الحلقة 12 - أنت تموت بداخلي

8.4K 129 5
                                    


كان يجري في شوارع إسطنبول متجاوزا كل حدود السرعة غير مبالي بشفته المنفجرة. بقي عقله في ما قبل بضعة ساعات، تلك اللحظات التي تحاسب فيها مع آزاد، لم يؤلمه أي شيئ بقدر كلمات آزاد عندما كان خارجا من الشركة. حتى الكلمات التي قالها آزاد عن والده لم تؤلمه هكذا، ميران لا يدرك بعد، تلك المشاعر التي لم يعترف بها منذ وقت طويل أنها تثقبه و تمر اليوم، كان قلبه يؤلمه بشكل، لم يحس بهذا من قبل أبدا.
نار الحب تحاوطه من كل الأطراف، أما عن الندم فكأنه يستوى فوق نار ملتهبة، حتى احساس الإنتقام انزوى إلى زاوية بداخله، لقد فقد قوته و بقي يشاهد في صمت... الآن ميران في مخالب أقوى من الإنتقام يُدْعَى الحب، يُدْعَى الإحتراق في النار... يُدْعَى ريان...
قال آردا وهو يحذره: "أخفض السرعة!" رغم كل ما قاله لم يستطع منع ميران من الجلوس أمام المقود، هو يرى كمية الغضب التي تسيطر عليه و يخاف. لم يكن يريد أن يكون أحد الرجلين الميتين في حادث سيارة صباح هذه الليلة و لكن هذا ما يبدو. من يعلم فيما يفكر ميران حتى يقود السيارة بهذا الشكل و يرمي بهما في الخطر؟
"قلت لك توقف يا هذا.. ستقتلنا!!"
بعد صراخ آردا توقف ميران بشكل مفاجئ، كانت العجلات على وشك الإنفجار. أخذ آردا نفسا عميقا:
"أنا أفهمك، غضبك مازال طازج و لكن ماذا نفعل؟ هل نموت يعني؟ ألم تكن تريد هذا أساسا؟"
نظر ميران إلى آردا، كان هناك شيئ مختلف في عينيه، لأول مرة يشهد آردا على هذا، ماذا يحدث لهذا الرجل؟ ميران كان صامت، استسلم للصمت و رمى رأسه على المقود ثم همس:
"أنا أموت، انت أعطني القوة يا الله. هي هنا، ربما بعيدة عني بقدر نفس، في مدينتي و لكن لا أستطيع لمسها"
آردا وضع يده على كتف ميران و داعبه بأخوة ثم قال في داخله: "لقد قلت لك، هذا الأمر يتجاوزك، هذا الحب سيحرقك لكن لم تستمع إلي" كان يريد قول هذا له و لكن مافائدته؟
"أنا أحرقتها، أحرقتها دون تفكير. و الآن أنا أحترق... "
"ماذا ستفعل أذا؟"
صمت ميران، ثم رفع رأسه حتى لو لم يكن له وجه، حتى لو شتمه لسانه قال بصوت منتهي:
"أنا أريدها يا آردا... أنا نادم من أجل كل شيئ... أريد ريان مجددا"
ثم ضحك ميران بجنون و أخذ نفسا عميقا و قال:
"تخيل... المرأة التي لم تنظر لدموعها، أنت الآن محتاج إلى نظرة منها"
مازالت آثار الدم على وجهه و أسفل عينه تورم لكنه لا يهتم: "أنت تشتاق إلى إنسان تسببت في بكائه لعدة ليالي. رجل نادم و لا يستحق ذرة من حب هذه المرأة. هل سيستمر هذا هكذا؟... ثم وضع يده على قلبه "كنت أظن أنني أستطيع أن أُسْمِع كلامي لهذا الألم هنا... لكنني أخطأت"
ارتسمت ابتسامة أليمة على وجه آردا، الصديق يقول الكلام المؤلم كما سيفعل آردا الآن مع ميران:
"ماذا تعتقد؟ هل تظن أن ريان ستأتي راكضة إليك؟ أي إمرأة مكانها لن تسامحك أبدا. لا تتغابى. لا يمكنك أن تنتظر الحب من شخص تركت جرحا كبيرا في داخله"
ميران رمى نفسه خارج السيارة بعد ما سمعه، كان يريد إخفاء عينيه الدامعتين. كلما أغمض عينيه تظهر أمامه ريان. آردا أيضا نزل من السيارة و اقترب منه:
"أنا أسف من أجل ما قلته قبل قليل و لكن هذا ما سيحصل، ريان لن تسامح... "
ثم قاطعه ميران و قال:
"لا.. أنا أخطأت دائما. منذ أن ولدت كنت أنا الخاسر دائما... منذ أن كنت طفلا صغيرا كنت أرى الدموع ضعفا... لأول مرة أنا أبكي... لأول مرة أنا أندم.. ألا يوجد أهمية لهذا؟"
آردا صمت. فضل الصمت بدلا من حرق روح صديقه ثم قال ميران مجددا:
"لا.. هذه المرة لا أريد أن أكون أنا الخاسر. لا أريد أن يضمد شخص آخر الجراح التي فتحتها أنا.. أنظر، أنظر إلى هناك"
كان أمامها الطريق الذاهب إلى المقبرة، و كانت المقابر واضحة عن بعد:
"هناك ينام الآلاف من الناس الذين لم يأخذوا نصيبهم من الأمل، تلك الأحجار الباردة قتلت أحلامهم. مادامت هذه الروح مازالت في جسدي لن أستسلم أبدا... مادمت حيا مازال هناك أمل... هذه المرة لن أسمح لأحد بقتل آمالي، اسم آمالي هو ريان... سأغير القدر، و ربما سأكون أنا أول رجل لا يمكن العفو عنه من طرف المرأة، تتم مسامحته..."
لأول يوم تحس ريان بفرح صغير بعد أيام حزينة، أليف اتصلت هذا الصباح، بعد بضعة ساعات ستكون في إسطنبول و ستذهب إليها، لهذا كانت ريان تبتسم. كانت تحتاج لشخص تفضي له ما بداخلها و ذلك الشخص لا يمكن أن يكون أحدا غير أليف. هي كانت صديقتها و كاتمة أسرارها لعدة سنوات، هي أكثر من ابنة خالتها. سألت السيدة صدّيقة:
"هل ستستطيع ابنتي أليف إيجاد هذا المنزل؟"
"لا يوجد مكان لا تستطيع هي إيجاده يا خالة صدّيقة، حفظت كل مكان في إسطنبول في ظرف سنة"
"جيد، جيد، لتأتي و في المساء سنقيم سفرة جميلة... في المساء سيأتي فرات و صديقته أيضا. سنكون كثر، أنا أحب هذا، إنه يذكرني بعائلتي التي خسرتها"
رغم كل ما عاشته السيدة صدّيقة تمسكت بشدة في الحياة، مهما كان عمق الألم فإن الحياة تستمر بشكل ما، و ريان تفكر هكذا أيضا. ستُشفى مع الزمن، حتى أنها قد تنسى ميران تماما لذلك ستبدأ حياتها بصفحة جديدة تماما.
مرت ساعات، انتهت وحدة ريان في هذا البيت مع صوت الجرس فركضت ريان لفتح الباب، انها الشخص المنتظر. عانقتا بعض بشدة، كانت أليف تفوح برائحة ماردين من ناحية و رائحة السيدة زهرة من ناحية أخرى، حبست ريان هذه الرائحة بداخلها. قالت أليف بصوت هادئ:
"سيمضي يا عزيزتي، أنا و أنت سنتجاوز كل شيئ"
ريان لم تستطع التحكم في دموعها، بكت في صمت، كم كانت بحاجة لشخص يحضنها هكذا و يقول لها سيمضي. هل حقا سيمضي؟ هل ستشفى الجروح التي فتحها ميران؟
بعد أن انتهى فصل إزالة الشوق أمام الباب ذهبتا إلى الصالون، قبّلت أليف يد السيدة صدّيقة و بلغتها سلام أمها و خالتها. بعد أن تحدثوا قليلا أرادت السيدة صدّيقة ترك الفتاتين بمفردهما و خرجت بحجة شراء لوازم البيت... قالت اليف:
"لقد ذبلت"
"أنا أفضل مثال للناس الذين تتدمر حياتهم في ليلة واحدة"
أخرجت أليف ظرفا من حقيبتها، كان مليئا بالنقود ثم أعطته لريان قائلة:
"أرسلته خالتي، لا يُعرف كم ستبقين في هذه المدينة، ستحتاجين هذه النقود"
كان مبلغا يكفي ريان لمدة طويلة، وضعت الظرف بجانبها. مدت أليف يدها و أمسكت يدي ريان:
"يداك مثل الجليد، هل تريدين أن تخبريني ماذا حصل؟"
كان هذا أكثر ما تحتاج إليه ريان، لم تستطع إخبار أحد بشيئ.
"حتى أنا لا أصدق ما حصل إلى الآن، أنا أعتبر نفسي في كابوس مظلم... كأنه لم يحدث شيئ سيئ أبدا، و كأنه لم يتركني و يذهب... و لكنه ذهب.. هل تفهمين يا أليف... ذهب"
كانت عيناها في الأرض و كأنها تعيد شريط ما حصل و بدأت دموعها تنهمر واحدة تلو الأخرى.
"هو ذهب.. عندما كنت أنظر وراءه، كل كلمة لم أقلها له حطمت شفتي، لقد نظر إلى بشكل سيئ لدرجة... وكأن كل عمري دُهِسَ بين يديه.. "
نظرت إلى أليف، حتى أليف تبكي الآن، أنهما تتقاسمان الألم..
"قولي لي، ذنب ماذا دفعت أنا؟ قولي لماذا أنا فقط التي احترقت؟"
هزت أليف رأسها بلا حيلة:
"ماكان يجب أن يحملك ذنب ما اقترفه والدك، أنت لم تستحقي هذا أبدا... أنا أتساءل عن شيئ يا ريان، هل يعرف ميران أنك لست الإبنة الحقيقية لهازار شانوغلو؟"
"لا أعرف، انت تعرفين لا أحد في ماردين يعرف هذا. لا أعرف لماذا و لكنهم يخفون هذا مثل سر خطير و كأنني شيئ يخجلون منه.. الكل يظن أنني ابنة ذلك الرجل، أمي كانت تنبهني كثيرا منذ صغري قائلة اعرفي هذا الرجل كوالدك الحقيقي، لم أستطع قول هذا لأحد.... لو عرف ميران هذا هل كان سيؤذيني؟"
"لا أعتقد، لقد أراد حرق روح والدك و لكنه تجاوز أهم تفصيلة"
"حرق روح والدي؟... ميران الغبي، حتى لو مت لن يهتم بي ذلك الرجل أبدا... لكنه لا يعرف هذا"
كانت أليف تشاهد الغرفة و متوترة:
"ريان يجب أن أقول لك شيئا.. بالأصح يجب أن تعرفي هذا"
"ماهو؟"
"قبل أن آتي هنا نبهتني خالتي كثيرا لكنني لا أستطيع إخفاء هذا عنك، لن أفعل هذا بك"
"لا تجعليني أنفجر يا أليف، قولي ما ستقولينه"
ريان كانت تحس أن ما ستقوله أليف سيدمرها أكثر. أساسا مالذي بقي من ريان سوى قلب محطم بين يديها؟
"ميران حقا رجل سيئ جدا يا ريان"
عبس وجه ريان، ما أرادت أليف قوله ليس هذا، لقد ندمت على ما كانت ستقوله و تحاول المراوغة و لكن ريان لن تتركها دون أن تعرف:
"لا تراوغي يا أليف، أعرف أن ليس هذا ما كنت ستقولينه"
اذا نظرنا لوجه أليف المحمر و عينيها التي تهربها باستمرار، كأنها ستقول شيئا سيئا جدا:
"أعرف أنك ستحزنين إذا قلت لك هذا و لكن إذا أخفيت سأحس كأنني أجيك أمرا من خلفك و أنا لن..."
"أليف قولي هذا حبا بالله"
"ميران.. " قالت أليف وهي تلعن ذلك الرجل ألف مرة: "ميران متزوج يا ريان. في الحقيقة، جونول ليست أخته، انها زوجته"
تشتت قلب ريان و لم يتحمل عقلها هذه الحقيقة، كيف يمكن شيئ كهذا؟ ما أدهشها أكثر من كون ميران متزوج هو أن جونول هي زوجته. وضعت يدها على شفتاها المرتجفتان:
"كيف؟... كيف يعني؟"
كم كانت تتمنى ان تكون أخطأت بالفهم و لكن مع الأسف.
"والدك و عمك عرفا هذا الوضع و كل من في القصر يعرفون و لكن يخفون عنك لكن أنا لا أستطيع إخفاء هذا عنك"
"لا أستطيع أن أصدق... أي إمرأة تتقاسم زوجها مع إمرأة أخرى؟ كيف يمكن لإمرأة أن تسقط نفسها هكذا؟"
كان صوت ريان في حالة مزرية، وضعت يديها في شعرها ثم سحبتها بقوة و تجمعت شعرات رأسها في يدها.
"لا تفعلي هذا يا ريان.. أفديك لا تجعليني أندم لأنني أخبرتك"
حاولت أليف أخذ شعر ريان من يدها، الأن هي نادمة على قول هذا، و لكن لم تكن تستطيع أن تخفي... ركعت ريان على الأرض:
"أنا مت و ليس لدي خبر يا آليف.. ما هذه اللعبة؟"
"ريان... لا تفعلي"
"ساعدني يا الله... أنا لا أتحمل هذه القذارة"
كم كبّرت ذلك الرجل المليئ بالكذب في عينيها، الآن يموت ميران و يختفي في عينها، الرجل الذي أرادت ان تلتجئ في ظله طول عمرها أصبحت تكره خياله حتى. همست لنفسها:
"أنت تموت... كم تموت بشكل جميل في داخلي..."
ثم نظرت إلى أليف بعينيها الدامعتين و قالت:
"بعد هذه الساعة، ليس رؤية وجهه فحسب أنا لا أريد حتى ذكر إسمه..."
حل المساء و تجمعوا حول مائدة العشاء، ريان لم تستطع أكل شيء بسبب الألم الذي تحس به، لم يكن هناك عذاب أكبر من توزيع الإبتسامات الكاذبة و داخلك يتمزق من الألم. كانت أليف جالسة بجانبها، و فرات أمامها و بجانبه صديقته أصلي، أما السيدة صدّيقة على رأس الطاولة. نظرت ريان إلى الأكل الذي أمامها مطولا، هي لا تتقبل شيئا الآن، منذ أن جائت إلى إسطنبول خسرت وزنا كثيرا بسبب إهمالها للأكل، كانت شاردة في الأكل ولا تهتم حتى بما يتحدثون حولها، لمست أليف ذراعها فجأة فخافت ريان:
"ريان... أصلي سألتك شيئا"
قالت في دهشة: "ماهو؟" ثم نظرت إلى أصلي التي قالت:
"سألتك عن عمرك يا ريان"
"19.. سأصبح في ال20 قريبا"
"نحن الإثنتان في نفس العمر"
قالت أليف محاولة سحب الإنتباه نحوها و لكن لسبب ما ريان هي من تجذب إنتباه اصلي، كانت تتساءل في داخلها لماذا تركت ماردين و جاءت إلى هنا، رغم كل تنبيهات فرات لها. ثم وجهت سؤالا لأليف:
"أنت تدرسين أليس كذلك؟"
"نعم أنا أدرس هنا"
"ماذا عنك يا ريان؟ هل جئت إلى هنا للدراسة؟"
كانت تتجاوز ريان حدود صبرها، لا ليست غاضبة من الموجودين هنا، كل غضبها على ميران، لم تتجاوز بعد صدمة الحقيقة التي عرفتها قبل ساعات، هذا المساء المليئ بالأسئلة جعلها تنزعج. في حين أن السيدة صدّيقة و فرات لا يسألون شيئا، لماذا تسأل هذه الفتاة؟ قالت ريان: "لا" و صمتت.
قالت أليف و هي تنظر إلى فرات و اصلي:
"هل تعملان في نفس المستشفى؟"
هز فرات رأسه و هو يبتسم.
"انتما الإثنان طبيبان كم هذا جميل.."
كانت أليف مدركة أنها تهذي و لكن كانت تريد سحب الإنتباه من على ريان بأي شكل، إنها جريحة جدا الآن، كانت تقول في داخلها ليتني انتظرت عدة أيام كي أخبرها حقيقة ميران.
"ماهو اختصاصك يا فرات؟"
"أنا جراح قلب و أصلي اختصاص تبنيج"
"منذ متى أنتما معا؟"
"تقريبا سنتين"
"ما شاء الله، متى الزواج إذا؟"
أليف لم تفكر كم ستؤلم كلمة الزواج ريان، امتلأت عينا ريان بعد سماع هذه الكلمة و وقوع الملعقة من يدها تسبب في تجمع كل الأنظار حولها. قلقت السيدة صدّيقة:
"ريان، ابنتي هل أنت بخير؟"
نهضت ريان قائلة: "أنا آسفة" لم تكن تعلم أين ستذهب و لكن هذا الحمل ثقيل عليها جدا، قلبها لا يستطيع تحمل هذا... اتجهت نحو باب المنزل، كل ما تريده هو أن لا يأتي أحد خلفها، فتحت الباب و ألقت بنفسها إلى الخارج ثم جلست على صخرة:
"يا إلاهي ما هذا الألم... لا أستطيع التحمل، ساعدني... "
الجو كان باردا و لكن داخل ريان كان يحترق، الرجل الذي أحضر الشتاء إلى عمرها، كيف يعيش؟ كيف يمكنه التنفس؟ جاء صوت فرات من خلفها:
"يجب أن تستجمعي نفسك.. لا يمكنك التغلب على الحياة هكذا"
ريان وضعت يديها بين ركبتيها، انها تبكي الآن و لكن لماذا يواسيها هذا الرجل؟
"ألا تسمعينني؟ أم أنك تتظاهرين بعدم السمع؟"
ريان لم ترفع رأسها ثم صرخت بصوت مخنوق:
"هلا تركتني بمفردي؟"
انها تخرج غضبها من شخص ليس له ذنب وهي غير مدركة:
"اتركني بمفردي... لا تقلق لن أبقى كثيرا في بيتكم"
ابتسم فرات و قال:
"ما علاقة هذا الأن؟ أنت ضيفة جدتي و لست ضيفتي، لماذا تقولين لي هذا؟"
رفعت ريان رأسها و مسحت الدموع التي ملأت وجهها. عندما رأت فرات واقف أمامها و يبتسم توترت جدا:
"هل تضحك؟ أعتقد أن بكائي مضحك جدا؟"
"أنت تهذين مجددا، أنا فقط أريد مساعدتك"
"أنا لا أريد مساعدة من أحد، همي يكفيني"
"الألم يخف عندما نتقاسمه، ألم تسمعي بهذا المثل؟... إذا تحدثت عن مشكلتك ربما أستطيع مساعدتك، ربما..."
"ألمي لا يمكن مشاركته أيها الطبيب، و ليس لديك أي علاج يمكن أن ينفعني"
قاطعت كلامه ثم نهضت من الصخرة ولم تهمل إلقاء نظرة غاضبة له. قسوتها على فرأت سببها قدوم ميران إلى عقلها، فرات و ميران في نفس السن تقريبا. ريان أخذت درسها و لن تسمح لأحد بعد الآن أن يقترب منها.
أثناء ذهابها إلى الغرفة التي تبقى فيها تقابلت مع أصلي، ريان أحست بنظرات الغيرة نحوها، ربما تغار منها على فرات، في الواقع ريان لا تهتم أبدا، كانت تريد الذهاب من هذا البيت و من هذه المدينة و لكن لا تعرف إلى أين. إنها مدينة ميران، تفوح بالخيانة، الغيوم تهمس بإسمه دائما، كل قطرة مطر و كل ريح هي ميران و لكن هناك فرق وحيد، ذلك الحب الكبير الذي بداخلها يتحول إلى كره أعمى. ذلك الخط الرفيع الذي بين الحب و الكره، ريان الآن تقف في ذلك الخط...
بدأت الليالي الباردة في ميديات، أما عن القصر فلا يمضي فيه يوم في سلام، لم تبق أي طمأنينة منذ أن ظهر زواج ريان المزيف. علاقة السيدة زهرة و السيدة دلال ساءت كثيرا، أعلنتا الحرب رسميا تجاه بعضهما و سبب هذا هو ذهاب آزاد إلى إسطنبول من أجل إيجاد ميران. كانت السيدة دلال تعرف كم يعشق إبنها ريان، فهمت هذا من تصرفاته يوم زواجها لذلك هي تعرف أنه سينتقم من ميران ثم سيحضر ريان و هذا ما كان يرعبها... وحصل ما خافت منه، آزاد عاد ليلة البارحة من اسطنبول وجهه متورم و تملأه الدماء، فور عودته تحدث مع والده و عمه حتى أنهم تجادلوا، و كأن والده و عمه يخفون شيئا عن آزاد و يريدون أن يبتعد عن ميران و لكنه لن يتوقف و سيشرح سبب هذا اليوم للجميع... نزل من الدرج ببطئ، بدأ يجهز الكلمات التي سيقولها، ربما هذه الليلة لن تكون سهلة و لكن آزاد لن يهرب، أساسا نحن نخسر كل ما نحب عندما نهرب.
دخل إلى الصالون لم يجد سوى هافين و زوجة عمه، والده و عمه في المكتب و أمه ترتاح في غرفتها أي الجميع مشتت. جلس أمامهما، كانتا تتحدثان بهمس، على الأغلب عن ريان لأنهما سكتتا عندما رأوه، و آزاد كان سيتحدث عن ريان أساسا:
"أين ريان يا زوجة عمي؟"
ثم وجه نظراته إلى أخته هافين فورا، لأنه ان كانت تعلم بمكان ريان و تصمت فهي لن تنجو من يد آزاد. و كما توقع فقد هربت هافين عينيها.
"كم مرة يجب أن أقول يا آزاد؟ قبل قليل أبعدت بديرهان و الآن أنت... افهموا هذا، ريان لا تريد العودة إلى القصر... ابتعدوا عن ابنتي"
"لماذا يا زوجة عمي؟ لماذا لن تعود ريان إلى هذا القصر؟ منذ متى نحن لا نتسع تحت هذا السقف؟"
"عمك ارتكب خطأ يا آزاد، في حق ريان و في حقي. أعطى ابنتي لإبن عدوه اللدود دون التحقق من هويته. لقد أحرق إبنتي. غير ذلك قل ماذا سنقول للناس؟ عندما يروا ريان ألن يقولوا ألم تتزوج هذه الفتاة؟ ستُفضح إبنتي و لن تتحمل هذا"
"لا تفعلي هذا يا زوجة عمي، ابنتك جريحة جدا... أنت أم، كيف تتحملين أن تبقى ابنتك بعيدة عنك؟ ألا تودين أن تكون هنا بجانبك في أمان؟"
كان يحاول ضرب المرأة التي أمامه في أضعف نقطة لها ربما هكذا يستطيع معرفة مكان ريان و إعادتها للقصر. لم يخطر على باله أبدا أن ريان في إسطنبول، لم يخطر له أنها ستذهب إلى مدينة ميران بعد الزواج مباشرة.
"أنت تتحدث و كأنك لا تعرف عاداتنا هنا يا آزاد، لن يترك أجد ريان في راحة بعد الآن، هذا القصر سيصبح سما لإبنتي و أنا لن أسمح بهذا أبدا..." قال آزاد بصوت مرتجف:
"أعدك... لن يلمس أحد ريان بما فيهم عمي، ماذا يهمنا من كلام الناس؟ هل سنعيش دائما هكذا نفكر بماذا يقول الآخرون عنا؟ سأحضر ريان إلى المكان الذي تنتمي إليه، يكفي أن تخبريني مكانها"
السيدة زهرة مندهشة من كلام آزاد، كان تعرف أنه انسان رحيم و لكن هذا كان زائد عن اللزوم. هل حساسيته عندما يتم ذكر ريان سببها مسألة قلب؟
"حتى لو لم تقولي سأجدها يا زوجة عمي، هل تظنين أنني لن أجدها عندما أبحث؟ سأبحث تحت كل حجر و أقسم أنني سأجدها عاجلا أم آجلا ثم سأحضرها إلى هنا... أنا لا أؤذيها و لن أسمح لأحد أن يؤذيها"
"من سيؤذي من؟"
قاطعت السيدة دلال الحديث فجأة، عبست السيدة زهرة عندما رأتها و آزاد غضب في داخله على امه أتت في وقت غير مناسب. تجاهلت زهرة سؤال دلال ثم التفتت لآزاد:
"هذا مستحيل، انس هذا يا آزاد"
"ماهو المستحيل؟ قولوا لي أيضا لأعرف!"
فهمت دلال أن الموضوع متعلق بريان، ثم نظر آزاد لوجه أمه في خجل، لم يبق لديه صبر، سيقول هذا:
"أنا أحب ريان"
قالها في لحظة بثقة كبيرة كما لم يكن من قبل، ثم كررها مجددا أمام الوجوه الثلاثة التي تنظر له بدهشة كي يثبت لهم أنهم لم يسمعوا بالخطأ:
"لماذا تنظرون؟ أنا أحبها يا هذا.. أحبها. أنا أحبها منذ البداية... أحبها حتى من قبل أن يظهر عديم الشرف ذلك"
"ماذا تقول؟ هل تسمع أذنيك ما تقوله يا بني؟ ريان تزوجت، تزوجت!!"
"أي زواج يا أمي؟ أين زوجها أذا؟ ريان خُدِعَت من طرف ذلك النذل... أنا لن أتركها بدون صاحب"
كأنه جن جنونه من الغضب، السيدة زهرة لم تجد ما تقوله من دهشتها أما هافين أغلقت فمها بيدها، لم تكن تتوقع شيئا كهذا، كيف لم يفهموا هذا طول هذه المدة؟... هزت دلال رأسها:
"لا يمكن، انس هذا يا آزاد، انت و ريان مستحيل، لا تفكر بهذا حتى و إلا ستكون قد دهست أمك"
"حسنا... حسنا اصمتوا"
قال آزاد هذا ثم خرج مسرعا من الصالون ثم التفتت السيدة دلال إلى سلفتها، حتى لو لم يعيشوا أي مشكلة حتى اليوم فهذه المسألة كافية لخرب علاقتهما. قالت دلال بصوت حاقد:
"أنت... أتيت إلى هذا القصر كأرملة قبل سنوات و الآن هل ترمين ابنتك الأرملة على ابني؟"
تجمد دم السيدة زهرة، لأول مرة يضرب أحدهم هذه الحقيقة هكذا في وجهها، و هذه المرة ريان أيضا في الموضوع. هل ستعيش الإبنة قدر أمها؟ ابنتها الوحيدة أُلْصِقَ على جبينها لقب الأرملة. لم تستطع المرأة قول شيئ من دهشتها.
"لن أسمح بهذا.. لن أسمح بزواج عزيزي آزاد بإبنتك الأرملة"
في تلك اللحظة خرج صوت رصاصة زعزع كل ركن في القصر، عندما خرجوا في رعب ليروا ماذا يحصل وجدوا آزاد يضع سلاحه في خصره، كان الجميع ينظر لآزاد بنظرات مندهشة، عمه من ناحية و والده ناحية و بديرهان...
"الآن ليسمعني الجميع جيدا... و خاصة أنت يا عمي... أولا ريان ستعود إلى هذا البيت"
حبس أنفاسه و قرر الصراخ بالحقيقة في وجه الجميع، ثم رفع أصبعه الثاني و قال:
"ثانيا، لن تتدخلوا بي في موضوع ميران"
ثم نظر إلى أمه و زوجة عمه قائلا:
"ثالثا أنا سأتزوج ريان و لن يمنع أحد منكم هذا"
بعد أن أنهى كلامه لم ينتظر إجابة من أحد و ذهب نحو الباب، لن يبقى في القصر هذه الليلة، سينتظر حتى يهضموا هذه الحقيقة. لقد خسر حبه مرة و لن يخسره مرة أخرى... عندما خرج من القصر كان مرتاحا جدا، لقد حرر اليوم أكبر سر في قلبه...
سمعت ديلان كلام آزاد أثناء انشغالها بحل أعمال المطبخ، تألمت روحها بشكل.. لم تدرك أنها جرحت نفسها بالسكين، أثناء انسياب الدم بين أصابعها نظرت له بإبتسامة أليمة، ألم هذا الجرح يبقى لا شيئ أمام جرح قلبها... بعد ما حدث دخلت هافين لتحضر الماء لأمها عندما رأت يد ديلان غارقة في الدماء نسيت همهم و ركضت نحوها:
"يذك تنزف يا ديلان!!"
ديلان كانت تنظر ليدها و تبتسم و يالها من ابتسامة! بدأت تختفي تلك الإبتسامة و يحل محلها بكاء صامت... إنها تعشق آزاد... لم تتحمل ديلان و ركعت على ركبتيها:
"ماذا حدث لك يامن أفديك؟ هل تؤلمك يدك كثيرا؟"
"ليست يدي التي تؤلمني يا هافين..انظري هنا بالظبط..."
وضعت ديلان يدها على قلبها فتلطخت ثيابها بدمها و لكنها كانت غير مبالية:
"لماذا يؤلمك قلبك يا ديلان؟"
قالت ديلان بصوت مختنق: "آزاد... آزاد.."  كانت هافين كأنها ابتلعت لسانها من الصدمة، وضعت يدها على فمها كي لا تصرخ، ماللذي يحدث في القصر اليوم؟ الكل يعترف بحبه.
"أنت... هل أنت مغرمة بأخي يا ديلان؟"
هزت الفتاة رأسها بلا، لقد وقع قلبها في حب شخص خاطئ:
"انسي هذا يا هافين.. لا أنا قلت شيئ ولا أنت سمعت شيئا.. هذا الحب يتجاوزني، يتجاوزنا... خاصة مع وجود ريان في قلبه...
و الحال أن ديلان أحبت آزاد كثيرا، كانت مغرمة بوجهه الذي لا يضحك أبدا، انتظرت بأمل اليوم الذي سيلاحظها فيه... في الواقع الرصاصة التي ضربها آزاد في الهواء كي يعلن عن حبه لريان هو أطلقها في منتصف قلب ديلان... يتتبع...

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن