الحلقة 25 والاخيرة - الماضي المؤلم - من ( الجزء الاول )

9K 140 14
                                    

تزعزعت أذنا ريان بالحقيقة الصادمة التي سمعتها، أغلقت فمها بيدها كي لا يسمع أحد صرختها. مالذي يتحدث عنه فرات؟
توقف عقلها، إما هناك سر كبير خرج من الماضي أو أن ريان لم تسمع جيدا. أرادت كثيرا أن تكون سمعت بالخطأ و لكن الصوت الذي سمعته أكد صحة ما تم قوله قبل قليل:
"كنت أعرف... ألا يحس الإنسان بقطعة من روحه؟"
قال السيد هازار هذا بصوت باكي و مليئ بالحزن، ريان انهارت. لم ترى هذا الرجل ضعيفا هكذا طول حياتها.
كانت دقات قلبها قوية لدرجة أنه كان سيخرج من مكانه. لا هذا مستحيل، لا يمكن أن تكون حقيقة. ميران لا يمكن أن يتحمل حقيقة كهذه. لأنه أمضى كل حياته في كره هذا الرجل الذي قتل والده، يعني هذا ما تعرفه ريان. أبعدت يدها عن فمها و ضغطت بها على قلبها الذي ينبض بشدة.
لم تتحمل ريان أكثر و قررت الخروج أمامهما، أشعل فرات الهاتف في وجه ريان كي يعرف من القادم فاندهش كثيرا عند رؤيتها، أنزل رأسه في خجل و بقيت ريان تنظر إلى والدها. كان الرجل يبدو منهارا و في وضع مزري، لقد غرق في همه و لم يلتفت لريان حتى. استند على الجدار بيده و أسند رأسه على يده. فاقترب منه فرات قائلا:
"هل أنت بخير يا سيد هازار؟"
انه لا يبدو بخير أبدا، في تلك اللحظة انهار الرجل على الأرض فركضت ريان نحوه في قلق، ركعت بجانبه قائلة:
"أبي... هل أنت بخير؟"
هز الرجل رأسه بمعنى لا دون أن ينطق بكلمة. في تلك اللحظة وضع فرات ذراع السيد هازار على كتفه و نظر لريان في حرج:
"ساعديني لننقله إلى الغرفة المجاورة"
فعلت ريان ما قاله في صمت، حملوا الرجل معا و أجلسوه على الكرسي ثم نظر فرات حوله في توتر و قال:
"لا بد أن ضغطه إنخفض... أنت إبقي هنا، سآتي فورا"
بعد خروج فرات من الغرفة نظرت ريان إلى والدها مجددا، لقد ذبل وجهه و ذهب النور من عينيه.
"هل أنت بخير يا أبي؟"
عندما قال السيد هازار "أنا بخير" بصوت متقطع، ارتاحت ريان قليلا. لم يمض الكثير حتى عاد فرات و في يده آلة قيس الضغط، ركع بجانب السيد هازار، فتح قميصه و بدأ يقيس ضغطه و كانت ريان تشاهد هذا بدون حركة، عندما أحست بأن قدماها لا تحملانها جلست على كرسي بجانبها و لم تفرق عينيها عن والدها.
جعل فرات السيد هازار يشرب الماء بصعوبة، فتح الرجل عينيه و بدأ ينظر لريان. من الدهشة التي على وجهها واضح أنها سمعت كل شيء، أخذ نفسا عميقا، هو لم يعد لوعيه جيدا. كون ميران ابنه و من دمه حقيقة يصعب إدراكها.
نعم هو شكّ بهذا، بعد إكتشاف أن زواج ريان و ميران كان كذبة. تولد شك كبير بداخله منذ أن عرف أنّ ميران الذي ظنّه صهره هو في الحقيقة ابن أحمد كارامان الذي قتله قبل سنوات. أراد أن ينهي كل الشكوك بداخله بعد القيام بتحليل الحمض النووي. كان يظن أنه سيقوم بالتحليل و يكتشف أنه مخطئ في شكه و يرتاح و لكن لم يحدث هذا. بينما كان ينتظر من فرات قول: "هو ليس ابنك، لقد شككت عبثا" هو قال عكس هذا. و الآن توجد أمامه الفتاة التي رباها كإبنة له طيلة سنوات.
كيف سيروي لها ماضيه المؤلم الذي يخفيه مثل السر؟
"هل أنت بخير"
هز الرجل رأسه أمام سؤال فرات. لم يكن بخير أبدا، الآن يوجد حمل كبير على كتفيه؛ حمل إبنه الحقيقي و همه. داخله يتألم كثيرا، كان الرجل الكبير يبكي و كأنه طفل صغير. لم يكن يعرف أن ذلك الماضي المؤلم الذي دفنه في الأعماق سيأخذ روحه هكذا. خرجت من فمه كلمات تحمل عتابا من الماضي:
"لماذا فعلت هذا يا ديلشاه؟"
عندما سمعت ريان إسم ديلشاه وقفت على قدميها، رأسها يتشوش أكثر، لأول مرة تسمع هذا الإسم. خطر على بالها كيف لم تسأل ميران أبدا عن إسم أمه. نظرت إلى فرات و قالت:
"تكلم يا فرات... ما معنى كل هذا؟"
لم يعرف فرات ماذا سيجيب، و الأكثر من ذلك هو أيضا كان في صدمة. قبل أسبوع، أي يوم إصابة ميران طلب منه السيد هازار القيام بتحليل DNA. هذا الطلب جعله في صدمة و لكن لم يخبر أحدا و لم يسأل عن السبب. الآن لو يتكلم السيد هازار و يخبرهم الحقائق سيذهب فضوله هو و ريان، إنه منزعج الآن من نظراتها له المليئة بالحقد، وضع عينيه في الأرض و قال:
"أنا لا أعرف شيئا"
أدارت ريان رأسها نحو والدها قائلة:
"ألن تقول لنا شيئا؟"
بينما كانت تنتظر الجواب بدأت ريان تدقق بوجه والدها الذي كبرها و رباها، تنظر له و كأنها تراه للمرة الأولى. لقد إكتشفت شيئا لم تلاحظه من قبل أبدا، ميران يشبه هذا الرجل، و كأن ميران واقف أمامها الأن، أو من تأثير الصدمة هي تفكر هكذا. عقلها ليس في مكانه أبدا.
قالت ريان بصوت عالي كي تلفت الإنتباه:
"أنا أسألك هيا أجب"
رفع السيد هازار رأسه و نظر إلى ابنته، هي كنّته أكثر من إبنته، إنها زوجة إبنه الحقيقي. لم يعرف السيد هازار من أين يبدأ بالكلام ولا ماذا سيقول، المرأة التي أحبها قد تركت له ذكرى جميلة و رحلت من هذه الدنيا. ربما تأخر الوقت من أجل كل شيء و ربما لا، من يعرف؟
"قبل 28 سنة... كنت قد عدت حديثا من العسكرية... أُغْرِمتُ بفتاة، رأيتها لأول مرة في زفاف شخص من عشيرة مجاورة لنا، اسمها ديلشاه، بعينيها الزرقاء كانت أول إمرأة دخلت قلبي"
قبل أن تفهم ريان ما حدث بشكل جيد أصبح جسدها مثل الشوك، رائحة الماضي المخيف آلمت قلبها، المرأة التي يتحدث عنها والدها هي أم ميران...
"والدي و والدها كانا أصدقاء مقربين جدا، عندما آخبرت أبي ذهب و طلب ديلشاه من أجلي، و امتلكت الدنيا عندما أعطاها لي والدها... تزوجنا بزفاف كبير بعد فترة قصيرة و لكن سعادتي لم تدم طويلا. بعد أن تزوجت بها لاحظت آنها ليست سعيدة أبدا. ديلشاه لم تكن تحبني، لم يكن لدي مكان في قلب المرأة التي كنت مستعدا أن أعطي روحي من أجلها"
تعقد لسان ريان و لم تكن تستطيع التنفس، هل كانت أم ميران زوجة والدها قبل سنوات؟ يتضاعف فضولها أكثر و كلما واجه الرجل الذي أمامها صعوبة في التكلم يرتفع نبضها.
"لم أهتم بما تفكر به ولا بأحاسيسها، لقد تزوجتها، الباقي لا يهمني. انتظرت أن تحبني و تتقبلني مع مرور الوقت و لكن كانت تبتعد أكثر. بقدر ما أحببتها أنا، كانت هي تكرهني بذلك القدر... ثلاثة أشهر كاملة.... إنتهى زواجي منها الذي دام ثلاثة أشهر بتركها لي. استيقظت في يوم من الايام و وجدت الجانب الأيسر من السرير فارغا، تركتني و هربت، بحثت عنها في كل مكان و قلبت ماردين رأسا على عقب و لكن لم أجدها. بحثت عنها حتى انهرت بالحقيقة التي عرفتها..."
تعقد لسانه و ابتسم بشكل مؤلم، لم يعرف لماذا يخبرها بهذا، ربما سيرتاح هكذا... كم هذا صعب، الرجل الذي كانت تظنه بلا قلب، سبب هذا هو قصة حبه الحزينة...
"و الحال أنها كانت تحب رجلا آخر، لم تنساه أبدا، أحبته هو فقط. خاطرت بكل شيء، تركتني و هربت معه إلى إسطنبول"
"أحمد كارامان؟"
ذلك الإسم الذي خرج من فم ريان تسبب في صمت عميق، الآن تكتمل القطع الناقصة، لقد توضح الآن سبب عداوة السيد هازار تجاه ذلك الرجل، هذا هو السبب السري الذي جعل منه قاتلا.
لم يرد السيد هازار ذكر إسم ذلك الرجل، ربما بسبب عذاب الضمير لأنه قتله أو ربما مازال يكرهه.
"ذلك الرجل لم يكن من ماردين، هو رجل أعمال من اسطنبول. عندما جاء إلى ماردين من أجل العمل، تعرف على ديلشاه و أحبها. من أين لي أن أعرف؟ عندما طلبتها من والدها تصرفت أنا قبله دون أن أعرف. و تعرفان أنه لا يُقال أي كلام فوق كلمة الأب، لم تخرج ديلشاه صوتها حين أعطاها والدها لي و لم ترفض... و رغم هذا، رغم أنها زوجتي تجرّأت و هربت معه. فقدت أثرهما طيلة أربعة سنوات، لم أجد كلاهما في أي مكان، الغضب الذي سيطر علي لم يمنع وجودي لهما، و ثروته الكبيرة لم تكفي لينجو مني... لم يكن لدي علم بميران أبدا، لم أره حتى، لقد أخفوه عني. طاوعت غضبي و سحبت ذلك الزناد و قتلت ذلك الرجل بدون رحمة"
فرات و ريان كانا يستمعان في صدمة، هما أمام حقيقة يصعب تصديقها، لم تكن ريان تتوقع أن تكون هذه الحكاية حزينة هكذا. لم ترى والدها بهذا الشكل أبدا من قبل. هازار شانوغلو الذي تعرفه، القاسي و عديم الشعور، ربما وراء كل رجل ذو قلب متحجر قصة حب و خيانة حزينة هكذا.
الآن إعترف بلسانه أنه قاتل، بقية الحكاية ريان تعرفها، كيف ستقول الحقائق لميران الذي يصدق كذبة كبيرة؟ بينما يظن أنها قصة أملاك و أموال كيف ستقول السبب الحقيقي لهذا؟
ميران سيحترق بهذا أكثر من كل شيء، لم يتحمل أبدا موت الرجل الذي يظنه والده بسبب الأموال و الأملاك، و في الحقيقة الرجل الذي أمضى حياته في كرهه هو والده الحقيقي. ميران مازال مغمض العينين في نوم عميق...
ميران مازال في غيبوبة ولا يفتح عينيه و السيد هازار منهار ولا يتحمل ثقل هذه الحقيقة، أحس و كأنه تم خيانته مرة أخرى، عبء الماضي وُضِع على كتفه مجددا. المرأة التي أحبها و لم تحبه خبّأت إبنه عنه، و كيف حدث و حقد هذا الإبن على والده الحقيقي و لعب لعبة خطيرة بسبب هذا الكره. كم هي غريبة هذه الحياة، لو لم يلعب ميران هذه اللعبة و تمسك بالزواج من ريان لم يكن السيد هازار ليعرف أن له إبن و كانت ستبقى هذه الحقيقة مخبأة في الماضي.
وقع حمل كبير على كتف ريان، ليست لديها فكرة عما سيحصل بعد الآن. كيف ستقول هذا لميران؟ كيف ستكون ردة فعله؟ و لكن من الواضح أنه لن تحصل أشياء جيدة، هي متأكدة أنها ستشهد إنهيار ميران بهذه الحقيقة.
ارتجف جسمها بسبب ما جاء إلى عقلها في هذه اللحظة، فكرت بأخوها بديرهان، ميران و بديرهان أخوان من نفس الأب، و في نفس الوقت بديرهان هو شقيق ريان من أمها، في هذه الحالة لدى ميران و ريان أخ مشترك. قالت ريان بصوت متقطع:
"بديرهان... في هذه الحالة... بديرهان... يعني هو شقيقنا نحن الإثنان؟"
في تلك اللحظة فكرت، ماذا لو كانت إبنة السيد هازار الحقيقية ماذا سيحدث؟ ريان أصبحت تصدق أكثر أنه في كل شر يوجد خير في هذه الدنيا... بينما كان الرجل الذي أصبح له إبن آخر يفكر بعمق قالت ريان:
"ماذا سيحدث بعد الآن"
لم يعرف السيد هازار ماذا سيقول، هو يحس في أعماقه بحزن شديد، لقد عرف بعد 28 سنة أن له إبن. هذا أكبر عقاب أعطته له الحياة. أما ريان فهي تريد أن تجد أجوبة لأسئلتها:
"هل مازلت عدوا لميران؟"
"أنا لم أكن عدوا له أبدا، كيف يحقد الإنسان على روحه؟ يوم عرفت هوية ميران الحقيقية وقعت نار في قلبي. أحسست بهذا، كنت أود أن أكون مخطئا و لكن لم يحدث"
فهم هذا الرجل مجددا أن لا يوجد سر يبقى مخبأ للأبد، حاول إخفاء الجريمة التي ارتكبها قبل سنوات عن الجميع و لكن تم كشفها من قِبَلِ إبنه الحقيقي.
"من أطلق النار على ميران؟"
سألت ريان السؤال الذي يقتلها منذ أيام، ليس بيدها، هذا أكثر شيء تتساءل عنه. لم تفرق عينها عن والدها أبدا، الناس الذين يكذبون يتوضح هذا في عيونهم، و لكن نظرات السيد هازار لم تُرفع من الأرض مثل أي مذنب ثم قال بصوت بارد:
"أنا لا أعرف شيئا... و لكن إعرفي هذا، أنا لا أحاول قتله أبدا لو كانت هذه الحقيقة موجودة أو لا"
"عندما يستيقظ ميران سيتوضح كل شيء، تعرف هذا أليس كذلك؟... لسبب ما لا أصدقك لا أنت ولا آزاد، و كأنكما تخفيان شيئا عني"
"نحن لم نفعل أي شيء يؤذيه، لا نفعل"
"ماذا عن آزاد؟"
"هو أيضا لم يفعل"
"إذا لماذا جئتما إلى إسطنبول؟ لماذا أُصِيبَ ميران؟ من أصابه؟"
عدم أخذها أجوبة على كل هذا يجعلها لا تصدق أحدا و خاصة الرجل الذي أمامها. قال السيد هازار:
"لا تقولي شيئا لأحد، يجب أن يبقى هذا السر بيننا"
عبس وجه ريان فورا، لا تفكر في إخفاء هذا عن ميران، بالعكس، عندما يُشفى ستخبره كل ما سمعته اليوم:
"أنا لن أُخفي هذا عنه"
"لفترة وجيزة... لا يجب أن يعرف أحد لفترة، أنا سأخبره. هذا الأمر ليس من وظيفتك"
لم تعرف ريان ما تقوله، كيف تخفي شيئا مهما كهذا؟ أليس صمتها عن هذا يُعْتَبر خيانة؟
"إعتبري أنك لم تسمعي شيئا، أريدكِ أن تصمتي فقط. إن كان لدي حق عليكِ كأب لك فهذا طلبي الوحيد منكِ"
ثم نهض من الكرسي الذي يجلس عليه و أشار لفرات كي يذهبا. التفت إلى ريان أثناء خروجه و قال:
"و أنتِ إذهبي الآن كي لا يلاحظوا غيابكِ... ثقي بي يا ابنتي، لا تقولي شيئا لأحد، أنا سأحل الأمر"
ريان لم تعطيه أي وعد، أثناء ذهابها إلى الدرج وقف أمامها فرات و أوقفها، كان ينظر لها بحرج كبير. حاولت ريان إبعاده عن طريقها و لكنه لم يبتعد فصرخت بحدة:
"إبتعد عن طريقي"
"أنتِ مصدومة و غاضبة مني، أنا أعرف هذا... كان يجب أن أخبركِ أنني أعرف والدك"
"لا لم أتفاجأ... أنا متعودة على خيانة كل الناس الذين أثق بهم"
ريان كانت على وشك البكاء، كل من تثق به يطعنها في ظهرها. كانت تظن أن فرات قدم لها كل تلك المساعدات بلا مقابل.
"بسبب الناس الذين مثلكم أنا فقدت ثقتي بكل الناس"
"أنا آسف... كل شيء كان لمصلحتك"
وجهت له ريان نظرات مرعبة ثم اتجهت نحو الدرج، عقلها و مشاعرها مشوشة، لا تعرف إن كانت ستصمت أم ستقول الحقيقة. كيف ستسكت؟ كيف ستفعل هذا بالرجل الذي تحبه؟
عندما وصلت إلى طابق المرضى في المستشفى كانت تمشي بخطوات ثقيلة و تفكر بما حدث، حتى ارتعبت حين أمسكها شخص من ذراعها. رفعت رأسها فرأت آردا و حينها ارتاحت.
"لا تخافي... أنا أبحث عنكِ منذ ساعة، أين كنتِ؟"
"كنت آخذ هواءا نقيا... هل هناك أي تطور؟"
"لا، ميران مازال على حاله. أنا فقط قلقت عندما لم أراك... هيا تعالي لتتناولي شيئا، لقد ذبل وجهك تماما. ميران سيغضب مني لاحقا حين يستيقظ و يعرف أنني لم أهتم بك جيدا"
حالة آردا هذه و اهتمامه بها كانت تمسح صورة الرجل السيء من عقل ريان كل يوم أكثر، رجل مثل آردا لا يمكن أن يكون ذو قلب سيء.
عندما وصلا إلى مطعم المشفى جلست ريان على الطاولة التي تجلس عليها السيدة نرجس و أيلول. ذهب آردا ليحضر الأكل و بقيت ريان تنظر لخالة ميران. هناك سؤال ينخر عقلها الآن و ندمت لأنها لم تسأل والدها عنه قبل قليل. بما أن السيد هازار تزوج والدة ميران في الماضي، إذا كيف لم تتعرف هذه المرأة على زوج أختها السابق؟ ترى هل تعرف الخالة سر أختها؟ عدم معرفتها يبدو مستحيلا بالنسبة لريان. إن كانت تعرف و تصمت، كيف سمحت لميران أن يفكر بهذا الإنتقام؟
عقلها لا يستوعب كل هذا و لا تستطيع أن تفتح فمها بكلمة، الصمت لم يكن صعبا بهذا القدر أبدا.
بقيت السيدة نرجس مستغربة من نظرات ريان لها و خافت:
"لماذا تنظرين هكذا يا ابنتي؟"
هذه المرأة دائما تخجل من ريان، هي محرجة جدا لأنها خدعتها.  حتى لو سامحتها ريان فهي لن تسامح نفسها أبدا... هزت ريان بكتفها و قالت:
"لا شيء... أنا أفكر فقط... الحياة كم هي غريبة هكذا ! مليئة بالأسرار و ما شابه"
نظرات ريان المريبة أثارت إستغراب أيلول أيضا:
"ماذا تقصدين يا ريان؟“
"لا شيء... بالتأكيد سيتوضح كل شيء، سيستيقظ ميران و يخبرنا ما حصل بالتفصيل"
ثم جاء آردا و جلس بجانبهم قائلا:
"عندما يستيقظ ميران سيقول أن آزاد هو الذي أطلق النار عليه، أنا متأكد من هذا... آزاد يحيك شيئا، فعل ما فعله و غيّر السلاح و لكن لن أسمح بنجاته هكذا، الشرطة مازالت تتعقبه"
في تلك اللحظة رن هاتف السيدة نرجس الموجود على الطاولة، مالت عيني ريان نحو الهاتف لا إرادياً و رأت إسم جونول. أخذت المرأة الهاتف فورا و نهضت من الطاولة و لكن لم تهرب من عيني ريان. جونول لا تتخلى عن ميران و لا تتركهم في راحة. بعد ذهاب السيدة نرجس أخذ آردا نفسا عميقا و قال بصوت قلق:
"كل شيء مشوش بشكل... كل ما أعرفه أنه لن يكون أي شيء مثل السابق"
قالت ريان و أيلول في نفس اللحظة:
"ماذا يعني هذا؟"
"عندما يفتح ميران عينيه سيكون قد تحول لرجل عديم الخوف أكثر  و قاسي و خطير بشكل لا تتخيلونه... أنا أعرفه، سيكبر هذه الحرب و يخاطر أكثر. جهزي نفسك لهذا من الآن يا ريان. ميران رجل كهذا، ينهزم لغضبه و حقده دائما، لا يمكن أن يمسكه شيء بعد الآن"
ريان لن تسمح بتحول ميران لرجل كهذا، لن تتحمل. كما أنها شهدت لحظات ضعف ميران التي لم يراها أحد. رأت بكاؤه و أحست بالرحمة التي في قلبه. قالت بصوت باكي:
"أنا لن أسمح بهذا... ميران ليس شخصا سيئا و أنتم تعرفون"
"نحن لا نقول أنه سيء، و لكن تعرفين أن الغضب يحول الإنسان إلى وحش، هل تتخيلين حجم غضبه عندما يفتح عينيه؟"
بقيت ريان صامتة، هي تعطي الحق لآردا، لن تحدث أشياء جيدة، هناك شتاء قارس على الأبواب من أجل الجميع.
و لكن هناك حقيقة لا يعرفها أحد، عدو ميران حتى الموت هو والده الحقيقي. عندما ترى هذه الحقيقة وجه النور ستتزعزع الأرض من مكانها.
أكلت ريان ما أحضره آردا بصعوبة ثم غادرت المطعم، كانت قدماها تجرانها نحو العناية المركزة، إلى جانب الرجل المرتبطة به بقلبها. أولا نظرت إلى ميران من الزجاج، مازال نائما هكذا و لا يفتح عينيه. هل هو ضعيف لهذه الدرجة؟ أم أنه يكره العيش كثيرا؟ لماذا لا يعود إلى ريان خاصته؟ فتحت ريان باب الغرفة و تسربت إليها. هي ليست خائفة، إنها بحاجة إلى ذرف دموعها على صدر الرجل الذي تحبه لأنها لم تعد قوية بعد الآن. سحبت الكرسي و جلست بجانب ميران، أخذت يده و حبستها بين يديها و بقيت هكذا لفترة. ثم مررت ريان يدها على الوجه الذي تحبه، عينيه الجميلة المغمضة، شعره الأسود المبعثر، لحيته التي طالت، وجهه الذابل و شفتاه الجافتان. بعد ذلك بقيت تداعب لحيته بإصبعها:
"لماذا لا تفتح عينيك؟ ألم تشتاق لي؟"
أخذت يده التي لا تتحرك و وضعتها على وجهها ثم على شفتيها،  قلبها الذي سامحه منذ مدة يتألم كثيرا الآن. همست له:
"أنا سامحتك... أنت لا تعرف هذا"
سامحيني يا أمي... لتسامحني كل نساء العالم الاتي تعرضن للخيانة و تم ظلمهن، لأنني لم أستطع أن أفي بوعدي، أنا سامحت هذا الرجل.
كانت شفتاها ترتجف من البكاء ثم خرج من فمها الإعتراف الذي تم إنتظاره كثيرا:
"أنا أحبك يا زهرة الثالوث، أحبك كثيرا"
وضعت يدها في جيبها و أخرجت تلك الورقة المطوية منه، وضعتها في يد ميران ثم قالت:
"في الواقع منذ أن ذهبت أنت، أصبح النهار ليلا... إفتح تلك العينين الجميلتين... اكتب لي أشعارا مجددا و ارميها تحت بابي في منتصف الليل، هذه المرة لن أغضب منك، وعد"
ريان تتدمر أكثر مع كل كلمة تقولها، وضعت رأسها على صدر ميران و قالت:
"كنت أود أن أموت و أنا أعانقك، أحبك كثيرا لدرجة أن أتمنى هذا"
ريان لا تهتم حتى يأن يدخل طبيب و يمسك بها في هذه الحالة أو يغضب منها.
"ليتنا لم نتقابل هكذا أبدا، لو لم يتدفق سم الماضي علينا... ليتك بقيت معلقا في ضحكة لي، و ليتني أنا عشقت رحمتك"
لم تنس أي كلمة قالها لها هذا الرجل بقلبه و حفرت في عقلها:
"أنت من قال لي هذه الكلمات يا ميران... أنا لا أنسى أي كلمة منك، لا استطيع ان أنسى"
لم تحرك رأسها من على صدر هذا الرجل الذي ينام بلا حركة، أخذت يده و وضعتها على بطنها ثم وضعت يدها فوق يده و ضغطت على بطنها و قالت باكية:
"سيصبح لدينا طفل... أنا آسفة، لم آستطع أن أقول لك"
بقيت صامتة هكذا لمدة، أساسا لم يبق شيء ليُقال، عينا حبيبها المغلقة كانت تحرق قلبها، همست لآخر مرة:
"أنت تنام و أنا أموت"
ثم بدأت تبعد رأسها عن صدره بهدوء، أدارت رأسها و أخذت تمسح الدموع التي ملأت وجهها. في تلك اللحظة حدث شيء، بينما كانت ريان ستنهض لتذهب بقيت هكذا في مكانها. القوة التي منعتها من الذهاب هي الآن تلمس بطنها، أحنت رأسها للأسفل في صدمة و تجمد دمها. يد ميران التي تركت السرير قبل قليل هي الآن تلمس بطنها.
رفعت رأسها و نظرت إلى وجه ميران، نزلت دمعة من عيني ميران التي لم يفتحها بعد، ثم تسللت تلك الدمعة بين لحيته.
ميران كارامان يبكي مجددا، ليس لأنه خسر... بل لأنه فاز...

إلى اللقاء في الجزء الثاني من رواية زهرة الثالوث قريبا جدا....♥️🦋

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن