان بيدي كنت أود أن أحطم وجهك بيدي و لكنك لا تستحق حتى النظر إلى وجهك"
ميران أساساً تحطم تحت وقع هذه الكلمات، عدم عثوره على كلمة يقولها و عدم وجود سبب ما يدافع به عن نفسه تركه عاجزا هكذا، لم يحس نفسه عاجزا هكذا من قبل، هذا الشعور غريب جدا عنه، لم يبق سوى أن يركع و يتوسل إليها، لم يكن يصدق نفسه. ريان الآن لم تترك له شيئا ليقوله، كل الذي كان بينهما أنهته من جذوره.
ماذا عن ميران؟ هل هو راضي عن هذا؟ هو المذنب، هو الذي لوث الحب الطاهر الذي بينهما بيديه. ترك روحا بريئة و ذهب دون أن ينظر وراءه حتى.
وضع يديه بين ركبتيه و أغمض عينيه في بيت هو غريب عنه، وراء هذا الباب توجد الفتاة التي يريد أن يمضي عمره وهو ينظر إلى عينيها، و الحال أنه مجرد رجل قذر في عيني هذه الفتاة. كم هذا مؤلم... و لكن لأول مرة يتم رفض ميران كارامان.
كان سيذهب و لكنه لم يستطع التحرك من مكانه حتى، كلمات ريان كانت ثقيلة لدرجة انقطعت طاقة ساقيه، لم يجد القوة ليقف على قدميه. فتح عينيه على الأصوات التي سمعها في تلك اللحظة، هناك حركة و ضجيج أمام المنزل، إنه صوت سيارة الشرطة، بعد قليل ستدخل الشرطة و سيتم إعتقاله بتهمة إقتحام منزل. هل كان مهتم؟ لا يهتم بمقدار ذرة.
"ميران كارامان؟"
عندما وقف الشرطي فوق رأسه و لفظ إسمه نظر له ميران. كان وضعه يوحي بشخص مظلوم في حالة تدعو الشفقة و ليس كشخص استخدم القوة و إعتدى على منزل. نظر إلى الشرطي و كأنه يقول له ماذا هناك؟
"ستأتي معنا"
عندما مد الشرطي يده لميران كي يوقفه على قدميه، دفعه ميران بقوة. هذه الحركة أغضبت الشرطي فنزل إلى الأرض و بيده الكلبشات:
"ماهي مشكلتك في هذا الليل يا هذا؟"
ميران لم يجبه، كيفما كان فهو تنتظره ليلة طويلة بين جدران السجن المظلمة، عندما تم سحبه من الأرض و في يديه الكلبشات انحنى نحو الباب لآخر مرة و قال:
"ستندمين... سأجعلك تندمين على كل الكلمات التي قلتها قبل قليل"
كان صوته واثقا عنادا بحالته قبل قليل، لقد تحول مجددا إلى ذلك الرجل. ريان ضغطت على شفتيها عندما سماعها هذا التهديد، ماذا كانت تنتظر؟ ميران الذي تعرفه هو رجل كهذا. عندما لا يحصل على ما يريده يصبح ظالما وقحا هكذا.
"لا تقصر فيما تستطيع فعله... لن تستطيع فعل شيء لي بعد هذه الساعة"
أخذ ميران نفسا عميقا و استجمع كلماته لآخر مرة:
"أنا لن أفعل شيء... و لكن أنت ستندمين"
ثم تم إخراجه من البيت بقوة الشرطة، كانت أليف تنظر له و كأنها حصلت على انتصار كبير. ميران لم يرفع رأسه من الأرض، لقد خمن أن هذا اليوم سيمر بشكل سيء و لكن ليس إلى هذه الدرجة. عندما خرج من باب المنزل كان وجها لوجه مع ذلك الرجل، لم يكن التعرف عليه صعب، هذا الرجل هو فرات، حتى لو كان لا يعرف إسمه بعد فهذا هو الرجل الذي كان يتحدث مع ريان أمام الباب قبل ساعتين. نظر له بشكل سيء لدرجة فرات لم يعرف ماذا سيقول من دهشته. من هذا الرجل و ماذا يريد من ريان؟ ميران لا يعرف هذا و لكن بالتأكيد سيعرف، وجود رجل آخر بجانب ريان كان كافي و يزيد لإخراجه من عقله. مازال ينظر لفرات بشكل غاضب أثناء سحب الشرطة له ثم قال لفرات:
"احفظ وجهي جيدا.. بعد الآن ستراه كثيرا"
كان ميران متأكدا أن هذا الرجل هو الذي استدعى الشرطة، أو أيا كان فسيجعله يندم كثيرا...
كانت الساعات و كأنها لا تمر، كان التعب يحتل جسد ميران بعد الليلة المؤلمة التي أمضاها في ذلك الجحر. رغم ذلك هو الآن يقوم بخطط جديدة. هو في بيته الجديد الآن، خطى أول خطوة في حياته الجديدة بإتخاذ قرار الطلاق من زوجته. بعد أن ترك المنزل لها بدأ بالبحث عن ريان، تلك المقابلة الأليمة ليلة البارحة، نعم نهايتها لم تكن جيدة و لكن مقارنة بيوم أمس فإنه يقف كرجل مختلف تماما أمام المرآة الآن.
ارتدى قميصه الأبيض و أخذ ساعته الجلد الفخمة، هو يفكر بكل ما حصل ليلة البارحة و خصوصا ذلك الرجل الذي لا يعرف إسمه، عبس وجهه و ملأه الغضب. عندما طُرِق الباب عاد إلى وعيه و ذهب ليفتح بخطى مسرعة، القادم كان آردا، كان متكئا على الباب و ينظر لميران بإبتسامته المعتادة. دخل إلى البيت وراء ميران و نظر له قائلا:
"بيت جميل يا أخي"
كان ميران يبحث عن مفاتيح سيارته التي نسي أين وضعها، فتوقف فجأة و نظر لآردا قائلا:
"ألم نختر البيت مع بعض يا بني؟ هل أنت ذو ذاكرة سمكة؟"
"و أنت ليس لديك مفهوم المزاح أبدا، قلتها في سياق الحديث"
للأسف ميران ليس في مزاجه مثل آردا، وجهه عابس كالعادة، الإبتسام كان مخالفا لطبيعة هذا الرجل:
"مزاجي ليس في محله"
"واضح... واضح أنك تدمرت"
خبر إمضاء ميران ليلته في المخفر وصل إلى آردا أولا، اضطر الرجل الشاب على الذهاب إليه في ذلك الوقت من الليل. لم يكن يعرف ماذا فعل ميران في ذلك البيت و لكن لم يتفاجئ بإنتهاء الليلة هكذا، سأل ميران في الصباح عما حصل لكنه لم يستطع أخذ كلمة واحدة من فمه.
"لم أتدمر.. دمرتني الحبيبة يا أخي"
ثم ابتسم ميران بشكل مؤلم، أما آردا الذي ليس معتادا على سماع كلمات كهذه من ميران كان مندهشا:
"العشق أطلق لسانك... لنرى ماذا سيطلق أيضا؟"
"لم أفهم؟"
"لا شيء، أقول هيا لنخرج. لا أريد أن نتأخر"
"لم تكتمل تحضيرات المنزل. عندما نذهب إلى الشركة سأرسل علي ليهتم به طول اليوم"
عندما هز آردا برأسه أثناء إستماعه لميران رآه يبتسم فتوقف متفاجئ و قال بفضول:
"لماذا تبتسم؟"
"لا شيء. خلال بضعة أيام ستأتي ريان إلى هذا البيت. أنا أضحك على هذا"
تحول وجه آردا إلى رجل غاضب فورا:
"أعتقد أنك لم تأخذ نصيبك جيدا البارحة. ريان فعلت بك ماهو أسوأ من الطرد ثم طلبت الشرطة و جعلتك تمضي ليلتك في المخفر. كيف تكون متأكدا هذا أنها ستأتي إلى هنا خلال أيام؟"
"لنقل حدس... حدسي غالبا يكون محقا، أنت تعلم هذا"
"ماذا ستفعل؟ هل ستحضرها إلى هنا بالقوة؟ ألن تعقل أبدا يا بني؟"
"لا تترك لي حلا آخر. أريد التحدث معها و هي لا تسمع حتى"
"جيد ما فعلت، لو كنت مكانها... "
عندما نظر له ميران بغضب ابتلع آردا بقية كلامه. رغم أنهما صديقان حميمان أمضيا سنواتهما معا إلا أنهما كانا يختلفان كثيرا في طريقة التفكير، مثل هذه اللحظة.
"هل أنت صديق أم عدو؟ أحيانا يراودني الشك"
"و سؤالك هذا يجعلني أقع في شك"
واصلا طريقهما نحو السيارة و هما يتجادلان هكذا و تواصل هذا حتى وصولهما إلى الشركة. آردا لم يكن يريد أن يُهْزَم ميران و لكن لم يكن يريد أن يُهَان. ربما هكذا يمكنه أن يفهم آنه لا يستطيع الحصول على ما يريده بالقوة في هذه الحياة.
"أنا لا أستطيع فهمك، حتى لو تموت من ألمك لا تنزل أنفك ذاك من السماء. لماذا تتصرف بغرور هكذا؟"
بقي ميران هادئا رغم غضبه أما آردا الذي لم يأخذ إجابة عن سؤاله واصل كلامه و قد وضع يده على كتف ميران:
"في النهاية ستفهم... ستفهم عندما تركع على ركبتيك و تتوسل، ستفهم أن القوة لا تكف..."
قاطع ميران كلام آردا قائلا:
"لا شيء... لا يوجد شيء في هذه الحياة يمكن أن يجعلني أركع و أتوسل"
أمضى ميران ليلته في المخفر و صباحه في تجهيز البيت الجديد و بقية اليوم أمضاه في الشركة. كان مدركا أن جسده متعب جدا و لكنه لن يستسلم.
رغم كل ما حصل نهض من كرسيه مستمدا القوة من الأمل الذي في
داخله. سيذهب مجددا، البيت الذي تم إخراجه منه ليلة البارحة بقوة الشرطة سيذهب إليه اليوم دون كلل أو ملل.
ليس لديه وقت ليخسره، هو يعلم أن آزاد أيضا يبحث عن ريان، يجب أن يأخذ ريان إلى جانبه قبل أن يصل إليها آزاد. حسب رأيه ريان ستكون في أمان بجانبه هو فقط. ماذا سيحصل لو يجد آزاد ريان قبله و يأخذها إلى ماردين؟ هذه المرة يصبح الأمر مستحيلا فعلا و نهايته ستكون دامية بلا شك.
رغم كل هذا هناك ما لا يفهمه ميران، هدوء هازار شانوغلو كان يبدو غريبا له. رغم أنه فتح حربا عليهم و أعلن عداوته علنا إلا أن الرجل لا يحرك حتى شعرة. لماذا؟ أم انه يخطط لأشياء أخرى؟ لماذا آزاد فقط خرج أمامه؟ رغم فعلته الدنيئة لماذا لم يعطيه عقابا هذا الرجل؟ كان ميران يأخذ إحتياطاته أكثر كلما فكر بهذا و لم يجد سببا. أكبر ورقة معه ضد تلك العائلة ستكون أخذ ريان إلى جانبه
دخل آردا إلى غرفته فجأة، من عادتهما الدخول إلى غرف بعض دون طلب الإذن أو طرق الباب. أنهى آردا أعماله و كان على وشك الخروج. قال له ميران:
"أنا ذاهب إلى البيت الذي تبقى فيه ريان"
"ماذا ستفعل؟ بيت تم طردك منه، هل ستدخل من المدخنة هذه المرة"
"إذ اظطررت نعم. سأجرب كل الطرق حتى تقبل ريان التحدث معي"
ضحك آردا على كلام ميران و كأنه يستهزئ، الرجل الذي أمامه كان عبارة عن حطبة، لا يكفي أنه لا يفهم لغة النساء و لكن حتى تصرفاته كانت فضّة مثله.
"لنقل أنها وافقت و قبلت التحدث معك. ماذا ستقول لريان؟ هل ستقول أنا نادم جدا، سامحيني و هيا نذهب إلى بيتنا و نواصل زواجنا الكاذب حيث توقفنا؟"
بينما كان ميران ينظر هكذا، ترك آردا المزاح و أصبح جادا:
"علاقتكما أو ذلك الزواج المزيف ليس مجرد حدث عادي يا ميران. يقولون أن الصديق الحقيقي يقول ما يؤلمك، أنتما لا تملكان أي فرصة و لا أعتقد أن ريان ستسامحك. مهما كان الحب الذي في داخلها كبيرا فإن الكره يتغلب على ذلك الحب"
كان آردا حزين لأنه يقول كلمات ستطفئ آمال ميران و لكن سبب كل هذا هو أنه لا يريد أن يحزن ميران. أما ميران لا يفكر مجرد تفكير حتى في التراجع:
"حسنا... ماذا سيحدث بالحب الذي بداخلي؟"
اقترب آردا من صديقه، نظر له و ابتسم، كان يريده أن يفهم:
"تظن أنه إذا تم التفريط بحبك ستنتهي الدنيا أليس كذلك؟ كم من حب أعمى ذهب و انتهى في هذه الدنيا... ماكان ذنب المجنون الذي لم يجتمع بليلى؟ هل حب الشهيد لوطنه أصغر من حبك أنت؟ انظر... حتى في هذه اللحظة و نحن نتحدث كم من حياة تنطفئ و كم من عشق ينتهي و يتحول إلى جرح ينزف طول العمر، هل تحس بهذا؟"
"ماذا يعني؟ هل تريد أن أصبح أنا أيضا هكذا؟ هل تقول لي تألم قدر ما تشاء و انْسَ ريان؟"
"لا... انا فقط أريدك فقط أن تضع في عقلك احتمال الخسارة أيضا..."
ريان كانت تجلس في مكانها المعتاد و تشاهد السماء لا تدري ماذا سيحصل بعد قليل. منذ أن رأت ميران البارحة وهي قلقة و نفسيتها متعبة، كانت تشعر بالحرج رغم مساندة السيدة صدّيقة و فرات لها. لقد كانت سببا في قدوم الشرطة للبيت في وقت متأخر من الليل و ربما أوقعتهم على لسان الجيران. ثم قالت لأليف الجالسة بجانبها:
"لقد تحدثت مع أمي قبل قليل، انهم بخير، الجميع بخير"
أخذت ريان نفسا عميقا ثم نزلت دمعة من عينيها:
"أنا كنت زائدة في ذلك القصر، و كأنهم كانوا ينتظرون ذهابي"
"لا تقولي هذا، أنت التي اخترت عدم العودة إلى القصر. و ربما أمك تقول لك أنهم بخير كي لا يبقى عقلك معهم"
"أنا لم أختر هذا يا أليف، أنا أُجْبِرْتُ على الإختيار. هل كان لدي فرصة كي أعود إلى ماردين؟ في هذه الحالة" ثم وضعت يدها على بطنها..."هل سيكون لدي الحق في تحديد مسار حياتي هناك؟ هل تفكرين ماذا يحصل إذا عرفوا أنني حامل؟"
"هل أخبرت أمك؟"
"بماذا؟"
هل تقصدين عثور ميران علي أم تقصدين طفلي؟"
"الإثنين"
"ليست لدي نية بقتل أمي من الخوف يا أليف. لتعرف أنني هنا في أمان دائما"
"الخالة صدّيقة ستلمح لها غدا أو بعد غد، سترين"
"لقد تحدثت معها، لن تقول شيئا... آساسا أنا أصبح عبئا عليهم، ليس لي فرق عن لاجئة و ليس لدي مكان أذهب إليه"
"في الواقع أنا لدي فكرة... لو أنفصل أنا عن المبيت الذي أبقى فيه و نستأجر أنا و أنت بيتا معا و نعتني ببعض. إخوتي لن يقولوا شيئا، يسمحون لي"
"كيف سيحدث هذا؟"
"يحدث، يحدث. ليس لدينا مشكلة نقود"
"و لكن أنا لدي مشاكل أكبر، سيسقطون على رأسي فورا، إما ميران أو عائلتي. لا يوجد لدي راحة أبدا في هذه الحياة"
"أساسا أنا لم أفهم مالذي يريده ميران. على أساس أن إنتهى عمله معك؟ و أساسا أليس متزوج هذا؟"
بقيت كلمات أليف معلقة بسبب الضجة التي سمعتها في الخارج ثم نظرت الإثنتان من الشباك فرأتا ميران واقف أمامهما، حتى أنه كان يراقبها منذ 5 دقائق ولم تلاحظ هذا... ميران رمى حجرة على الشباك كي يلفت إهتمام ريان، و على بعد خطوات منه كان يقف آردا و يشاهده و لم يستطع إمساك نفسه عن الضحك عندما كانت الحجرة التي رماها ميران ستتسبب في كسر الشباك:
"لا يمكن هذا يا أخي، لو أنك كسرت الشباك"
"اصمت يا آردا"
ميران ليس لديه حال ليرى آردا الآن، لأنه الآن أمامه بالظبط تقف أمامه جميلة الجميلات. مهما كانت تنظر له بعينين مليئة بالخوف، هذه اللحظة كانت مثل العمر بالنسبة لميران. لو كان يعرف أنه سيحس بإحساس جميل هكذا في يوم من الايام، كان سيتخلى عن كل ما لديه من أجل هذا بلا شك... لماذا لا نعرف قيمة بعض الأشياء إلا بعد فقدانها؟ مثل العمر... مثل العشق... يتتبع...

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن