الحلقة 15 - اذهب

7.8K 139 6
                                    

كان ميران يبرد أو يحترق، لا يعرف. رأى وجه أمه الذي يتذكره كخيال في عيني ريان، ليس لديه أي فكرة من أين خرج هذا. ربما لأن ريان ثاني إمرأة يحبها بعد أمه. الفراغ العميق الذي فُتِح في قلبه بعد فقدان أمه لم يملأه أحد حتى عمره هذا. لم يتقبل آبدا حب أي إمرأة، لأول مرة في حياته دفئ إمرأة يجعل قلبه يرتجف، لن يداوي جروحه أحد غير هذه البنت ذات النظرة الحادة. من يعلم ربما ميران سيكبر مع ريان و سيتعلم الحب في يديها الصغيرتين.
ريان التي رأت ميران أمامها لم تعرف ماذا تفعل و سحبت الستارة بسرعة. في الواقع كان فرات سيبقى مع الفتيات في المنزل اليوم لكن نادوه فجأة من المستشفى فذهب، هذا هو الطبيب ليس لديه ليل ولا نهار. أساسا حتى لو كان فرات هنا هل كان سيستطيع حماية ريان من ميران؟
"لقد جاء مجددا يا أليف... مجددا"
كان صوتها مليء بالحزن، و كأنه أقسم على قتلها... أليف أيضا تخاف من ميران حتى لو لم يكن بقدر خوف ريان منه، ثم قالت لريان في قلق:
"ماذا نفعل؟ هل نتصل بالشرطة مجددا؟"
و لكن وجود ميران أمامها الآن أثبت لها أن الإتصال بالشرطة لن ينفع... بقيت ريان صامتة، هي خائفة من وضع السيدة صدّيقة في هذا الموقف مجددا. أصبح واضحا الآن أن ميران لن يتركها بسلام هنا. ماذا ستفعل؟ أين تذهب؟ كيف تتخلص من هذا الرجل؟... صرخ ميران بعناد:
"ريان...! لن أذهب من هنا إذا لم نتحدث، و لا تهمني الشرطة أو غيرها هل تفهمين؟"
ريان أغمضت عينيها في توتر، جف حلقها، لا تستطيع أن تمنع إرتجاف يديها و ألم قلبها عند رؤية ميران... بدأت أليف تفكر أن وراء إصرار ميران هذا هناك سبب مهم:
"ماذا يريد أن يتحدث معك؟... تحدثي معه ليقل ما يريده و يذهب. انظري انه لن يتراجع"
فتحت ريان الستارة التي أغلقتها قبل قليل، كانت ترى وجه ميران بقدر ما تسمح لها إضاءة الشارع و ضوء القمر و لكن نظراته كانت حادة كالعادة. عندما نظر إليها و كأن دمها سُحِب من جسدها. مدت رأسها من الشباك و قالت:
"أنا أسمعك، هيا قل"
حاولت جعل صوتها قاسيا بقدر الإمكان و لكن لا تستطيع منع نفسها من الإرتجاف أمام هذا الرجل. نظر ميران لها، ريان في الشباك وهو في الشارع:
"لا يمكن هنا. تعالي إلى الخارج"
أحس ميران أن ريان سترفض هذا فورا فرفع إصبعه و قال:
"اياك ان تقولي لا. إذا لم تأتي سأدخل إلى البيت مجدداً، هذه المرة لن يخفيك أي باب مقفل عني"
ثم لاحظ أن كلماته قاسية و غضب من نفسه فورا و قال بصوت هادئ:
"ليست لدي نية سيئة، هيا تعالي أرجوك. أنا أنتظرك"
أغلقت ريان الشباك دون أن تجيب حتى، سأتحدث مع ميران، هي أيضا تريد هذا. كانت تريده أن يأخذ نصيبه من هذا الغضب الذي يسممها، كانت تتدرك أن الهروب لن يفيدها... خرجت من البيت خلال ثواني معانقة جسدها المرتجف بذراعيها، و ميران نحو باب البيت. الغضب ملأ كل جسد ريان، ليس بيدها، كلما رأت ميران تتذكر ذلك اليوم. صرخت في وجهه:
"ماذا تفعل هنا؟... كيف وجدتني؟ لماذا جئت مجددا أيها الملعون ماذا تريد مني؟"
قالت كل الأسئلة التي في عقلها و كانت تريده أن يجيب و يذهب بسرعة ولا يخرج أمامها أبدا... هل حقا كانت تريد هذا؟
كان هذا صعب جدا، الرجل الذي نذرت عمرها له ألم يفرط بمستقبلها دون أن يفكر حتى؟ ثم سألها ميران:
"حسنا و ماذا تفعلين أنت هنا؟... ماذا تفعلين في مدينتي؟"
كان هذا أكثر ما يتساءل عنه ميران، لماذا تبقى ريان في إسطنبول و ليس في ماردين؟
تفاجئت ريان بهذا السؤال الذي لم تكن تنتظره، و هذا أغضبها أكثر لم تعد تتحمل و صرخت غير مبالية بالوقت المتأخر:
"بسببك أنت... بسببك أنت أيها الملعون. هل تركت لي بيتا لأعود له؟ هل بقيت لدي حياة لأعيشها؟ مالذي بقي لتأخذه مني هيا قل... هل تريد روحي هذه المرة؟"
"لا... لا.. ريان، أنا فقط..."
و كأن الكلمات أصبحت عدوة له و انعقد لسانه، هو مذنب لدرجة لا يوجد أي كلمة في لغته يمكن أن تبرِّأه. قال بصوت محطم:
"أنا نادم... "
كانت ريان تحارب نفسها كي لا تبكي، لا لم يبق لديها أي دمعة تذرفها من أجل هذا الرجل. ثم فتحت فمها و قالت:
"نادم من أجل ماذا؟"
الجملة التي سمعتها منه قبل قليل كانت أسخف ما سمعته، ندم ماذا هذا؟
"أنا نادم لأنني أدخلتك في هذا الإنتقام... أعرف أنه لا يوجد تلافي لهذا و لكن لا يوجد أي تفسير للسوء الذي ارتكبته بحقك"
كان ميران يتلوى من ألمه و يندهس تحت وقع كلماته، صمت و وضع عينيه في الأرض. في هذه الدنيا الإنسان يقتله الأمل أو عذاب الضمير، ريان أصبحت صوت ضميره و سبب رحمته.
بدأت المحاسبة، كلماتهما لبعض كانت كالضربات المميتة، عاندا بعض لدقائق طويلة. كانت أليف و السيدة صدّيقة تشاهدان هذه اللوحة الأليم من مدخل المنزل أما آردا فقد كان ينتظر بصبر وراء ميران. صرخت ريان وهي ترفع اصبعها في وجه ميران غير مدركة أنها ستقتله:
"لا أريد رؤية هذا الرجل... لا أريد، لا أريد"
لم تكن تريد النظر إلى وجهه، كانت كالمجنونة تعيد نفس الكلمات. أما ميران كان متجمدا في مكانه يشاهدها، لم يكن ينتظر ردة فعلها هذه. ألا يجب أن تحاسبه ريان و تخرج غضبها منه؟ لماذا لم تسأل حتى لم فعل هذا؟
ريان بتصرفها هكذا كانت تضرب ميران في قلبه، بتصرفها معه كأنه غريب كانت تهدم كل آماله. أدارت ظهرها و اتجهت نحو البيت قائلة:
"قولوا له.. ليذهب من هنا"
ميران رغم كل ألمه لن يسمح لريان بالذهاب:
"لا تذهبي أرجوك... لم ينتهي ما سأقوله لك"
ثم أمسكها من ذراعها كي يمنع ذهابها، أظن أن هذه الحركة قد أنهت كل صبر ريان. هذا الرجل هو المستحيل، هو جرحها الذي لن يشفى أبدا، وهو اللطخة السوداء التي ستحملها على جبينها طول العمر. صرخت مجددا:
"اذهب... حبا بالله اغرب و اذهب من هنا"
عندما حاولت ريان تخليص ذراعها من يد ميران، تدخلت أليف و السيدة صدّيقة لمساعدتها فصرخ ميران بقوة:
"ابتعدوا، إياكم أن تقتربوا"
ثم مد يده الأخرى و حاوط بها ريان و منع اقترابهما، أما ريان فحاولت دفع ميران لتخليص نفسها فوجدت نفسها أمام الباب، الآن لا أحد يسمعهما، قالت:
"أنت أكثر رجل..."
أيا كان ما ستقوله لم يكن ميران يريد أن يسمعه، أغلق فم ريان بيده ثم قال:
"أنت تقتلينني بكل كلمة تقولينها، اصمتي"
أبعدت ريان اليد التي على شفتيها ثم صفعت ميران بقوة، كانت حركة مفاجئة منها و لكنها ليست نادمة، و ماهذه الصفعة أمام الضربة التي أعطاها هو لها؟
"إياك أن تلمسني، إياك... لا تلمسني بتلك اليدين التي تلمس بها زوجتك. أنت لا تستحق حتى دعائي عليك. لو أعرف أن كلماتي تقتلك بالمعنى الحقيقي كنت صرخت بكل ما لدي من قوة و أنزلت هذه المدينة على رأسك... و لكن للأسف لا يحدث شيء لأمثالك"
ميران كان سيقول لريان أن زواجه بجونول سينتهي قريبا و لكن لفت انتباهه ضوء السيارة القادمة نحوهما فالتفت وراءه، هذا الرجل الذي رآه البارحة، لقد عرف اسمه اليوم. عندما نظر له الرجل و كأنه يحاسبه نظر له ميران أيضا بنفس الشكل. قال فرات وهو ينظر إلى ميران:
"ماذا تفعل هنا؟"
لقد اعتقلته الشرطة البارحة، لم يكن ينتظر أن يراه اليوم أمامه. نظر إلى ميران من فوق لتحت، البارحة لم يستطع رؤيته جيدا، عندما رأى الثياب الفخمة و الباهضة التي يرتديها فهم من أين يستمد تكبره هذا... قال ميران بصوت مستفز:
"قلت لك أن تحفظ وجهي"
نظر ميران و كأنه يهدده، و حاول أن لا يظهر الغيرة التي يحس بها تجاه فرات. من هذا الرجل؟ و من أين يأخذ حق حماية ريان؟... دخلت ريان في المنتصف و قالت و هي تنظر لميران:
"سيذهب الآن... و لن يأتي هنا مجددا"
"لا يوجد شيء كهذا.. أنا لست ذاهب، سأبقى هنا"
"إذا يقع علي الإتصال بالشرطة مجددا، يبدو أنهم لم يستضيفوك جيدا البارحة. هذه المرة ستدخل ذلك الجحر و لن تخرج منه"
كان ميران يستمع لفرات بإنتباه ثم أطلق ضحكة مستفزة من شفتيه قائلا:
"جرِّب إذا أردت.. لا تود التفكير حتى بما سيحصل لك مقابل هذا"
كان هذا تهديد صريح، ظهر الغضب على وجه فرات و شحب وجه ريان، لم تكن تريد أن يحدث شيء لأحد بسبب ميران... وضع فرات يده في جيبه قائلا:
"من يخاف منك ليكن مثلك"
أخذ فرات الهاتف ليتصل فأخدته ريان من يده قائلة:
"لا تفعل يا فرات، لا يوجد وضع يتتطلب الشرطة، سيذهب بعد قليل"
"أنا لن أذهب لأي مكان"
كرر ميران جملته مجددا. يجب أن يفعل شيئا، يجب أن يقنع ريان بشكل ما و يأخذها من هنا، لا يريد أن يفعل هذا بالقوة و لكن ريان لا تترك له طريق آخر
لا يريد فعل هذا بالقوة و لكن ريان لا تترك له طريق آخر.
"لا داعي لأن تخافي من هذا الرجل يا ريان، أعطني هذا الهاتف"
أخذ فرات الهاتف من يد ريان و بدأ يتصل بالشرطة، أما ميران كان مرتاحا جدا كما لم يكن من قبل، وضع يديه في جيوبه و يبتسم لفرات بسخرية. ثم أخذت يد الهاتف من أذن فرات فجأة فأدار الرجل ظهره في حيرة. لم يكتف آردا بأخذ الهاتف فقط بل أغلقه تماما. سأل فرات في غضب:
"و من أنت أيضا؟"
"من سيكون، إنه شاهد المحتال"
قالت ريان بصوت منفعل، رغم أنها رأت آردا لمرة واحدة لم تنس وجهه أبدا. عندما نظرت له نظرات ثاقبة، وضع آردا عينيه في الأرض، كان يخجل من ريان لدرجة الموت، كان يعتبر نفسه مذنبا لأنه كان يعرف خطة ميران و صمت، رغم أنه ليس رجل كهذا و لكنه يدفع ثمن صمته... قالت ريان لفرات و هي تشير بإصبعها لميران و آردا:
"انظر، هذان الرجلان الذي أمامك هما مجرد كاذبان محتالان و عديما الكرامة، كلاهما..."
"اصمتي يا ريان"
نظر ميران بغضب لريان، من يكون هذا الرجل كي تقلل من شأنه هو و صديقه أمامه؟
"ماهذا؟ هل استصعبت كلامي؟ أم أنني آلمت قلبكما الغير موجود؟"
ميران ترك المجادلة مع ريان و وجه نظراته نحو فرات قائلا:
"سيكون من الجيد لك إذا لم تقف أمامي، و ألا سيكون مؤسفا عليك و على دنياك الصغيرة"
"ماذا يمكنك أن تفعل؟"
سأل فرات بفضول، في الواقع ليس من فضوله بل كان يريد أن يسخر من ميران، أما ميران ابتسم. تلك الإبتسامة دمرت ريان، أليست هذه الإبتسامة التي جعلت قلبها يرفرف مثل جناح عصفور؟
"بل مالذي لا يمكنني فعله، تستيقظ يوما ما و إذ بك لا تملك شيئا. المشفى الذي تعمل فيه تجد أنهم طردوك."
ثم ضغط ميران على شفتيه و كأنه يحزن على النهاية الحزينة التي جهزها لفرات في رأسه و قال: "حماك الله"
ريان فقدت كل هدوئها بعد هذه الكلمات ثم رفعت يدها و ضربتها في صدر ميران و صرخت:
"أنت رجل مقرف و حقير"
جن جنونها و كانت تهاجم ميران و في تلك اللحظة أمسكها فرات من ذراعها و الحال أن ريان كانت تريد إخراج كل غضبها من ميران:
"اترك.. اتركني، أنا أكرهه"
و بدأت بالبكاء، كانت تريد الصراخ في وجهه بكل قوتها: لماذا خدعتني؟ لماذا تركتني و ذهبت؟ لماذا جعلتني بهذه الحالة؟ و الأسوأ لماذا دخلت حياتي؟
ميران دخل في صدمة و بقي واقفا هكذا يشاهد بينما ريان دخلت البيت بمساعدة أليف و فرات، هذه المرة ميران لم يستطع فعل شيء، لم يتحرك من مكانه و لم يذهب وراءها حتى.
بعد ذهابهم اقترب آردا من ميران و قال:
"لقد تجاوزت الحدود كثيرا، قيامك بتهديد كهذا أمام ريان لم يكن صحيحا. أساسا أنت وحش في عيني الفتاة، أنت تغرق أكثر"
"انها تكرهني"
قال ميران أثناء جلوسه على الرصيف، وضع رأسه بين يديه و مسح على شعره في توتر و قال مجددا:
"انها تكرهني فعلا"
آردا أيضا جلس بجانب ميران، لم يكن يعرف ماذا يقال في وضع كهذا:
"كان واضحا منذ البداية أن هذا ما سيحدث"
كان يود أن يقول له أنت المذنب في كل شيء و أنت تدفع ثمن ما فعلته و لكن بعض الأشياء لا تُقال. آردا لا يتحمل رؤية ميران هكذا فقال له:
"هيا لنذهب، لقد دمرت نفسك... ربما في وقت لاحق..."
وقف ميران على قدميه و قال:
"لا... لن أستسلم و لن أتراجع"
ذهب بإتجاه باب المنزل بسرعة غير مدرك أن الجيران كانوا يشاهدونه من شبابيك منازلهم. وقف ميران على عتبة الباب و طرق بشدة و لكن لم يفتح أحد و لم تخرج ريان. في النهاية حصل ما حصل، السيدة صدّيقة سكبت دلوا مليئا بالماء البارد من الشباك فوق رأس ميران و آردا. من صدمتهما لم يبديا أي ردة فعل أما أليف فقد كانت تضحك على حالهما دون أن تظهر لأحد، لم تكن أليف فقط هي التي تضحك بل كل الجيران المشاهدون بدؤوا بالضحك. رفع آردا يديه في الهواء قائلا:
"أنا أتجمد يا هذا"
أما ميران فقد كان مصدوما، مبتلا تماما و عاشقا، مسح وجهه المبلل بيده ثم نظر إلى الشباك، لقد أغلقت الشباك فورا و سحبت الستارة، قال ميران و شفتاه ترتجف:
"حسنا، ليكن هكذا... على الأقل لست عاشقا فقط بل عاشق مبلل"
"اترك هذا الهراء و هيا لنذهب... أنا أتجمد"
قبل الذهاب صرخ ميران لآخر مرة أمام الباب، كان يعرف أن صوته يُسْمَعُ من الداخل:
"لا تظني أنني تراجعت... سآتي مجددا، سآتي مجددا"
بعد أسبوع...
ميران منذ ذلك اليوم حاول التحدث مع ريان عدة مرات و لكن لم يأخذ مقابل إيجابي، ريان لا تنظر حتى إلى وجهه و هذا ما يجعل ميران في حالة أسوأ كل يوم، إنه يتألم، منذ أيام لا يأكل شيئا و لا ينام الليالي. حتى آردا لم يعد يلوم ميران أو يقول له تراجع، لم يكن يعرف إلى أين قد يصل العشق الذي في داخل ميران.
اليوم أخذا خبرا ليس جيد من ماردين، آزاد يأتي إلى إسطنبول مجددا، هذه المرة هو قادم من أجل ريان و ربما قد عرف مكانها و قد يأخذها و يعود إلى ماردين. لا يجب أن تكون هذه هي النهاية، يجب أن يفعل ميران كل شيء و يخرج ريان اليوم من ذلك البيت، لم يبق لديه حل آخر.
كان يذهب في الطريق بأقصى سرعة، لقد اضطروا لتأجيل اجتماع مهم، حتى لقاؤه مع المحامي من أجل مسألة الطلاق تركه ليوم آخر. الآن حتى لو توقفت الحياة ميران لن يهتم، كان يتسابق مع الزمن و مع آزاد و لن يخسر أبدا.
ترك سيارته بعيدا عن البيت الذي كان يراقبه لعدة أيام، الآن لا يعرف ماذا يفعل، لن يرتكب حماقة مثل دخول البيت قسرا و إخراج ريان بالقوة، هذا آخر شيء قد يريد فعله... حظه الذي لم يحالفه أبدا و كأنه سيكون معه اليوم، عند خروجه من السيارة رآى ريان أيضا خارجة من باب المنزل، ترتدي معطفها و في يدها شمسيتها، شعرها المموج الطويل كان مفتوحا على ظهرها مجددا، وضعت حقيبتها على كتفها و وقفت أمام عتبة البيت، كأنها تنتظر أحدا. لم يكن ميران يتساءل إلى أين ستذهب، لأنها لن تذهب إلى ذلك المكان و ستكون بجانب ميران. ريان أدارت ظهرها و لوحت بيدها نحو الشباك و هي تبتسم، ميران كان يشاهدها من بعيد و يبتسم معها. ريان لم تره، لو رأته ستمسح تلك الإبتسامة فورا و يعبس وجهها.
ميران عاد إلى سيارته قبل أن تراه ريان و بقي ينتظر هناك، إنه يتساءل عن الشخص الذي تنتظره. لم يمر الكثير حتى جاء فرات، ضغط ميران على يديه بقوة ثم ركبت ريان سيارة فرات و هي تبتسم له. هذه آخر نقطة تملأ الكأس في طرف ميران...
فور تحرك فرات بدأ ميران يتعقبه، كان سيمشي وراءه قليلا ثم يأخذ ريان منه في وقت مناسب. قرّب المسافة بينهما كثيرا و بدأ يمشي وراء سيارة فرات، بالنسبة لميران اهتمام فرات بريان بهذا القدر وراءه سبب... زاد ميران سرعته و تجاوز سيارة فرات و ضغط على الزمور عدة مرات مشيرا له بالوقوف، ثم أوقف سيارته و أغلق الطريق و أجبر فرات على الوقوف. فتح ميران باب سيارته و اتجه نحوهما بسرعة، فتح باب ريان و انحنى قليلا مدخلا رأسه في السيارة، نظر لها و قال:
"اخرجي إلى الخارج"
"لن أخرج، اذهب من هنا"
أدخلت ريان رأسها كي تبتعد عن ميران، هي مازالت تحت وقع صدمة رؤيته أمامها فجأة... للأسف هذه المرة ميران لن يكون لطيفا، أمسك ريان من ذراعها دون أن يقول شيء و هذا ما أغضب فرات جدا فخرج من السيارة ليمنعه:
"هل أنت قاطع طريق؟ الفتاة لا تريدك"
أخرج ميران ريان من السيارة وهو يسحبها من يدها و كانت عيناه على فرات:
"أنت تُدْخِل أنفك كثيرا في هذا الأمر... أغلق فمك و اذهب إلى سيارتك"
كان ميران و كأنه لا يسمع صرخات ريان أثناء سحبه لها نحو سيارته، و كأنه أغلق أذنيه، كان يجب أن يفعل هذا. حين وصلا إلى سيارته قال جملته العاصفة:
"كل مقاومتك إلى هنا و حسب، ستأتين معي"... يتتبع...

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن