الحلقة 20 - ياللاسف عليك

8.1K 140 2
                                    

لو كانت الكلمات المليئة بالكره التي تخرج من الفم قادرة على قتل الإنسان الذي أمامها لكان ميران الآن في عداد الأموات. لم يبق لديه ولا ذرة أمل، ما هذا القدر الذي يمتلكه حتى حلّ الحزن على عمره و لم يتركه؟ لو كان بيده الإختيار لكان فضّل عدم القدوم إلى هذه الدنيا، الحياة تعامله بقسوة شديدة، كل ما يريده هو فرصة ثانية. كل إنسان يستحق فرصة ثانية و لكن هذه الفرصة لم تُعطى لميران.
"أعرف أنني ارتكبت أخطاء كثيرة... أنا أعطيك الحق في كل شيء تقولينه"
كان ميران يتألم، لم تبقى طاقة في جسده، أخذ نفسا عميقا إتكأ على الجدار و أكمل:
"أنا رجل مقرف... هل تعرفين؟ أنا أكره الأسلحة، لأن كل شيء بدأ بتلك الرصاصة التي خرجت من السلاح الموجّه لأبي. أولا ذهب أبي ثم أمي. كنت طفلا صغيرا، بدل أن أكبر بالحب كبرت بالكره. المسؤول عن كل هذا هو والدك، هازار شانوغلو"
أغلقت ريان عيناها بحسرة، لم تستطع أن تقول: "ذلك الرجل ليس أبي"
واصل ميران تخبطه أمام ريان قائلا:
"هل يُعْقَل فعل بسبب دعوى أملاك و أراضي؟ أي أملاك تساوي أن يكبر طفل بلا أم و أب؟ والدك لم يدخل السجن حتى، أنقذ نفسه بشكل ما و دم والدي بقي على الأرض. أردت أن لا تبقى فعلته بدون عقاب، أردت أن تكون وحدتي هي كابوسه"
كان إعتراف بهذا صعبا، إحساس الندم يخنقه. ريان لم تترك له حلا آخر، لأول مرة يكون بلا حيلة أمام إمرأة، حتى أنه عاجز.
"و لكن فهمت أنه حين يدخل الحب إلى القلب يصبح الإنسان ضعيفا، ظننت أنني أستطيع تحمل غيابك..."
ثم هز رأسه و نزلت دمعة من عينيه و قال:
"لم أستطع..."
"أنت الذي تكره الأسلحة، قد ضربتني من قلبي"
هي كانت تضرب الرجل الذي أمامها من قلبه أيضا و لكنها غير مدركة لهذا:
"و أعتقد أنه حتى لو مر عمر كامل لن تبرد تلك الرصاصة التي في قلبي"
صمت لمدة قصيرة مرت و كأنها عصر طويل على قلبيهما، نهض ميران من الحائط الذي انهار عليه و أخذته قدماه نحو الباب ثم نظر للمرة الأخيرة للمرأة التي يحبها و قال:
"لو تعرفين كيف جرحتني، أقسم لك أنك لن تفتحي فمك. أنت تريدين قتلي بكلماتك، لقد نجحت. الآن نحن متساويان يا ريان... أنا أيضاً أحترق بقدرك..."
مرت عدة ساعات، ريان فعلت كل شيء كي تنام قليلا و تنسى الألم، فتحت عينيها على صوت قادم من الخارج، أساسا لا يُقَالُ أنها نامت. هناك شخص آخر في المنزل الآن. نهضت من السرير و اتجهت نحو الدرج، ثم حاولت أن لا تُظهر نفسها. ميران كان في آخر الدرج يتحدث مع أحدهم، كانت تسمع كل شيء بوضوح. كان ميران ينظر إلى الملفات التي في يده، و على يمينه يقف آردا و أمامهم رجل آخر لا تعرف من يكون. قال آردا بصوت متوتر:
"لقد حرّض الجميع ضدك، كل أعضاء مجلس الإدارة يعتقدون أنك لا تصلح لإدارة الشركة. يريد تحويل %20 من حصصك إلى إبنته و في هذه الحالة تصبحان متساويين"
عندما فهمت ريان أنهم يتحدثون عن العمل أدارت ظهرها لتذهب حتى سمعت إسما جعلها تقف في مكانها.
"عندما كان عمي يحرض العمال ضدي أنتم ماذا كنتم تفعلون؟"
كان ميران يبدو غاضبا جدا، ريان كانت تعرف أن غضبه هذا ليس بسبب العمل فقط. أيا كان عم ميران هذا فهما ليسا على إتفاق. قال إسمه عن سهو ذلك اليوم و عندما سألته ريان عنه حاول تغيير الموضوع... ميران كان يخفي ريان عن عمه، و يخفي عمه عن ريان... وضع آردا يده على كتف ميران و قال:
"لا يوجد ما بإمكاننا فعله و لكن أنت لا تقلق، أنا سأحل كل شيء، سأتحدث مع كل شخص على حدا من الإدارة و أجعلهم يغيرون رأيهم حتى موعد الإجتماع"
"ستفعلون أكثر مما بأيديكم"
أثناء إلقائه الأوامر على الرجلين أمامه ذهبت عينه إلى الأعلى و رأى ريان، ذُعرت ريان و هربت نحو غرفتها أما ميران واصل كلامه و كأن شيئا لم يكن:
"ستبقى الأسهم معي، و إلا ستحدث كارثة"
عندما عادت ريان إلى الغرفة كان في عقلها العديد من الأسئلة، كانت تريد سؤال ميران عن عمه و لكن بعد الكلام الذي قالته له قبل عدة ساعات قد أنهت ريان كل شيء... لقد ندمت ريان على بعض الأشياء، جاءت كلمات ميران إلى عقلها حين قال لها: "سأعطيك لآزاد..."، لو كانت تعرف أنها ستجرحه هكذا ماكانت فتحت فمها حقا، لأن جرح هذا الرجل و ألمه يصبح مثل الخنجر في قلبها... مع ذلك إنتظرت ريان أن يفتح حبيبها باب الغرفة و يدخل، و لكن ميران لم يأت.
الكلمات التي كانت تود قولها له بقيت تنخر عقلها، كانت تدور يمينا و يسارا على الكرسي الذي تجلس عليه. لقد مرت عدة أيام على بقاء ريان في هذا البيت و لكنها لم تهتم به أبدا لدرجة أنها لا تعرف حتى في أية غرفة يبقى ميران. ثم إتخذت قرار يضر القلب، إن كان صحيحا أو خاطئا غير مهم فقد أنهت مهمتها في النهاية و تركت رجلا جريحا بقدرها... و لكنها لن تسامحه، هذا ليس شيئا بيدها، العفو يأتي من القلب و ريان ليست جاهزة لهذا و لكنها اقتنعت أنها ليست هي فقط من جرحها ينزف.
بينما تركت نفسها لأفكارها العميقة لم تلاحظ أن ميران كان يشاهدها، لم تسمع الباب عندما فُتِح و لم تر قدوم ميران.
أما ميران فقد كان مندهشا، ريان التي لا تخرج من غرفتها الآن تجلس في الصالون. اتجه نحوها بخطوات مترددة، كان مستغربا من نفسه، حتى هذا اليوم هو لم يخف من أحد. لماذا ينقبض قلبه الآن مع كل خطوة يخطوها نحو ريان؟ الخوف كان يملأ كل جحر من جسده. حتى التفكير بهذا الإحتمال مثل الموت: ماذا لو لم تعد ريان تحبه؟
"أنت هنا"
وجود ريان في الصالون في نهاية اليوم و كأنها تنتظره كان يسعده كثيرا. اليوم اضطر أن يذهب إلى الشركة، تركه لريان بمفردها في البيت كان يخيفه و لكن كان يعرف أنها لن تستطيع الذهاب لمكان.
"نعم، كنت أنتظرك"
استغرب ميران كثيرا ثم جلس أمامها، مالذي تغير منذ البارحة حتى أصبحت ريان هكذا؟
"سأطلب منك شيئا"
كاد قلب ميران أن يخرج من مكانه، كان يريد أن يقول لها: اطلبي الدنيا لأعطيها لك و لكن اكتفى بقول:
"اطلبي لنرى"
كانت ريان متوترة، صوت بداخلها يقول أن ميران سيرفض طلبها هذا، كانت خائفة:
"هل تأخذني إلى بيت الخالة صدّيقة؟ بقي كل شيء لي هناك"
ميران تفاجئ حتى أنه فرح و لكن لم يظهر لها... لكنه يخاف أن يكون هناك شيء وراء هذا الطلب:
"أخيرا تتقبلين هذا يعني؟"
"ماذا"
"أن المكان الذي تنتمين إليه هو هذا البيت"
"لم أقبل، اظطررت على القبول"
نهض ميران من كرسيه، ارتدى جاكيته و اتجه نحو الباب، كانت ريان تشاهده بفضول.
"حسنا، هيا تجهزي لنذهب"
بعد خروج ميران من الصالون وضعت ريان يدها على بطنها، حتى الآن لم تذهب إلى المستشفى، لم تتعرف على طفلها بعد. ذلك اليوم عندما أخذت الهاتف من خالة ميران اتصلت بأليف و فرات و أخبرتهم أنها بخير. الآن هي ذاهبة إليهما و لكن ليس لديها وجه ولا طاقة... في داخلها هناك روح تكبر كل يوم، حتى لو لم يكن يعرف ميران بهذا هي كانت تود إخباره لو كان كل شيء طبيعي، كم هو صعب أن لا تثق بالرجل الذي تحبه ولا تسامحه.
كان كلاهما جاهز بعد عدة دقائق، حل المساء و كان الطقس باردا، ريان تجهزت وفقا لهذا و خرجت بينما ميران كان يرتدي جاكيت خفيف و أسود.
"ألن تبرد هكذا؟"
بعد سؤال ريان ارتسمت إبتسامة على وجه ميران، كانت إبتسامته هذه تذيب قلب ريان العطش للحب... قال:
"لن أبرد، لا تقلقي"
ثم خرج ميران من الباب و وقف جانبا ينتظر خروج ريان كي يغلق الباب فتسمّر في مكانه. ريان لم تدرك الجلبة التي أمام الباب الأمامي للمنزل... لقد أحس ميران منذ الصباح هناك ضيق في داخله، لقد أحس بنفس آزاد حوله. لقد تعقبه و وجد هذا البيت... وجهت ريان نظراتها إلى المكان الذي ينظر له ميران و لكنها لم تكن ترى ما خلف الباب الحديدي فسألت ميران:
"هل هناك مشكلة؟"
لم يخطر على بالها أبدا أن آزاد هنا و لم تفكر أنه قد يستطيع وجود هذا المكان.
"ادخلي إلى الداخل"
"ماذا؟"
قالت ريان في دهشة أما ميران فلم يبعد عينيه عن الباب الحديدي، فوقفت أمامه ريان و قالت:
"لماذا سأدخل؟"
ميران لم يعرف ماذا سيقول، لن يعطي ريان لآزاد، و لكن ماذا لو كانت ريان تريد الذهاب معه؟ ماذا سيحدث حينها؟ أحاط هذا الخوف القاتل كل جسده و لكن لا يمكنه الهرب من هذا... رفع إصبعه مشيرا إلى الباب:
"في الخارج... آزاد جاء إلى هنا"

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن