الحلقه 34 - شوك الورود

6.1K 104 6
                                    

الوقت يقترب من المساء و الجو كان جميلا اليوم لكنه لا يكفي لتدفأة ميران، هو صاحب غضب بإمكانه أن يحرق الدنيا و لكنه منتهي الآن لدرجة أن لا يستطيع رفع ذراعه حتى. يريد أن يصرخ بكل ما أوتي من قوة و لكن شفتاه لا تتحركان... هو الآن عاجز مثل طفل صغير، حتى أنه ينظر إلى ذلك الرجل البعيد و كأنه الطفل ميران الصغير العاجز، لا يستطيع فعل شيء. و كأن هذا الرجل الآن يقتل والده أمام عينه بلا رحمة و ميران يداه مربطتان يقوم بمشاهدته.
تحرك من مكانه بخطى ثقيلة، إنه يحس بأنه سيسمع أشياء أسوأ و سينهار أكثر. و ربما سيكون هو الخاسر هذه المرة، ليته يستطيع أن يمسح هذا اليوم من حياته أو أن يُمحي نفسه من هذه الدنيا. أليس كل هذا ثقيل جدا؟
ريان تتلوّى بالألم الذي بداخلها منذ ساعات، النفس الذي تأخذه يحرق كبدها. والدها هنا، يقف أمام المنزل و ينتظر ميران منذ ساعتين. ريان أيضا تنتظر نفس الإنتظار من داخل البيت وهي تتعذب مثل الرجل الواقف في الخارج.
إتصلت عدة مرات بميران و لكن لم تصل إليه، لا تعرف كم ستنتظر هكذا و لكنها كانت تموت. ليس بإمكانها إدخال والدها إلى البيت بدون علم ميران و حتى لو دعته فهو لن يدخل... إنها تتجول في توتر داخل البيت واضعة يدها على بطنها، كانت إبنتها تتحرك و كأنها تحس بتوتر أمها. بعد ذلك جرس الباب الذي رن فجأة كاد يوقع قلبها من الخوف فإنطلقت مسرعة نحوه و فتحت دون أن تسأل عن القادم، وجه أليف المندهش أمامها لم يكن الشيء الذي تنتظره ريان... خيبة الأمل على وجهها لم تهرب من إنتباه أليف فقالت:
"ما هذا؟ و كأنكِ لا تنتظرين رؤيتي؟"
ريان لم تهتم بسؤال أليف و كانت تنظر إلى الباب الحديدي لترى إن كان والدها هناك. نظرت أليف إلى النقطة التي تنظر إليها ريان و كانت تظن أنها لا تعلم و لكن من الواضح أنها قد رأت والدها أمام الباب.
"ريان، ماذا يفعل صهري هنا؟ ماذا يحدث؟"
عندما جاءت أليف إلى هنا و رأت زوج خالتها أمام الباب إستغربت كثيرا، حاولت أن تسأله عن سبب قدومه لكن الرجل لا ينطق بكلمة.
"لقد سألته هو أيضا لكن لم يقل شيئا... قولي و إلا سأنفجر"
"ادخلي إلى الداخل يا أليف"
دخلت كلتاهما و أغلقتا الباب ثم ذهبتا نحو المطبخ، ريان تحس و كأنها تختنق فملأت كأسا من الماء لنفسها. طبعا أثناء ذلك سألت أليف العديد من الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها.
"ريان، هل ستقولين شيئا؟"
"حاليا، لا. رجاءا لا تضغطي علي"
داخل كفيها تعرق كثيرا و أحست بكأس الماء ينزلق من بين يدها، لا يمكنها قول شيء لأليف، الآن ليس وقته. أمسكت الكأس بقوة لتشرب و لكن إنزلق من يدها حين سمعت الضجة القادمة من الخارج. تناثرت قطع الزجاج في كل مكان من المطبخ... هناك رجل في الخارج يصرخ بعلو صوته، بقوة قد تجعل المدينة ترتجف... خرجت ريان راكضة من المطبخ غير مهتمة بقطع الزجاج التي تنغرس في قدمها، حتى أنها لا تسمع ما تقوله أليف خلفها. قدمها التي كانت تنزف مع كل خطوة تخطوها، تركت بقع دم على الأرض و السجاد و لكن بسبب الخوف الذي بداخل ريان هي لا تحس بألم قدمها حتى. فتحت الباب و نظرت إلى الباب الحديدي و كان المنظر الذي تراه مرعبا: ميران يمسك بياقة والده و يهزه بقوة، و كان آردا وراءه يحاول التفريق بينهما.
"ماذا تفعل في بيتي؟"
أحست ريان و كأنه سيغمى عليها أمام هذا السؤال الخطير، رفعت رأسها و بدأت تنظر للأطراف، لقد بدأت الناس تتجمع حولهم، الجيران الذي يشاهدون من نوافذ بيوتهم و الناس المارة الذين توقفوا في الطريق للمشاهدة.
"ميران، اترك الرجل... قلت لك اتركه"
و لكن كلمات آردا بقيت معلقة في الهواء، ميران لا يسمعه حتى. كان يهز الرجل الذي أمامه بكل قوة، لو تركوه كان سيأخذ روح هذا الرجل الذي يكرهه حتى الموت و لكن هازار شانوغلو لا يعطي أي ردة فعل، و كأنه يريد قول شيء و لكن شفتاه لا تُفتح. الآن يوجد في عقل ميران إحتمال قد يصيبه بالجنون: هذا الرجل لا يمكن أن يكون والده أليس كذلك؟
و الحال أن ما لمحت له جونول هو هذا بالظبط، ميران يرفض حتى إحتمال هذه الحقيقة.... ترك ميران ياقة هازار شانوغلو ثم سقط على ركبتيه في الأرض، مسح دموعه ثم همس:
"ريان..."
رفع رأسه بهدوء و نظر إلى ألم قلبه، إنها تنظر إليه بعينين مليئة بالدموع. هل دموعها هذه على إنهياره؟ أم أن فعلا هذه هي الحقيقة؟ نهض ميران من الأرض و إتجه نحو ريان، الأمل الأخير الذي سينقذه مخبأ في هذه العينين.
وراء كل خطوة يخطوها كان السيد هازار وراءه، قبل أن يأتي ميران إلى هنا لم يكن يعرف أنه سمع الحقيقة، هو يظن أن غضبه هذا بسبب رؤيته له أمام منزله. السيد هازار أيضا في حالة إنهيار الآن، و كأن شوق ال28 سنة يحرق قلبه، رائحة إبنه التي لم يشمها أبدا تثقب كبده. ماهذا القدر الذي لديه؟ عقاب الذنب الذي إقترفه هو كره إبنه المميت له.
وقف ميران على بعد بضعة خطوات من ريان التي تقف أمام الباب و خلفه مباشرة هازار شانوغلو، و في الخلف تماما يقف علي و آردا. علي لأنه لم يرى هازار شانوغلو من قبل، لم يمنع وقوفه و إنتظاره أمام الباب. لو كان يعرف أن ميران سيغضب هكذا ماكان ليسمح له بالدخول، أساسا عندما إتصل به لم يجده، الذنب ليس ذنبه.
نظر ميران إلى زوجته التي ترتجف أمامه مثل الورقة و همس:
"قولي شيئا..."
كان الجميع مصدوما أمام هذا المشهد ماعدا آردا. أخذ ميران نفسا عميقا و لكن هذا لا ينفع بشيء، لا يوجد أي نفس قادر على إخماد الحريق الذي بداخله. كل ما يريده الآن هو أن يسمع جملة الإنكار من فم ريان... مد يديه و وضعها على كتفيها و قال:
"مثلا، قولي لي أنا لم أكذب عليك أبدا... أنا لم أخفي عنك شيئا، أنا لم.... قولي لي أنا لم أفعل النذالة التي فعلتها أنتَ بي"
عندما هز كتف كتفي ريان بعد ما قاله خرجت صرخة ألم من داخلها، آردا وضع يده على شفتيه و أحنى رأسه إلى الأرض، قلبه لم يستطع تحمل هذا المنظر.
"قولي لي أنا لم أخنكَ مثلما خنتني أنتَ"
ريان كانت تبكي في صمت و بهذا الشكل تبددت كل قطرات الأمل بداخل ميران. سحب يديه من جسدها و عينيه من عينيها ثم إلتفت للرجل المنهار وراءه و قال:
"أنتَ عدوّي"
ثم فتح يديه و بدأ يضرب على صدره و يصرخ:
"حالتي المزرية هذه يجب أن تجعلك سعيدا.... لماذا تنظر و كأنك تشفق علي؟"
صمت هازار شانوغلو لم يكن يعجب أحدا، كان الحزن واضحا على وجهه و لأول مرة يتم رؤية الأب و إبنه في هذه الحالة من الإنهيار، لقد مر فوقهما ماضي بثقل 28 سنة... لم يفرق ميران عينيه عن الرجل الذي أمامه، كان يدقق في وجهه و نظر له مطولا كما لم ينظر من قبل. أولا نظر إلى عينيه ثم إلى شعره، إلى حاجبيه و حتى إلى لحيته... لا هذا غير ممكن، قال في داخله: لا تهذي يا ميران، لا يمكن أن يعني لك هذا الرجل شيئا، لا يمكن أن يكون شيئا غير عدوك، أنت ترى كابوس سيء... كان ميران يكرر هذا بإستمرار في داخله. بعد صمت قصير قال ميران:
"من أنتَ؟... أنا أسألك من أنتَ؟"
آردا كان الوحيد الذي لم يستغرب سؤال ميران هذا، حتى ريان لم تفهم لماذا سأل هذا السؤال، هي لا تعرف بعد أنه على علم بالحقيقة و لكنها بدأت تشك الآن.
"لماذا قتلتَ أبي؟"
بقي السيد هازار مندهش أمام هذا السؤال ثم نظر إلى ريان، يبدو أن ميران قد سمع شيئا أو أنه عرف شيئا. لا يعرف كيف حدث هذا و لكن لديه تخمين، ريان وعدته أنها لن تخبر ميران أبدا بهذا السر، أم أنها لم تتحمل و أخبرته؟
عندما رأى ميران نظرات هازار شانوغلو لريان تألم قلبه، لماذا كل حركة لهما تؤكد أن كلام جونول صحيح؟ هو يريد الآن أن يكرهه هذا الرجل و يحاول حرق روحه و حتى ليحاول قتله، يكفي أن يبقى ذلك الرجل عدوه كما عرفه دائما... لا ينظر له بنظرات مليئة بالشفقة و الحنان هكذا، ميران الآن يقرف من نظرات هذا الرجل له. يجب أن ينظر لميران بكره عميق و ليس نظرات مليئة بالحب.
"تكلم يا رجل... لا تصمت"
كان الجميع صامتا ما عدا ميران، على الأغلب فهم الجميع أن ميران عرف الحقيقة و لكن لا يعرفون كيف. أحنت ريان رأسها إلى الأرض و السيد هازار أصبح لا يستطيع الوقوف على قدميه.
"ماذا كانت مشكلتكَ مع أبي؟... هيا قل لي"
قال ميران هذا بصوت مرتجف و كأنه سيبكي بعد قليل. الآن قد يعطي كل شيء يملكه مقابل أن يكون كل هذا كذب. أغلق عينيه بيديه، يجب أن لا يبكي و لكنه لم يعد يستطيع تحمل الثقل الذي على كتفيه. أخذته خطواته الثقيلة إلى أمام ذلك الرجل، هذه المرة لم يمنعه أحد. وضع يديه المرتجفتين على كتفي السيد هازار و نظر إلى عينيه، في تلك اللحظة أغلق والده عينيه... قال ميران في عجز:
"قل لي... من أنت؟"
وضعت ريان يدها على شفتيها، قهر و عجز الرجل الذي تحبه كان سجنا لها، كم هو مؤلم أن ترى الرجل الذي كانت تظنه بلا مشاعر وهو راكع في عجز هكذا أمام إبنه... ميران لم يكن يرى سوى الرجل الذي أمامه ثم همس بصوت متقطع:
"أتوسل إليك... قل أنني لا أعني لك شيء... قل أنه لا يوجد أي رابط دم بيننا"
ثم سحب يده من على كتفي السيد هازار و أشار له بإصبعه و صرخ بكل ما أوتي من قوة:
"قل لي أنا لستُ والدك، هيا قل... قل أنا لا أعني لك شيئا"
ميران الآن يريد أن يسمع جملة واحدة من فم من ظنّه عدوه و كلمة إنكار تحيى هذه العداوة مجددا. و لكن لم يأتي الجواب الذي ينتظره و قال ذلك الرجل الجملة التي حرقت قلب ميران.
"أنا والدك"
إنقطعت كل طاقة ميران و وقع على الأرض على ركبتيه و كأن حقده الذي لا ينتهي و برودة دمه المعتادة قد وقعت معه. بعد ذلك جلس على الأرض و إنهار تماما لعجزه، إنه يبكي الآن أمام الرجل الذي قال عنه عدوّي، يبكي مثل طفل صغير.
لم يكتفي ميران ببكاءه فقط بل أبكى والده معه أيضا، الرجل الذي لم تنزل من عينه دمعة واحدة لسنوات طويلة هاهو يبكي اليوم، يبكي لعجزه و لأنه تم خداعه، و بالأكثر هو يبكي بسبب شوقه لإبنه.
خطت ريان خطوة كي تذهب إلى جانب ميران لكن أليف أوقفتها، الآن حتى ريان لا تستطيع أن تكون مرهما لجرحه... إنحنى السيد هازار و وضع يده على ظهر إبنه الذي يبكي و قال بصوت مرتجف:
"هل كنتُ أود أن يحدث هذا؟ لقد سرقوك مني و جعلونا أعداء لبعض"
ثم بدأ يجوّل يده على ظهر ميران، كان يريد أن يحتضن إبنه و يحس برائحته التي لم يشتمها أبدا و لكنه يخاف أن يتذكر ديلشاه إذا حضن ميران. أليست هي سبب كل هذا؟
"لم آكن أعرف... أقسم أنني لم أكن أعرف... أنا أيضا مثلكَ..."
ميران لا يريد أن يسمع كلمة واحدة من هذا الرجل، دفع اليد التي على ظهره ثم نهض بسرعة. أولا مسح دموعه التي كانت تملأ عينيه ثم إتجه نحو ريان، كان يمشي بسرعة لدرجة أنه لم يخمن أحد ما سيفعله. أمسك ريان من ذراعها و قام بجرّها إلى باب المنزل المفتوح، حاولت أليف اللحاق بهما لكن تم إغلاق الباب في وجهها. ربما من الأفضل أن يهدأ ميران قليلا قبل يبقيا على إنفراد و لكن الذين في الخارج ليسوا مرتاحين لهذا. السيد هازار لم يتحرك من مكانه أما آردا فقد ركض بإتجاه المنزل، لا يمكن أن يسمح له بالبقاء مع ريان وهو في هذه الحالة. نعم، ميران لا يمكن أن يؤذي ريان و لكن كلما يفكر آردا بما حدث لجونول قبل ساعة يتجمد دمه.
رفع يده و ضرب الباب بقوة ثم صرخ:
"ميران، إفتح الباب... لآتي أنا أيضا و نتحدث"
ريان لم تفهم ما حدث و وجدت نفسها فجأة داخل البيت و الباب مقفل، ميران كان ممسكا بذراعها بقوة و يجرها إلى الداخل بخطى سريعة، كانت ريان ستموت من خوفها.
عندما أفلت ميران يدها تزعزعت قليلا، إلتجأت ريان إلى الحائط و الخوف يملأها ثم قالت:
"ماذا تفعل يا ميران؟ أنت تخيفني"
إقترب ميران منها و حبس وجهها بين يديه و قال:
"قولي لي بأن كل هذا لعبة... إكذبي علي يا ريان، قولي ذلك الرجل ليس والدكَ"
إنه يبكي الآن مجددا و حالته هذه تدمر قلب ريان. كل ما يريده ميران هو سماع ذلك الإنكار رغم أنه يعرف بأنه كاذب، إنه بحاجة لهذا. لماذا لا تريد أن تفهم؟ ميران يموت الآن، لماذا ريان لا تحرك ساكنا؟
وضع ميران جبينه على جبين المرأة التي ليس لديها أي توضيح غير البكاء. أليست ريان هي ملجأه الوحيد؟ لماذا هي الآن مثل الغريبة؟ ألم يقل لها بأنه سينهار إذا كذبت عليه؟
"أنتِ تعرفين، أنا أصدقكِ أنتِ دائما..."
كانت ريان تتوقع بأن يغضب ميران كثيرا بعد معرفة الحقيقة و سينكرها و لن يتقبلها و لكن لم تكن تتمنى أن تراه يتألم هكذا. قالت ريان و هي تبكي:
"هذه هي الحقيقة يا ميران"
سحب ميران يديه من وجنتي ريان و أحس و كأنها سحبت قلبه و وضعته بين يديه، قال بصوت مختنق:
"لم يحرقني شيء بقدر ما أحرقتني أنتِ يا ريان"
لم تستطع ريان النظر في وجهه بينما هو لم يفرق عينيه عن زوجته. لأول مرة لا يريد لمس وجنتيها المبللتين و لا يريد مسح دموعها. أشار لها بيده التي ترتجف و قال:
"أنتِ كنتِ كل شيء بالنسبة لي... هل كنتُ سأسمع خيانتكِ لي من شخص آخر؟"
غطت ريان وجهها بيدها، إنها تشعر بالخجل لأنها سكتت كل هذا الوقت، كان يجب أن لا تستمع لأحد و تخبر ميران بكل شيء سمعته منذ أن كانا في المستشفى، و لكن لم تفعل هذا، سمعت كلام الآخرين و طعنت ميران في ظهره. لو كانت تعرف أنه سيتدمر هكذا ما كانت لتصمت و لكن تأخر الوقت كثيرا من أجل الندم...
أبعد ميران يدي ريان عن وجهها ثم وضع أصابعه أسفل وجهها و جعلها تنظر إليه، كان يريدها أن تقول شيئا و تنكر ما حدث:
"منذ متى إبتعدتِ عني و أصبحتِ تحيكين الأمور من ورائي؟"
"أنا سكتتُ من أجلكَ"
قالت ريان هذا وهي لا تستطيع النظر إلى وجه الرجل الذي تحس بأنفاسه على وجهها، رفعت يدها المرتجفة لتلمس وجه ميران لكنه إبتعد فورا، فصرخت ريان:
"لقد خفتُ يا ميران... خفتُ"
"أنتِ قتلتني... أنهيتني... دمرتني يا ريان"
ميران لن يضحك من قلبه مجددا أبدا، مد يده و لمس شعر ريان ثم نزلت دمعة من عينه حرقت قلب ريان، كلما نظرت إليها تلك العينين الزرقاء مثل المحيط ستتذكر عذابها هذا اليوم.
"ميران أنا لم أكن أريدك أن تحزن، هل تظن أنني لم أحزن؟"
رفعت رأسها و نظرت إلى وجه زوجها المحطم، على الرغم من أنه أبعد يدها التي مدتها نحوه إلا أنها لم تستسلم، وضعت أصابعها على شعره المبعثر ثم حضنته و كأنها تحضن جرحه و قالت:
"أنا آسفة جدا، سامحني"
"لا تعتذري"
صرخ ميران بكل قوة، بعد ذلك همس باكيا مثل طفل صغير:
"لا تعانقيني..."
هو غاضب على ريان بالأكثر و منكسر منها، ألمه كبير لدرجة لا يعرف إن كان سيمضي في يوم من الايام، ربما لهذا السبب لن يسامحها أبدا. و لكن هو منهار جدا الآن و هذه المرأة هي ملجأه الوحيد مجددا.
"وقف أمامي و يقول لي أنا أبوك... كيف تخفين هذا عني؟"
لم تجد ريان أي إجابة، ماذا ستقول؟ كيف ستواسيه؟ كل ما إستطاعت فعله هو معانقته و البكاء معه.
"لن أسامحكِ أبدا يا ريان..."
أغمضت ريان عينيها أمام ما سمعته، هذا ما لا تستطيع تحمله أبدا، هي خافت من هذا بالأكثر. لقد كانت على وشك أن تفقد عقلها من كثرة التفكير لأشهر، و الآن هاهي تخرج من فم ميران كلمات لن أسامحكِ... قالت ريان وهي غارقة في دموعها:
"لا تقتلني يا ميران، أنا أعرف أنني فعلت شيئا سيئا جدا..."
أبعد ميران نفسه عن ذراعي ريان التي كانت تعانقه و أحس كأنه سيُغمى عليه، إنه لا يتحمل كل هذا. و كأنه تذوق طعم الموت في هذا البيت الذي جاءه راكضا كي يسمع أن ماقالته جونول كذب. الآن لا فرق لهذا المكان عن مقبرة دفن فيها مشاعره.
لقد إنتهى كل شيء، الرجل الذي ظنّه والده هو في الحقيقة لا يعني له شيء، الرجل الذي إعتبره عدوه لسنوات يحمل دمه و خالته التي إعتبرها أمه قد خدعته. أينما إلتفت يجد الخيانة، كل حياته عبارة عن كذبة وهو لا يعلم، تم خداعه طول حياته. و الآن ريان... بينما كان ميران يعتقد أنه لعب لعبة كبيرة على ريان في الواقع القدر كان قد لعب عليه لعبة أكبر... وضع يده على جبينه و همس:
"اللعنة... بمن سأثق أنا الآن؟ بمن أثق؟ هل الجميع يكذبون علي؟ هل كلكم تحفرون بئري؟"
ثم ضرب ميران يده على الجدار بقوة ثم ضرب رأسه و قال:
"ها قد أخذتِ إنتقامكِ مني يا ريان"
هو الآن لا يعرف ما يقوله ولا يلاحظ كم أنه يقتل ريان بكل كلمة يقولها، الألم الذي يحس به جعل منطقه أعمى... وقفت ريان في مكانها بلا حركة، مسحت دموعها بيدها و قالت:
"إنتقام ماذا؟... أنا لم أفعل لكَ شيئا"
"لقد جعلتني أدفع ثمن كل الألم الذي جعلتكِ تعيشينه، و في يوم واحد"
"و لكن أنا لم أكذب عليكَ عن قصد"
صرخت ريان معترضة على كلام ميران، ربما هو محق مهما قال و لكن لا يمكنه أن يقارن مسألته مع ريان بما حدث اليوم... قالت ريان و هي تبكي:
"أنا كنت قد سامحتك رغم كل شيء... عن أي مصافاة تتحدث أنت؟"
تجاهل ميران كلامها و رفع حاجبيه قائلا:
" من الآن فصاعدا..."
عندما قال هذا توقف قلب ريان، إنها خائفة حتى الموت مما سيقوله. أبعد ميران يده على الحائط ثم نظر في عيني ريان و قال:
"من الآن فصاعدا أنا ليس لدي أم... و لن يكون هناك قبر أزيل عنه الأعشاب كل أسبوع... أنا أكره هذا اللقب الملعون الذي أحمله"
كان صوته يرتجف ولا يستطيع إيقاف روحه المتمردة، غضبه تجاه كل الناس كبير جدا و جرحه لن يشفى أبدا. رفع ميران إصبعه و أشار إلى الباب و قال:
"ذلك الرجل في الخارج الذي يدّعي أنه أبي..."
صمت ثم أغمض عينيه من شدة ألمه، بعد ذلك صرخ بكل قوته:
"أنا لا أكون له أي شيء... هو لا يعني لي شيئا. ذلك الرجل مازال مجرد قاتل عديم شرف في عيني"
من المؤكد أن هازار شانوغلو كان يسمع كل كلماته، يريد ميران أن يحرق روحه كما يحترق هو، و الحال أن ذلك الرجل يحمل هذا الجرح منذ سنوات، و كأن يموت منذ أشهر و لكن ميران لا يعلم بهذا.
"ميران..."
كان صوت ريان ضعيفا جدا، الرجل الذي أمامها لم يتبقى لديه طرف ليتألم، لذلك هو يتصرف هكذا، و ريان تعرف هذا:
"لا تقل هذا يا ميران... أنت لا تعرف أي شيء حتى..."
"و لا أريد أن أعرف... أنا لست موجودا بعد الآن"
عندما قال هذا توقف قلب ريان عن النبض للحظة ثم نظرت إلى الباب. حين فهمت أن ميران سيذهب لحقت به بخطوات سريعة و لكن بدون جدوى، لقد أدار ظهره لها... قالت:
"إلى أين تذهب؟... ميران، إلى أين أنت ذاهب؟"
و لكن ميران لا يسمعها حتى، عندما أخذته خطواته المتعبة إلى الباب، فتحه و خرج. المنظر الذي لا يريد رؤيته كان يقف أمامه. اللعنة، لماذا لا يذهب هذا الرجل؟
أمسك آردا ذراع ميران و سأل السؤال الذي سألته ريان قبل قليل:
"إلى أين تذهب يا ميران؟"
ريان كانت متكأة على الباب في حالة مزرية تشاهد زوجها الذي أدار ظهره لها. ذهبت إليها أليف فورا، لمست ذراعها و همست:
"سيمضي يا ريان... كل هذا سيمضي"
المكان الوحيد الذي ينظر له ميران هو عيني ذلك الرجل، الكره الذي يحس به تجاهه يمزق كبده، تقبل هذا سيكون جنونا. أن يكون من دم و روح ذلك الرجل هو أكبر مقلب أكله في هذه الحياة... سحب ميران ذراعه من يد آردا ثم صرخ:
"أذهب إلى قاع الجحيم"
ثم ذهب نحو سيارته و حين أحس بآردا يلحق به، إلتفت و صرخ مرة أخرى:
"لا تأتي خلفي... لا تلحقوني يا هذا"
لم يرد آردا أن يصر كثيرا لأنه يعرفه، عندما يتألم لا يريد أن يكون أحد بجانبه، و إذا عانده قد يخرج عن طوره. سيسمح له بالذهاب، في النتيجة آردا يعرف ميران مثل كف يده، عندما يود أن يبحث عنه يعرف أين يجده.
"كن حذرا"
قال آردا هذا وراء ميران، في تلك اللحظة كان ميران ينظر لشخص واحد يقترب منه مع كل خطوة يخطوها، صاحب العينين الحزينتين الذي سيتركه وراءه بعد قليل.
"لا تذهب... لنتحدث"
قال السيد هازار هذا بصوت منهك، أما ميران فقد ضغط بكل قوته على يديه، لا، هو لن يستمع إلى هذا الرجل مهما قال، و لن يسمح له بالخروج أمامه مرة أخرى. الشخص الخاسر أصبح واضحا، قال ميران بصوت متعب:
"إنتهت الحرب... أنت ربحت يا هازار شانوغلو"
****
"عشقنا نحن أبدي، إذا دخل الحب إلى القلب من الباب فهو يبقى داخله حتى ذهابنا إلى القبر. إنه يحبكِ يا إبنتي، يحبكِ كثيرا. يحبكِ كما أحببتُ أنا أمه..."
كانت كلمات السيد هازار هذه التي ترافقها أثناء ذرفها لدموعها بلا توقف. ما حدث قبل بضعة ساعات كانت فاجعة. لقد ذهب ميران، ذهب ألم قلبها، زهرة الثالوث خاصتها. ريان لم تستطع أن تقول له توقف أثناء ذهابه، لم تحسب أن هذا ما سيحدث و لم تتوقع أن ينهار ميران بهذا الشكل.
ريان لا تعرف على من ستحزن، جزء من قلبها يحترق على ميران و الجزء الآخر يحترق من أجل والدها أي والده. كيف إنهار وهو يشاهد ذهاب إبنه، ذهب اللون من وجهه. من يعرف كم تمزق داخله طيلة أشهر؟ من يعرف كم جمّع من جمل بداخله ليقولها لإبنه عندما يجتمع به؟ و لكن ميران لم يسمعه حتى، وهو أيضا محق في هذا.
من هو الغير محق في هذه الحكاية؟
ريان ماتت ألف مرة في هذه الساعتين التي مرت و كأنها عصور، لقد إنها ت بالبكاء بعد ذهاب ميران و لم يستطع مواساتها أي شيء. حتى والدها وقف أمامها و قال "هو سيعود"... هل حقا سيعود لها؟ هل سيحبها مجددا؟
بعد ذهاب ميران و ذهاب والدها بعده مباشرة، أصبح هذا البيت مثل السجن بالنسبة لريان، حتى أنفاسها ستكون عذابا حتى عودة ميران، و كأن العذاب مكتوب على جبينها، لا تنتهي الآلام. متى سينتهي هذا القدر المؤلم و يضحك وجهها إلى الأبد؟
فتحت ريان باب غرفة النوم و دخلت، كم كانا سعيدان ليلة البارحة، ضحكاتهما مازالت تملأ هذه الغرفة... جلست على حافة السرير ثم تمددت على الجهة التي ينام فيها ميران و نزلت دموعها مجددا. ربما لن يناما مع بعض مجددا في هذا السرير، ربما حبيبها لن ينظر إلى عينيها و يقول لها كلمات حب مجددا، لن يداعب شعرها، لن ينام على ركبتيها... هذا البيت لن يعود مثل السابق أبدا.
من يعلم أين ميران الآن و ماذا يفعل؟ لا يمكن مجابهة الآلام بالوحدة، أن تكون في وحيدا في وضع كهذا لا ينفع بشيء... ضغطت ريان على أسنانها و قالت بصوت مختنق:
"هي قالت له، أنا أعرف... تلك المرأة أخبرته"
ما كان يجب أن تثق بالسيدة نرجس، ماكان يجب أن توافق والدها و تذهب للتحدث مع تلك المرأة، ريان نادمة مثل المجانين الآن... قالت أليف:
"من تقصدين؟"
لقد تشوش عقل أليف، كل ما حدث خرب توازنها هي أيضا، غير ذلك بسبب صعوبة الوضع هي لا تستطيع أن تفتح فمها و تسأل عن شيء و لكنها أيضا لم تترك ريان وحدها أبدا.
"تلك المرأة وضعتني في الواجهة كي تغطي على ذنبها"
"عمن تتحدثين يا ريان؟"
نهضت ريان من السرير و هي غارقة في دموعها ثم قالت:
"من سيكون؟ إنها خالة ميران، من غيرها يعرف هذه الحقيقة؟"
الأمور تخرج عن طورها و عقل أليف يتشوش أكثر:
"ريان هل ستخبريني كل شيء الآن؟"
جلست أليف على حافة السرير بجانب ريان ثم نظرت إلى عينيها و قالت في دهشة:
"عقلي لا يستوعب... كيف يمكن أن يكون ميران إبن زوج خالتي هازار؟"
مسحت ريان عينيها التي تورمت بالبكاء ثم قالت:
"والدة ميران كانت..."
إنقطعت جملتها حين سمعت جرس الباب، عندما فكرت ريان بإحتمال أن يكون ميران هو القادم، قفزت بسرعة من السرير في حركة فورية فخافت أليف و قالت وراءها:
"كوني حذرة يا ريان، أنتِ حامل"
و لكن بلا جدوى، ريان لا تسمعها حتى. كانت تطير في الدرج قائلة:
"ميران... جاء ميران"
أليف لحقتها بسرعة، كانت تتمنى أن يكون ميران قد جاء، ريان قد تدمرت خلال غيابه عنها لساعتين، إذا لم يسامحها ميران من يعلم في أي حالة ستكون؟
ريان ركضت بنفس السرعة التي نزلت بها الدرج نحو باب المنزل، عندما أمسكت المقبض لتفتح لم تكن تتمنى سوى رؤية وجه ميران أمامها و لكن حماسها لم يدم طويلا و إنطفأ أملها. الذي أمامها الآن ليس ميران بل آزاد.
إبن عمها الذي ذهب من أمامها بنظرات جريحة قبل عدة أشهر هاهو يقف أمامها الآن بشحمه و لحمه. ريان لا ترى حلما أليس كذلك؟ آخر يوم رأت فيه آزاد كان قد قطع كل صلاتها بهم. لم تكن تظن أنه سيخرج أمامها مجددا. آزاد كان قد ذهب غاضبا و منكسرا من أمام هذا البيت، رغم كل ماقاله ذلك اليوم هاهو يأتي مجددا و سبب مجيئه أزعج ريان من الآن...قالت:
"آزاد؟..."
سماع إسمه من فم ريان جعل روحه تحترق، الحياة تجعل الإنسان يلعق ما رماه، تجعله يذهب مجددا إلى تلك المدينة التي أقسم أنه لن يعود لها، تجعله يقف أمام الباب الذي قال لن أقف أمامه أبدا، و تجعله ينظر مجددا إلى وجه تلك المرأة التي أقسم أنه لن يراها... كبد آزاد يحترق الآن، عندما سحب عينيه من عيونها رأى منظرا آخر دمر قلبه. قبل أن يراها كان لديه أمل، ريان التي في خياله هي تلك الفتاة الصغيرة التي لم تخرج من ذلك القصر. الآن تلك الفتاة التي أحبها آزاد هي إمرأة و الأكثر من ذلك هي أصبحت أم...بطن ريان الكبيرة ثقبت قلب آزاد و لكنه حافظ على توازنه، يجب أن يفعل هذا. لماذا إضطر على القدوم إلى هنا؟
"ريان..."
قال آزاد بصوت متقطع، لا يعرف من أين سيبدأ بالكلام و كيف سيقول هذا لريان دون أن يخيفها. إنه يخاف حتى الموت من حرق روحها، كيف تجمع كل شيء في يوم واحد. إعتراف عمه لميران بأنه والده، ترك ميران للبيت و الخبر السيء القادم من ماردين.
أليف كانت تنتظر وراء ريان، رؤية آزاد أمام هذا البيت أدهشها هي أيضا و أصبحت تشكّ. يجب أن يكون قد حدث شيء سيء و إلا لماذا ليأتي آزاد؟
"لماذا أنت هنا يا آزاد؟"
قالت ريان هذا ثم ضغطت على شفتيها.
"من أجل عمي... أنا أعرف كل شيء و...كي لا أترك عمي بمفرده، جئت معه صباح البارحة إلى هنا"
اللعنة، ليس هذا ما كان سيقوله، ريان لم تسأله عن سبب مجيئه إلى إسطنبول، آزاد يهذي مجددا... هز رأسه قائلا:
"دعكِ من هذا، لقد جئت لآخذكِ إلى ماردين"
الكلمات التي سمعتها ضاعفت دهشة ريان، لابد أنها ترى كابوسا سيئا، كل ما حدث اليوم، كم أنه مرعب و غريب؟
"لماذا؟"
هذا ما سألته ريان أولا، من أين خرجت مسألة الذهاب إلى ماردين؟ بعد ذلك نظرات الحزن على وجه آزاد كانت مثل السكين في قلبها:
"لقد حدث شيء"
همست ريان بهذا و هي تجد صعوبة في الوقوف، أليف التي خلفها مباشرة أمسكت ريان بذراعها حين لاحظت حالتها هذه، لن تتحمل أكثر... سألت ريان مجددا:
"أي ماردين يا آزاد؟ من أين خرج هذا الآن؟ هل حدث شيء سيء؟"
بدأت ريان تصرخ و تبكي مجددا، مهمة آزاد أصعب الآن. قال بصوت هادئ:
"لم يحدث شيء لأحد... الجميع بخير صدقيني"
"إذا لماذا تأخذني إلى ماردين؟ من أين خرج هذا؟"
خطر ميران على عقل ريان الآن، لو يأتي الآن و يرى آزاد أمام الباب، سيقيم القيامة بكل تأكيد. غير كل هذا، كيف تترك ريان ميران وهو في هذه الحالة و تذهب مع آزاد إلى ماردين؟ لابد أن آزاد قد فكر بكل هذا و بالتأكيد حدث شيء سيء.
"أمي..."
وقعت نار في قلب ريان حين تذكرت أمها، عندما إتصلت بها أمها هذا الصباح لم تجب على الهاتف. و الحال أن السيدة زهرة لا ترتاح حتى تسمع صوت إبنتها، إذا لماذا لم تتصل مرة أخرى؟
"هل حدث شيء لأمي؟"
عندما قالت هذا أحنى آزاد رأسه إلى الأرض و هذا ما جعل ريان في حالة هستيرية.
"تكلم يا آزاد... ماذا حدث لأمي؟"
"حادث صغير"
تكلم آزاد بصعوبة، إنه يرى ريان تتألم أمامه وهو لا يتحمل هذا. هو يريد أن يأخذها و يذهب من هنا بسرعة:
"و لكن لا تقلقي، هي بخير... الآن هل ستأتين معي إلى ماردين؟"
.... يتتبع....

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن