الحلقة 23 - الرصاصة العمياء

8K 122 2
                                    

الأيام تلاحق بعضها بسرعة، مرّت ثلاثة أسابيع أخرى و لكن حسرة الفراق لا تنتهي، ريان لا تسامح ميران. و لكن هذا لا يغير حقيقة أن تلك الجدران التي وضعتها أمام ميران تنهدم أكثر كل يوم، ريان تلين تجاهه كل يوم أكثر، في الواقع يُعْتَبر أنها سامحته و لكن لا تستطيع قول هذا لأن بعض الأشياء لا يمكن نسيانها و لا يُعرف متى ستمسح آثار هذا الجرح العميق من قلبها... هما لا يتشاجران بعد الآن، لا تخرج من فم كلمات تجرح ميران ولا كلمات حب، كانت تعيش حبها في داخلها. كانت تبتسم في وجهه بسرية أثناء نومه و عندما يراها يعبس وجهها فورا و لكن هذا لا يزعج ميران لأنه كان يعرف أنها ستسامحه تماما في يوم من الأيام.
ريان تتجادل منذ أيام مع المشكلة التي في عقلها، البارحة سألت ميران:
"كيف هو إحساس أن تكون أب؟"
قال ميران بصوت بارد: "لا أعرف"
ريان لم تقل شيئا لأنها تعرف كم تؤثر علاقة الأب و الإبن في ميران لأنه كلما يذهب الحديث إلى والده لا يستطيع أن يتكلم. لم تكن تريد سؤاله عن شيء كي لا تجرحه. هي الآن في الشهر الثالث من حملها و مازالت تخفي هذا مثل السر، كل ما تفعله هو الإهتمام بصحتها من أجل طفلها. غير هذا كانت أعصاب ميران متوترة جدا هذه الأيام، في أول جلسة للطلاق هذا الأسبوع حكمت المحكمة ضد ميران بسبب دفاع جونول الكاذب رغم كل إعتراض تأجلت لجلسة ثانية. كونه مازال زوج تلك المرأة مثل العذاب بالنسبة لميران و لريان أيضا، مهما كان ميران بجانبها و يحبها فهو متزوج رسميا بأخرى.
أوقف صوت الهاتف كل هذه الأفكار، المتصلة هي هافين، ميران لم يكن يمنع إتصالها بمن في القصر، ابتسمت ريان قائلة:
"نعم يا هافين"
تغير صوتها المبتهج حين سمعت صوت هافين و ذبل وجهها لأن هافين كانت قلقلة جدا، مالذي حدث؟ قالت هافين:
"لقد حدث شيء سيء جدا"
"مالذي حدث يا هافين؟ هيا قولي"
"أخي... خرج إلى الطريق نحو إسطنبول هذا الصباح"
كان قلب ريان و كأنه سيخرج من مكانه من الخوف، ضغطت بيدها على قلبها و قالت بصوت مرتجف:
"لماذا؟ من أين خرج هذا الآن؟"
"لا أعرف يا ريان، كل ما أعرفه هو أنه ستحدث أشياء سيئة"
"كيف حدث هذا يا هافين؟ لماذا هو قادم إلى هنا هكذا بدون سبب؟"
"الآن جاء والدي إلى البيت، حدث كل هذا في الشركة، نحن لا نعلم بشيء. أخي خرج إلى الطريق وهو يلقي تهديدات حول ميران"
ريان رمت بجسدها على الأريكة، لم تعد قدماها تحملها من الخوف... أكملت هافين:
"هناك شيء آخر... عمي أيضا خرج إلى الطريق وراء أخي"
"أبي!!"
فُتِحت عينا ريان بدهشة، الرجل الذي لم يفتح فمه أمام كل هذه الأحداث لماذا يأتي إلى إسطنبول الآن؟ ريان تحس أنه ستحدث أشياء سيئة جدا.
"يجب أن يكون قد حدث شيء يا ريان، لابد أن ميران فعل شيئا جعل أخي يجن هكذا... انتبهي لنفسك، نحن نموت من خوفنا هنا"
ريان فور أن أقفلت الهاتف إتصلت بميران، رن الهاتف طويلا و لكن لم يفتح، نظرت إلى الساعة و كانت ال12 ظهرا، ريان لن تبقى في هذا القلق حتى المساء. خرجت من الصالون نحو غرفة مكتب ميران، لابد أن عنوان شركته مكتوب في مكان ما... قلّبت الملفات الموجودة على المكتب و عندما لم تجد شيئا فتحت الدرج فوجدت بطاقة شركة ميران مكتوب عليها إسمه و عنوان الشركة. الآن يجب على ريان الخروج من البيت و الذهاب إلى الشركة، غيرت ثيابها في بضعة دقائق و خرجت، كان الطقس باردا جدا، شهر يناير يكون شديد البرد في إسطنبول. عندما فتحت الباب الحديدي وجدت علي ينظر لها فابتسمت له قائلة:
"سأصنع حلوى و لم يبقى حليب في البيت... هل بإمكانك إحضار حليب من الماركت؟"
لم يخطر على بالها كذبة أخرى، تردد علي أمام طلبها، لأن ميران كان ينبهه أن لا يبتعد عن الباب مهما حصل و لكن هذا ليس بسبب عدم ثقته بريان، بل كان يتخذ إحتياطه تجاه كل شيء. أخذ علي الهاتف في يده قائلا:
"لأتصل بميران أولا"
"لا داعي لهذا... لقد اتصلت به قبل قليل و قال ليذهب، ماذا سيحدث؟ الماركت على بعد بضعة دقائق، إذا أردت سأذهب أنا"
"لا، لا، أنتِ أدخلي إلى الداخل. سأشتريه و آتي فورا"
هزت ريان رأسها ثم دخلت من الباب و بقيت تنظر لعلي حتى ابتعد عن المنزل. لا تعرف إذا كان علي قد صدقها أو لا، ربما سيتصل بميران و يخبره و لكنها أخذت كل المخاطر و ارتدت معطفها و اتجهت نحو الباب الحديدي ثم بدأت تبتعد راكضة. المصيبة ستأتي على رأس علي مجددا و لكن ليس لديها حل آخر. هذه المرة لديها هاتف و نقود، ركبت تاكسي و اتجهت إلى عنوان الشركة.
عندما نزلت من التاكسي بقيت تنظر لفترة إلى البناية العالية التي توجد فيها الشركة، لا تفهم لماذا يحاول ميران إبعادها عن هذا المكان. بعد بضعة دقائق دخلت من الباب فسألها رجل الأمن:
"إلى أين أنتِ ذاهبة يا سيدة؟"
"ميران... أريد مقابلة ميران كارامان"
بقي رجل الأمن ينظر لها بغرابة ثم قال:
"من أقول له؟"
"قل له ريان جاءت"
"أليس لديك لقب يا سيدة؟"
"قل له إسمي فقط و هذا يكفي"
"هل أتيت من أجل عمل يا سيدة؟... انظري كل يوم يأتي أناس مثلك و ينفخون رأسي، يجب أن تقولي الإسم و اللقب و إلا من أين سيعرفك السيد ميران؟"
إنزعجت ريان كثيرا في تلك اللحظة أردت أن تصرخ قائلة أنا زوجته و لكن ليس لديها حل سوى الصمت، كذلك هي لا تُعتبر زوجته فهو مازال متزوج بجونول، لن يصدق أحد ريان.
في تلك اللحظة كان رجل في الخمسينات من عمره يدخل إلى الشركة، قالت ريان لرجل الأمن بصوت واثق:
"قل له ريان شانوغلو، هل هذا كافي؟"
الرجل الذي كان على وشك الدخول من ممر مديري الشركة، في البداية لم ينظر حتى لوجه ريان، إلى أن سمع إسم شانوغلو من فمها، فتح عينيه بدهشة ثم إلتفت نحو ريان و نظر لها بطريقة بشعة. بدأ يمشي نحوها ثم قال بهدوء:
"أنتِ... ماهو لقبك؟"
لم تستغرق ريان وقتا كثيرا حتى فهمت أن هذا الرجل هو عم ميران، لم تفتح فمها بكلمة من خوفها لكن الرجل بدأ يصرخ:
"هل أنتِ شانوغلو؟"
تراجعت ريان خطوتين إلى الوراء من خوفها فتدخل رجل الأمن قائلا:
"سيد وحيد هل هناك مشكلة؟"
لم يجب السيد وحيد رجل الأمن، لقد تراكم حقد السنين في عينيه، ماذا يفعل شخص يحمل ذلك اللقب هنا في هذه الشركة؟
"تكلمي يا ابنتي.. هل بلعت لسانك؟"
بدأ الموظفين يخرجون من غرفهم بعد سماع الضجة و لكن رجل الأمن لا يتصل بميران بعد، أما مُنْقِذُ ريان فقد كان آردا، الرجل العائد إلى عمله بعد إستراحة الغداء وجد أمامه في مدخل الشركة ريان و أمامها عم ميران. عندما رأت ريان آردا ذهبت و اختبأت وراءه، لقد اصفر وجهها من الخوف. أدار آردا ظهره نحوها و قال بهمس:
"ماذا تفعلين هنا يا ريان؟"
"لم أرد أن يحصل هذا... لقد سمع لقبي"
قال آردا اللعنة في داخله، بعد قليل ستقوم القيامة هنا، السر الذي أخفاه ميران لعدة أشهر ظهر الآن إلى العلن.
"من هذه الفتاة يا آردا؟ ما علاقتها بنا؟"
أشار آردا بيده لرجل الأمن كي يتصل بميران ثم قال:
"برأيي لنتكلم في مكان هادئ يا عم وحيد"
ثم أدار آردا وجهه نحو ريان قائلا:
"لا يوجد ما يدعو للخوف، سيأتي ميران بعد قليل"
في حين أن ذلك الرجل ينظر لها بشكل مرعب هكذا، لا يمكن أن لا تخاف، إنها ترتعش الآن و تظن أنها تسببت بشيء سيء و لكنها عندما اتصلت بميران و لم تتحصل عليه خافت كثيرا، قالت لآردا بصوت متقطع:
"لم أستطع التحصيل على ميران، خفت كثيرا، لذلك جئت"
صرخ السيد وحيد بصوت عالي مجددا:
"هل ستجيبون على سؤالي؟ ماذا يفعل فرد من شانوغلو هنا؟"
"لا تصرخ يا عم وحيد، أنت تخيف الفتاة"
بينما كان الجميع ينظر إلى ثلاثتهم بدهشة فُتِح باب المصعد و خرج ميران منه، عند رؤيته لم تعرف ريان هل تفرح أم تحزن. ذهب ميران نحوهم ثم توقف قليلا و نظر إلى الأطراف قائلا:
"ليعد كل شخص إلى عمله، لا يخرج أحد من غرفته"
تفرقت تلك الحضبة في لحظة و بقي ميران ينظر لعمه و لريان، ثم وقف أمام عمه و قال:
"ماذا يحدث هنا؟"
"أنت ستقول هذا... تلك الفتاة من عائلة شانوغلو، ماذا تفعل هنا؟"
لم يبق لشيء ليتم إخفاءه بعد الآن، ميران كان ينوي إخفاء ريان عن عمه حتى يتزوجها رسميا و لكن الحياة كانت تحب إفساد خططه دائما و ميران تعود أن يسلك الطريق الصعب.
"هي ليست من عائلة شانوغلو"
قال ميران بصوت واثق، بما أن ريان ليست الإبنة الحقيقية لهازار شانوغلو فلاداعي لإخفاء هذا:
"فور طلاقي من جونول سأتزوج ريان"
السيد وحيد يعيش صدمات متتالية، نعم كان يعرف أن زواج ميران و جونول لا يسير بشكل جيد و لكن لم يكن يعرف بأمر ريان:
"ماذا يعني هي ليست شانوغلو؟ و ماذا يعني عندما أطلق جونول؟ أنت ماذا تحيك؟"
كان ميران سيتكلم و لكن تتدخلت ريان في الوسط، حتى لو لم يكن هازار شانوغلو والدها الحقيقي، فهو الرجل الذي كبرها و حماها حتى وصلت لهذا العمر و لم يضرها أبدا، لا يمكن أن تنكر معروفه:
"لا تتكلم بإسمي... هازار شانوغلو هو أبي"
الآن إختلط الحابل بالنابل، صُدِم السيد وحيد عند سماع هذا الإسم، ميران كان يمسح لحيته من التوتر. رفع السيد وحيد إصبعه في وجه ميران و قال:
"أنت... هل ستتزوج بإبنة قاتل والدك؟"
"كل شيء ليس كما يبدو لك يا عمي، ريان ليست إبنة ذلك الرجل الحقيقية"
"ما الفرق؟ في النتيجة هل هي إبنته؟ نعم إبنته. كيف تفعل هذا لأبيك؟ أرسل هذه الفتاة من هنا في الحال، لا تراها عيني... إذا فكرت في الزواج بها..."
ميران قاطع كلام عمه و قال:
"ريان أساسا زوجتي، لقد تزوجنا زواجا دينيا... أنت عمي و كبيري، لا أريد أن أكسرك و لكن إذا تدخلت في هذا الأمر ستحزن، الأفضل أن تصمت"
نظر الرجل إلى إبن أخيه و كأنه ينظر إلى عدوه قائلا:
"أنت تخطئ، ستكون مخطأ إذا أخذتني ضدك... أنت تفضل عدوك على عمك... لقد إنتهيت في عيني"
أنهى كلامه و نظر إلى ريان بغضب ثم ذهب نحو الباب فذهب آردا وراءه، تلطيف الجو بينهما يقع عليه دائما.
بقي ميران و ريان ينظران لبعض في هدوء، ريان ليس لديها وقت لتشعر بالذنب، هناك مسألة مهمة يجب أن تتحدث فيها معه:
"لم أعتقد أن هذا سيحصل"
"لماذا لا تسمعين كلامي؟"
كان ميران غاضبا جدا و ينظر لها و كأنه يلومها، لقد قال لها أن لا تأتي للشركة مهما حدث و لكن ريان لم تسمعه و هاهي هنا.
"لقد اتصلت بك و عندما لم أصل إليك اضطررت على الخروج من المنزل"
ميران لم ينظر لهاتفه لساعة واحدة فقط، تركه في المكتب و طال إجتماعه كثيرا. إنه يتساءل كثيرا الآن عن السبب الذي جعل ريان تأتي إلى هنا. أمسك بذراعها بلطف و قال:
"لنخرج إلى الخارج"
عندما خرجا من الباب نظرت ريان إلى وجه ميران قائلة:
"ماذا فعلت أنت؟"
"ماذا فعلت أنا؟"
"لقد تحدثت مع هافين في الصباح، آزاد قادم إلى إسطنبول، و أبي قادم وراءه"
ثم بقيت تنظر له منتظرة ردة فعله، و لكن ميران لم يفهم شيئا. رفعت ريان صوتها:
"قلت لك ماذا فعلت؟"
"لم أفعل شيئا"
"إذا لماذا هما قادمان؟"
ميران كان هادئا جدا، اقترب من ريان و أحاط وجهها بيديه و قال:
"نحن في حرب كبيرة، أنا أحبك حتى في داخل هذه الحرب"
خروجه من الموضوع الأساسي أغضب ريان كثيرا، أبعدت يديه عن وجهها ثم ضغطت بإصبعها على كتفه:
"لو كنت قد فعلت شيئا سيئا مجددا... لن ترى وجهي بعد الآن أبدا يا ميران"
رغم أن كلماتها كانت تحمل تهديدا ثقيلا إلا أن ميران إبتسم و كأنه يسمع مجاملة:
"لقد قلتِ إسمي... لأول مرة بعد مدة طويلة"
"أنا خائفة، ألا تفهم؟ احس و كأنه سيحصل شيء سيء في أي لحظة"
ميران لم يفقد شيئا من هدوئه، لمس كتف ريان بلطف و قال:
"لا يوجد ما يستدعي الخوف، لا أريد أن تتدخلي في أي شيء"
ثم أنزل يده من كتفها و مدها إليها:
"هيا لآخذك إلى البيت، لدي عمل لبضعة ساعات أخرى"
بينما بقيت ريان متجمدة في مكانها، أمسكها ميران من يدها، لا تعرف كيف بقيت هادئة هكذا، كل ما تعرفه أنها تحس بقدوم أشياء سيئة.
ركبا السيارة التي جاءت أمام الشركة و انطلقوا، ريان لا تبعد عينيها عن ميران، جمعت كل شجاعتها و سألت مجددا:
"هل هناك شيء لا أعرفه؟ ماذا تخفي عني؟"
"أنا لم أفعل شيئا سيئا، كوني متأكدة من هذا"
"علاقتك بعمك ساءت بسببي"
"لا تهتمي بهذا، كان سيتعرف عليك عاجلا أم آجلا... أنا و عمي لا نتفق كثيرا، نحن نتخالف في كل شيء... يعني خصامنا ليس بسببكِ"
"هل يعرف عمك؟"
"بماذا؟"
"ماذا سيكون؟ باللعبة التي لعبتها علي أنا و عائلتي"
"لا... أنا متأكد أنه الآن يفكر كيف تعرفت عليكِ... و لن يستغرق كثيرا ليعرف"
"لماذا أنت عديم الخوف هكذا؟... لا تخاف لا من عمك ولا من أي أحد آخر"
لم تقل ريان إسم والدها في نهاية الحديث، لأنها كلما ذكرته يتولد غضب كبير في عيني ميران، و أيضا هي خائفة من صمت والدها حتى الآن، قالت في خجل:
"الرجل الذي لم يشفق على والدك لا يشفق عليك... ألا تخاف من الموت أيضا؟"
"لماذا سأخاف؟ أنا أحقق العدالة فقط"
"صحيح... لو كنت تخاف ما كنت تتصرف بجرأة هكذا"
وصلا إلى البيت و نزلا من السيارة، ريان مازالت مضطربة، هناك العديد من الأسباب تجعلها متوترة. عندما نزل ميران من السيارة نظر إلى علي مباشرة، فدافع الرجل عن نفسه قائلا:
"لقد إتصلت بك، العديد من المرات"
"هذا ليس سببا مقنعا، إنها المرة الثانية... ألا تستطيع الإهتمام بإمرأة؟"
عبس وجه ريان فورا و صرخت:
"عن ماذا تتحدث أنت؟ هل عن غرض أم عن حيوان؟"
داعب ميران وجهها برفق و قال:
"لا تفهمي كل شيء بشكل خاطئ... إنك تقحمين نفسك في المشاكل في كل مرة، مطلبي الوحيد هو حمايتك"
ريان اتجهت نحو البيت دون أن تجيبه، كانت تحس بقدومه وراءها، كانت غاضبة جدا، ميران أغضبها كثيرا اليوم. أخذت مفتاحها و فتحت الباب، كانت ستغلقه و كأن ميران ليس قادنا وراءها حتى أمسك ميران الباب في آخر لحظة. فور دخوله إلى البيت أمسك ريان من ذراعها، سحبها نحوه ثم حاصر جسدها بين الجدار و جسده:
"لا أتحمل أن تعامليني هكذا"
ريان حبست أنفاسها عند إقترابه منها إلى هذه الدرجة، كلما هربت منه يواصل ميران أخذ عقلها من رأسها.
"كيف أتعامل معك؟ لا أفهم أي رجل أنت..."
"و لكن أنا أحفظكِ..."
ثم أمسك ميران بخصلة شعرها التي وقعت على وجهها و وضعها وراء أذنها، وضع قبلة على جبينها ثم واصل كلامه:
"أنت الآن غاضبة مني... لأنك لا تثقين بي. و لكن سيأتي يوم و تضعين كل ثقتك بي"
"هل الحياة التي نعيشها عادية برأيك؟... أنا بجانب رجل عدو لعائلتي، و أنا أعيش كل يوم بخوف أن يحدث لنا شيء"
"لا تخافي... أنا لا أتحرك بدون خطة"
ثم إقترب من شفتي ريان رغم معرفته بأنها ستغضب منه، بينما كانت نبضات قلبها مسموعة أغمضت ريان عينيها أمام شفتيه. مهما فعلت لا تستطيع الهرب، و لا تريد الهرب.
مشاهدة وجه ريان الغاضب بعد أن قبّلها جعل ميران يبتسم، هو يحب كل حالاتها، غضبها ليس حقيقي، هو يعرف هذا... ابتعد عنها و قال:
"أنا ذاهب الآن... سآتي بعد بضعة ساعات"
بعد ذهابه بقيت ريان تنظر هكذا وراءه، كانت تريد قول لا تذهب و لكن لم يطاوعها لسانها، كم هذا غريب، هي تحب هذا الرجل بخلط حبها و كرهها.
مرت ساعة على ذهاب ميران، دفنت ريان نفسها في قراءة كتب ميران، منذ صغرها كانت تحب القراءة و هذه نقطتها المشتركة مع ميران. ثم رفعت رأسها عن الكتاب على صوت جرس الباب، ركضت إلى الباب و في يدها الكتاب، كانت تظن أن ميران جاء، و لكن ميران عندما يأتي يستخدم مفتاحه و لا يضغط على الجرس، خرج هذا من عقل ريان تماما. عندما فتحت الباب و رأت أيلول بدل ميران اندهشت كثيرا. دخلت الفتاة و في يدها علبة حلوى كبيرة، أغلقت ريان الباب قائلة: "أهلا و سهلا"
"لقد أتيت هكذا بدون خبر، اعذريني"
ريان كانت وراءها ثم أخذت منها العلبة و وضعتها على الطاولة و ابتسمت.
"المنزل يبدو جميلا جدا"
ريان لم تقل شيئا، في النتيجة ليست هي التي اختارت هذا البيت، أرادت تغيير الموضوع و سألتها:
"هل تشربين شيئا؟"
"أشرب قهوة من يديك... في الواقع كنت سآتي من قبل و لكن لم أتشجع، اليوم اتصل بي ميران و طلب مني أن أذهب إليك فلم أتحمل، هو يفكر أنك تملين كثيرا بمفردك في البيت"
ابتسمت ريان و لكنها كانت منشغلة بتحضير القهوة و كانت مديرة ظهرها و لكن لاحظت أيلول ابتسامتها:
"أنت تبتسمين"
"لا لم أضحك"
"الآن تكذبين"
استسلمت ريان و ابتسمت فضحكت أيلول، حان الوقت لإذابة الجليد بينهم، ثم قالت بصوت جاد:
"نحن نحزن كثيرا، من أجل ما حدث ذلك اليوم و من أجل جونول و من أجلك... أما أمي فليس لديها وجه كي تأتي إلى هذا البيت و تنظر في وجهك"
ريان لا تستطيع أن تعلق على هذا، للأسف خالته كانت تعلم بما فعله ابن أختها و سكتت، أما ريان فليست صاحبة قلب كبير لهذه الدرجة لتنسى و تسامحها فورا، لن تنسى ما حدث أبدا، حتى ما فعله ميران بها.
"لا داعي للحزن... كل شيء بقي في الماضي"
"أنت محقة... قلت أن لا آتي بيد فارغة، هل تحبين الحلوى؟"
ريان فور رؤيتها لها اشتهتها فورا، هزت رأسها بمعنى نعم. حاليا ليس لديها حساسية تجاه شيء و حملها يمر بسهولة و هذا يفرحها كثيرا.
في الواقع ريان أحبت أيلول كثيرا منذ أن رأتها و لكنها ترددت لأنها صديقة جونول، لا يمكنها الوثوق بها. مرت عدة ساعات على ذهاب ميران و لكنه لم يأت، ريان مازالت متوترة بسبب الخبر الذي سمعته صباحا، هذا ليس بيدها. أخذت الهاتف كي تتصل بمي ان و كأن هناك غصة في قلبها، رن الهاتف كثيرا و لكن لم يفتح، حالة ريان هذه جعلت أيلول تقلق:
"ماذا بك؟ منذ أن أتيت و أنت غريبة"
"أنا لست بخير أبدا... ميران..."
"ريان، ماذا يحدث؟"
نهضت أيلول على قدميها و كانت ريان ترتجف، لم تكن تستطيع أن تقول لها أن آزاد و والدها قادمان، كون العائلتان أعداء سيجعل ريان تعيش في قلق طوال حياتها.
"قال ميران أنه سيأتي خلال بضعة ساعات لكنه لم يأتي... لا يأتي"
أيلول كانت على وشك الضحك على حالها، ابتسمت قائلة:
"إلاهي يا ريان... هل هو طفل صغير؟ لابد أن طرأ له عمل"
ريان تحس بشيء سيء و كأن في قلبها بركان، مهما فعلت أيلول لم تستطع تهدأتها، عدم إجابة ميران على هاتفه أقلقتها هي أيضا. في تلك اللحظة رن هاتف أيلول، آردا يتصل:
"لا تقلقي، انظري آردا يتصل... الآن نعرف أين ميران"
و لكن ردة فعل أيلول أظهرت أنه حدث شيء سيء جدا و ريان فهمت هذا، الضيق الذي في صدرها منذ الصباح ليس عبثا.
أسقطت أيلول الهاتف من يدها و صرخت:
"أخييييي... أطلقوا النار عليه"...يتتبع....

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن