الحلقة 28 - معبد الألم

10.1K 142 4
                                    


لا يعرف ميران إن كان سيرى أيام جميلة بعد الآن و لكن هناك إمرأة بجانبه في كل نفس يأخذه و ستكون شريكة في كل آلامه. و في نفس الوقت سيكون هو أيضا بجانبها مادام يتنفس. لقد قدّم لها وعدا، مهما حدث لن يترك يدها أبدا، سيكونان معا يدا واحدة في السرّاء و الضرّاء، ستولد الشمس من أجلهما في يوم من الأيام.
ميران بعيد عن بيته منذ مدة بدت له طويلة جدا، ينام على سرير المشفى الذي لا يحبه أبدا. هو سعيد جدا لأنه سيتم إخراجه اليوم و ستبقى تلك الأيام السيئة في الخلف حاليا. رغم الألم الذي يحس به في ظهره إلا أنه في كامل سعادته و وجهه يضحك منذ ذلك اليوم الذي عرف فيه أنه سيصبح أب. مرّ يومان على معرفته لهذه الحقيقة الجميلة، لا تفارق الإبتسامة وجهه، هو لم يخطئ، هذا هو معنى الحلم الذي رآه، سيصبح لديهما طفل. رغم كل الأخطاء التي ارتكبها و رغم اعتقاده أنه لا يستحق هذا إلاّ أن الله منحه هدية لا تُقَدّر بثمن.
ريان لم تعطه طفلا بل أعطته الدنيا...
حضنها بشدة بقدر ما استطاع و امتزجت دموع ميران بدموعها، قبّل شعر ريان و جبينها لعدة مرات، كانت هذه آخر دموع يذرفها و قلبه يتخبط في فرحة كبيرة و كأنه طفل لدرجة أنه نسي لمدة يومين كل كرهه و حقده، غير واضح متى سيتذكر مجددا و لكنه كان سعيدا جدا بحاله هذا. متى سيستيقظ الرجل الحقود الذي بداخله؟ كل ما يعرفه الآن هو شبع جدا من المشاعر السيئة و جائع حتى الموت للحب.
أراد ميران أن يتعرف على طفله في أسرع وقت، هو لا يعلم بوجوده منذ ثلاثة أشهر، حتى أنه تأخر للتعرف عليه. أقنع طبيبه بمساعدة ريان و ذهبا إلى معا إلى القسم المختص برعاية الأم و الطفل في المستشفى. بالطبع لم يسمح الطبيب لميران بأن ينهض و يمشي على قدميه، و لكن ليكن، وجوده على كرسي متحرك لم يمنعه من الطيران في مكانه. لم يفرق عينيه عن ريان أبدا، كان يتمسك بحالاتها المليئة بالسعادة و الخجل، يجد الحياة في عينيها و ينسى ولو قليلا ما فعله بها.
عندما دخلا إلى غرفة الطبيب و بدأ ينتظر دورهما لم يهدأ ميران في مكانه من الحماس، إنه سيرى طفله لأول مرة أما ريان فهي تراه للمرة الثانية. عندما تذكرت المرة الأولى عندما كان مستقبلها غير واضح، حزنت قليلا. و لكن لم يبق أي أثر من ذلك الحزن لأن ميران بجانبها، لأن ميران تشبّث بطفلهما بقوة و عانق هذه الحقيقة... عندما سمعا دقات قلب الطفل رُسِمَت لوحة السعادة على وجهيهما، قال الطبيب أنه لا توجد أي مشكلة في نمو الطفل و ضاعف فرحتهما ثم أحضر قائمة طعام من أجل ريان.
انتهى عملهما في قسم الأم و الطفل و لكن العودة إلى غرفة ميران لم تكن عادية أبدا، آردا فعل ما فعله و سحب الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه ميران من يد الطبيب و أخذ يدفعه بسرعة في أروقة المستشفى و هما يضحكان، بقي الجميع ينظر إليهما حتى أنهما لم يهتما أبدا لكلام الطبيب الغاضب. خالة ميران التي تشهد حالته هذه لأول مرة كانت في صدمة و لكن لم تستطع إلا أن تبتسم، فقالت ضاحكة:
"كلاهما طفلان، إنهما أطفال... تُري كيف سيصبح هذا الطفل أب؟"
وصلوا أخيرا إلى غرفة ميران في المنزل، كان الجميع يتخبط من أجل راحته، خالته مصرة على أن تغطيه بإستمرار فنظر لها قائلا:
"لا تغطّيني يا خالتي، أنا لا أبرد"
وضعت السيدة نرجس وسادة خلف ظهره ثم نظرت إلى إبن أختها في غضب:
"اصمت أنت... أنت لا تملك حق الكلام حتى تتعافى تماما"
ميران يعرف كم أن خالته ملحّة في هذه المواضيع، ابتسم لها و قال:
"لا تبالغي يا خالتي، أنا بخير"
انه فعلا بخير جدا، ليت خالته أيضا تفهم هذا...
"حتى الطبيب قال أن لا تقف على قدميك إلا بعد عدة أيام"
السيدة نرجس تثق كثيرا بكلام الطبيب و لن تسمح لميران بالنهوض. جلست على حافة السرير بجانب ابن أختها ثم وضعت يديها على وجهه و داعبت لحيته الطويلة، و كأن هذا لا يكفي ثم بدأت تقبّله عدة مرات من وجنتيه و كأنها في تلك اللحظة تداعب طفلا صغيرا و ليس رجلا كبيرا. ريان كانت تشاهد هذا المنظر و تبتسم أما ميران فقط تحول لون وجهه من الخجل... قالت السيدة نرجس:
"عندما تنهض على قدميك احلق لحيتك يا بني"
"مالذي تفعلينه يا خالتي..."
قال ميران بصوت منخفض لم تسمعه سوى خالته، ثم ابتسم لريان التي تشاهدهما من الزاوية ثم أكمل:
"لماذا تقبّلينني هكذا أمام ريان يا خالتي؟.."
"و ماذا هناك لو كانت ريان موجودة؟..."
قالت خالته بصوت مرتفع كي تُسمِع الجميع و كأن ميران لم يحذرها بصوت منخفض:
"أنا موجودة من قبلها، و أنت بمثابة إبني... أنا التي ربيتكَ. الخالة هي نصف الأم، إذا كانت الأم غير موجودة فالخالة هي الأم"
بقي ميران في دهشة و خجل أمام كلمات خالته، ماذا حدث لهذه المرأة؟ و كأنها تغيرت منذ أن تمت إصابته، هل هي ترتعش عليه أم أنها تغار من ريان؟ أم أنها دخلت في مواقف الحماة القاسية؟... نهضت السيدة نرجس من السرير و أدارت ظهرها متجهة نحو الباب و هي تبتسم قائلة:
"حسنا... لأذهب أنا و أفكر في شيء للعشاء. معلوم نحن كثيرون  هذه الليلة"
ثم أغلقت الباب و اتجهت نحو المطبخ، أما ريان فقد كانت ممتنة جدا من هذا الوضع، هذا البيت لأول مرة يفوح و كأنه بيت حقا. الجدار الذي تنظر له لأول مرة لا يذكرها بألم روحها. على الأغلب كل شيء يصبح على ما يرام و كل الآلام تختفي شيئا فشيئا.
"ريان؟"
بعد أن أُغلِقَ الباب مباشرة بدأ ميران ينظر لريان، كان يحس، هذه الفتاة تخجل منه كثيرا. ربما ليس منه فقط بل تخجل من الجميع و حتى من هذه المدينة. هذا ليس شيئا سهلا بالنسبة لها،  هي بعيدة جدا عن المكان الذي وُلِدت و كبرت و لم تنفصل عنه أبدا، هي تعيش منذ شهرين في بيت مختلف عن القصر الذي لم تخرج أنفها منه. و لكن ميران يعرف ان ريان ستعتاد عليه و على هذه المدينة مع الوقت، هو لن يسمح لها بأن تبقى بعيدة.
عندما أدارت ريان رأسها و نظرت إلى عينيه الجميلتين وجدته يشاهدها و يبتسم. لا داعي لأن تتعب نفسها بالسؤال، هذه النظرة تعني "تعالي إلى جانبي" في لغة ميران و لكنها مع ذلك أرادت أن تسأله:
"هل تحتاج شيئا؟"
ليس لأنه يحتاج شيئا و لكن قول ريان هذا أسعده كثيرا، أن تفعل ريان شيئا من أجله جميل جدا. مثل أي زوج و زوجة حقيقيين، لأن زواجهما ليس زواجا عاديا حتى أنها ليسا زوجين رسميا. ليس واضح متى سيتزوجان رسميا و لكن الله يعلم أنه لا توجد أي زوجة أخرى في عين ميران سوى ريان.
أجبر ميران عقله كي يجد أي شيئ يطلبه من ريان و لكنه لا يفرط بها و لا يريد أن يتعبها. بدأ يمسك بياقة قميصه، البيت كان دافئا جدا و هذا القميص أزعجه:
"هذا القميص يزعجني كثيرا... هلّا تحضرين قميصا خفيفا من الخزانة و تساعديني في تغييره؟"
هزت ريان رأسها و ذهبت إلى الخزانة، السرير الذي كانت تنام فيه بمفردها في الأيام الماضية الآن ميران ينام فيه. هذا يعني أن زواجهما الكاذب سيتحول إلى حقيقة، أساسا ريان سامحت ميران و هذا ما يجب أن يحدث. فتحت باب الخزانة و ذهبت يدها مباشرة إلى المكان الذي حفظته أين توجد ثياب ميران، لأنها هي من رتبتها بنفسها هنا. بينما كانت تفعل هذا كان ميران مازال نائما في غرفة المستشفى. أخذت ريان القميص بين يديها و بدأت تسحب رائحته إلى داخلها، كلما تذكرت تلك اللحظات تمتلئ عيناها و لكن استجمعت نفسها بسرعة و طردت هذه الأفكار من رأسها. ميران الآن بجانبها يتنفس و في صحة جيدة، الباقي غير مهم أبدا.
بينما كانت ريان ذاهبة نحو ميران و في يدها القميص أصبح وجهها أحمر اللون، الغرفة فعلا ساخنة جدا كما قال ميران، أو أن كلاهما متحمسان كثيرا و يأخذان الحرارة كحجة. جلست ريان في المكان الذي كانت تجلس فيه السيدة نرجس قبل قليل و بدأ قلبها ينبض بشدة. هل ستغير ملابس ميران يعني الآن؟ لا يوجد وضع غير عادي و لكنها كانت تخجل. لأنهما كانا لا يختلفان عن غريبان يعشقان بعضهما بجنون، ميران عندما تركها و ذهب جعلها بعيدة و ممنوعة عليه. ريان لم تجد فرصة لتتعود على ميران لهذا هي تخجل كثيرا الآن.
بينما تفكر ريان بكل هذا لم تلاحظ أن ميران كان يشاهدها، في الواقع ميران لا يشتكي من هذا لأنه يعلم أنه حتى لو شاهد هذا الوجه لساعات فلن يشبع. كان هناك سلام لا نهائي في خطوط وجهها و عيناها تمثل إسما آخر للحياة. ضحك ميران، إنه يحب حالتها هذه كثيرا ثم وجد نفسه يمسك خصلات شعرها المتساقطة على ظهرها و يداعبها... ثم بدأت إبتسامة ميران تختفي من وجهه و جاء إلى عقله الجراح التي فتحها في قلب ريان، لا يعرف كيف سيتلافى هذا. و أيضا هو يخاف أن يجرحها أكثر بينما يحاول تضميد جراحها، ماذا لو اقترف خطأ كهذا عن غير قصد؟ همس ميران:
"أنا خائف... أخاف أن تكوني أنتِ شِعرا و لا أستطيع أن أكون أنا شاعرك... ماذا لو لم أستطع أن أعطيك ما تحلمين به؟"
ثم أغمض عينيه و سكت، في تلك اللحظة ابتسمت ريان و قالت:
"أنت لا يمكنك أن تقتلني عن قصد بعد الآن... أنا حتى في غيابك لم أستطع أن أقاومك. ليأتي كل عذابي منكَ، أنا راضية"
ثم أمسكت يده التي تداعب شعرها و وضعتها على شفتيها و قبّلت أطراف أصابعه قائلة:
"أنت كنت داء بالنسبة لي و لكن دوائي الوحيد هو في أطراف أصابعك"
بقي ميران ينازع بين إحساس الضحك و البكاء بعد هذه الكلمات، هذه المرأة الصغيرة و الجميلة قد خربت كل موازينه. عندما ينظر إلى عينيها هناك شيء واحد هو متأكد منه، هو لم ينهار حتى بالرصاص و لكن إذا أرادت ريان تستطيع أن تدمره بكلمة أو نظرة واحدة منها.
جمع ميران كل قوته و تحرك من مكانه دون أن يشعر و وضع شفتيه على شفتي ريان و بدأ يقبّلها. أغمضا عينيهما و كان يمسك رقبتها بأطراف أصابعه... تقبيلها شيء جميل لدرجة، لا يمكن لأي كلمة أن تصف ما يحس به الآن. أخذت ريان نفسا بعد عدة ثواني و أصبحت وجناتها مثل كرة النار من الخجل، كم أن العشق جميل هكذا... يداها ترتجفان و انقطعت قدماها عن الأرض و كأنها في حلم جميل. بقيت هكذا تنظر إلى القميص الذي في يدها و لا تعرف ماذا تفعل. رفعت عيناها من الأرض بصعوبة و قالت:
"كنا سنغير قميصك"
ميران الآن يبتسم لها بطريقة جميلة قد تتسبب في موتها، ريان على وشك أن تفقد عقلها و ربما فقدته و انتهى.
"نعم، نعم"
قال ميران هذا و أخذ يلمس قميصه بأصابع و أحس أنه تعرّق تماما، ثم قال:
"أقسم أنني أحترق"
بعد هذه الكلمات غمز ميران بعينه لريان فوضعت عينيها في الأرض. أم ميران يحاول جعلها تخجل؟
لم تقل ريان شيئا و بدأت تساعده في نزع قميصه و لكن في تلك اللحظة أحس ميران بألم فقالت ريان بقلق:
"هل آلمتكَ؟"
"لا، لا. واصلي أنتِ"
كانت ريان حذرة جدا كي لا تؤلمه لدرجة أن يداها كانت ترتجف، و أصعب قسم هو رفع يديه. عضلاته و جسده مازال متعبا و الجرح الذي في ظهره يؤلمه. لكن ريان كانت حذرة جدا و ألبسته قميصه رويدا رويدا و أخيرا أخذ ميران نفسا عميقا:
"اووه ما أجمل هذه الدنيا... كنت سأنفجر قبل قليل"
بينما كانت ريان تطوي القميص الذي نزعه كان ميران يشاهدها و لكنه بدأ يحس بنعاس شديد. ربما سيكون جيدا لو نام قليلا، ابتداءا من يوم الغد يجب أن ينظم ساعات نومه، النوم في وسط النهار ليس من عادات ميران أبدا. لم يفرق عينيه عن ريان ثم قال لها:
"أنا أشعر بالنعاس"
الآن يريد أن تنيمه ريان، قبل أن يطلقوا النار عليه بعدة أيام كان قد نام على ركبتي ريان لبضعة مرات. حتى عمره هذا لم ينم في راحة و سلام كما نام على ركبتيها أبدا. و الآن يريد أن ينام بنفس الطريقة.
ريان وضعت القميص الذي طوته جانبا ثم نظرت إلى ميران:
"أنت نم و أنا لأنزل إلى الأسفل"
هز ميران رأسه بمعنى عدم الموافقة قائلا:
"أنا أريد أن أنام على ركبتيكِ"
فهمت ريان أنه لا يوجد مهرب لها و يجب أن تنفذ ما يريده، و في الحقيقة هي ليست لديها نية لتهرب من طلبه هذا... تحرك ميران بهدوء إلى الطرف الآخر ثم جلست ريان في مكانه و اتأكأت على السرير، أما ميران فقد تمدد على ركبتيها و أمسك ركبتها بيديه مثل العادة و كأنه طفل صغير يتمسك بأمه. قال ميران لريان:
"أنا مثل الأطفال، أليس كذلك؟"
"نعم أنت كذلك... أحيانا لا أستطيع أن أفرّق من منا الأكبر سنا من الآخر"
"هل أنتِ تشتكين من هذا الوضع؟"
"أبدا"
"حسنا، هل تحبينني؟"
"بجنون"
أغلق الرجل الشاب عينيه و الإبتسامة تملأ وجهه بعد الإجابات التي أخذها. لا توجد أي وسادة مريحة بقدر تلك الركبتين التي دفن رأسه فيهما، و كأن هذا لا يكفي كانت ريان تداعب شعره بأصابعها... همس ميران بصوت نائم:
"و أنا أيضا أحبكما كثيرا يا ريان"
و قبل أن يستسلم تماما للنوم مدّ يده و وضعها على بطن ريان و قال اعتراف آخر:
"أنتِ تفوحين مثل الأم"
واصلت ريان مداعبة شعر الطفل الصغير في هيئة رجل كبير النائم فوق ركبتيها. بالتآكيد هي أيضا لديها إعتراف و لكن ميران لن يسمعه مجددا، همست في أذنه:
"أنتَ الهاوية خاصتي... أما أنا فتاة صغيرة ليست لديها أجنحة و لكن تعشق هذه الهاوية"
بعد أن تأكدت ريان من نوم ميران وضعت رأسه برفق على الوسادة ثم نهضت من السرير. في الأسفل هناك أيلول و السيدة نرجس، ليس من الصحيح أن تتركهما لوحدهما، و غير هذا آردا أيضا سينضم لطعام العشاء و يجب أن تجهزن السفرة بسرعة... خرجت من الغرفة على أطراف أصابعها كي لا توقظ ميران ثم التفتت قبل أن تغلق الباب و نظرت لوجه حبيبها لآخر مرة وهي تبتسم. كم ينام بشكل جميل هكذا؟
أقفلت ريان الباب و نزلت الدرج، كانت تسمع صوت أيلول قادم من المطبخ. عند وصولها إلى آخر الدرج رن جرس الباب، لا بد أن القادم هو آردا. من يمكن أن يكون غيره؟ أيلول أيضا سمعت صوت الجرس و خرجت لتفتح و عندما رأت ريان ذاهبة نحو الباب عادت هي إلى المطبخ. فتحت ريان الباب و ابتسمت كي تستقبل آردا و لكن بقيت ابتسامتها معلقة و عبس وجهها فجأة من دهشتها. القادم لم يكن آردا، بل هو السيد وحيد عمّ ميران....
عبس الرجل في وجه ريان لأنه لم يكن ينتظر أن تفتح هي الباب، بقي ينظر إلى داخل البيت لثواني ثم أبعد ريان بيده و دخل دون أن يطلب الإذن حتى:
"إذا أنتما تعيشان هنا"
كانت نظراته لريان و صوته و كأنه يحتقرها، و آحست نفسها قد تفتت في يده. لم تتحرك من مكانها و لم تغلق الباب حتى. خرجت أيلول من المطبخ مجددا قائلة:
"من القادم يا ريان؟"
تجمدت في مكانها حين رأت وجه ذاك الرجل، بالطبع هي تحترمه من أجل ميران و لكن لا هي ولا أمها تحبان هذا الرجل بمقدار ذرة. قالت أيلول بصوت بارد:
"لم تعطنا خبر بقدومك"
"هل سآخذ الإذن منك لآتي إلى بيت ابن أخي؟"
في تلك اللحظة خرجت السيدة نرجس من المطبخ أيضا و اندهشت عند رؤية السيد وحيد و لكن لم تظهر ذلك:
"أهلا بك يا سيد وحيد"
"على الأقل هناك شخص منكم يعرف الآداب و الأصول"
ثم بقي السيد وحيد ينظر إلى أطراف البيت ولا يعرف إلى أين يذهب فقالت السيدة نرجس:
"تفضل إلى الصالون يا سيد وحيد"
فذهب كلاهما إلى الصالون أما ريان فمازالت متجمدة في مكانها عند الباب. عندما رأت أيلول حالتها ذهبت نحوها بسرعة، أغلقت باب المنزل ثم أمسكت ريان من كتفيها:
"عودي إلى وعيك يا ابنتي"
وجّهت ريان نظراتها إلى أيلول و لكن لم تجد ما تقوله.
"أعرف أنك تخافين منه، و لكن إذا سمع أخي بهذا هل تعرفين كم سيغضب منكِ؟"
اتأكت ريان على الحائط، نعم هو سيغضب، و لكن ميران ليس بجانبها الآن. هو ينام في الغرفة، حتى لو قتلها هذا الرجل لن تسمع روح ميران حتى. نعم إنها تخاف كثيرا من هذا الرجل، كيف لها أن لا تخاف بينما هو ينظر لها بشكل مرعب و كأنه قد يقتلها في أي لحظة؟
"هيا تعالي لندخل إلى الداخل و إياكِ أن تظهري خوفكِ، كوني صامدة"
ريان ليست متأكدة إن كانت ستنجح في هذا و لكنها تبعت أيلول لأنها لم تفعل شيئا لتخاف منه، كونها ابنة عدو هذا الرجل لم يكن من إختيارها، لماذا ستخاف هي و تهرب؟
عندما دخلت إلى الصالون حاولت الوقوف بقوة و لكنت أحست بساقيها ترتجفان، استندت على أيلول و لم ترفع عينيها من الأرض لأنها تعرف أن ذلك الرجل ينظر لها بحقد.
"أين ميران؟"
سأل السيد وحيد هذا فأجابت السيدة نرجس:
"انه يرتاح في غرفته"
في تلك اللحظة تتدخلت ريان قائلة:
"لقد نام"
ريان لم تستطع النظر إلى وجه السيد وحيد، من يعرف بأي كلمة سيجرحها و كيف سيهينها؟ قال السيد وحيد بصوت بارد:
"هذا أمر غير معقول، أنا لا أستطيع التعرف على ميران. أخذ ابنة عدونا اللدود و وضعها بيننا"
تزعزعت ريان و كأنها تلقت رصاصة في رأسها و لكن هذه ليست سوي البداية، بعد قليل سيكسر هذا الرجل أجنحتها:
"لا يكفي أنه رمى إبنته علينا و حاول قتل ميران أيضا ذلك الرجل شانوغلو عديم الشرف. و لكن ابن أخي الغبي مازال يبقي هذه البنت بجانبه"
أحست ريان بأن نفسها إنقطع و كأن هناك يد تمسك بحلقها و كأن هناك شخص يضربها من كل مكان في جسدها، كانت روحها تنزف. أليس هذا زائد عن اللزوم؟ كيف ستتحمل؟
غضبت السيدة نرجس من هذا الكلام و قالت و كأنها تحذره:
"سيد وحيد... انتبه لكلامك رجاءا، لا يوجد أي ذنب لهذه الفتاة"
"لا ذنب لها أليس كذلك؟"
من الواضح أن السيد وحيد لن يسمح لأحد بالكلام، أطلق قهقهته ثم قال بصوت حاد:
"أكبر ذنب لهذه الفتاة هو جلوسها أمامنا هكذا بلا خجل رغم كل الكلام الذي سمعته"
ظغطت ريان على أسنانها، هي فتاة قوية و ذات كبرياء. لم تبكي أو تنهار أمام أي أحد في حياتها غير ميران، و لن تبكي أيضا. أمها لم تربيها هكذا، والدها لم يهنها ولا لمرة واحدة. من يكون هذا الرجل ليهينها هكذا؟ اللعنة... لماذا لا تستطيع فتح فمها و قول كلمة لهذا الرجل؟
"عمي وحيد برأيك ألا تتجاوز حدك؟"
هذه المرة دخلت أيلول في الحديث و إذا نظرنا إلى الحدّة التي في صوتها فإن تلك الكلمات لمستها و جرحتها مثل ريان على الأقل لأنها كانت تعرف كم هي بريئة و جريحة، لم تتحمل أن تتم إهانتها هكذا... لم يسكت السيد وحيد:
"انتِ لا تعرفين شيئا... لا تتحدثي أكثر عن هذه الفتاة"
لم يفرق الرجل عينيه المليئة بالحقد عن إبنة عدوه و مازال ينوي ضربها بكلماته دون أن يعرف ما سيحل به بعد قليل.
"ذلك الرجل، والدكِ عديم الشرف كيف سمح بأن تصبحي عشيقة إبن أخي؟"
الآن أحست ريان فعلا أنها أُصيبت من قلبها، لا تعرف ماهو الذنب الذي اقترفته حتى ترى معاملة كهذه؟ لكن هذه ليست أول مرة تسمع فيها هذه الكلمة، جونول أيضا أهانتها بنفس الشكل سابقا و دفعت ثمن هذا الإتهام بدخولها المستشفى. و لكن بماذا سيفيد هذا؟ هذا هو الوجه القاسي للحياة.
السيدة نرجس و أيلول غضبتا جدا من هذا الإتهام و تتجهزان للهجوم على هذا الرجل حتى سمعوا صوتا آخر يأتي من باب غرفة الصالون:
"أغرب و إذهب من هنا!"
ميران هو صاحب هذه الكلمات و الآن هو يطرد الرجل الذي يظنّه عمه من بيته. الجميع وجهوا نظراتهم إلى ميران و الوحيد الذي لم يكن ممتنا من كلامه هو السيد وحيد، اندهش مما سمعه  و كان يتمنى أن يكون قد أخطأ الفهم و لكن ميران كان ينظر له و كأنه سيقتله:
"ماذا تنتظر؟ قلت لك أُغرب من هنا"
رفع ميران حاجبيه و كأنه يأمره، إنه غاضب إلى درجة الموت الآن و لو لم يكن الرجل الذي أمامه هو عمه الذي وضعه مكان والده لسنوات، من المؤكد أنه كان سيكسر عظامه الآن. حتى أنه يمسك نفسه بصعوبة الآن كي لا يفعل هذا و كي لا يشتمه. لقد شرح لعمه لعدة مرات كم أنه يحب ريان كثيرا و لا يمكنه العيش بدونها، لماذا لا يريد أن يفهم؟ ميران لن يشرح شيئا لأحد بعد الآن، سيتحدث مع كل شخص بأسلوبه.
نهض السيد وحيد من مكانه أما ريان فقد وضعت رأسها في الأرض أكثر، انها تبكي في صمت الآن و لم تكن تريد أن يراها أحد و خاصة هذا الرجل. لا تريد ريان التفكير حتى بما قد يفعله هذا الرجل بهما عندما يعرف أن ميران في الحقيقة إبن عائلة شانوغلو... وقف السيد وحيد و أشار لريان بإصبعه قائلا:
"لقد فعلت بي هذا... و أيضا من أجل هذه الفتاة"
"أبعد إصبعك ذلك عن ريان و إذهب من هنا، لن أحذرك مرة أخرى"
خرج السيد وحيد مثل الرياح المجنونة ثم ضرب الباب وراءه بقوة. ريان تبكي الآن و لا يوجد أي شيء بإمكانه أن يواسيها، لا أيلول ولا السيدة نرجس وجدتا شيئا تقولانه ليخفف عنها. السيدة نرجس أخذت رسالة من عيني ميران ثم أشارت لإبنتها كي تخرجا من الصالون. الآن لا يمكن لأحد أن يحسّن من حالة ريان غير ميران... عندما خرجت خالته و أيلول و أغلقوا الباب إتجه ميران نحو ريان. كان الطبيب قد أمره أن لا يمشي على قدميه لعدة أيام و لكنه لم يسمع كلامه، حتى لو كانت خطواته بطيئة و لكن جرحه لا يؤلمه و لكن جروح الفتاة التي أمامه الآن تمزق روحه... جلس بجانبها ثم وضع يده على شعرها، لم يجد شيئا ليقوله و هذا ما كان يقتله. أليس هو من ترك ريان في هذا الوضع؟ أليس هو الذي جعلها أضحوكة في فم الجميع؟ هو من فعل هذا و الآن لا يستطيع أن يمنع كلام الناس عنها... همس ميران لريان، كان صوته يخرج بصعوبة:
"ريان... انتِ تبكين، لا تفعلي... لا تقتليني"
ثم أخذها في حضنه، يقولون أن المعانقة تخفف الآلام. أحاط كتف ريان بذرعيه و وضع رأسها على صدره و كان يلعن نفسه في داخله. لن يمضي أي شيء، حتى لو قالت ريان أنها سامحته في الواقع هي لن تسامحه، مهما مر وقت طويل لن تنسى ما فعله لها، و الزمن ليس دواء للألم كما يقولون. قدره كبر في معبد الألم و الحزن لن يجد نهاية.

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن