الحلقة 26 - ستولد الشمس - الجزء الثانى

9.1K 149 6
                                    

الجزء الثاني من #رواية_زهرة_الثالوث 🦋

رفعت ريان رأسها و نظرت إلى وجه ميران، لقد نزلت دمعة من عينيه التي لم يستطع فتحها بعد. ثم تسللت تلك الدمعة بين لحيته، ميران كارامان يبكي مجددا، هذه المرة ليس لأنه خسر... بل لأنه فاز.
سمع ميران صوتا بعيدا و لكنه مألوف جدا و في خياله صورة إمرأته. كانت هي السبب الوحيد الذي يربطه بالحياة في تلك الأيام التي يصارع فيها روحه، لم يكن يستطيع فتح عينيه، ليست لديه قوة لهذا و لكن لم تُمسح صورة تلك المرأة التي تزيّن أحلامه من خياله. ذلك الصوت الرقيق ثقب الحفرة المظلمة التي كان يعيش فيها لأيام.
تلك الكلمتين التي إنتظر أن يسمعهما لمدة طويلة، سمعهما الآن وهو لا يستطيع التحرك. هل كان يجب أن يكون في هذه الحالة كي يسمعها؟ هل كان يجب أن يخسر حياته كي يسمع تلك الكلمة التي إنتظرها لأشهر طويلة؟ إن كان يجب أن يدفع ميران ثمن ما فعله بريان فهو دفعه بشدة.
مازال ميران لا يفتح عينيه، ظلامه كان عميقا بشكل، لا يستطيع التخلص منه. لكنه يحسّ، تلك المرأة التي يحبها لدرجة أن يفدي روحه بنظرة منها، كانت تتنفس فوق صدره. ميران كان يصارع كي يفتح عينيه و صوت ريان كان مثل الموسيقى في أذنه لكنه لم يستطع فهم ما تقوله حبيبته بأي شكل. كم هذا صعب، كل ما يراه حوله هو الظلام الدامس، مشى كثيرا و لكنه لم يصل إلى مخرج، تعب من المشي و لا يرى سوى الظلام. في تلك اللحظة هناك يد أمسكت ميران من يده، تلك اليد الدافئة التي لمست جسده البارد لم تكن غريبة عنه أبدا، ثم خطى خطواته إلى الطرف الذي أخذته له تلك اليد بدون سؤال. يمشي في الظلام مع تلك اليد دون أن يعرف إلى أين يذهب و لكن كان يبحث عن نور، و حدث ما كان ينتظره.
تلك اليد التي لا يعرف يد من تكون، قد فتحت له بابا كبيرا و تحول الظلام إلى نور و بدأ ميران يفتح عينيه قليلا. تلك اليد الغريبة التي أمسكته من يده أرادت تركه و لكن ميران لم يكن يريد أن يتركها. مد يده كي يمسك مجددا يد ذلك الشخص الذي لم يرى وجهه ثم هربت دمعة من عينيه التي يحاول فتحها.
هنا... لا هذه حفرة مظلمة ولا ميران كان محبوسا فيها، إنها مجرد غرفة مستشفى، لم يستطع ميران أن يمسك يد ذلك الشخص مجددا و لكن يده التي بقيت في الفراغ في أحلامه، كانت في الواقع على بطن حبيبته... طيلة تلك السنوات لم يرى سوى الكوابيس في نومه، و لكن هذا الحلم أليس جميلا جدا؟
بقيت ريان متجمدة في مكانها، عندما أحست بيد ميران على بطنها رفعت رأسها و رأت تلك الدمعة التي فرّت من عينه، ميران يبكي و يحاول فتح عينيه، و الأهم، هو يلمس بطنها... ترى هل سمع كل ما قالته؟ بدأت ريان ترتجف، هذه اللحظة و كأنها تشهد معجزة و لا تصدق ما تراه. اليد التي تلمس يدها فقدت قوتها شيئا فشيئا و وقعت على السرير، و لكن تلك العيون الزرقاء التي بقيت مشتاقة لها هي الآن تنظر لريان. منذ أيام كانت تشاهد هذه الغرفة من وراء الزجاج، لم تكن تستطيع لمس ميران ولا رؤية عينيه. هذا إمتحان ثقيل، أن ترى الرجل الذي تحبه منهار هكذا، و معرفة أنها سبب في هذا ولو قليلا، صعب جدا.
اقتربت ريان من السرير، لم تكن تستطيع التنفس حتى، ماذا ستقول؟ و كيف ستبدأ بالكلام؟ حقا، ماذا يُقال في وضع كهذا؟ إنها في صدمة الآن و ليست متأكدة حتى من فتح ميران لعينيه. وضعت يدها على جبين ميران ثم داعبت وجنتيه بيدها و مسحت دموعه قائلة:
"ميران، أنت... هل أنت تبكي؟"
ميران كان صامتا في تلك اللحظة، كل ما يريده هو مشاهدة وجه حبيبته و لو لعدة ثواني، و مع ذلك لم يكن يريد ترك سؤال ريان بلا إجابة. أغمض عينيه و فتحهما بهدوء، هذا يعني القبول. هذا الرجل الذي لم يكن يتقبل البكاء حتى عندما كان صغيرا، هو الآن يبكي بكل راحة. لأنه يعرف، من لديه قلب، يبكي. الإنسان لا يستاء من هذا.
"لماذا؟... لماذا تبكي يا ميران؟"
احتمال أن يكون ميران قد سمع ما قالته كبير جدا، ترى هل يبكي بسبب ما سمعه؟.. لا يعرف ميران كم بقي في هذه الحالة و لكن الثقل الذي يحس به في جسده هو دليل على أنه نام هكذا لمدة طويلة. إنه يتذكر اللحظة التي أُصيب فيها و كأنها البارحة، كل شيء واضح في عقله. تلك اللحظات التي كان يتشاجر فيها مع آزاد، و سمع صوت السلاح ثم أحسّ بدفء في ظهره و انهار على الأرض... ميران ترك التفكير بكل هذا لوقت لاحق، الحساب و الكتاب و الغضب و التمرد... الآن ليس وقته، يجب أن يروي ضمأ قلبه العطش للعشق، هذا الحب الكبير الذي في قلبه كفيل بأن يترك كل الأحاسيس السيئة على طرف.
عندما نظر ميران إلى وجه ريان القلق ارتسمت إبتسامة خفيفة على شفتيه الجافتين، و هذه الإبتسامة جعلت قلب ريان يرتاح و لكن رغم هذا هي خائفة. ماذا لو كان ميران غاضبا منها؟ ماذا لو كان والدها أو آزاد هو من أطلق النار عليه؟ كيف سينظران إلى وجه بعض؟ ماذا لو لم يرد ميران رؤية وجهها بعد الآن؟ كيف تعيش ريان بهذا الألم؟
رفع ميران إصبعه بصعوبة مشيرا لها بأن تجلس بجانبه، فجلست ريان على طرف السرير. بدل جلوسها هنا كان يجب أن تنادي الطبيب، هذا هو الصحيح و لكن كأن المنطق ترك عقلها، ربما ما تفعله جنون.
نظرت إلى عينيه الجميلتين بقلق، حتى الآن لم تخرج كلمة واحدة من فم ميران، كان ينظر إلى عينيها فقط، و كأنه غاضب أو مكسور و لكن هو مشتاق بالأكثر... ريان خائفة كثيرا مما سيقوله ميران، خائفة من سماع الحقيقة و من أن يكون آزاد أو والدها هو الفاعل. ربما ليس لها أي ذنب فيما حصل و لكنها كانت تحس نفسها مذنبة. ذلك اليوم كان بإمكانها أن تمنعه من الذهاب مهما كان الثمن و لكن لم تفعل... قالت بصوت باكي:
"قل شيئا يا ميران... أرجوك"
عندما رفع ميران يده و لمس وجهها، أغلقت ريان عينيها لا إرادياً و نزلت دمعة من تلك العين. هي لديها دين حب كبير للرجل الذي تحبه، تلك اللحظات التي رفضت فيها حبه و أبعدت نفسها عن حضنه كانت مثل العذاب لها طيلة هذه الأيام. الآن هي تفهم أكثر... وجود هذا الرجل هو الذي يبقيها صامدة، حتى لو كان هو من جرحها و آلم روحها فهو الوحيد الذي ضمد كل جروحها.
"لقد ذبل وجهكِ"
كانت هذه أول كلمة خرجت من فم الرجل الشاب، داعب وجه ريان بإصبعه، ليس هذا الوجه الذي كان يراه قبل أن يُصاب، و كأنها ذابت و انتهت.
"أصبحتِ نحيفة"
صوته الضعيف و عتابه أذاب قلب ريان، لم تتحمل و وضعت رأسها على صدر ميران. هزت رأسها و مسحت دموعها قائلة:
"لقد شكرت الله لأنني لم أمت في غيابك... هل تحاسبني الآن على الوقت الذي قضيته بدونك؟"
ميران لم يستطع أن يجيب، هو يصرف قوة كبيرة كي يُبقِي عينيه مفتوحتين، رغم ذلك لم يهتم بألم جسده و أحاط بذراعه حبيبته التي تنام على صدره. هو أيضا يحس بنفس الألم، ظن أنه سيموت عندما دخلت تلك الرصاصة إلى ظهره، إعتقد أنه إنتهى و وصل إلى نهاية الطريق و لكن مازال لديه عمر ليعيشه و الحكاية التي كتبها له الله لم تنتهي بعد، قدره ليس مثل قدر والده. بالتأكيد كل إنسان سيموت يوما ما و لكن ميران مازال لديه نفس ليأخذه في هذه الحياة، هو بخير، هو حيّ.
لقد أرادوا قتله و أخذ روحه، ميران لا يتقبل هزيمة كهذه، لقد فعلوا له نفس ما فعلوه بوالده قبل سنوات لكنه لم يمت و مازال حيا. كيف سيصمت على هذا؟ هو مدرك أن كل شيء تعقد كثيرا و لكن لا يستطيع مواصلة حياته و كأن شيئا لم يكن.
قال ميران بصعوبة:
"لقد خفت كثيرا..."
رفعت ريان رأسها و نظرت إلى عينيه و لمست وجهه بيدها و داعبته بحنان. لم تفرق عينها عن عينه، تلك النظرة كانت تجعل قلب ميران يرتجف:
"خفت أن أموت قبل أن أراكِ تنظرين لي هكذا..."
أساساً قبل هذا بوقت طويل كان ميران قد وضع كل كبريائه على الأرض أمام ريان... هو يحبها بجنون، و ماهو الكبرياء بالنسبة للرجل العاشق؟
"لا يهمني أبدا أن أنهار أو أن أبدو مثل المسكين..."
صمت قليلا ثم نزلت دمعة أخرى من عينه:
"لو لم تكوني موجودة، ما كنت سأتعلم البكاء... أتذكر جيدا آخر مرة رأيتكِ فيها، قبل أن تُغلق عيناي كان وجهك هو الوحيد الذي بقي في خيالي... و هذا أكبر ندم لي. ذلك اليوم أدرتُ ظهري لكِ و ذهبتُ"
ريان هزت رأسها مجددا، هي تبكي في صمت، كلاهما يبكيان. الآن تريد أن تصرخ مجددا بأنها سامحت هذا الرجل و أنها تحبه بجنون منذ البداية و لكن لم تتحرك شفتاها أبدا.
"الآن و لو لمرة واحدة..."
كان ميران يتكلم بصعوبة و بصوت متقطع:
"هلا تقولين لي أنكِ تحبينني؟... رغم كذباتي و خيانتي..."
وضعت ريان إصبعها على شفتيه فأغمض ميران عينيه. هو لا يستحق، كان يعرف هذا و لكن يريد بشدة أن يسمع تلك الكلمة، مازال يتوسل الحب من هذه المرأة دون أن يملّ.
"رغم كل شيء، أنا أحببتكَ أنتَ فقط... و مازالت أحبكَ، أحبكَ كثيرا يا ميران"
ابتسم ذلك الرجل المغمض العينين، تلك الإبتسامة أعادت الحياة إلى وجهه. دفء اليد التي تلامس لحيته التي طالت كثيرا جعل قلبه يرتجف، عندما فتح عينيه المبللة بدموعه نظر إلى وجه ريان الذابل بقهر، حينها قطع وعدا لنفسه، سيتعافى و سيحارب كي يُمحي كل الجراح التي بقيت من الماضي.
"أنا أعدكِ... من الآن فصاعدا سيصبح كل شيء جميلا"
"لا تتعب نفسك"
قالت ريان في قلق، كانت ترى أنه يضغط على نفسه كثيرا كي يستطيع التكلم. رفعت رأسها و نظرت إلى الباب، يجب أن تخبر الطبيب بسرعة ان ميران استيقظ، هي قلقة على وضعه الصحي:
"يجب أن أعطي الخبر لطبيبك..."
حين حاولت النهوض أمسك ميران يد ريان بأصابعه الضعيفة و قال بهمس:
"أنا بخير... رجاءا ابقي معي"
"و لكن يا ميران..."
"أرجوكِ، بضعة دقائق فقط"
في الواقع هو لا يستطيع التكلم حتى، صوته ضعيف و كان واضحا على وجهه كم هو يتألم مع كل حركة أو كلمة يقولها، و لكن الألم ليس مهم أمام ما يحس به الآن. في الحقيقة وجه ريان ليس مختلف كثيرا عن وجه ميران، أسفل عينيه كان أسود و بشرته بيضاء و شاحبة. حتى لو غطى  شعره المبعثر جبينه و بان التعب في عينيه فمازال هذا الرجل جميلا جدا، لا شيء يظلل على وسامته.
"و لكنكَ تبدو متعبا جدا"
ابتسم ميران أمام كلمات ريان ثم سألها:
"كم أصبحت الساعة؟ أي منذ إصابتي... منذ متى و أنا نائم؟"
تذكره للحظة إصابته بوضوح جعله يظن أنه نام  لبضعة ساعات فقط. بدأت ريان ترتجف، كيف ستقول له أنه لم يفتح عينيه أبدا طيلة أسبوع؟ أرادت تغيير الموضوع، هي خائفة لدرجة الموت من سؤالها و من الإجابة التي ستأخذها:
"ميران... من أطلق النار عليك؟ من الذي أراد قتلك؟"
وضعت يدها على شعره المبعثر و رتّبته منتظرة إجابة ميران، كان قلبها ينبض بشدة. حين عبس حاجبا ميران قليلا تشكلت حفرة صغيرة بين حاجبيه، كأنه يفكر...
"أرجوكَ لا تخفي عني، لو كان آزاد أو أبي هو الفاعل فمن حقي أن أعرف هذا يا ميران"
بعد أن استمع ميران لما قالته ريان، أنزل عينيه و بدأ ينظر إلى ما بداخل الغرفة و يفكر، مهما أجبر عقله كي يتذكر من أصابه فالنتيجة صفر. يتذكر كل شيء بوضوح و لكن لم يرى الشخص الذي أطلق النار عليه، عندما أصابه في ظهره وقع على الأرض دون أن يلتفت وراءه. و لا داعي لكي يراه، لم يكن أي شخص غير عائلة شانوغلو ليتجرّأ على فعل هذا. تذكّر تلك اللحظة يغضبه كثيرا و لكنه لا يريد التحدث في هذا مع ريان.
"لا أعرف... لم أرى من أصابني"
و لكنه يعرف جيدا من أصابه، هو متأكد جدا مثل إسمه أن ذلك الرجل هو من أطلق النار عليه أو جعل أحدا يفعل هذا و لكنه لن يقول هذا لريان.
ريان إرتاحت قليلا بإجابة ميران، أساسا آزاد و والدها قالا أنهما لم يفعلا هذا لعدة مرات و لكنها لن تصدق حتى تتأكد من هذا... ثم سألت ميران:
"حسنا ماذا سيحدث بعد الآن؟"
"لا شيء"
قال ميران هذا بصوت مثل الجليد، هذا ليس بيده، حتى لو كانت ريان أمامه فلا يستطيع أن يبقى هادئا عند ذكر أعدائه. كم هذا غريب، ريان جزء منهم. كان سيخرج كل غضبه و لكن حبس حقده و أسكت لسانه ثم ابتسم لريان التي تنظر له بخوف قائلا:
"لن يحدث شيء... لأنني تعبت كثيرا"
و الحال أنه لا يعرف أنه إبن الرجل الذي يقول عنه عدوّي. هل سيستطيع تحمل هذه الحقيقة؟
ريان أيضا لا تريد التحدث عن هذا كثيرا، هذا ليس وقته ولا مكانه، و لكن كأنها ستموت كل يوم بهذا السر الذي عرفته، ستصمت عن هذا و هي تنظر في عيني ميران و ستُخفي الحقيقة عنه. هل ستنجح في هذا؟ لا تعرف. عندما تظهر هذه الحقيقة، هل ستستطيع أن تقول لميران كنت أعرف و أخفيت عنك هذا؟
"في يوم من الأيام..."
لمست يد ميران بطن ريان لا إرادياً، هي خائفة من كل شيء، من  نظرات ميران و من العداوة التي لا تنتهي، و بالأكثر هي تخاف من السر الذي تخفيه و من أن يتسبب لهما في الأذى يوما ما...
"في يوم من الايام، هذا الماضي سيحرق روحنا، لا إمساكي ليدك ولا حبك لي سينقذنا. أنت تعرف هذا أليس كذلك؟"
ما تقوله ريان صحيح، ميران يعرف هذا. بدايتهما كانت سيئة، كلاهما لا يستحقان ما أصابهما. مهما قال لن ينفع و لكن ميران متأكد من شيء واحد، حتى لو لم تبق حجرة فوق حجرة فتلك الأحجار لن تلمس قدم ريان.
"لا أستطيع أن أقول لك أنني تخليت عن هذا الإنتقام، و أنني نسيت كرهي و غضبي، لا يمكن أن أنسى الحقد الذي كبرت به كل تلك السنين في لحظة... و لكن لا يمكن أن أتخلى عنكِ أيضا، لا أفرط بكِ أبدا..." يتتبع...

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن