الحلقة 40 والاخيرة - المفتون

13.5K 152 24
                                    

بدأت هذه الحكاية بالظبط في داخل فتاة صغيرة منكسرة القلب و رجل لم يعرف الأمل في حياته، لقد أحبت ذلك الرجل كثيرا، رغم أنه السبب الوحيد لدموعها، رغم طعنه لها في قلبها ذات صباح، رغم أنها تعرف أنه وضعها في القبر بيديه، أحبته كثيرا، هذا ما كان يقوله الصوت الذي بداخلها: لقد ذهب قلبك له.
لقد نزلت نجمة من السماء قبل قليل، لأول مرة تمنت ريان أمنية بإسم إبنتها: في من الأيام، ليجدكِ رجل يعشق مثل والدكِ تماما...
رغم أنها لم تبدأ بالمشي بعد، إلا أنها طفلة كثيرة الحركة، تمشي خطوة و تقع. حملت ريان إبنتها في حضنها و وضعتها في سريرها الخشبي الأبيض، كان حولها الكثير من الألعاب. بعد أن قبّلتها كثيرا سحبت الكرسي و جلست تشاهد جوناش التي على وشك أن تنام. وضعت ريان يدها على شعر إبنتها و داعبته، كانت الطفلة تنظر لها بعينيها الجميلتين، تلك العينان تذكر ريان بالعديد من الأشياء و ترسم أمامها إنسانا واحدا: ميران... عيون الطفلة كانت ميراث لها من والدها. ريان محظوظة جدا لأنها كلما نظرت إلى إبنتها تستطيع رؤية الرجل الذي تحبه.
"لقد كبرتِ لدرجة أن تستمعي إلى القصص يا صغيرتي"
بقيت يدها تداعب شعر إبنتها و وضعت يدها الأخرى على حافة السرير، أحست بأن النوم يراودها، لو لا تنام هي قبل أن تنيم الطفلة. إبتسمت ريان قائلة:
"سأروي لكِ قصة حقيقية... حكاية تحول رجل مثل زهرة الثالوث إلى مفتون"
هذه الحكاية خاصة بهما، ريان مازالت تحمل في داخلها ذكريات السنتين الماضيتين التي غيرت حياتها تماما. عندما فتحت شفتيها لتبدأ بالكلام أحست بيد تلمس شعرها الذي على كتفيها ثم أحست بشفتين تقبّلها من وجنتها فسكتت.
"لا يمكنكِ أن تروي حكاية لم تنتهي بعد"
نهضت ريان من كرسيها ثم عانقت الرجل الذي يقف وراءها، صدر هذا الرجل الذي يفوح بالسلام كان مثل الكنز الذي تتحصل عليه في نهاية كل يوم. كلما حضنها ميران بذراعيه تحمد الله على نعمة عودته لها و وجوده في حياتها.
"لقد تأخرت يا ميران"
قالت ريان هذا و كأنها تعاتبه، عودته المتأخرة للمنزل في الفترة الأخيرة يجعلها تجن. أبعد ميران ذراعيه عن جسد زوجته ثم أخذ ينظر إلى وجه إبنته التي دخلت في عالم الأحلام ثم قال:
"لقد نامت قبل أن آتي أنا، مجددا"
"إذا عدت متأخرا هكذا، هي ستنام طبعا"
إنحنى ميران و قبّل إبنته من جبينها ثم نظر إلى زوجته المتذمرة ذات وجه الورد، حبس وجهها بين يديه و قال:
"أنتِ تعرفين لماذا أعود متأخرا"
إرتسمت إبتسامة على وجهه الذي يبدو عليه التعب ثم هزت ريان رأسها بمعنى نعم، فقبّلها ميران من جبينها.
لقد توالت أيام و أشهر على تلك الليلة المشؤومة بعد أن خرجا سالمين من ذلك المكان. ميران عاد من حافة الموت مرة أخرى في تلك الليلة، لو دخلت تلك الرصاصتين في جسده حقا لما كان ليبقى على قيد الحياة. و لكن الله حفظ روح ميران لريان عندما لم يخطر على بال ذلك الرجل أن يطلق النار على رأس ميران الذي أخذ إحتياطه و كان يرتدي واقي للرصاص في تلك الليلة. كلما تذكر تلك اللحظات يصبح جسده مثل الشوك، صرخات ريان أحيانا تدخل إلى كوابيسه في الليل.
تلك الصرخات و الدموع التي ذُرِفت تم دفنها جميعا في الماضي مع تلك الليلة. ميران لم يسمح لريان بالبكاء أبدا بعد ذلك اليوم. إن كان على قيد الحياة و يتنفس اليوم و يأخذ زوجته في أحضانه عندما يعود متعبا إلى المنزل، فيجب أن يشكر الله أولا على هذا ثم والده... هازار شانوغلو هو من وضع تلك الفكرة في رأسه، قال له أنه يجب أن يحمي نفسه من الرجل الذي يظنه عمه، و لم يكتفي بهذا بل أثبت أيضا أن وحيد كارامان هو الذي أطلق النار على ميران. لو لم يحذره والده و يحميه آنذاك لم يكن ميران ليتجول في شوارع ماردين مرتديا واقي للرصاص يوميا.
لم يستطع ذلك المجرم الهروب، بعد أن ظن أنه قتل ميران بتلك الرصاصتين و هرب، قلب السيد هازار مدينة ميديات رأسا على عقب و أمسك به. بعد ذلك توضح كل شيئ أساسا، ذلك القاتل إعترف بأنه حاول قتل ميران قبل عدة أشهر و أنه فعل ذلك بأمر من وحيد كارامان... رغم كل هذا ميران لا يحس نفسه جاهزا بعد كي يقول كلمة أبي لذلك الرجل، حتى لو شتم نفسه كل ليلة بسبب هذا إلا أن قلبه الجريح لا يسمع كلامه، لا تتفتح أي وردة قبل وقتها. عندما غادر ميران و ريان مدينة ميديات بعد تلك الليلة المرعبة، وعدا بعضهما أنهما إذا عادا مجددا إلى هذه المدينة، لن يأتيا إلا بعد ترك كل شيء خلفهما، ميديات ستشهد على ضحكاتهما فقط.
بعد أن عاد إلى إسطنبول ذهب ميران فورا إلى قبر أمه و قبر الرجل الذي كان يظنه والده لعدة سنوات. رغم معرفته أنهما لا يسمعانه إلا أنه بقي يتكلم لساعات على تلك الصخرتين الباردتين. كان يتكلم بصوت مرتفع و كأنه يريد أن يحاسبهما على الكره الذي كبر بداخله منذ طفولته... لماذا إرتكبت أمه هذا السوء في حقه؟ لماذا أخفت الحقائق؟ أي أم ترضى بأن يكبر إبنها عدوا لوالده الحقيقي؟ هل كرهها لوالده كان كبير لهذه الدرجة؟
الآن ميران يفهم أكثر أن الكره هو أكثر شعور خبيث في هذه الحياة، إذا نمى في روح الإنسان مع أفكاره الشيطانية فذلك الإنسان لا يكتفي بتدمير حياته فقط بل يحول كل من حوله إلى رماد، و هذه الدنيا الفانية لا تستحق أن نكره فيها أحد... ذلك اليوم أقسم ميران أنه سيتخلص تماما من هذا الشعور، أساسا هو هدر عمره على شيء فارغ و لا معنى له، أمه هي التي أوصلته إلى هذه الحالة!! من الآن و صاعدا ميران لن يعلم إبنته جوناش و أطفاله في المستقبل سوى الحب لأنه يعرف كيف أن الكره يصبح عدوا لروح الإنسان و كيف يحول حياته إلى جحيم... لا يعرف إن كان سيزور قبر أمه مجددا أم لا و لكن إن حدث يوما و سامح أمه، حينها سيكون قد وُلِد من حديد.
قبل أن يغادر المكان نظر ميران إلى قبر الشخصان الآن سرقا حياته، قال كلماته الأخيرة رغم معرفته بأنها لا يسمعانه:
"ليس ذلك الرجل من سرق حياتي، بل أنتما... أنتِ يا أمي. ذلك الكره الذي لا أصل له بداخلكِ لم يحرقكِ أنتِ فقط بل حرقني أنا أيضا. لم أحسب كم روحا أحرقتها معي أيضا... أنا لا أريد أن أكون الخاسر مجددا في هذه الدنيا"
عندما عاد إلى بيته إلتجأ إلى زوجته، إلى ريان خاصته. الميناء الوحيد للرجل العاشق المنكسر هو أحضان إمرأته. حضنها بشكل... و كأنه يقول أنتِ كل ما أملكه، و كأنه يقول ليس لدي أحد غيركِ في هذه الحياة.
"هل أنت جائع؟"
إكتفى ميران بهز رأسه بلا على سؤال ريان، هو ليس جائعا، و هذا ما تخمنه ريان و لكن سألته هكذا. ميران كان متعبا كثيرا و يريد أن ينام فورا، غدا في الصباح الباكر سيذهب مجددا إلى الشركة ثم يعود متأخرا في الليل و يستمع إلى تذمر ريان... رمى بجسده المتعب في غرفة النوم، ريان أيضا أطفأت أضواء غرفة إبنتها و أخذت في يدها جهاز الأطفال ثم إتجهت إلى غرفتهما. مهما كانت سعيدة فيوجد بداخلها القليل من الحزن، لقد إعتادت كثيرا على هذا المنزل و هذه المدينة، فكرة أنهما سيغادران إسطنبول تماما بعد عدة أيام تؤلم روحها. رغم ذلك ميران ستكون ساقه في هذه المدينة و سيزورها كثيرا بسبب العمل، سيصطحب ريان و إبنته معه عند قدوم الصيف و ربما عندما تدخل جوناش إلى المدرسة سيعودان إلى إسطنبول، من يعلم؟ في النتيجة ميران الآن لديه مدينتان، إحداهما إسطنبول و الأخرى ماردين.
قطع ميران كل صلاته بالرجل الذي كان يناديه عمي في يوم من الايام، ماديا و معنويا. أساسا ذلك الرجل في السجن منذ أشهر و لا يعرف متى سيخرج. لقد وقع في الحفرة التي حفرها بيده و أصبح ضحية طمعه و جشعه. مازال ميران يلتقي بخالته حتى لو لم يكن مثل السابق، السيدة نرجس إعتذرت آلاف المرات من إبن أختها، رغم أن الإعتذار لن يغير ما حدث. ميران سامح تلك المرأة أيضا و لكن إنكساره منها سيضل باقيا طول العمر.
عندما دخلت زوجته إلى غرفة النوم كان ميران يقف أمام الخزانة، جسده المتعب الذي تخدّر من الجلوس على المكتب طول اليوم لن ينفعه شيء سوى حمام ساخن الآن. أخذ ثيابه النظيفة في يده و إتجه إلى الحمام و على وجهه إبتسامة تحرق القلب. ريان تعرف جيدا ما معنى هذه الإبتسامة.
"تعالي إلى جانبي"
هذا ماقاله قبل أن يدخل غرفة الإستحمام، عندما نزع ثيابه و جلس في حوض الماء الساخن، أجابت حبيبته دعوته. فهمت فورا أنه يريدها أن تدلّك كتفه، ريان تتذمر دائما أمام طلبه هذا و لكن هذا التذمر ليس سوى دلالها عليه.
جلست وراء ميران و صغطت بأصابعها على كتفه المبلل، بينما كانت تدلّك جسده بحركات خفيفة كان ميران يبتسم ثم خطرت على باله فكرة خبيثة لإغضاب ريان فقال:
"أقسم أنني لم أتعرف أبدا على إمرأة تقوم بتدليك رائع مثلكِ"
عندما قال هذا إختفت إبتسامة ريان من وجهها و توقفت أصابعها عن التدليك.
"لماذا توقفتِ؟"
قال ميران هذا وهو يضغط على شفتيه كي لا يضحك، إنه يحب غيرة هذه المرأة عليه. أدار ظهره و نظر إلى وجه ريان المصدوم وهو يحاول أن يحافظ على جديته.
"كم إمرأة جعلتها تدلّك ظهرك يا ميران؟"
إبتسم ميران بخبث لأنه وصل إلى هدفه، لو كانت تعلم أنها أول و آخر إمرأة تلمسه هكذا، هل كانت ستنظر له بهذا الغضب؟... ميران مازال مصرا على مواصلة لعبته، عبس وجهه و كأنه يفكر ثم قال لها:
"لا أعرف، لم أعدّهن"
سحبت ريان أصابعها من كتف ميران و هي في قمة غضبها، لم تكتفي بإدارة وجهها له بل همّت بالنهوض من مكانها حتى أمسكها ميران من يدها و منعها من الذهاب و قال:
"ماذا حدث الآن؟"
"و تسأل أيضا؟"
قالت ريان هذا بغضب و الغيرة تملأها، نظرت إلى ميران مجددا و الحزن يملأ وجهها. إنها تغار مثل المجنونة، لا تغار من الوقت الحالي بل هي تغار حتى من ماضي هذا الرجل... إبتسم ميران، لن يواصل هذه اللعبة أكثر فقال:
"أنا أخدعكِ يا إبنتي"
عندما قال ميران هذا ضغطت ريان على لكمتها ثم ضربت ميران فجأة على صدره بقوة و قالت بصوت يميل للبكاء"
"أنا لا أصدقك... أنت تراوغ"
و هذا ما لا يتحمله ميران، بكاؤها. وضع يده أسفل فمها و جعلها تنظر له ثم قال:
"صدقيني، أنتِ تعرفين أنني لا أكذب عليك في موضوع كهذا"
ثم وضع يده الأخرى على شعر ريان و فتحه برقة فتناثرت خصلات شعرها على كتفيها و إمتلأ قلبه برائحة ريان... إقترب منها ودفن رأسها في رقبته و هي كانت مستسلمة تماما ثم قال:
"أنا كنت أمزح فقط و لكن إن كنت مازلتِ غاضبة فإضربيني مجددا"
رفعت ريان يدها و داعبت لحية حبيبها المتسخة بكل رقة، مهما فعل و مهما قال، هل تستطيع التفريط بميران خاصتها؟
"إذا قمت بمزحة مثل هذه مرة أخرى فإختر طريقة لتموت بها"
إبتسم ميران و العشق يملأ عينيه ثم قال:
"ليأتي موتي منكِ... أنا راضي بكل شيء يأتي منكِ"
ريان تستصعب الإعتناء بإبنتها لأنها نشيطة جدا و تتحرك كثيرا، لقد مرت تسعة أشهر على ولادة جوناش، حتى لو تعلمت ريان قواعد الأمومة فهي مازالت لا تنجح في كل واجباتها. لا يمكنها أن تأكل حق السيدة نرجس خالة ميران، منذ أن عادت السيدة زهرة إلى ماردين كانت هي التي تساعد ريان في كل شيء و لم تجعلها تحس بنقص أمها، ربما بهذا الشكل تحاول جعل ميران يسامحها.
"متى ستخرجان إلى الطريق؟"
شعرت ريان بأنها تعرقت حتى إستطاعت تلبيس جوناش ثيابها ثم وضعتها في سريرها، فور وضعها في ذلك السرير تبدأ الطفلة في البكاء و الصراخ عندما لا يحملها أحد في حضنه.
"أنظري لقد عودتموها على أحضانكم و الآن السيدة الصغيرة لا تبقى هادئة في سريرها"
أليف لم تتحمل بكاء جوناش أكثر و حملتها في حضنها، حينها أوقفت الأميرة الصغيرة البكاء و بدأت تضحك. نظرت أليف لها و قالت:
"كم أنتِ طفلة عكسية هكذا"
كانت ريان تجمع الثياب المتسخة في الأرض وهي تتذمر قائلة:
"ترى لمن تشبه؟"
جاء الجواب من أليف و ريان في نفس الوقت:
"طبعا تشبه والدها"
بعد أن نيّما جوناش بصعوبة في غرفتها، ذهبتا إلى المطبخ لصنع قهوة ثم إنتقلتا إلى الصالون. بقيت أليف تنظر إلى أغراض المنزل الموضوعة في كراتين ثم قالت:
"ياللهول، من كان ليصدق أن ميران سيستقر في ماردين... هل تتخيلين هذا؟"
ما حدث في الماضي القريب كان مثل المعجزة... أنهت ريان قهوتها و وضعت الفنجان على الطاولة ثم قالت مبتسمة:
"لو كان ميران هو ميران القديم ما كنت لأتخيل هذا... ميران تغير كثيرا، خاصة بعد أن تصالح مع أبي تحول إلى رجل مختلف تماما. إتخاذ هذا القرار كان صعبا جدا عليه و لكن هذا هو الصواب. هو يريد أن يترك هذه المدينة التي وُلِد و كبر فيها و يستقر في المدينة التي ينتمي لها... بالأصح كلانا نريد هذا"
ريان أيضا لا تستطيع تصديق ما تقوله و لكن هذه هي حياتهما الآن، أحيانا تعتقد أن كل هذا مجرد حلم و كأنها ستستيقظ منه و تعود لتستمر في أيامها السيئة... واصلت ريان كلامها:
"كل شيء غريب جدا أليس كذلك؟ و كأنه البارحة ذلك اليوم الذي عرف فيه ميران الحقائق. الغضب الذي رأيته في عينيه ذلك اليوم كنت أظن أنه لن يمضي أبدا، قلت لنفسي أن كل شيئ إنتهى و لن ننجح بعد الآن، لن تُشفى جروحنا..."
"اتركي تلك الأيام يا ريان، أنظري الآن كل شيء على ما يرام في حياتكِ، أنتِ و ميران سعيدان جدا. من الآن و صاعدا ستعيشان الحياة التي تستحقانها"
"الحياة التي يجب أن نعيشها..."
همست ريان بهذا و قد تذكرت ما حدث قبل أربعة أشهر، إرتسمت إبتسامة أليمة على وجهها. على الأغلب ولادة هذا اليوم يعود لتلك الليلة...
كان هازار شانوغلو قد جاء إلى إسطنبول على أمل مجددا كي يرى ميران. كي يُذْهِبَ قليلا شوقه لإبنه. عندما فتحت ريان الباب في الصباح و رأت أمها و أبيها أمامها صرخت من السعادة، تفاجأت كثيرا حين رأت أمها أمامها مجددا و الحال أنها كانت تظنها لن تزورها مجددا بعد عودتها إلى ماردين. لأن ميران لا يتقبل وجود والده و لا يسمح له بالدخول في حياته.
أساسا كل شيء بدأ هكذا، كيفما حدث فقد عاد ميران من العمل باكرا ذلك اليوم، عندما رأى والده أمامه في المنزل تفاجأ و لم يقل كلمة واحدة. ذهب إلى الطابق العلوي و رمى بنفسه في غرفة النوم. وجود ذلك الرجل في الأسفل يؤلمه كثيرا. كم هي غريبة هذه الحياة!! الرجل الذي لم يناديه أبي ولو لمرة و إعتبره عدوا لسنوات، هاهو الآن أمامه في بيته. ميران أحس بأن نفسه ينقطع فخرج إلى البالكون، في تلك اللحظة فُتِح باب المنزل، كان يظن أن والده سيذهب. لا بد أنه أحس بأنه غير مرغوب فيه و لم يستطع البقاء أكثر، هذا الوضع صعب بالنسبة لأب. إبنه لا يريده، كيف له أن يبقى؟
بعد أن أغلق السيد هازار الباب، مشى بخطوات سريعة و رمى بنفسه أمام الباب الحديدي للمنزل. قبل أن يركب سيارته أراد شرب سيجارة. أخرج العلبة من جيبه و سحب واحدة منها. البالكون الذي يقف فيه ميران كان محاط بأغصان الشجرة التي في الحديقة و لأن الوقت كان ليلا، السيد هازار لم يكن يرى إبنه، و إستفادة من هذا الوضع، ميران كان يشاهد والده... لا يعرف لماذا يفعل هذا، كان يشاهده فقط، كل حركة لهذا الرجل كانت تحطم قلبه، تنتزع كبده و تجعل عينيه تدمع. أخذ نفسا عميقا بينما كان والده يسحب النفس من سيجارته... قال ميران بداخله:
"يا ليت... لقد تعبت من قول هذه الكلمة. ليت حياتنا لم تكن هكذا... ليتني كبرت بحبك و ليس بكرهك"
كان ميران يرى نصف وجه والده بفضل الإضاءة في الشارع، عندما وصل إلى نهاية السيجارة، عبس وجه الرجل. كان ميران يراقب بدقة كل تحركاته، بدأت إفادة وجه السيد هازار تتغير و كأنه يتألم، ففهم ميران أن شيئا ما يحدث. من يعلم؟ ربما هو أيضا يتألم، ربما هو أيضا حزين من أجل كل شيء، و لكن الحزن لا يغير شيئا مما حدث.
وضع السيد هازار يده اليمنى على قلبه و أغمض عينيه تماما و بدأ يتلوى من الألم. في تلك اللحظة فُتِحت عينا ميران في دهشة، و كأنه أُصيب بشلل و لا يستطيع التحرك من مكانه، يداه التي كانت تمسك حديد البالكون أصبحت مثل الجليد. في تلك اللحظة نطق لسانه بكلمة كانت ممنوعة عليه، صرخ بأعلى صوته:
"أبييييي"
سمعت ريان و السيدة زهرة في الطابق السفلى هذه الصرخة، أعطت ريان إبنتها لأمها و ركضت نحو الدرج كي تفهم ما حدث و حينها تقابلت مع ميران. كان في حالة صدمة و لم تستطع سؤاله حتى عما حدث لأن ميران أبعدها من أمامه و ركض نحو الباب. حينها ريان فهمت أنه حدث شيء سيء، ركض كلاهما نحو الباب الحديدي ثم إرتميا على الأرض بجانب الرجل الذي كان فاقدا لوعيه. ريان بقيت تنظر في صدمة ثم عادت إلى وعيها على صوت ميران. كان يصرخ:
"الإسعاف يا ريان... اطلبي الإسعاف"
هزت المرأة رأسها ثم ركضت نحو البيت، وضعت يدها التي ترتجف على فمها و كانت تدعو أن لا يحدث له شيء. قبل أن تدخل إلى المنزل سمعت صوت ميران مجددا و أحست كأن سقف المنزل يسقط عليهم... لقد كان ميران يصرخ:
"سامحني يا أبي العزيز، أرجوك سامحني... يكفي أن لا يحدث لك شيء"
في تلك الليلة كانت شوارع إسطنبول تئن بكلمات ندم متأخرة... كلما تذكرت ريان هذه اللحظة يصبح جسدها مثل الشوك، كانت أيام سيئة، هي وضعتها خلفها و لكن مهما حاولت تضميد هذه الجروح سيبقى أثرها موجود دائما. و هذه هي الحقيقة الدائمة: الذي يجعل الإنسان إنسانا هو جروحه.
ميران لم يعد ينكر هذا، كل الكره الذي حمله بداخله لسنوات كان بسبب نقص الحب. الآن هو يتمسك بشدة بوجود والده، ذلك اليوم أحس بألم فقدانه حتى النخاع، الجميع رأوا ذلك الخوف في عينيه. صراخه بكلمة أبي جعلت الجميع يتأثر معه... أنهت أليف قهوتها ثم قالت:
"ماذا عن آزاد؟ عندما أُصيب صهري هازار بنوبة قلبية جاء آزاد إلى إسطنبول، إلتقى بميران و لكنهما لم يتكلما كلمة واحدة. كلاهما يحملان نفس الكره في عينيهما، نفس الغضب. العداوة التي بينهما و كأنها لن تنتهي أبدا يا ريان، و الآن أنتما تنتقلان إلى ماردين، ستتواجهان كثيرا مع آزاد. بينما هناك العديد من النقط المشتركة بينكم كيف ستتجاهلون بعض؟"
هزت ريان رأسها و كأنها تقول لا أعرف، أساسا هذه هي العقدة الوحيدة التي لم تُحل بعد. كل شيء إنتهى و لم تبقى أي مشكلة و لكن هناك جبال لا يمكن تجاوزها بين آزاد و ميران.
منذ أن عرفت ريان بمشاعر آزاد نحوها كانت منكسرة و لكنها لا تستطيع أن تغضب منه، ما ذنب القلوب؟
"أنا لا اكنّ أي حقد تجاه آزاد، و لا يمكن آن يكون. آزاد أيضا هكذا نحوي و لكن ميران... مازال يكره آزاد، آزاد أيضا يكره ميران... لا أعرف إلى أين سيصل هذا و لكنني تعبت كثيرا"
لا عداوتهما و لا حربهما ستصل إلى مكان، قالت أليف و هي محقة:
"حتى لو أرادا فلن يستطيعا الهرب من بعض طول العمر، لنتجاوز كل شيء، هما لديهما رابط دم"
في تلك اللحظة صوت طرق الباب قاطع هذا الحديث و أيقظ جوناش أيضا. عندما سمعتا صوت بكائها من الجهاز ركضت أليف إلى الطابق العلوي و ذهبت ريان لفتح الباب. هي لم تخطئ، القادم كان ميران، و آردا أيضا بجانبه. سألت ريان "هل جئتما؟" فأجابها آردا:
"لا ياروحي، أي مجيء؟ نحن مازلنا في الطريق"
بينما كان ميران يدخل إلى المنزل ألقى نظرة صغيرة لآردا و قال له:
"أنا عندما أعود من العمل لا أجد طاقة لأتكلم حتى. و لكن أنت ماشاء الله أنت و مزحاتك الباردة لا تفقدان الطاقة أبدا"
"لأن هذا هو إختلافي يا صديق"
قال آردا هذا ثم غمز لريان و بدأ ينظر لأطراف البيت، ريان تعرف جيدا على من يبحث آردا فقالت له مبتسمة:
"خاصتك في الأعلى"
في تلك اللحظة سمعوا صوت صراخ أليف تقول:
"إلحقي يا ريان، جوناش وسّخت تحتها كثيرا"
بعد أن أغلقت ريان الباب إتجهت نحو الدرج، هي تعودت على هذا. جوناش كانت توسخ تحتها بشكل، تحس ريان و كأنها خرجت من حرب كبيرة بعد أن تنظفها. عندما دخلت إلى غرفة الطفلة و رأت وجه أليف لم تستطع منع قهقهتها ثم قالت:
"لم تستطيعي مواجهة هذا أليس كذلك؟"
"هذا ليس بشيء يمكن مواجهته، لو بقيت أكثر كانت ستضع هذه القذارة على وجهي"
"والله أنا وضعتها على وجهي منذ مدة يا أليف"
كلما كبرت جوناش يصبح ظبطها و تنظيف تحتها صعبا جدا، هي تبكي كثيرا و تتحرك دائما و تسبب المصاعب لريان.
"عندما ضحك علي ميران حينها، وضعت تلك القذارة على وجهه أيضا"
قهقهة ريان و أليف كانت تملأ الغرفة، بعد أن غيرتا تحت الطفلة بصعوبة كبيرة خرجت أليف و ذهبت إلى الصالون أما ريان فقد بقيت تُرضع إبنتها.
"ماذا تفعل جميلاتي؟"
فُتِح باب الغرفة و دخل ميران، ريان أساسا قد أشبعت بطن إبنتها فقالت:
"ماذا سنفعل؟ إبنتك تتعبني كثيرا"
جلس ميران على حافة السرير و قبّل شعر زوجته ثم قال:
"إشتقت لكِ كثيرا"
إبتسمت ريان له ثم إقتربت منه لتقبّله حتى أوقفها بكاء الطفلة فقالت:
"انظر لهذا، إنها فتاة غيورة. تغار عليك مني و تحاول الدخول بيننا"
"هذا ممكن، ربما تريدني أن أقبّلها هي أولا"
عندما مد ميران ذراعيه ليحملها أعطتها له ريان و كأنها تريد التخلص منها. الطفلة الصغيرة التي أصبحت في حضن والدها، بدأت تضحك فورا و ريان تبقى مندهشة أمام حالات إبنتها هذه فقالت:
"لا أقول عبثا أنها تشبهكَ تماما يا والدها. غير واضح على ماذا تبكي و على ماذا تفرح"
إبتسم ميران وهو يداعب وجنة إبنته ثم قال:
"الشيء الوحيد الواضح هو أن إبنتي تحبني كثيرا"
وضع شفتيه على خدّها و قبّلها مطولا، حضنها بشدة ثم إلتفت إلى زوجته قائلا:
"هيا اضحكي يا صغيرتي، أمكِ تغار منا كثيرا"
ريان إنتظرت من جوناش أن تعبس وجهها في هذه اللحظة لأنها تكره أن يحضنها أحد بقوة هكذا و تنزعج فورا و لكن تتغير الأمور حين يكون ميران هو الذي يحضنها. جوناش إبتسمت عنادا بريان ثم أخرجت السوائل من فمها على كتف ميران.
"أنا سأنزل إلى الأسفل، يجب أن نجهز شيئا للعشاء"
ثم اتجهت ريان نحو باب الغرفة أما ميران فقد كان مشغولا بالحديث مع إبنته. قبل أن تخرج ريان من الغرفة إلتفتت إلى ميران و قالت ضاحكة:
"رجاءا غيّر قميصك قبل أن تنزل إلى الأسفل يا زوجي العزيز، لأن جوناش لم تكتفي بإسالة لعابها عليك بل تقيأت على قميصك بشكل جميل"😁
******
تجمع الرباعي على طاولة العشاء و كانوا يتبادلون أطراف الحديث، و لا يجب أن ننسى جوناش التي تجلس بجانب ريان على كرسي الطعام الخاص بها. وجودها مهم لدرجة لا يمكن تجاهله، هي تبدأ بالبكاء و التذمر كلما قلّ الإهتمام بها. أثناء الطعام كان آردا مشغولا بوضع بعض الأشياء في فم جوناش، عندما تفتح هي فمها كان يسحب يده. مهما غضب منه ميران هو لا يسمعه و طبعا عندما تبدأ جوناش بالتذمر و البكاء يحاول آردا تغيير الموضوع... نظر ميران بغضب إلى آردا و قال له:
"لا تعبث مع إبنتي، ألا ترى أنها تنزعج؟"
ضحك آردا له و قال:
"ولو تعرف كم يعجبني هذا، أنا أحب اللعب مع هذه الخرزة"
بعد طعام العشاء كانت جوناش في حضن والدها أما ريان و أليف فقد إنشغلتا بصنع الحلوى. في الواقع هذه آخر أيامهما في إسطنبول، بينما بقي رمق على إنتقالهما إلى ماردين كان آردا و أليف ياتيان كل يوم إلى هذا المنزل ليبقيا معهما، كيفما لن يلتقوا بكثرة مثل السابق... بعد أن جهزا الحلوى و وضعتاها في أطباق، إنتقلت الفتاتان إلى الصالون. جوناش كانت تلعب في حضن ميران أما آردا فقد كان مشغولا بالمباراة على التلفاز. بعد حديث دام لبضعة دقائق إنتقل الحديث إلى آردا و أليف لأنهما إتخذا قرار الزواج في وقت قريب. بعد أن يستقر ميران و ريان في ماردين آردا أيضا سيذهب إلى هناك و سيتقدمون لطلب يد أليف من أهلها و لكنهم لا يعرفون كيف ستكون النتيجة. أليف لم تحدث عائلتها عن هذا بعد، في النتيجة هي ذهبت إلى إسطنبول من أجل الدراسة و رغبتها في الزواج قبل إنهاء الجامعة، لا تعرف كيف ستكون ردة فعل عائلتها على هذا.
هذا الوضع يخيف آردا أكثر من أليف، هو يخاف من أي إجابة سلبية منهم و يخاف من أن تحدث ثغرة بينه و بين أليف.
"أنا أقول لو نوضح تاريخ مراسم طلب الفتاة"
قال ميران هذا وهو ينظر لآردا مبتسما، هو يعرف كم أن هذا الموضوع مخيف بالنسبة لآردا و كان يحاول أن لا يسخر منه و يحافظ على جدّيته، و رغم ذلك فقد إحمرّ وجه آردا، فقال ميران ساخرا:
"كم أنك رجل جبان يا آردا، كل ما في الأمر سنذهب و سنطلب الفتاة على سنة الله ورسو..."
"اصمت يا ميران، ريان لم يكن لديها أربعة إخوة رجال"
عندما قال آردا هذا كان ميران على وشك أن يبصق القهوة في فمه من شدة الضحك، كان سيقول شيئا و لكن أليف تصرفت قبله و تكلمت:
"لا أصدق يا آردا... هل أنت خائف من إخوتي؟"
أليف كانت مندهشة جدا من حالته هذه فهزّ آردا رأسه بمعنى لا ثم قال:
"لماذا سأخاف من إخوتكِ؟ أنا أخاف أن لا يعطونك لي"
"ترى هل هذا صحيح؟"
عندما سأل ميران هذا أشار له آردا بأن يصمت، لماذا يشعل النار أكثر؟ حين لاحظ آردا نظرات أليف المندهشة حاول إنقاذ الموقف قائلا:
"أنتما إذهبا أولا و إستقرا في ماردين و أنا سأشتري الورد و الشوكولا و ألحق بكم"
هذه المرة أليف هي التي إحمر وجهها و كانت تنظر بغضب إلى ريان التي تضحك. لا تعرف أبدا كيف ستفتح هذا الموضوع مع عائلتها في ماردين، كلما فكرت في ردة فعل والدها و إخوتها الأربعة تشعر و كأنها ستموت
بعد شهر:
من المؤكد أن هذه المدينة كانت جرحا في قلب هذان العاشقان في وقت من الأوقات و تم نفيهما منها بسبب القرارات الخاطئة التي تم أخذها. ريان و ميران كلاهما إحترقا برماد الماضي و لكن تم دفع ثمن كل شيء في النهاية، الآن لا يوجد أي حمل ثقيل هما مجبران على حمله، إنتهى الشوق و الحسرة و هما يعيشان الوصال الآن.
المنزل الذي يعيشان في في مركز مدينة ماردين، ميران إختار هذا المكان خصيصا، منه قريب من مكتبه الجديد و منه بعيد عن القصر. أن يكون قريبا من القصر معناه أن يكون قريبا من آزاد. ميران لا يريد هذا لا من أجله ولا من أجل ريان، مهما كان قد بقي كل شيء في الماضي فعندما يكون الموضوع آزاد ميران لا يفكر هكذا أبدا. رغم ذلك هو يعرف أنه مجبر على رؤيته في بعض الأوقات، ميران و ريان تقبلا هذا. لا يوجد شجار ولا عداوة بعد الآن و لكن لن تكون هناك قرابة أو صداقة بينهما.
هل تقبل آزاد هذا؟ هذا غير معروف و لكن الزفاف الذي تمت إقامته قبل أيام في القصر قد أصاب الجميع بصدمة، آزاد تزوج ديلان. تزوج فتاة لا يحبها فجأة. إستقرار ميران و ريان في ماردين كان له دور في قرار آزاد هذا. لم تخطر فتاة أخرى على بال آزاد، ديلان تحبه و لا يمكن أن تتحمله أي فتاة أخرى مثلها. بعد أن أزعجته أمه بفكرة الزواج تقبل هذا الأمر في النهاية، نوعا ما هو تعب من التخبط داخل حب من طرف واحد. كانت ديلان هي الفتاة التي إختارتها أمه و آزاد رضي بهذا. إن كانت ديلان أو غيرها، هذا ليس مهم، لأن كل النساء مثل بعض في عينه ماعدا ريان... من يعلم ربما في يوم من الايام آزاد أيضا يقع في حب ديلان.
ميران و ريان تعودا على بيتهما و حياتهما الجديدة، كان السيد هازار و السيدة زهرة و بديرهان يأتون لزيارتهم دائما. هما أيضا ذهبا للزيارة إلى القصر مرتين، كل شيئ يسير على ما يرام في حياتهما و لكن لديهم مشكلة أخرى. عندما حدثت أليف عائلتها عن آردا قامت القيامة، آردا أخذ والدته السيدة ليلى و والده السيد حكمت إلى ماردين و لكن هذا لم ينفع بشيء، عائلة أليف عنيدة جدا في هذا الموضوع، إخوتها لا يقبلون الكلام حتى، والدها أيضا رفض تماما، كانت أمها السيدة عائشة هي الوحيدة التي توافق على هذا الزواج و لكن لا أحد يستمع لهذه المرأة.
السيدة ليلى و السيد حكمت يقيمان في القصر منذ يومان، ميران أراد أن يستضيفهما في بيته و لكن السيد هازار أصر كثيرا و أخذهما إلى القصر و الآن هم ينتظرون بلا حيلة، السيد هازار يحاول إقناع عديله والد أليف السيد مصطفى قائلا أن آردا شاب جيد و لا يمكن أن يجد أفضل منه من أجل إبنته، السيد هازار يعرف أنه سيقنعه بعد فترة و لكن آردا عديم الصبر.
هذا الوضع صعب بالنسبة لهم أيضا، إبنتهم الصغيرة التي أرسلوها إلى إسطنبول من أجل الدراسة، تجد زوجا و تعود لهم. أليف مازالت في سن الواحد و العشرين، كل غضب السيد مصطفى من أجل هذا.
"أنت لا تفهمني يا هذا"
صرخ آردا بهذا فنظر له ميران، الآن هما يقفان أمام البيت المواجه لبيت أليف و آردا يصرخ دون أن يخاف من أن يسمعه أحد. أساسا هذا البيت يبعد شارعين عن القصر، ميران ترك سيارته في الشارع العلوي و يحاول إقناع آردا بالذهاب منذ دقائق و لكن عبثا... آردا على وشك أن يفقد عقله و لا يبقى هادئا، لأول مرة يقع في الحب و يخاف أن يفقد الفتاة التي يحبها. هو لا يرى وجه أليف منذ أسبوع و لا يسمع صوتها، و لكنه كان يعرف منذ البداية أن والد أليف و إخوتها سيسببون المشاكل و سيمنعون زواجهما. و الحال أن السيد هازار كان قد قام بتنبيههما أن لا يزعجا عائلة الفتاة و أن يبقيا هادئين، و وعدهم بأنه سيجد طريقة لإقناع السيد مصطفى و لكن آردا لا يستمع إلى ميران و أصر في هذا الوقت من الليل أنه سيرى أليف و سحب ميران خلفه. من حسن الحظ أن هافين تنام مع ريان في البيت هذه الليلة و ميران لا يقلق على زوجته.
"سأجنّ يا ميران، لماذا يفعلون هذا؟... هل سيعطون فتاتي لرجل آخر؟ هيا تكلم، أم أنهم يفكرون برجل آخر؟"
فتح آردا عيناه أمام الإحتمال الذي خطر له و كأن هذا ما سيحدث فعلا، لم يسمح لميران بالكلام حتى و صرخ:
"إذا أعطوها لرجل آخر أنا أموت يا هذا. و الله، أصعد إلى السطح و أرمي نفسي"
لقد جن جنون آردا و بدأ يضرب الحائط و ميران يشاهده في ذهول، ما هذه الحالة التي يصل لها الإنسان العاشق؟... رفع ميران يده و وضعه على رقبة آردا ثم قال:
"عد إلى رشدك يا هذا، أنا أيضا فعلت مثلك و قلبت الدنيا رأسا على عقب في الماضي. أنا أفهمك جيدا و لكن أنا العشق لم يجعل المنطق لدي أعمى... انظر، أبي قال أنه سيحل الأمر و سيقنع العم مصطفى. هيا تعال لنذهب الآن، و سنفكر بشيء غدا صباحا"
هز آردا رأسه بمعنى لا ثم أشار بإصبعه لنافذة غرفة أليف و قال:
"مستحيل... لن أذهب من هنا دون رؤية أليف و سماع صوتها"
أخذ ميران نفسا عميقا و حاول الحفاظ على هدوئه ثم قال:
"يا بني... أقول لك ريان تحدثت معها و هي بخير"
"لا يا هذا، أنا سأسمع صوتها"
آردا لا يستمع لميران حتى، إنحنى إلى الأرض و أخذ حجرة صغيرة في يده ثم رماها على نافذة أليف و بقي ينتظر في حماس، بعد قليل ستخرج حبيبته، سيراها و يرتاح. و لكن لم يحدث ماكان ينتظره، لم تخرج أليف إلى النافذة بل كان أخوها الكبير رسول عابس الوجه. بقي ميران و آردا ينظران له في دهشة و لا يعرفان ماذا سيفعلان، ضغط ميران على شفتيه ثم همس لآردا:
"الآن تبهدلنا بفضلك"
مد رسول رأسه من النافذة في غضب، الرجل في منتصف الثلاثينات، هو أكبر و أضخم منهما. لم يعطه ميران فرصة و بدأ هو بالكلام قائلا:
"كيف حالك يا أخي رسول؟ كنا نمر هكذا فقلنا لنسأل عن حالهم و أحوالهم"
محاولات ميران المضحكة للنجاة من هذا الوقف لا تنفع بشيء فالرجل الذي أمامهما مازال غاضبا جدا. سحب رسول نظراته عن ميران و بدأ ينظر بحقد لآردا و قال:
"هل تسألان عن الحال برمي الحجارة على النوافذ يا هذا؟"
ثم أشار بإصبعه لآردا قائلا:
"أنت إنتظر، أنا قادم من أجلك"
عندما إبتعد الرجل من النافذة لم يفكر ميران سوى بالهرب من هناك، على الأغلب يجب أن يذهبا ركضا إلى القصر، ذلك المكان الوحيد الذي بإمكانهما اللجوء له.
"و الله إنه قادم..."
قال ميران هذا ثم بدأ يركض، عندما رأى آردا مازال متسمرا في مكانه في حالة ذهول و رعب، عاد إليه و سحبه من كتفه بقوة و صرخ:
"هيا تحرك يا هذا"
"حسن... حسنا. لأبصق على حظي هذا يا ميران"
عندما ذهبا في إتجاه القصر سمعا أصوات خلفهما فإلتفت ميران و ياليته لم يلتفت و يرى ذلك المنظر:
"ياللهول، هل ترى ما أراه؟"
آردا تفاجئ بردة فعل ميران و إلتفت هو أيضا ليرى، بقي ينظر هكذا و لم يبدي أي ردة فعل، إلتفت يمينا و يسارا مثل الأبله حتى ضربه ميران على كتفه مرة أخرى و قال:
"انظر يا أخي، هناك ثلاث رجال قادمون نحونا. و نحن إثنان. نستطيع أن نواجههم و لكن هم إخوة أليف. أنت تعرف، أليس كذلك؟"
آردا هز رأسه مثل الأحمق مجددا، أساسا هو لا يفعل شيئا سوى مشاهدة الرجال القادمين نحوهما. بينما هو مازال مندهشا، صرخ ميران في وجهه مجددا:
"يا هذا، إذا تشاجرنا معهم بأي وجه سنذهب لطلب الفتاة يا أحمق؟"
آردا نظر إلى ميران في حالة رعب، كم كان يبدو مضحكا. ثم قال:
"أنت محق يا أخي، ماذا سنفعل إذا؟"
رفع ميران رأسه و نظر إلى الرجال القادمين نحوهما، لم يتبقى سوى مسافة ثلاث أو أربعة أمتار بينهم، لم يبقى لديهم الوقت للتفكير حتى، صرخ ميران:
"و هل تسأل أيضا؟ اهرب يا هذا، اهرب"
ميران و آردا يركضان بلا إنقطاع دون أن يعيرا إهتماما للرجال الذين يصرخون و يهددون خلفهما. ميران لا يصدق أبدا هذا الوضع الذي وقع فيه، هناك من يلاحقه و ميران يهرب! هذا مثل المزاح... بعد أن إبتعدا عن مكان بيت أليف و بدآ يركضان في الطريق الطويل نحو القصر، أحسا بالتعب كثيرا. أدار ميران ظهره و نظر مجددا، لقد إقتربوا منهما كثيرا، بهذا الشكل سيتم الإمساك بهما قبل أن يصلا إلى قصر شانوغلو و فوق ذلك سيأكلان الضرب.
"توقفا يا هذا، أيها الجبناء"
إتهامات فاتح شقيق أليف الأصغر، كانت تصيب آردا بالجنون، فكر للحظة بأن يقف و يصرخ بحبه حتى لو كان الثمن أن يبرحوه ضربا. لقد ذهب لهم مثل الرجال ليطلب أختهم الأسبوع الماضي و ماذا حدث؟ لقد طردوه و ضربوه.
لم يتبقا لهما نفس و بدأ ميران يحس بأن بطنه ينتفخ من كثرة الركض، عندما وصلا إلى الشارع المتواجد فيه القصر إصطدما بآزاد الذي كان ذاهبا إلى القصر، آردا لم يستطع التحكم في سرعته و إصطدم بآزاد بقوة. إبتعد هذا الأخير عنه ثم صرخ:
"ماذا يحدث يا هذا؟"
لا ميران ولا آردا لديهما نفس ليهربا أكثر، عندما وضعا يديهما على ركبتيهما و بدآ يلتقطان أنفاسهما، رآى آزاد الرجال القادمين نحوهما و حينها فهم ما يحدث. الأسبوع الماضي كان قد سمع أن فاتح طرد آردا و ضربه فحزن عليه جدا، هذه المرة لن يسمح بهذا. وقف آزاد أمام ميران و آردا ثم رفع يده في الهواء و قال لإخوة أليف:
"هووب، هوووب، توقفوا"
من حسن الحظ أن علاقة آزاد جيدة جدا مع إخوة أليف، حتى أن فاتح من أقرب أصدقاء آزاد أما رسول فهو يحترمه و يحبه مثل أخ كبير. كلهم يحبون آزاد و يحترمونه، و في وجوده لن يستطيعا لمس شعرة من هذان الرجلان.
"ماذا حدث يا أخي رسول؟"
عندما سأل آزاد هذا السؤال لأكبر أخ فيهم، كان الرجل يتنفس بصعوبة و ينظر لآردا و كأنه سيقتله ثم صرخ مشيرا بإصبعه لآردا:
"عديم الشرف هذا يرمي الحجارة على شباك بيتنا. ألم نقل لك يا هذا ليس لدينا بنت لنعطيها لك؟"
ميران و آردا يقفان في الخلف، آزاد في المنتصف و في الجهة الأخرى يقف ثلاث رجال غاضبين، إنهم يمسكون أنفسهم بصعوبة كي لا يتجاوزوا آزاد و يهجموا على آردا.
"أنتم تقولون عنا عديم شرف و ماشابه، لكن هذا عيب..."
"أنا سأقطعك يا هذا"
وقف آزاد أمام فاتح الذي كان سيهاجم آردا ثم أمسكه من كتفه و أبعده قليلا و قال:
"إهدأ يا أخي، إهدأ. إنهم ضيوفنا، ألا تعلم هذا؟... إذا لم تتحكم بأعصابك ستكون قد قللت من إحترامي"
سحب رسول أخاه من ذراعه و لكنه مازال ينظر لآردا و كأنه سيقتله، نظر آزاد للإخوة الأربعة و قال:
"هيا أنتم إذهبوا يا أخي و نحن لندخل إلى القصر. لا تحدث مشكلة في هذا الليل"
"فقط من أجل خاطرك سنذهب يا آزاد"
قال رسول هذا وهو يحاول تهدئة نفسه ثم نظر إلى آردا و رفع إصبعه في وجهه و كأنه يهدده:
"إذا رأيتك مجددا تتجول حول بيتنا، لن يأخذك أحد من يدي"
كان آردا سيقول شيئا و لكن ميران أسكته، لا يوجد معنى من إشعال النار أكثر. بعد أن ذهب الإخوة من هناك أخذ ميران نفسا عميقا، ليست المشكلة في الشجار و تبادل الضرب و لكن الوضع كان سيصبح صعبا، يبدو أن عائلة أليف ستحدث مشاكل أكثر و آردا لن يتحمل هذا.
بعد أن إبتعد الرجال إلتفت آزاد إلى ميران و آردا ثم أخذ نفسا عميقا. هو لا يعرف لماذا فعل هذا و لكنه قام بحمايتهما، هو كان يريد هذا حقا. إنه لا يحس بأي شيء تجاه ميران الآن، لا كره ولا حقد ولا غضب. و كأن الزمن كان مرهما لكل الجروح و يقوم بمسح كل اللحظات السيئة التي بقيت في الماضي. ميران أيضا يحس بنفس الشيء تجاه آزاد.... أفسد آردا الصمت و قال:
"لن يحدث هذا الأمر... لن يعطوني الفتاة"
كانت حالة آردا سيئة جدا و كأنه تم ضربه مجددا، لو لم يخجل كان سيجلس على الأرض و يبكي. نظر له ميران و آزاد الذي ضحك على حالته ثم قال:
"أخذ البنت و إعطاؤها ليس سهلا هنا عندنا"
عندما نظر له آردا بعيون حزينة، قرر آزاد أن يقول له البشرى. لقد كان قادما من مكان عمل السيد مصطفى. هو لم يخبر أولاده بعد و لكن والد أليف إتخذ قراره و طلب من آزاد أن يبلغ هذا القرار للسيد هازار. لم يشأ آزاد أن يقول هذا الخبر أمام أولاد السيد مصطفى قبل قليل و يغضبهم و لكنه سيتكلم الآن:
"أنا قادم من محل العم مصطفى الآن. هو يقول فليأتوا لطلب إبنتي و لا يزعجوني أكثر"
في تلك اللحظة فُتِحت عينا آردا في ذهول، بقي ينظر لآزاد ثم إرتمى عليه و حضنه من حماسه. بقي آزاد في دهشة و لم يفهم ما مر به، كان ينتظر أنه سيفرح و لكن لم يتوقع أن يقفز عليه و يعانقه.
"يا الله، هل هذا صحيح؟ هل هذا صحيح يا هذا؟"
عبس وجه آزاد قليلا و نظر إلى آردا قائلا:
"هل كذبت عليك من قبل؟"
آردا الذي جن جنونه من الفرح هذه المرة عانق ميران، فعانقه ميران أيضا و هما يضحكان بشدة مثل الأطفال. قال ميران:
"قلت لك إصبر، هل رأيت؟ أبي حلّ المشكلة"
كلما لفظ ميران كلمة أبي يشعر أنه لا يتسع في الأرض ولا السماء، الجميع يدرك هذا. حتى آزاد كلما رآه هكذا يبتسم و يفرح من أجل عمه و من أجل ميران.
هز آردا رأسه و السعادة تغمره ثم نظر إلى القصر و تذكر والده و والدته، يجب أن يعطيهما البشرى الآن. إنطلق بسرعة نحو القصر قائلا:
"أنا ذاهب إلى القصر"
"إذهب أيها الولد المجنون، هيا أذهب"
ذهب آردا طائرا و لكن بقي آزاد و ميران لوحدهما، بعد إختفاء آردا عن الأنظار حل صمت رهيب و كلاهما لم يقولا شيء، لا ينظران لبعض و يهربان أعينهما. و الحال أنه لولا لعبة القدر عليهم كان كلاهما سيكبران في نفس القصر مثل الإخوة... بقيا واقفان هكذا، لم يستطعا لا الذهاب ولا قول أي شيء، تذكر ميران كل ما فعلاه و ما قالاه لبعض في الماضي، طبعا لم يكن أي منها عبثا و لكن لقد مر الكثير على تلك الأحداث. وضع ميران يده على شعره ثم قال و على وجهه إبتسامة خفيفة:
"سلمت، لقد نجونا بفضلك"
إبتسم آزاد أيضا و قال:
"لنقل وظيفة الإنسانية"
"و لكن كان بإمكانك أن تتجاهل هذا"
"أنا لست رجلا من هذا النوع"
إبتسم ميران مجددا ثم وضع يده على كتف آزاد و قال:
"هيا أنا سأذهب، تصبح على خير"
ثم سحب ميران يده من كتف آزاد و مشى في طريقه، أثناء ذلك سمع آزاد يقول له "تصبح على خير". لا يمكن أن يجلسا و يتحدثا حديثا مطولا، مهما تركا كل شيء في الماضي فإن بعض الذكريات لا يمكن نسيانها بسهولة، و لكن هذه البداية، منذ أن تركا الشجار هذا أول حديث بينهما. ميران مازال يبتسم، آزاد أيضا كذلك. هذه الليلة لقد خطوا أول خطوة في علاقة الأخوة التي ستربط بينهما في المستقبل. أساسا بعد الآن لا آزاد يستطيع النظر لريان بعين زائغة ولا ميران سيشعر بالغيرة لهذا السبب. لا يوجد حل لما حدث في الماضي و لكن المستقبل مازال في أيديهم
بعد ذهاب ميران إتجه آزاد إلى القصر و عندما رأى الجلبة التي في الفناء إبتسم، من الواضح أن جميع سكان القصر قد سمعوا بالبشرى، فرحة آردا و عائلته تستحق ما قاموا به. السيد هازار و السيد جيهان أيضا سعيدان جدا لأنهما كانا وسيلة للخير، السيد حكمت و السيدة ليلى أخيرا سيستطيعان طلب يد الفتاة التي يحبها إبنهما.
جلس آزاد في الكرسي الفارغ الذي بجانب والده و بقي ينظر للأطراف، لأول مرة بعد وقت طويل يكون هذا القصر مليئ بالسعادة، الجميع فرحون، السيد هازار لأول مرة بعد سنوات يضحك من قلبه هكذا و السيدة زهرة سعيدة بسعادة إبنتها. والدا آزاد أيضا مرتاحان الآن، أخيرا إستطاعا تزويج آزاد، بالنسبة لهم كل شيء على مايرام الآن... قال السيد جيهان:
"كم هذا جميل، كلنا مجتمعون. ليت ميران و ريان كانا هنا أيضا... لماذا لم يأتيا؟"
هز السيد هازار رأسه و كأنه يقول لا أعرف، لقد تحدث مع ميران في الصباح، هو لا يريد أن يضغط على إبنه في موضوع زيارة القصر، ترك القرار له، أساسا معرفة أنه يتنفس نفس الهواء مع إبنه في هذه المدينة كافي بالنسبة له... نهضت السيدة زهرة من مكانها قائلة:
"اليوم قامت بتلقيح جوناش، لذلك لم ترد ريان الخروج من البيت. انتظر سأتصل بها الآن"
بعد ذهاب السيدة زهرة، طلب آزاد أيضا الإذن ليذهب إلى غرفته. أساسا بعد قليل سينسحب الجميع إلى غرفه كي يرتاح الضيوف، غالبا سيذهبوا غدا لطلب يد أليف. أثناء صعود آزاد في الدرج إلتقى بديلان الخارجة من المطبخ، مازالا مثل الغريبان، ديلان مازالت تلك الفتاة التي تخجل كلما رأت آزاد و تهرّب عيناها منه... موضوع زواج آزاد من ديلان ملخبط قليلا و لكن آزاد لا يفهم لماذا قبلت هذه الفتاة الزواج به. أي إمرأة ترمي بنفسها إلى النار رغم معرفتها أن زوجها لا يحبها؟ آزاد لم يقدم أي وعود لديلان حتى أنه وقف أمامها و حذّرها أن زواجهما لن يكون زواجا عاديا و أنه لن يكون أبدا ذلك الرجل الذي تحلم به.
ذهب إلى غرفته بخطوات ثقيلة و رمى بنفسه على الفراش، هو لم يعد وحيدا في هذه المدينة الآن، معرفة أن ميران و ريان سيكونان أمامه دائما هنا في ماردين صعب جدا عليه، يجب أن يتعود و لكنه لا يستطيع... هو يتقاسم هذه الغرفة منذ أيام مع فتاة لم يتعود على وجودها بعد، جلس على السرير الذي نام فيه بجانبها مثل الغريب و أخذ يفكر و يفكر... دخول ميران إلى حياتهم و زواجه بريان و كل تلك الأحداث السيئة و الأسرار التي تم كشفها... الآن ميران داخل حياتهم تماما، مهما كان هو فرد من هذه العائلة، ريان أيضا كذلك. مهما حاول آزاد النسيان، بينما ريان أمامه هو يعرف أن جرحه لن يشفى أبدا، فإتخذ قراره...
فُتِح باب الغرفة و دخلت ديلان في هدوء دون أن تشعل الأضواء. أغلقت الباب و دخلت في حرج ثم أحست بأن آزاد ينظر لها، أصبحت تتنفس بصعوبة. نعم، زواجهما الذي تم بقرار مفاجئ مازال جديدا و لكن متى سيتعودان على بعض؟ لا آزاد يتقرب من ديلان ولا هي تتجرأ على التقرب منه. هي تخاف، لقد قبلت الزواج من آزاد رغم معرفتها أنه لا يحبها، هي خائفة من أن تكسب كره آزاد لا حبه بعد هذا الزواج، تخاف حتى الموت من خسارته تماما إذا حاولت التقرب منه... إنها لا تنام براحة حتى منذ أيام، آزاد ينام على حافة السرير و هي على الجهة الأخرى و لا تتحرك حتى من مكانها خوفا من أن تزعجه، بينما الحال هكذا هي لا تعرف كيف سيتعودان على بعض. لم يبقى لدى ديلان أي أمل، حتى أن آزاد لم يلمسها أبدا و لا ينظر إلى وجهها حتى.
وقفت ديلان أمام الخزانة و سحبت قميص نومها في هدوء ثم دخلت إلى الحمام لتغير ثيابها، بعد ذلك تنام على حافة السرير، أو تتظاهر بأنها نائمة، هذا هو الوضع منذ أيام... بينما كانت تطوي ثيابها توقفت في مكانها عندما سمعت صوت آزاد:
"ديلان؟"
رفعت ديلان رأسها و نظرت إلى وجه الرجل الذي تحبه و لم تستطع لمس وجهه و لو لمرة، شاهدته بضعة مرات عندما كان نائما و لكن لم تتجرأ على لمسه أبدا... قبل أيام كانت قد سألت هافين و هي تبكي:
"هل أنا فتاة قبيحة؟"
هي تعرف أنها ليست جميلة بقدر ريان و لكنها لم تفعل شيئا كي يتم تجاهلها هكذا، نوم آزاد ليلة زواجهما وهو مدير ظهره لها و تجاهله لوجودها كان صعبا جدا على ديلان. حتى لو أحبها آزاد في يوم من الايام فهي لن تنسى حزنها في تلك الليلة، هذا أصعب موقف بالنسبة لإمرأة.
قالت هافين محاولة مواساة كنّتهم الجديدة:
"أنتِ فتاة جميلة جدا يا ديلان، و لكن عيون لم تراكِ بعد"
كلامها لم يكن كذب أو مجرد مواساة، ديلان فعلا فتاة جميلة جدا. كانت السيدة زهرة و حماتها السيدة دلال تقولان لها أنها يجب أن تصبر و أن نهاية هذا الصبر ستكون حديقة من الورود.
قالت ديلان بصوت مرتجف:
"نعم؟"
لم تكن تود أن تكون خجولة هكذا أمامه و لكن ليس بيدها، حبست أنفاسها و هي تنظر لآزاد منتظرة ما سيقوله لها، خافت و كأنه سيقول شيئا سيئا... أخذ آزاد نفسا عميقا ثم أشار لديلان بأصابعه و قال:
"تعالي إلى جانبي"
أُصيبت ديلان بدهشة للحظة ثم فعلت ما طلبه و جلست بجانبه. هي تتساءل بجنون عما سيقوله آزاد الذي لم يتكلم معها أبدا منذ ثلاثة أيام، يبدو أنه سيقول شيئا مهما.
بقيت ديلان تنظر للسجادة أسفل قدميها، لم تتجرأ حتى على رفع رأسها و النظر في عيني الرجل الذي بجانبها حتى أحست بأصابع آزاد على كتفها، أصابعه التي تلمس بشرتها قد أدفأت قلبها و في الحقيقة هي لا تفهم ما يحدث، هذه أول مرة يلمسها آزاد، رفعت رأسها و نظرت أولا إلى وجهه ثم إلى يده التي على كتفها كي تتأكد... ابتسم آزاد و قال:
"ماهذا؟ لقد تغير لون وجهكِ"
هو يعرف أن ديلان تخجل منه و هو مدرك لشعورها بالحرج بجانبه و لكنه لم يتحمل خوفها منه لهذه الدرجة... هزت ديلان رأسها قائلة:
"لا، لا. أنا بخير"
بقي آزاد يشاهد ديلان، ربما لأول مرة ينظر لوجهها بدقة هكذا، لقد تخلى منذ زمن عن أحلامه التي عرف أنها لن تتحقق، لقد دخلت الآن إلى حياته فتاة ذات نظرة حزينة، لقد حان الوقت لدفن ذلك الحب في قلبه و فتح الأبواب لحب جديد... سحب يده من كتف ديلان و قال:
"طبعا أريد أن تكوني بخير"
كم هو عديم الإهتمام تجاه الفتاة التي تنظر إلى وجهه و تترقب في حماس ما سيقوله، لم تتحرك شعرة في قلبه.
"و أنا أتمنى أن تكون بخير يا آزاد"
خرجت هذه الأمنية من داخل ديلان ثم حبست يد آزاد بين يديها، تلك اليد كم تجعل قلبها يرتجف. لأول مرة تكون جريئة هكذا أمام هذا الرجل.
"ليتني أستطيع أن أجعلك بخير"
إعتراف ديلان و صوتها المرتجف جعل آزاد يضع نظراته في الأرض، هي الفتاة هي أكثر شخص يفهم همه، هي تعرف كم إحترق بحب ريان و أحرق نفسه. لم يكن آزاد محرجا من هذا و لكنه حزين من أجل ديلان لأنه أفضل من يعرف معنى الحب بدون مقابل.
"تستطيعين يا ديلان"
تلك الكلمة المليئة بالأمل التي خرجت من فم آزاد جعلت قلب ديلان ينبض بقوة، و أرادت أن تعطي مقابل هذه الخطوة التي خطاها حبيبها نحوها فورا، غمر الحماس جسدها و كانت الفرحة واضحة في عينيها و قالت مبتسمة:
"كيف؟ ماذا تقول يا آزاد؟"
إبتسم آزاد لها أيضا، هذه الفتاة الصغيرة كم أنها بريئة و ساذجة، لقد فتحت أبواب قلبها الصغير لآزاد.
"هل نذهب من هنا؟"
قال آزاد هذا بصوت هادئ، في الواقع هو يفكر بهذا منذ أيام، رؤية ميران و ريان أمامه دائما صعبة جدا، آزاد ليس جاهزا لهذا الآن و لن يستطيع التعود حتى لو أراد ذلك، لا يظن أنه يستطيع التقرب من ديلان بينما ريان أمام عينيه. ليبقى هو مشتاقا لهذه الأراضي لفترة و لكن قراره مؤكد، سيذهب و لن يعود إلى ماردين مجددا حتى يتأكد أن جرحه شُفِي بالكامل. سينشأ حياة جديدة لنفسه لا يوجد فيها أحد سوى ديلان.... عندما لاحظ آزاد دهشة ديلان، إبتسم. مازالت تحتفظ بيده بين يديها الصغيرتين ثم قالت:
"إلى أين؟ أين يمكننا أن نذهب؟"
"لم أفكر أبدا"
حقا هو لم يفكر أبدا إلى أين سيذهب عندما كان يخطط للذهاب منذ أيام. عندما رأى ميران اليوم تمسك أكثر بتلك الفكرة و قرر بأنه يجب أن يذهب:
"لم أفكر أبدا. هل هناك أهمية للمكان الذي سنذهب إليه؟"
"لا طبعا... أنا أذهب معك إلى المكان الذي تريده"
سحب آزاد يده من بين يدي ديلان ثم داعب وجنتها المحمرة من الخجل و قال بصوت واثق:
"هيا تجهزي إذا، الآن. فورا"
قال آزاد هذا ثم نهض من مكانه و فتح الدرج الخاص به ثم أخذ كل ما يحتاجه من أغراض، أما ديلان فهي مازالت جالسة في مكانها في حالة صدمة فقال لها:
"هيا يا ديلان، أسرعي"
نهضت الفتاة في توتر و لم تعرف ماذا تفعل، حتى أنها نسيت مكان الحقائب. إلى أين سيذهبان، كم سيبقيا و ماذا يجب أن تأخذ معها، هي لا تعرف كل هذا. في الواقع هي لا تصدق أنهما حقا سيذهبان الآن. ماذا ستقول لأمها؟ أم آزاد و سكان القصر كيف سيتقبلون هذا. فكرت بكل هذا ثم إلتفتت لآزاد و قالت:
"هل سنذهب هكذا في هذا الوقت من الليل؟ دون أن نخبر أحدا؟ ألن يكون عيب؟"
"لسنا مجبران على إخبار أحد... هيا خذي ما تريدين أخذه معكِ"
عندما فهم أن ديلان لن تتحرك من حماسها، سحب هو الحقائب و وضع فيها كل ما يحتاجانه في هدوء ثم ذهب إلى النافذة. ربما هذه آخر مرة يرى فيها هذا المشهد في هذه النافذة و في هذا القصر. همس في داخله:
"هذه الليلة، سأُنهي كل شيء"
بعد أن تجهزت ديلان خرجا من القصر بسرية دون أن يظهرا لأحد. بينما كان آزاد يتمنى أن لا يندم على هذا القرار الذي أخذه في لحظة جنون، كانت ديلان تنجرّ خائفة خلف الرجل الذي تحبه. هي تتخيل ردة فعل أهل القصر عندما لا يجدونهم في الصباح. هي لم تكن تريد أن يحدث هذا و أن يذهبا بهذا الشكل و لكن آزاد أراد هذا. ليس لها فرصة كي ترفض عرضه... الرجل الذي تحبه اليوم لأول مرة مد لها يده، ستمسكها بقوة و لن تتركها أبدا... وضعا الحقائب في السيارة ثم بدأت رحلتهما في هذا الليل المظلم و الهادئ. في الواقع حتى آزاد لا يعرف إلى أين سيذهبا و لكنه سعيد بشكل غريب، يشعر بسلام في داخله لم يحس به منذ مدة طويلة. كلما إبتعدت السيارة عن ميديات كان يغمره حماس الحياة الجديدة التي تنتظره... إلتفت إلى الفتاة الخائفة التي تجلس بجانبه، أخذ يدها بين يديه ثم إبتسم لها قائلا:
"لا أستطيع أن أقول لكِ أن كل شيء سيكون جميلا يا ديلان... و لكن أنا و أنتِ سنكون بخير بعيدا عن الجميع"
********
ميران و ريان ممددان على الفراش يشاهدان إبنتهما التي تنام بعمق بينهما، إنها تنام بشكل جميل و بريئ لدرجة أن كلاهما كانا يشاهدانها و الإبتسامة على وجهيهما. هذه الطفلة التي تكبر كل يوم أكثر و بدأت تحاول الكلام هي مصدر سعادة ميران و ريان. هذا الرجل الشاب يعيش حياة لم يكن يتخيلها أبدا، هذه السعادة الكبيرة لم يكن يراها في أحلامه حتى و لكن الحياة تجعلك في حالة ذهول، تعطيك أفضل مما كنت تتمناه و تجعلك تنسى حتى ما عشته في الماضي.
أخذت ريان إبنتها النائمة في حضنها ثم وضعتها في سريرها أما ميران فقد ذهب إلى الصالون. بعد أن أنهت ريان عملها حضرت القهوة لها و لزوجها. في الواقع كلاهما متعبان جدا و لكن لا يريدان النوم. لقد عادا قبل قليل من بيت السيد مصطفى حيث تمت خطبة أليف و آردا بشكل رسمي و بدآ أول خطوة نحو السعادة الأبدية... منذ أن ركبا السيارة كانت جوناش الصغيرة نائمة، لقد تجولت من حضن لحضن لدرجة أنها لم تفتح عينيها أبدا بعد أن نامت و لن تستيقظ حتى الصباح... عندما دخلت ريان إلى الصالون و في يدها طبق القهوة وجدت ميران يقلّب الإسطوانات القديمة. وضعت القهوة على الطاولة ثم جلست قائلة:
"الآن فقط حتى فهمت كم أنا متعبة"
"و لكن أنا لست متعبا"
قال ميران هذا و القلق يبدو على وجهه رغم أن ليلتهم كانت سعيدة جدا. في الواقع عقله بقي عند آزاد. الخبر الذي تلقوه صباحا أدهش الجميع. ذهاب آزاد و ديلان من ماردين فجأة و دون إخبار أحد لم يُسعد ميران، بالعكس فقد جعله هذا يشعر بالذنب، و لكن أراح قلبه قائلا أن هذا هو الأفضل لهم جميعا، على الأقل لفترة.
"أنت تفكر بآزاد، أليس كذلك؟"
سؤال ريان المفاجئ جعل ميران يتوقف ثم إلتفت إلى زوجته و نظر إلى وجهها المتعب ثم قال و على وجهه إبتسامة حزينة:
"من الواضح أنكِ أنتِ أيضا تفكرين به"
لم ترفض ريان هذا، هي أيضا حزنت على ذهابه مثل الجميع و لكن ليس باليد حيلة:
"نعم أفكر، و لكن هذا قراره و يجب علينا أن نحترمه"
أخذ ميران نفسا عميقا و قال:
"لن يدوم هذا طويلا، هذه الأرض التي ينتمي إليها. سيتجول و يدور ثم سيعود إلى ماردين"
لم تشأ ريان أن تعلق على هذا، هي أيضا تحس نفسها مذنبة بقدر ميران في هذا الموضوع، لقد رأت مدى حزن عمها و زوجة عمها مهما حاولوا إخفاء ذلك. لم تكن تريد أن يحزن أحد بسببها أو بسبب ميران لذلك هي تتمنى عودة آزاد و ديلان في أقرب وقت.
بينما كان ميران يعبث بالإسطوانات كانت ريان تشاهده بعيون نائمة، عندما وجد الإسطوانة التي يبحث عنها إرتسمت إبتسامة أليمة على وجهه. إنها عائدة لسنة 1987. رفعها بأصابعه كي تراها ريان ثم قال لها:
"هذه لأمي"
عندما قال هذا إرتسم الحزن على وجه ريان، هي تعرف أن إنكسار ميران من أمه لن يمضي أبدا و لو بعد ألف سنة، و لكنها تعرف أيضا أن الزمن بإمكانه أن يكون مرهما لكل الجروح... عندما ظهر ذلك السر الذي زعزع حياتهم بالكامل، لم يكن ميران يلفظ إسم أمه حتى، و لكنه الآن يذكرها ولو قليلا مثل السابق، غضبه نحوها ينقص شيئا فشيئا.... وضع ميران الإسطوانة قائلا:
"أفضل أغنية بالنسبة لي هي: الشوق"
ثم نظر إلى ريان و هز بكتفه و أكمل:
ربما لأن أمي تحبها، لا أعرف، و لكن أنا أيضا أحب هذه الأغنية" كثيرا"
بقيت ريان تشاهد ميران و تستمع إلى الأغنية، أرادت كثيرا أن تحتضن ذلك الرجل الحزين. أنهت قهوتها و وضعتها على الطاولة ثم نهضت و في تلك اللحظة لاحظت ورقة مطوية على وشك السقوط من جيب بنطال ميران.
"الورقة التي في جيبك..."
عندما قالت ريان هذا، أدخل ميران الورقة إلى جيبه فورا. طبعا هذا الوضع جعل ريان تتساءل، ماذا يخفي في جيبه؟ لماذا خبّأ الورقة فورا عندما تكلمت ريان؟... عبس وجهها ثم قالت:
"ما تلك الورقة يا ميران؟"
"لا شيء"
قال ميران هذا ثم وضع يده على رقبته و أغمض عينيه، إنه يضيع الآن في كلمات الأغنية التي تداعب روحه، و كأن هذه الأغنية تتحدث عنهما:
"اليوم يومنا، الشمس شمسنا، و النار التي بداخلنا لنا.
ذلك اليوم الذي أمسكنا فيه يدا بعض و ضحكنا، لنا.
البارحة لنا، الغد لنا و العشق لنا.
ذلك القلب المحترق بالشوق، لنا..."
إستفادت ريان من إغلاق ميران لعينيه و إندماجه مع الأغنية ثم راوغته و سحبت تلك الورقة من جيبه. هي تعرف أن ميران سيغضب، و لكن إذا لم تعرف ما يوجد فيها فسيقتلها الفضول... عندما فتحت الورقة المطوية على أربعة و نظرت لها، فتحت عيناها في ذهول. لم تعرف ماذا تفعل عندما وجدت الرسالة التي كتبتها قبل سنة في إحدى الليالي و هي تبكي... نظرت إلى وجه ميران مندهشة و لكن لم ترى أي علامة غضب على وجهه.
"ميران، هذه..."
لم تكن تستطيع التكلم من صدمتها، هذه الرسالة التي ظنت أنها أوقعتها في القصر و بحثت عنها بجنون و سألت هافين عنها و لكنها راوغتها قائلة: لا أعرف، لم أرها... ماذا تفعل الآن هذه الرسالة عند ميران؟
"كنت أظن أنني أضعت هذه الرسالة"
"كانت معي"
قال ميران هذا ثم نهض على قدميه و أخذ الرسالة من يد زوجته التي ترتجف. كان يحملها معه كل يوم طيلة سنة كاملة و لم تمسك به ريان أبدا، و لكن إلى هنا فحسب. طوى ميران الرسالة مجددا و وضعها في جيبه ثم قال:
"لقد كانت في المكان الذي تنتمي إليه"
نظر ميران بحماس كبير إلى وجه زوجته التي كانت تطوّقه بذراعيها. ألن تهدأ دقات القلب هذه؟ و لكن ميران لا يشتكي من هذا الوضع أبدا. و لو مات من أجلها لن يهتم أبدا، حتى أنه يتمنى لو يموت بين ذراعيها.
"كنت أظن أنني أضعتها و حزنت كثيرا يا ميران... كيف نجحت في إخفائها كل هذا الوقت؟"
وضعت ريان يديها حول رقبة زوجها منتظرة جوابه و هي تنظر إلى عينيه الزرقاء التي تجعل قلبها يرتجف.
"تلك الأسطر خاصة بي، لم أكن لأتقاسمها معكِ"
"أنا التي كتبتها، أنا"
قالت ريان هذا ثم نظرت له و كأنها تقول ممن تخفي رسالتي، و لكنها في الواقع تضحك، هذا الرجل حقا محتال. قالت له:
"أنت سيئ جدا يا ميران"
ضحك ميران وهو يشاهد المرأة التي يحبها حتى الشبع ثم قال:
"لست سيئا، أنا فقط مغرم بكِ... لا أعرف ماذا فعلتِ و كيف فعلتِ هذا...."
وضع جبينه على جبينها ثم قبّل زوجته من عينها المغمضة و قال:
"هذا الرجل أصبح مفتونا بكِ يا إمرأة..."

**********النهاية***********

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن