الحلقة 35 - المشاعر المقتولة

5.9K 113 7
                                    

من هي الشخصية السيئة في هذه الحكاية الحزينة؟
هل هي أمه التي لم تتقبل زواجها برجل لا تحبه؟ أم هو والده الذي لطّخ يده بالدم من أجل المرأة التي أحبها حتى الموت؟ أم هي خالته التي سكتت رغم معرفتها بكل شيء؟
بعد أن إنفصل ميران عن بيته الذي وجد فيه ماكان يخاف منه، ذهب إلى جانب خالته التي يراها كأم له منذ أن كان صغيرا. إنها خالته التي ربّته و كبّرته حتى وصل إلى هذا السن. يجب أن يجد الإنكار الذي يبحث عنه عند تلك المرأة و لكن ذلك الباب أُغْلِق في وجهه أيضا، إنتهى آخر بصيص أمل كان لدى ميران، خالته لم تنكر أي شيء من الحقيقة التي سمعها بل بالعكس لقد شرحت له كل تفاصيل الماضي و كأنها ليست هي من أخفته عنه. زواج أمه من هازار شانوغلو و عدم حبها له ثم هروبها إلى  إسطنبول و أيضا علاقتها القديمة بأحمد كارامان الذي كان يظنه والده...
لم يعد لدى ميران أي دواء لألم الحياة، إنقطعت قوته و نفسه، منذ أن إنقطع عن الحياة هو لا يدرك حتى كم أصبحت الساعة. لا معنى لليل أو النهار ولا الفجر. تلك الحقيقة التي كانت ثقيلة عليه جعلته يتذكر أول يوم دخل فيه إلى قصر شانوغلو، كم كانت روحه مليئة بالإنتقام حينها، و كم كان قلبه قاسي تجاه أولئك الناس. ربما هو كان وحيدا في ذلك الوقت و لكنه كان قويا... ليس مثل حالته الآن، مثل طفل عاجز و وحيد.
مع مرور الوقت تنحفر صورة ذلك الرجل والده في ذهن ميران أكثر، هو لا يمكن أن يكون إبن قاتل، ذلك الرجل لا يمكن أن يعني له شيئا. مهما حدث لن يتقبل هذه السخافة.
بجانبه يوجد صديق روحه، ليس لديه أحد سوى أخوه آردا. هو الشخص الوحيد الذي بقي بجانب ميران، وهو الشخص الوحيد الذي لم يخنه في هذه الحياة الملعونة. إنه يرافق وحدته منذ ساعات، لا يقول أي شيء، فقط يجلس صامتا بحانبه.
"ما ينزل من عيني ليس دموع بل قطرات الكره الذي بداخلي... دمي يُسْحَب من عروقي و كأن روحا تذهب من روحي..."
كانت على وجه ميران إفادة مؤلمة تجعل حتى الحزن يخجل، وضع رأسه بين يديه ثم همس:
"لقد متُّ و ليس لدي خبر، أنا حي و لكن هكذا. عيناي لم تعد ترى شيئا... منذ أن دخلت هي إلى حياتي، بحثت عن سبب لنفسي دائما. لو لم أفعل أنا كل هذا... هل كنا سنصبح نحن؟ أنا لا أستطيع أن أغضب منها، أنا المسؤول عن كل شيء... أنا لستُ رجلا"
ربّت آردا على ظهر ميران، إنه يبكي مجددا الآن.
"أنا كيف سأتنفس بعد الآن؟ لا أعرف كيف سأعيش. هذا الحِمل... أليس ثقيلا جدا يا آردا؟ ألا يفوق قدرة الإنسان على التحمل؟"
عبس وجه آردا بعد كلام ميران هذا، إنه يستسلم بسرعة، يدير ظهره عن الحياة منذ أول ضربة تلقاها.
"لا تهذي يا ميران"
وضع ميران رأسه على ركبتيه و كانت الأمواج التي تضرب الساحل مضطربة و كأنها تعطيه الحق.
"أنا لم أتدمر بهذا الشكل من قبل، لا عندما فقدتُ عائلتي ولا عندما إفترقتُ عن ريان... هذا الألم و هذه الهزيمة مختلفة جدا. أنا لا أتحمل هذا... أنا أموت يا هذا، أنا أموت"
عدم التقبيل هذا كيف سيعيش بداخله؟ اليوم إنتهت الحرب التي بدأها ميران كارامان ضد هازار شانوغلو، و كما قال، هو الخاسر و ميران جرحه عميق.
*****
"سآتي إليكِ مجددا يا ماردين، سأمحي كل الجروح التي بداخلي و أعود..."
هذا ما قالته ريان قبل عدة أشهر أثناء وداعا لهذه المدينة، أثناء محاولتها الوقوف على قدميها بعد أن طعنها الرجل صاحب العينين الجميلتين في ظهرها... و لكن لم تستطع فعل هذا، إنها تعود إلى المدينة التي وُلِدت فيها كما خرجت منها قبل أشهر أو حتى في حالة أسوأ. منذ متى وهي في منفى عن مدينتها؟ ريان تحس و كأنها بقيت بعيدة عن مدينتها لسنوات طويلة و ليس عدة أشهر. هل يمكن أن يكون المكان الذي وُلِد و كبر فيه الإنسان غريبا عنه؟ يمكن. ريان فهمت الآن، هناك غصّة في داخلها منذ أن تركت ميران وراءها و ركبت الطائرة.
خرج آزاد و ريان من المطار و هما الأن يتجهان إلى المشفى، إنها لا تصبر من أجل لقاء أحبتها. لا تعرف كيف ستبقى متماسكة  عندما ترى أمها، لا تعتقد أنها ستستطيع حبس دموعها عندما تشم رائحة أخيها بديرهان. لم تكن ريان تعرف كم الساعة و لكن كان الجو قد أصبح مظلما، عند صعودها إلى السيارة أخرجت هاتفها من الحقيبة و بدأت تتصل بميران غير مدركة حتى بأن آزاد كان يشاهدها من مرآة السيارة. عندما أبعدت الهاتف عن أذنيها أصبح وجهها حزينا جدا لأنها لا تستطيع الوصول إلى ميران، و آردا أيضا لا يفتح هاتفه. لقد مرت ثلاثة ساعات على خروجها من إسطنبول وهي الآن لا تعرف ماذا يحدث هناك.
الساعة كانت تقترب من منتصف الليل، ريان مازالت لا تصدق ما حدث، لماذا حدثت كل هذه الأشياء السيئة في يوم واحد؟ معرفة ميران لكل الحقيقة قبل وقته، رفضه لوالده و وضعه لجدار بينه و بين ريان ثم ذهابه دون أن ينظر وراءه حتى... بعد كل هذا تتعرض أمها لحادث سيء و تسقط من الدرج ثم تُنْقَلُ إلى المستشفى... عندما قالت ريان:
"آزاد"
نظر لها من المرآة، لو قالوا له في الصباح بأن اليوم سينتهي هكذا ماكان آزاد ليصدق أبدا و كان ليسخر من هذا. إنه مثل المزحة و لكن حقيقة، الآن آزاد مع ريان التي لم يراها منذ أشهر و في ماردين، و لا يوجد عديم الشرف ميران. كم هذا غريب و لكن كل شيء أصبح كما كان في الماضي.
"برأيكَ هل أمي بخير؟"
"الأطباء قالوا أنه لا يوجد خطر على حياتها"
حالة ريان الحزينة أضاقت قلب آزاد، وضع السيجارة في فمه و أخذ يبحث عن الولاعة ثم أكمل:
"و لكنها لم تفتح عينيها بعد"
عندما سمع آزاد بكاء ريان أراد أن يحطم الولاعة التي يبحث و لم يجدها بأي شكل، و لكن في تلك اللحظة هناك تفصيل ذهب من عقله، ريان حامل، يجب أن لا يدخن بجانبها. أخذ السيجار من فمه و رماه من شباك السيارة في غضب... ريان لا تستطيع منع نفسها من البكاء، هل كان يجب أن يحدث كل هذا كي تستطيع العودة إلى ماردين؟ هل كان يجب أن تعود أمها من الموت، و يذهب ميران و يتركها؟
"كان من الممكن أن يحدث لها شيء، و كأن من الممكن أن لا أستطيع رؤيتها مجددا"
"و لكن لم يحدث هذا... أنظري، ها أنتِ هنا"
غضب و نقمة آزاد كانت تجاه ميران، لم يكتفي بتدمير حياة ريان بل جعلها تعيش مشتاقة لعائلتها أيضا. بأي حق يجعلها تعيش هذا الألم؟ أصبح يشعر و كأن جسده مثل الشوك كلما تذكر أن ميران يكون إبن عمه و يحمل دمه.
إتصلت ريان بأليف و أخبرتها أنها وصلت إلى ماردين، مازال هناك الكثير كي يصلا إلى المستشفى و ريان تأكل نفسها و تفكر ترى أين ميران؟ هل هو وحيد؟ أين والده؟ ترى متى عرف آزاد هذه الحقيقة؟... بعد رحلة صامتة في السيارة دامت ساعة و نصف وصلا إلى المستشفى. بقيت تنظر تنظر بفراغ أمام الباب و آزاد يقف خلفها، إلتفتت له و قالت:
"هل يعلمون بقدومي؟"
"لا، لكن إتصل بي بديرهان و أخبرني أن أحضركِ إلى هنا مهما حدث"
"هل أبي يعرف؟ بسقوط أمي من الدرج؟"
"إتصلت به أثناء قدومي إليكِ و لكنه كان في حالة مزرية، لم أستطع أن أخبره"
"بديرهان سيغضب من هذا كثيرا... في النتيجة هو لا يعرف ما حدث في إسطنبول. عدم قدوم أبي إلى هنا سيحزنه"
"لا، لا تقلقي... أثناء ذهابنا البارحة صباحا إلى إسطنبول كنا قد قلنا لهم أن لدينا عمل مهم جدا... أساسا نحن هنا... و أنتِ هنا، أمك لا تحتاج أحدا آخر"
تكلم آزاد و كأنه لم يمضي أي زعل بينهما، ريان أيضا إبتسمت له ثم ذهبت و دخلت من باب المستشفى. تفاجأت بما رأته أمامها و بقيت في مكانها، الآن تقف أمامها طفولتها و ماضيها و سنواتها، لقد كبرت و إزداد جمالها منذ آخر مرة رأتها فيها، هافين الآن تبعد عنها عدة أمتار... هافين أيضا رأت ريان ،ظنت أنها ترى حلما و لكن ريان تقف أمامها بشحمها و لحمها، و الأكثر من هذا آزاد معها، لم تستطع هافين أن تصدق ما تراه. عندما تقدمت ريان نحوها عدة خطوات رمت هافين كل ما كان في يدها على الأرض و إنطلقت نحو ريان و قد بدأت دموعها تنهمر... بقي آزاد يشاهد معانقة ريان و هافين و هما تبكيان، هو فعل ما يجي عليه فعله، أخذ ريان و أحضرها إلى ماردين، الآن يجب أن يبتعد عنها قدر المستطاع و لا يلمسها حتى بعينه، حتى أنه يجب أن يذهب الآن... هافين لا تستطيع التكلم بسبب البكاء، هي الآن تحضن ريان بشدة كي تعوض شوق الأشهر الماضية. لقد كبرتا تحت نفس السقف لسنوات ثم إفترقتا لعدة أشهر و الآن تلتقيان مجددا... قالت هافين بصوت متقطع:
"ريان أنتِ... أنتِ هنا يا ريان، لا أصدق أنكِ جئتِ"
داعبت ريان شعر إبنة عمها بحنان ثم قالت باكية:
"لقد جئتُ يا هافين... إنتهى الشوق"
"هذا... هذا رائع جدا"
هافين لا تستطيع التكلم بشكل جيد بسبب حماسها و دهشتها، لقد تعقد لسانها. تراجعت خطوة إلى الوراء و نظرت إلى وجه ريان ثم إلى بطنها التي كانت واضحة جدا تحت فستانها الأزرق.
"عندما تراكِ زوجة عمي..."
"هيا يا هافين، خذيني إلى أمي"
قالت ريان هذا وهي تمسح وجنتيها، أصبحت لا تستطيع عدّ الدموع التي تذرفها... قالت هافين في حزن:
"زوجة عمي لم تفتح عينيها بعد، الأطباء ينيمونها عمدا... لكن قالوا أنها ستكون بخير، هيا لنذهب"
إتجهت كلتاهما نحو المصعد و الحماس يملأ ريان، بعد قليل سترى أمها حتى لو كانت مغمضة العينين، ستحضن أخوها الذي بقيت مشتاقة لرائحته، كم أنه وصال مؤلم.
عند وصولها إلى الطابق الذي تتواجد فيه أمها كانت عيناها تبحث عن بديرهان، سألت هافين:
"هل بديرهان هنا؟"
"هنا... أنظري إنه قادم نحونا"
عندما إلتفتت ريان و نظرت إلى الجهة المقابلة، رأت أخوها وهو قادم نحوها راكضا، بقيت متجمدة في مكانها ثم أحست بذراعي بديرهان على ظهرها، كانت تحس بثقل في جسدها و لم تستطع التحرك، ثم حضنت شقيقها بكل شدة. رائحته تؤلم قلبها و ريان تدعو الآن كي لا تكون هذه اللحظة حلما، لأن تصديق هذا صعب، كانت تظن أنها لن تستطيع القدوم إلى هنا لمدة طويلة جدا...همست ريان بصعوبة:
"بديرهان... أخي"
إنتهى فراقهما الذي دام عدة أشهر و لكن غير معروف ماذا سيحدث بعد الآن، رغم ذلك ريان ليست نادمة على أي شيء.
"ريان، من حسن الحظ أنكِ جئتِ يا أختي"
بعد أن ملأ صوت أخيها أذنيها، إبتعدت ريان عنه ثم نظرت إلى وجه شقيقها، عندما تذكرت أنه في الواقع شقيق ميران أيضا تألم قلبها. بحثت عن شبه للرجل الذي تحبه في وجه أخيها، بديرهان يذكرها بميران من نبرة صوته حتى نظرته، أو ربما ريان ترى ما تريد رؤيته، في النهاية لا يوجد أي شيء يغير حقيقة أن ميران و بديرهان أخوان.
"أردت الذهاب إليكِ عدة مرات كي أنقذكِ من ذلك الرجل، لكن منعوني من هذا"
قاطعت ريان كلمات بديرهان قائلة:
"لا تهتم لهذا... لقد جئتُ، أنظر أنا هنا"
"أمي إشتاقت لكِ كثيرا، هل كان يجب أن يحدث لنا شيء سيء كي تستطيعي القدوم إلينا؟"
قال بديرهان هذا بغضب، السبب في كل هذا هو ميران حسب رأيه. أما ريان فبقيت صامتة، هي أيضا كانت مذنبة في هذا الفراق، لقد كانت ضعيفة جدا و صمتت دائما عندما لم تستطع الوقوف أمام الحب القاهر في قلبها و إنهزمت لميران. ربما هو كان كاذبا و غير محق حتى النهاية و لكنه الرجل الذي تحبه. لمن ستحمل ريان ذنب هذا؟
"أردت القدوم كثيرا و لكن لم أستطع... لم أستطع"
في الواقع لا أحد يفهم ريان، الحياة لم تمنحها فرصة الإختيار حتى، كيف ستعرف أنها أدارت ظهرها لعائلتها في اليوم الذي أحبت فيه ميران؟
عندما وقعت عين بديرهان على بطن ريان، إبتسم بألم. إنه يصبح خالا، و عمّا في نفس الوقت. مهما كانت علاقة غريبة فهي حقيقية. نظر إليها و كأنه يقول أنا أعرف لماذا لم تستطيعي القدوم و حينها ريان هرّبت عينيها.
"ذهبتِ وحيدة و عدتِ بروحين"
ثم إنحنى بديرهان و قبّل شعر ريان، إفتراقه عنه مرة أخرى سيكون صعبا جدا، يريدها أن لا تذهب أبدا، لا يريد أن يأتي ميران و يأخذها، رائحة الأخت جميلة بشكل مختلف.
"لقد كبرتِ يا أختي... أنتِ أصبحتِ أما جميلة جدا"
أرادت ريان أن تبتسم و لكن لم تستطع، عقلها و فكرها مع السبب الذي جعلها تأتي إلى هنا في منتصف الليل.
"هيا خذني إلى أمي"
أمسك بديرهان يد أخته و أخذها إلى الغرفة التي تنام فيها أمه، إنها تنام منذ عدة ساعات، هي لا تعلم بقدوم ريان و لكن ربما تحس بها، مكانة ريان مختلفة عند السيدة زهرة، هي لديها طفلان و لا تفرق بينهما و لكن ريان هي ذكرى لها من الرجل الذي تحبه.
عندما رأت ريان عمها جالسا أمام غرفة فهمت أنها الغرفة التي تنام فيها أمها، جرت قدماها نحوه في حرج و إحمر وجهها، لا تعرف لماذا و لكنها تشعر بالخجل كثيرا. هذا الرجل لديه حق كبير على ريان، عندما كانت طفلة صغيرة هذا الرجل هو من كان يداعب شعرها الذي لم يداعبه والدها و رأت منه الحنان الذي لم تراه من أبيها، كان يعاملها كما كان يعامل إبنته هافين تماما. و الحال أنه لم يكن مجبرا على أن يحب طفلة لا تحمل دمه و كأنها إبنته، هذا ما يقال عنه رجولة، الرحمة التي في قلب هذا الرجل كم هي جميلة.
"عمي؟"
إلفتت الرجل الذي كان يفكر بعمق و نظر إلى ريان ثم إرتسمت إبتسامة على وجهه و قال:
"أهلا و سهلا يا إبنتي"
إنحنت ريان و قبّلت يد عمها قائلة:
"أهلا بك يا عمي جيهان"
بقي الرجل ينظر لريان و كأنه يسألها عما حصل في إسطنبول، عندما رأى الحزن الذي في عينيها أخذ جوابه. بالتأكيد ستمضي هذه الأيام العاصفة، ستنتهي هذه الحرب و ستنتهي العداوة. غير معروف إن كان سيكون كل شيء جميل و لكن سينتهي... قالت ريان و هي تعض شفتيها كي لا تبكي:
"كيف حدث هذا؟ كيف وقعت أمي من الدرج؟"
"إنخفض ضغطها... فقدت توازنها على الدرج"
"هل هي في الداخل؟"
قال السيد جيهان، كان الطبيب قد جاء قبل خمس دقائق و قام بالمعاينة، هم ينتظرون إستيقاظها، من حسن الحظ أن كل تحاليلها كانت جيدة... إبتسم السيد جيهان و قال:
"لا تقلقي يا ريان، السيدة زهرة ستكون بخير"
"هل أستطيع رؤيتها؟"
ريان لا تستطيع التحمل أكثر حتى أنها تمسك نفسها بصعوبة الآن كي لا تهجم على الغرفة.
"لأسأل أنا الطبيب"
هذا الصوت كان لآزاد. عندما إلتفتت ريان رأته، كان قد إختفى لحظة رؤيتها لهافين و لم يكن موجودا هنا... عندما ذهب آزاد بحثا عن الطبيب كانت ريان تنتظر بأمل، لقد إشتاقت لأمها كثيرا، هي تنام وراء هذا الباب، ريان الآن تود أن تعانق حتى جدران هذه الغرفة. في تلك اللحظة تذكرت ميران و تألم قلبها، ليس لديه أم ليعانقها حين يشتاق لها، فقط الجلوس على حجر القبر البارد كان من نصيبه، و الآن هو يقول أنه لن يذهب إلى قبر أمه مجددا... كم هذا مؤلم.
"هل أنتِ جائعة؟"
قال بديرهان هذا بعد أن وضع يده على كتفها، رفعت ريان رأسها و نظرت إلى أخيها، هي جائعة و لكن ليس لها القدرة على تناول أي شيء، لن تقبل معدتها أي شيء الآن و لكن يجب أن تأكل، ليس من أجلها بل من أجل إبنتها.
"ليس الآن يا بديرهان، سأرى أمي أولا"
قالت ريان هذا ثم إلتفتت إلى آزاد الذي عاد إليهم بعد بضعة دقائق. لم يقل شيئا و إكتفى بهز رأسه بمعنى أن الطبيب وافق على دخولها. نهضت ريان بسرعة، ضغطت على مقبض الباب و رمت بنفسها داخل الغرفة. رائحة أمها المنتشرة في كل مكان أخذت ريان إلى ما قبل سنوات، عندما كانت تنام على ركبة والدتها و كانت تداعب شعرها بحنان، و عندما كانت تسهر على رأسها في ليالي مرضها. عندما إفترقت عنها فهمت الكثير من الأشياء. الإنسان يكبر عندما يبتعد عن أمه و تنكسر أجنحته... الأن ريان أصبحت تلك الفتاة الصغيرة، تمشي ببطء و أمام عينها طفولتها قبل سنوات: شعرها المموج الذي يتطاير و هي تركض، تنورتها المتطايرة مع الهواء و لكن في نهاية هذا الطريق أمها لا تحتضنها... قالت ريان باكية:
"أنا جئت يا أمي"
إنحنت بهدوء و قبلت جبينها ثم سحبت رائحة أمها إلى داخلها، أحست ريان و كإن كبدها يتمزق من الألم. جلست على حافة السرير ثم وضعت يدها على يد أمها. هل سيكون الوضع هكذا دائما؟ هل ستشهد ريان دائما مصارعة من تحبهم للحياة؟... أخذت يد أمها و وضعتها على بطنها و قالت:
"أنظري من أحضرت إليكِ"
الآن يد أمها على بطن ريان، ألا يجب أن تفرح؟ لأول مرة تحس بإبنة إبنتها و لكنها لا تعطي أي ردة فعل، ريان تنتظر بأمل و لكن أمها لا تتحرك أبدا. قالت بصوت متقطع:
"ستصبح لدى إبنتكِ طفلة... أنا أيضا أصبح أم مثلكِ"
أخذت ريان اليد التي كانت على بطنها و قبّلتها كثيرا، ما كان يجب أن يكون لقاؤها بأمها بعد شهور هكذا. ماذا كان ليحدث لو أنها تفتح عينيها و تداعب شعر إبنتها و تعانقها؟
"في الواقع أنا الآن أفهمكِ يا أمي"
عندما تصبح المرأة بروحين فإنها تفكر بتلك الروح أكثر من نفسها في هذه الدنيا الظالمة. عندما عرفت ريان أنها ستنجب طفلا لهذه الدنيا فكرت بأمها أولا بدون شك.
"إذا عاشت إبنتي ما عشته أنا كنتُ سأموت... كيف تحملتِ ما حدث لي يا أمي؟"
الإنسان ينكسر من حبيبه بالأكثر في هذه الدنيا، الشخص الوحيد الذي كان سيواسيه في هذا الطريق المسدود هي ريان، و لكن ميران تدمر إلى ألف قطعة و إنكساره من ريان يكبر أكثر مع مرور الساعات.
لم يرد ميران إستخدام المصعد، بقي ينظر إلى الدرج و أحس بثقل شديد في جسده و لكنه ذهب إلى غرفته المتواجدة في الطابق الأخير صعودا في الدرج... يجب أن يفعل شيئا، كلما توقف و فكر فيما حدث يحس و كأنه سيفقد عقله لأن لا قلبه ولا عقله يتقبلان هذا، ولا يوجد عبد من عباد الله يخبره أن كل شيء عبارة عن كابوس.
إنها الساعة السادسة صباحا، مازالت الشمس لم تشق السماء بعد، كانت عيناه محمرتان من عدم النوم و لا يرى أمامه سوى ما حدث البارحة، فتح باب الغرفة و رمى بنفسه على الأريكة ثم بدأ يفكر مجددا. لا يجد أي تفسير منطقي لما قاله ذلك الرجل ولا ما شرحته خالته، و لكن عينا ريان التي تنظر و كأنها تشعر بالذنب كانت هي الدليل الوحيد على أن الحياة التي يعيشها ليست إلا مجرد كذبة رذيلة.... كان إنكساره منها هو الشيء الوحيد الذي يُسْكِتُ قلبه الذي يصرخ بأنه يحتاجها بجنون و لكن كل نظرة منها في تلك اللحظة فتحت جرحا لا يمكن مداواته في قلب ميران لدرجة أنه من غير الممكن أن يعانقها الآن، ريان هي صاحبة أكبر جرح في قلب ميران.
عندما فُتِح باب غرفته إلتفت ميران، إنه آردا و يحمل في يده بعض الملابس النظيفة. إقترب من ميران و نظر و كأنه يشفق عليه ثم وضع الملابس التي في يده و قال:
"أنت في حالة مزرية، إنهض و غير ملابسك... يجب أن تستجمع نفسك يا ميران"
و لكن ميران لا يسمعه حتى، روحه تحترق، هل هناك أهمية لشكله في هذه الحالة؟... شعره الأسود المبعثر على جبينه و أسفل عينيه أصبح بنفسجي، إنها لوحة الإنهيار في ليلة واحدة. إقترب آردا منه أكثر و جلس بجانبه ثم وضع يده على قميص ميران الأبيض المتسخ بالتراب و قال:
"هيا إنهض يا بني، هل تريد أن يراك القادم و الذهاب هكذا؟"
لم يهتم ميران مجددا و إتكأ على الأريكة، في تلك اللحظة خطر على بال آردا شيء جعله يقلق:
"من الواضح أن عمك لا يعرف شيئا، و لكن إنه وحيد كارامان... عندما يعرف الحقيقة سيعلنك عدوا له في لحظة و سيبدأ الحرب كي يأخذ كل ما تملكه، هل تفهم هذا؟"
همس ميران و عيناه مغمضتان:
"فليبدأ"
هذه الكلمة المستهترة أغضبت آردا، هل يتخلى ميران عن كل شيء بهذه السهولة؟
"ماذا يعني فليبدأ؟"
فتح ميران عينيه بهدوء و نظر إلى الغرفة التي تبدو له غريبة لأول مرة ثم قال:
"أنا أساسا لا أنتمي لهذا المكان... أنا لا أملك أي شيء هنا"
الرجل الذي كان والده هو في الواقع غريب عنه، هذا ما جعل ميران يقول هذا، هو ليس من عائلة كارامان بل شانوغلو. لهذا السبب لا يحس نفسه ينتمي لأي مكان.
"هل تُقَال كلمة أب للرجل الذي أنجبك أم للرجل الذي إعتنى بك و ربّاك؟"
آردا لن يسمح لميران الذي ينظر له بنظرات فارغة، بتقبل
الهزيمة بهذا الشكل.
"لو كان حيا كان سيمارس أبوته لك حتى الآن، ألم يكن والدك يحبك أكثر من روحه؟ ألم تقل لك خالتك هذا لعدة مرات أن والدك أحبّك أكثر من كل شيء؟"
إبتسم ميران ساخرا من كلام آردا ثم قال:
"كان يحبني لأن إعتقد أنني إبنه"
"من أين لك أن تعرف هذا يا ميران؟ ربما كان يعرف كل شيء و يتقبلك و يحبك وهو يعلم أنك لست إبنه"
هز ميران رأسه و كأنه يرفض هذا، حسب رأيه لا يوجد إجابة لهذا و لكن أحمد كارامان كان يعامله مثل إبن له حقا، لو كان حيا كان سيستمر هكذا و كان ليقول: أنتَ لست إبنه بل إبني أنا... نهض آردا بقول بصوت قاسي لا يقبل أي إعتراض:
"هيا إنهض... إن لم يكن من أجل أحد، فانهض من أجلي يا هذا"
عندما أغلق ميران عينيه بمعنى موافقته، أحس آردا بالراحة. هو يفكر بأن يخرج من الشركة الآن و يمر على البيت ليتفقد أليف و ريان. أخرج الهاتف من جيبه و حين لاحظ أن شحنه سينتهي، وجد إسم أليف بسرعة و إتصل بها. آردا لا يفهم لما ينبض قلبه بشدة هكذا كلما تحدث مع هذه الفتاة، و يتحمس أيضا. هو يبحث عن أي سبب كي يتصل بها، ليتها تعطي مقابل للخطوات التي يخطوها نحوها... عندما نهض ميران و نزع قميصه كان آردا يتجول في المكتب يمينا و يسارا، ميران لا يعرف بمن يتصل آردا و لكن ليس من الصعب تخمين هذا، و بهذه الطريقة سيطمئن على ريان و يعرف حالها. الآن هو لا يضع إسما لما يحسه تجاه ريان، يريد رؤيتها و لكن لا يستطيع فعل هذا، يود معانقتها لكن روحه لا ترغب بهذا. هل أحست ريان بهذا قبل أن تسامحه؟ و الأكثر من ذلك خيانة ميران لها ثقيلة لدرجة لا تُقاس بأي خيانة أخرى.
عندما سمع إسم ريان من فم آردا لبس ميران القميص الذي كان في يده بسرعة ثم إلتفتت إلى الرجل الذي أمامه، إنه يسأل عن مكان ريان و في تلك اللحظة إرتسمت إفادة غريبة على وجهه ثم نظر إلى ميران و كأنه لا يعرف ماذا سيقول و هذا ما أقلق ميران كثيرا.
"سأتصل بكِ لاحقا"
قال آردا هذا و أغلق الهاتف و لكن محاولته لإخفاء هذا لم تنجح، لم يستطع حتى التنفس أمام نظرات ميران الحادة له. كيف سيقول له ما سمعه؟ ميران لن يتحمل هذا أيضا.
"ماذا حدث؟"
سأل ميران، لقد لاحظ أن هناك شيء ما، و ذلك الشيء أيا كان هو متعلق بريان. الإحتمالات التي خطرت في عقله للحظة جعلت قلبه يضيق من الخوف، إقترب من آردا بسرعة و صرخ:
"هيا تكلم، هل حدث شيء لريان؟"
"لا"
قال آردا بهدوء. هذا الخوف الذي يحس به ميران الآن سيتحول إلى غضب بعد قليل... لم يعرف كيف سيخبره بهذا و لكن بطبيعة الحال سيعلم لذلك لا فائدة من الإطالة.
"لقد تعرضت والدة ريان لحادث، و ريان ذهبت إلى ماردين
توقف ميران للحظة أمام هذا الخبر السيء الذي تلقاه، فكر في مدى حزن ريان عندما سمعت بهذا و تألم داخله. ثم قال:
"السيدة زهرة، هل هي بخير؟... ماذا عن ريان؟"
"وضع المرأة جيد، و أعتقد أن ريان أيضا بخير"
أخذ ميران نفسا عميقا، كم كان يود أن يكون هناك و يساند ريان و لكن اللعنة، هو لا يستطيع فعل هذا، لا يمكنه تحمل رؤية وجه ذلك الرجل... في تلك اللحظة قال آردا ما يجول داخل ميران و لكن لم يتجرأ أبدا على فعل هذا.
"يجب أن تتصل بريان"
هز ميران رأسه بمعنى نعم، هو الآن لن ينشغل بشحن هاتفه الذي إنتهى ليلة البارحة. إتجه نحو هاتف الشركة الذي على المكتب ثم إلتفت إلى آردا و سأله السؤال الذي يخشاه:
"مع من ذهبت؟"
ميران لا يعتقد أن ريان ذهبت بمفردها، كان يظن أنها ذهبت مع هازار شانوغلو لأنه عندما ذهب من البيت ترك ذلك الرجل هناك و عندما وصل الخبر السيء من المحتمل أنهما ذهبا معا.
في تلك اللحظة وضع آردا عينيه في الأرض، بدلا من أن يقول هذا لميران و يُشعل النار، فضّل أن يقوم بدور الأحمق و يخدع ميران. قال آردا:
"لا أعرف مع من ذهبت يا ميران، لم أسأل"
"إتصل و إسأل إذا، و ألا أنا أتصل"
ثم مد ميران يده و أخذ الهاتف من يد آردا، عندما لاحظ آردا أنه سيتصل بأليف أخذ الهاتف من يده مجددا، على الأقل هو سيمهد له ثم يخبره بهذا و في الحقيقة هو لا يعرف إلى أي مدى سيبقى ميران هادئا أمام هذا الوضع. وضع آردا الهاتف في جيبه ثم نظر إلى عيني ميران في حرج و قال:
"حسنا توقف... آزاد، هو من أخذ ريان"
قال هذا بدون أي قلق و كأنه يتحدث عن شيء عادي... تزعزع ميران أمام هذا الإسم الذي لم يكن يتوقع أن يسمعه، لو أخذوا روحه لن يتألم هكذا. أخذ آزاد لريان مهما كان السبب هو يعادل إنهيار الدنيا على رأس ميران. بالطبع ريان لم تذهب معه بكيفها و لكن ميران لا يستطيع أن يُسمِع قلبه المحطم كلامه.
"مع آزاد؟..."
قال ميران هذا بهدوء ثم أدار ظهره و بقي ينظر إلى الأطراف بفراغ ثم صرخ بغضب:
"آزاد أخذها أليس كذلك؟"
ثم إنحنى إلى الطاولة التي أمامه و رمى كل ما فوقها على الأرض، غيرته التي وصلت إلى القمة سيطرت على عقله تماما. ميران لا يتحمل، أن تلمس عين آزاد ريان أو تدخل أي كلمة من فمه إلى أذنها... الآن هو ليس معها و لكن آزاد بجانبها.
"إهدأ يا ميران"
و لكن ميران لا يهتم حتى لكلام آردا، غضبه الذي لم يخرجه من الأغراض التي رماها على الأرض حاول إخراجه بضربة قوية سددها إلى كرسي مكتبه، و لكن لا شيء يستطيع إنقاذ قلبه من هذا الطوفان الخطير الذي أحاط به... إلتفت إلى آردا و قال:
"على ماذا سأهدأ؟ لقد فعل ما أراد فعله قبل أشهر و أخذ ريان"
"انظر يا ميران، ريان ليست طفلة صغيرة، و ليست مجرد لعبة أو غرض. إنها زوجتك، زوجتك. ألا تثق بها أبدا؟"
قال آردا هذا بغضب... إنتهت طاقة ميران و أسند ظهره إلى الحائط و قال:
"ليست هذه هي المشكلة... أنا بحاجة إلى ريان و لكن هي ليست بجانبي. آزاد يراها، هو يسمع صوت ريان... هي لا تعرف هذا و لكن آزاد يعشقها مثل الكلب"
لا بد أن ميران جن جنونه، بقي آردا يشاهده في دهشة. لقد تحول إلى مجنون من شدة غيرته... أبعد ميران ظهره عن الحائط ثم إلتفت و ضرب رأسه ثم بدأ يضرب بيده على ذلك الجدار قائلا:
"أنتِ كنتِ بيتي و ملجئي... الآن أنا كيف سأذهب إلى ذلك البيت الذي أنتِ لستِ فيه؟ كيف سأذهب؟"
لا يهتم أبدا لألم يده بينما قلبه يحترق مثل النار، ما يقهره هو أنه يريد الذهاب و رؤيتها و لكن لا يستطيع. لا يمكن أن يذهب ميران إلى ماردين مرة أخرى و لا يمكنه البقاء بدون ريان أيضا... قال آردا:
"إذهب إذا... بما أنك مجنون بها إلى هذه الدرجة، إذهب إلى جانب زوجتك"
لا يمكنه أن يذهب. حسنا إذا هل ستعود ريان؟ توقف ميران ليفكر قليلا... ريان أخفت عنه هذه الحقيقة وهي تنظر إلى عينيه كل يوم. هل هذا سر يمكن إخفاءه؟ كيف إستطاعت فعل هذا به؟... مد ميران يده المرتجفة و قال لآردا:
"أعطني الهاتف... سأتصل بريان"
أخرج آردا الهاتف من جيبه و أعطاه له ثم كتب ميران الرقم الذي يحفظه و فتح باب المكتب و خرج إلى الرواق الذي مازال مظلما قليلا. بينما وقف على النافذة يشاهد منظر البحر، أحس ببعد ريان عنه حتى النخاع، و كأن كل شيء عاد إلى البداية في هذه الحكاية. ريان بعيدة عنه بعد مدن كثيرة و ميران وحيد مجددا... كان يمسك الهاتف بشدة لدرجة أن يده كانت ترتجف، بعد إنتظار مؤلم، لامس أذنه صوتها الذي يقطع الأنفاس، أغلق ميران عينيه في تلك اللحظة. هو يحبها إلى درجة الموت و لكنه لا يستطيع أن يتحكم في غضبه.
"ميران؟"
كان صوت ريان قلق و غير صبور، قالت مجددا: "ميران؟"
"لقد سمعت ما حدث... ذهبتِ إلى ماردين"
قال ميران هذا ثم فتح عينيه بصعوبة و ضغط عليها بأصابعه، إنه يتألم بشدة... قالت ريان بصوت باكي:
"أردتُ أن أقول لك هذا يا ميران، إتصلت بك عدة مرات..."
ميران لن يهتم لهذا، إنه يخاف من أن تصل هذه الكلمات إلى آزاد... قال ميران وهو يشعر بالذنب في داخله:
"كيف حال أمكِ؟... آمل أنها بخير"
"هي بخير، لم تفتح عينيها بعد و لكنها بخير الحمد لله"
ثم صمتت ريان و كأنها لا تعرف ماذا ستقول... وضعت يدها على شفتيها، لا، هي لن تبكي الآن:
"ميران أنا أريد أن أكون بجانبك... أريد أن أعوض خطئي. لأرى أن أمي تحسنت ثم سآتي إلى جانب...."
"لا تأتي"
قال ميران هذا فجأة و هو لا يعرف حتى لماذا قال هذا، لو حبس السم الذي بداخله سيموت و لو قاله ريان ستموت، و لكنه لم يستطع منع هذا.
"لا تأتي، إبقي هناك"
قال ميران هذا ثم بقي ينظر شاردا إلى البحر الذي أمامه ثم نزلت دمعة من عينه بدون إذن:
"لأن هذا ما كنتِ تريدينه دائما"
"ليس هذا ما أريده يا ميران... ليس هذا"
الآن ريان تصرخ باكية من الجهة الأخرى، بينما كانت تنتظر أن يقول لها بأنه سيأتي إلى جانبها، هو يقول لها بأن لا تعود.
"هذا ما كنتِ تريدينه يا ريان... لم ننجح يا ريان، لم نستطع أن نكون مرهما لبعضنا"
ماهذا الإنكسار القاهر؟ إنه يدمر نفسه و يدمر ريان معه هكذا... لم تتحرك أي سمة في وجه ميران و لكن كانت الدموع تنهمر من عينيه بشدة، و الحال أنه كان يود أن يسمع منها بعض الأشياء، و لكن ريان كانت صامتة، صامتة و كأنها تقبل بهذا... قبل أن يُبعد الهاتف عن أذنه قال تلك الجملة التي ستكون قيامته:
"إعتني بإبنتنا جيدا"
....يتتبع....

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن