الحلقة 13 - المستحيل

7.7K 128 6
                                    

كانت ريان في منتصف الحرب التي يعيشها قلبها محاولة نسيان ذلك الرجل ذو العينين الجميلتين، انها تنقص و تبهت ألوان عمرها كل يوم أكثر. و الأسوأ من هذا هو لا يحدث له شيئ.. الجرح الذي تركه ميران يكبر كل يوم ولا يشفى، كانت تحارب كي تنسى، فتحت حربا في قلبها عديم الكبرياء من أجل مسح هذا الرجل و لكن هل استطاعت النسيان؟
الجواب، كلمة "لا" كبيرة... لا تستطيع أن تنسى، هو لا يُنْتَسَى...
كم مر على قدومها إلى إسطنبول؟ لم تعد تحسب الأيام، تقريبا مر شهر. ترى هل تخطر على بال ميران؟ هل يؤنبه ضميره الأعمى ولو قليلا؟
كل من حولها كان يجاهد من أجل ريان، أليف تفعل كل ما بوسعها كي تضحكها ولو قليلا حتى لو ترى أن كل محاولاتها بلا فائدة فهي لا تتراجع أبدا، حتى عندما اتحدت مع فرات و أخذوا ريان ليجولوها في إسطنبول لم يضحك وجهها أبدا. ليس بيدها... روحها تنزف، و جروحها العميقة لا تريد أن تشفى. الشيئ الوحيد الجيد الذي حصل في هذه المدة هو اعتياد ريان على هذا البيت، أصبحت تتحدث مع السيدة صدّيقة كل ما تريد، و لا تخجل من فرات، لقد تطورت علاقتهما قليلا و أصبحا مثل الأخ و أخته.
كانت العيون السوداء تراقب ظلمة الليل، مسجونة في ماضيها الجريح مجددا. أدارت وجهها لليد التي تلمس كتفها و تداعب شعرها من الخلف، قالت أليف و في يدها القهوة:
"ريان.. هل تشربين؟ و ربما نتحذث قليلا؟"
مدت ريان يدها و أخذت القهوة من أليف، أخذتها إلى شفتيها و لكن رائحة القهوة عكرت معدتها و كانت على وشك التقيئ في وجه أليف. أبعدت القهوة و قالت:
"يمكننا أن نتحدث بدون قهوة"
"حسنا... الخالة صدّيقة نامت، ركبتها تؤلمها مجددا"
لقد أخذتا البارحة السيدة صدّيقة إلى المشفى الذي يعمل فيه فرات، و هكذا منه رأوا مكان عمل فرات و أيضا رافقوا السيدة المسنة. حتى لو لم يعجب هذا الوضع أصلي فريان لا تهتم:
"هل لاحظت أنت أيضا؟"
"ماذا؟"
"تصرفات أصلي.. و كأنها تغار على فرات"
قالت ريان وهي تهز كتفها: "هي هكذا.. و خاصة أنا، لا أعجبها"
"انتبهي من هذه الفتاة يا ريان"
"لا أهتم لها يا أليف، أنا همي يكفيني"
ثم أخذت ريان كأس القهوة قائلة: "رائحة هذه عكرت معدتي" ثم فتحت الشباك و سكبتها في الحديقة: "برأيي أن الأعشاب أيضا بحاجة إلى القهوة"
ضحكت أليف: "أنت مجنونة يا ريان"
الإبتسامة الخفيفة التي ارتسمت على وجه ريان اختفت فورا، لقد خطر ميران إلى عقلها مجددا، أساسا هو لا يخرج منه. عينيه، نظرته، وقفته، و صوته الباعث للثقة رغم أنه كذب و لكن تلك اللحظات كانت جميلة، الكذبة تكون جميلة بهذا القدر. سألت ريان أليف:
"هل تعرفين؟"
"ماذا؟"
"حكاية زهرة الثالوث و زهرة القطن"
"لا، لا أعرفها"
"منذ زمن بعيد جدا، أحبت زهرتان بعضهما البعض، تفتحوا في الربيع مثل كل الزهور، ثم أحد الزهرتين قالت لا نكون مثل الزهور العادية، لنفتح في منتصف الشتاء عندما يكون الجميع خائفا من البرد، لتُعْجَب بنا كل الطبيعة. عندما انتظرت الزهرة قدوم الشتاء كي تفتح، فتحت الزهرة الأخرى في الصيف. منذ ذلك اليوم يُقال على الزهرة التي انتظرت حبيبها حتى يتفتحا في الشتاء زهرة القطن،  و يقال عن الزهرة الأخرى التي تركت حبيبها في منتصف الطريق زهرة الثالوث "Hercai" تعني الحبيب الخائن، الكاذب، المحتال.. مثل ميران تماما أليس كذلك؟"
رغم عينيها الدامعتين أشارت إلى نفسها وهي تبتسم:
"و في هذا أعتقد أنا أكون زهرة القطن"
اقتربت أليف من ريان محاولة مواساتها:
"ريان... ستتجاوزين هذا، ستمر هذه الأيام.. إلى متى ستستمرين بالحداد هكذا؟ أليس مؤسفا عليك؟ عديم الشرف ميران ذلك ينام في حضن زوجته الآن، و أنت هنا مازلت تعيشين في كذبة، لا تفعلي هذا بنفسك"
بكت ريان، عانقت بقوة الدموع التي بقيت ذكرى لها من الرجل الذي تحبه. كانت أسيرة ألم يقطع معدتها حتى الصباح، في البداية لم تهتم و لكنه وصل إلى درجة لا تتحمله فيما بعد. لم تقل شيئ لأليف و لكن ألمها لم يهرب من انتباه أليف، كان ألمها شديد لدرجة أنها تعرقت من الوجع.
مهما قالت أنها بخير لم تستطع إقناعهم، أيقظت السيدة صدّيقة فرات من الصباح الباكر و أرسلته إلى المشفى. في النتيجة ريان الآن في المستشفى. فرات أخذ منها عينة دم ثم أخذها لترتاح في غرفة حتى صدور النتائج.
عندما خف ألم ريان قليلا قالت للسيدة صدّيقة:
"قلت لكم ليس بي شيئ! و أيقضتم فرات منذ الصباح الباكر!"
"ليكن يا ابنتي، انت أمانة لدي. إذا حدث لك شيئ ماذا أقول لأمك؟"
ثم فُتِح الباب و دخل فرات و كان يحدق بريان:
"لقد صدرت نتائج تحليل الدم، لا داعي للتصوير الأشعي، النتائج نظيفة"
لم يسحب فرات نظراته عن ريان لفترة ثم ألقى نظرة قصيرة لأليف و جدته قائلا:
"يجب أن أهتم بريان بشكل خاص، هلا تركتما الغرفة قليلا؟"
بقيت أليف تنظر بغرابة أثناء خروجها من الغرفة مع السيدة صدّيقة، خافت من حصول شيئ سيء و ريان أيضا أحست بهذا لأن نظرات فرات لم  تكن توحي بأنه سيقول شيئ جيد. جلست ريان على السرير الذي كانت نائمة عليه بعد أن أُغلق الباب:
"ماذا ستفعل لي؟ هل حدث لي شيء سيء؟"
وقف فرات أمام ريان و بقي ينظر لها هكذا ثم قال:
"هل هناك شيئ تريدين قوله لي؟"
كان يظن أن ريان لديها إجابة و لها علم بهذا الوضع. هزت ريان رأسها ببطء و قالت:
"لا، أنت تخيفني يا فرات، بل أنت قل لي مابي؟"
ثم أحست بألم في معدتها لم تستطع تحمله. قال فرات:
"أنت لا تأكلين شيء هذا الألم طبيعي جدا... في وضع كهذا يجب أن تنتبهي لنفسك أكثر"
تشكلت إفادة جدية فورا على وجه ريان: "كيف يعني؟"
"هل حقا لا تعرفين أنك حامل؟"
عندما نظر الرجل الشاب إلى وجهها لم ير سوى صدمة كبيرة...
"هل حقا لا تعرفين أنك حامل؟!"
بقي الرجل ينظر لها بنظرات الشك و لكن لم ير سوى صدمة كبيرة على وجهها، حاولت ريان لمدة استيعاب ما سمعته، الحياة تضغط عليها كثيرا في الفترة الأخيرة:
"كيف؟! ماذا تقول أنت؟"
هذه المرة فرات مندهش أكثر، استغرب عدم معرفة ريان بحملها، ثم ضرب الحقيقة في وجهها مجددا:
"لا تعرفين يعني؟ أنت حامل يا ريان"
"هذا مستحيل"
هزت ريان رأسها و كانت في صدمة كبيرة ثم وضعت يدها على بطنها، شيئ كهذا لم يمر في عقلها أبدا:
"ماذا سأفعل أنا الآن...؟ ماذا أفعل؟"
سألت هذا السؤال لنفسها، لم تعد تحس بألم معدتها حتى.
"هل ستخبريني من البداية ماذا حصل؟"
قالت ريان بصوت عالي: "لا" لن تروي أكبر ألم في حياتها و كأنه شيئ عادي. نامت مجددا على السرير و قالت لفرات:
"لتأتي أليف... اذهب أنت ارجوك"
غطت وجهها بيدها و بدأت بالبكاء و هذا ما أدهش فرات و لم يعرف ماذا يقول، اقترب من الفراش و مد يده نحوها فصرخت:
"لا تلمسني! ألييف"
فُتِح الباب فورا و دخلت أليف و على وجهها خوف كبير، لماذا تبكي ريان و تصرخ؟ صرخت ريان مجددا في وجه فرات و آشارت له بإصبعها:
"أرجوك... أرجوك اخرج من هذه الغرفة"
خرج فرات مجبرا و لكنه سيقف أمام الباب، إنه يتساءل أكثر الآن حول ما مرت به ريان. جلست أليف على حافة السرير و أمسكت يد ريان:
"ماذا حدث يا ريان؟ أنت تخيفينني، ماذا قال لك فرات؟"
سحبت ريان يدها من أليف و وضعتها مجددا على بطنها. سألتها أليف: "هل تؤلمك معدتك؟"
لم يخطر على بالها شيئ كهذا، هزت ريان رأسها وهي ترتجف:
"لا... أنا حامل"
لم تكن تصدق هذا، ردة فعلها و كأن فرات يفتري عليها و ريان لا تقبل بهذا. أليف تجمدت في مكانها و أمسكت ريان بطنها بقوة أكثر:
"قولي لي يا أليف ماذا سأفعل الآن؟ ماذا سيحصل لي؟"
كانت حالة ريان مؤلمة في تلك اللحظة، لم تكن تستطيع تكوين جملة بسبب ألمها و صدمتها. يجب أن تستجمع أليف نفسها و تساعدها، قالت بصوت واثق:
"عودي إلى رشدك... لن يحصل لك شيء، إذا تصرفت هكذا سيفهم الجميع أنه حصل شيء سيء." ثم أمسكتها من ذراعيها و قالت:" لا تبكي يا ريان، سنجد حلا"
ريان هزت رأسها مجددا، لا تريد تقبل هذا الوضع، كل ما تعرفه أن حياتها ستتغير تماما بعد هذا الخبر. فهمت مجددا كم أصابت عندما رفضت العودة إلى ماردين.

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن