الحلقة 27 - الحلم

9.1K 141 5
                                    

مهما قاومت ريان فلم تستطع أن تُسمِع قلبها كلامها و مهما أقسمت على أنها لن تسامح فقد سامحت ميران. كيف لها أن لا تسامحه؟ إنها تحبه بشكل، هدمت كل الجدران التي وضعتها أمامه. هل يمكن أن تتخلى عنه بعد الآن؟ لا يمكن أن تدير له ظهرها بعد الآن...
لم يمض الكثير حتى خرجت ريان من الغرفة، قالت لميران أثناء خروجها أنها ستنادي الطبيب و تعود فورا. خرجت و أغلقت الباب وراءها بهدوء ثم انطلقت مسرعة للبحث عن أحدهم ثم بدأت تصرخ:
"ألا يوجد أحد؟"
فسمع أحد الأطباء صراخها و ركض نحوها قائلا:
"ماذا هناك؟"
"لقد استيقظ ميران... فتح عينيه و تحدث معي أيها الطبيب"
كانت لا تستطيع التنفس و لكن ليس من الركض بل من حماسها، مازالت لا تصدق ما حدث، حديثها مع ميران لبضعة دقائق كان يبدو كالمعجزة. لم يضيع الطبيب وقتا و ذهب مسرعا نحو غرفة ميران، بينما كانت ريان تذهب خلف الطبيب سمعت صوت آردا:
"ماذا حدث يا ريان؟ هل حدث شيء لميران؟"
كانت أيلول أيضا تقف بجانب آردا، كانا ينظران لوجه ريان في خوف ظنّا أنه حدث شيء سيء و لكن ريان لم تفرط بهما و ابتسمت فورا و قالت بصوت عال:
"لقد حدث شيء... ميران فتح عينيه"
مرّت ساعة و كانت طويلة جدا على ريان، قال الأطباء أن ميران بخير و أساسا لا يوجد أي سبب كي لا يفتح عينيه، كل شيء على ما يرام، حتى أنه سيخرج من المستشفى بعد بضعة أيام و لا يوجد ما يدعو للقلق حول صحته... قبل أن يفتح ميران عينيه اعترفت له ريان أنها حامل و لكن لا تعرف إن كان قد سمع هذا أو سيتذكر ما قالته أم لا. عبس وجهها و لم تعرف كيف ستقول له هذا مرة أخرى.
"متى سيخرجون؟"
قالت ريان و هي تشير لغرفة ميران، لأن الشرطة معه منذ عدة دقائق، حتى لو كان الفاعل مجهول، فهذه جريمة متعمدة و يجب أن يأخذوا إفادة ميران، آردا أيضا في الداخل معه... قالت السيدة نرجس:
"هنيئا لنا... نعم، نعم الحمد لله لقد فتح ابني عينيه"
كانت تتحدث مع أحدهم على الهاتف و قد عادت الحياة إلى وجه المرأة المسكينة بعد أيام، كانت السعادة واضحة من عينيها. وضعت أيلول رأسها على كتف أمها وهي تبتسم، كلتاهما دمعت عيونهم من الفرح، إنهما حقا تحبان ميران كثيرا. ابتسمت ريان لهما، و هل ميران رجل لا يُحَبُّ؟
بقيت السيدة نرجس تنظر من بعيد في قلق، حتى لو لم تسامحها ريان فهذه المرأة هي خالة ميران و هو يعطيها قيمة كبيرة و يراها كأمه و ليس خالته. لا يمكن أن تقلل ريان من إحترام هذه المرأة بعد الآن و لكن هناك ما ينخر عقلها. الأسرار التي عرفتها المتعلقة بماضي والدها، ترى ماذا تعرف السيدة نرجس من هذا؟ إن كانت تعرف فكيف سمحت بكل ما حدث؟ كيف سمحت بأن يصبح ميران عدوا لوالده الحقيقي؟
في يوم من الأيام عندما تُكشَفُ جميع الأسرار، لن يسامح ميران خالته و هذا يخيف ريان كثيرا، لا يمكن أن يتحمل خيانة خالته، أساسا من له في هذه الحياة غيرها؟ نظرت ريان إلى الأرض بقلق، ليتها تستطيع أن تسأل المرأة الجالسة أمامها عن كل ما يقلقها بدل أن تصمت.
بعد أن تحدث آردا مطولا مع الطبيب أخذ هاتفه و اتصل بالسيد وحيد، حتى لو لم يمر إلى المستشفى منذ أيام و لم يسأل على حال ابن أخيه فمن حقه ان يعرف أنه بخير الآن. ريان لا تستوعب ما يفعله هذا الرجل، ها هذا الحقد الذي يجعله يدير ظهره لإبن أخيه لمجرد أنه تزوج بإبنة عدوه؟
وقع شك آخر في عقلها، رغم أنها لم ترى السيد وحيد سوى مرتين لكنها تستغرب تصرفاته تجاه ميران. ترى هل يعرف السيد وحيد الحقيقة؟ في الواقع لو كان هكذا ما كان سيقبل ميران كإبن أخيه. ستجن ريان من التفكير و القلق. ترى هل سمع السيد هازار بأن ميران استيقظ؟ من يعلم ماهي حالة ذلك الرجل المسكين؟ أثناء وقوعها في تفكير عميق، خافت ريان عندما لمس أحدهم كتفها، بينما كان الجميع يتقاسم فرحة أن ميران بخير كانت ريان تجلس بعيدا وحيدة فتألمت السيدة نرجس، ذهبت نحوها، ربتت على كتفها و قالت مبتسمة:
"لقد حفظ الله ميران لكِ يا ابنتي... حفظه لكِ و لطفلكما"
رفعت ريان رأسها و ابتسمت لها ثم قالت بهدوء:
"ميران لا يعلم بهذا حاليا"
ريان تتوتر لا إرادياً كلما فُتِح موضوع الطفل، حوّل آردا الموضوع إلى مزاح وهو يخبرهم كيف سيطير ميران من الفرح حين يعلم بهذا و لكن ريان لا تريد أن تفرح حتى تتأكد من هذا. جلست السيدة نرجس بجانبها و ربتت على كتفها و قالت:
"ليكن يا ابنتي... تقولين له في الوقت المناسب حين تشعرين أنك جاهزة، لا تقلقي نحن لن نفتح فمنا"
لا أحد سيقول شيئا لميران و لكن ريان لا تثق بآردا في هذا الموضوع فهو شخص ثرثار، قالت ريان:
"طبعا إذا لم يخبره آردا"
رفعت السيدة نرجس حواجبها و كأنها تقول لا يمكن:
"هل وقع هذا عليه يا ابنتي؟ لا يقول له، لا تخافي أنا أشدّ أذنيه"
لم تكن السيدة نرجس تعرف كيف ستكون ردة فعل ميران حين يعلم أنه سيصبح أب، و لكنها تعتقد أنه لن يفرح بهذا. في مرة سابقا أرادت جونول أن تقيس ردة فعل ميران، كذبت عليه و قالت له بأنها حامل و كانت النتيجة صادمة، ميران جن جنونه لأنه قال لها كثيرا و حذّرها بأنه لا يريد أن يصبح أب. حين تذكرت السيدة نرجس هذا عبس وجهها، كم كانت جونول تحب ميران و لكن لم تلق مقابل هذا الحب. في تلك اللحظة تذكرت أنها لم تتصل بجونول، نهضت من مكانها. حتى لو انتهى كل شيء بينهما فمن حق جونول أن تعرف وضعه الصحي. عند ذهاب السيدة نرجس ذهبت أيلول إلى جانب ريان، لقد أحبتها ريان كثيرا و بدأت تراها و كأنها أخت لها. هي متأكدة الآن أنها ذات قلب نظيف رغم صداقتها بجونول... حين أحست ريان أنها جائعة ذهبتا معا إلى المطعم و لحقت بهما أليف، عندما سمعت الخبر لم تكمل دروسها و طارت فورا إلى المستشفى، الآن جميعهم يجلسون في المطعم.
بعد عدة دقائق عندما خرج آردا من الغرفة كان يبتسم، و لكن أليف كلما رأت آردا يعبس وجهها، لا تعرف لماذا و لكن وجوده يغيضها. و آردا أيضا ليس معجبا بها. ذهب آردا نحو الفتيات، سحب كرسيا و جلس قائلا:
"ميران نائم، كان يتألم قليلا و لكن الطبيب قال أن هذا طبيعي. سينام لبضعة ساعات، قال الطبيب أن لا نزعجه"
وضعت ريان يديها بين ركبتيها في قلق، هي ليست مرتاحة أبدا. هي تريد أن تكون بجانب ميران الآن و لكن الطبيب لا يسمح بهذا. ثم سألت آردا:
"ماذا قال ميران لرجل الشرطة؟"
نظر الجميع نحو آردا فأخذ نفسا عميقا، في الواقع ميران نبّهه كثيرا حول هذا قبل أن ينام، بعد أن أخذت الشرطة إفادته حذّر آردا قائلا أنه لا يريد أن تعرف ريان شيئا عن هذا الموضوع، مهما كان انهم عائلتها، مهما حاولت إخفاء هذا فهو يرى مدى حزن ريان بسبب هذه العداوة. مهما كره ميران عائلة شانوغلو فلا يجب أن تعرف ريان كي لا تحزن أكثر.
قال ميران في إفادته أنه لم يرى من أطلق النار عليه، و لهذا لم يشتكي على آزاد أو أي أحد آخر. حتى لو كان رأى آزاد أو هازار شانوغلو يطلقون النار عليه فلن يعترف بهذا في إفادته. يجب أن يعاقب من فعل به هذا بنفسه.
"قال أنه لم يرى الشخص الذي أصابه"
قال آردا هذا بصوت متقطع، كان متوتر بسبب هذا، هو لا يثق بميران و يعتقد أنه يفكر بشيء آخر. مهما كان إنه ميران، يجعل الشيطان يرتدي حذاءه بالمقلوب.
"لا تقلقي حول هذا يا ريان، مهما كان من أطلق النار عليه فسيتم كشفه. ميران لن يتركه بدون عقاب"
رغم كل تحذيرات ميران لم يمسك آردا فمه مجددا، اصفرّ وجه ريان أمام هذه الكلمات، أيلول بقيت صامتة أما أليف فقد نظرت إلى آردا في غضب، لماذا لا يمسك فمه؟ من قال أنه سيعاقبهم هم عائلة ريان، ألا يمكن أن يكون متفهما قليلا؟
حاولت ريان أَن تبتسم ولكن لم تستطع، هذا الوضع يضايقها كثيرا، نظرت إلى الأرض قائلة:
"ميران يعرف ماذا يفعل"
أليف التي لاحظت حزن ريان بسبب كلام آردا، ركلت قدمه خلسة تحت الطاولة حتى يصمت و لا يقول شيئا آخر ثم نظرت إلى الجهة الأخرى و كأنها لم تفعل شيئا. عبس وجه آردا ثم نظر إلى أليف بغضب قائلا:
"لماذا ضربتِ قدمي؟"
نظرت أليف حولها بغضب، ترى هل هذا الرجل غبي؟ ألم يفهم حقا لماذا ضربته؟ أم أنه يتظاهر بعدم الفهم؟... آردا لا يفوت أي فرصة كي يفرغ غضبه على أليف و صرخ قليلا:
"انا أسألك هيا أجيبي"
"أنا أفكر... ترى هل أنت غبي؟"
"ماذا تقولين يا هذه؟"
غضب آردا كثيرا، لم يكن يتوقع أن يسمع إهانة كهذه. نظرت ريان إلى أليف كثيرا كي تسكت و لكن بلا فائدة، هي لا تخجل أبدا من إهانة أي أحد.
"أنت لا تسمح لي بأن أفكر بغير هذا... أنا أشك بقابلية الفهم لديك"
"انظري يا ابنتي، أنا أخرج الفتيات التي مثلك من جيبي. هل تظنين نفسك ذكية؟"
"لا أظن... أنا كذلك أساساً"
"هذا واضح جدا"
آردا حزن كثيرا من كلام أليف لم يكن يظهر ذلك، لكن أيلول فهمته. مهما كان فهي تعرف آردا منذ سنوات، أينما ذهب ميران يكون معه لهذا هو أيضا بمثابة أخ لها مثل ميران. و لأول مرة تشهد أيلول حالة آردا هذه أمام فتاة و لم تستطع منع نفسها من الضحك. نهضت من الكرسي قائلة:
"لا يمكن الشبع من حديثكما... و لكن بما أن أخي فتح عينيه و لم يعد هناك أي مشكلة أستطيع أن أذهب إلى البيت لأنام قليلا أليس كذلك؟ منذ أيام أرتدي نفس الملابس، أقسم أنه خرجت رائحتي"
هزت ريان رأسها بمعنى حسنا، منذ أيام لا يذهبون من المستشفى، لم ينم أحد بشكل جيد، من حسن الحظ أن ميران سيخرج قريبا و سينتهي هذا العذاب.
"أساسا أمي هنا... أنا سأعود غدا في الصباح الباكر"
"حسنا يا عزيزتي"
قالت ريان مبتسمة ثم قبّلت أيلول ريان و أليف و ذهبت. عندما بقي آردا و أليف ينظران لبعض في غضب أرادت ريان أن تتدخل و قالت:
"لقد تعب الجميع كثيرا..."
ترى هل كان صوتها منخفض أم أنهما لا يهتمان لها لأن كلاهما مازالا ينظران لبعض، فصرخت ريان:
"أيلول محقة... أنا أتجول بنفس الملابس منذ أيام، أنا أيضا أريد تغيير ملابسي فنظر آردا إلى ريان أخيرا و قال:
"لآخذكِ إلى البيت إذا لتغيري ملابسك"
"لا هذا مستحيل... أنا انتظر إستيقاظ ميران منذ ساعتين، لا أستطيع الذهاب إلى أي مكان... و لكن بإمكانك أخذ أليف، بينما تحضر هي ملابسي أنت ترافقها"...
غضبت أليف كثيرا من إقتراح ريان أما آردا فقد كان ممنونا من هذا، إتكأ على ظهره و بدأ يضحك خلسة. صرخت أليف:
"ماذا تقولين يا ريان؟ أنا لا أذهب خطوة واحدة مع هذا الحطبة"
"أساسا أنا لا أذهب معكِ إلى أي مكان، لا عمل لي مع الأطفال"
"الرجل الذي يقول عني طفلة، عقله لم يتجاوز الخمس سنوات"
أليف لا تفوت أي فرصة لإهانته و لا تسكت أبدا، عندما أحست ريان أنهما سيتشاجران مجددا قررت أن تجعلهما يشفقان عليها و تمثّل قليلا، قالت بصوت حزين:
"يا للأسف عليكما... أنا أعيش الويلات هنا منذ أيام و لا يخرج صوتي. لأول مرة أطلب منكما شيئا فتجاهلتماني"
في الواقع ريان لم تكن تلعب دورا، هذا ما حدث فعلا. ندمت أليف فورا على ما قالته و نظرت إلى ريان بحزن:
"حسنا أنا آسفة... لأجلك سأذهب طبعا"
"أحسنتِ يا أليف... هيا لا تغضباني"
آردا كان مستمتعا جدا و لكن لا يظهر هذا، أخيرا وقعت هذه العنيدة في يده ولا يمكن أن يفوت هذه الفرصة:
"هل يعقل هذا يا ريان؟ كيف تؤمنين صديقتك مع رجل مثلي؟ ماعاذ الله قد أقطع يدها و أرميها في القمامة"
"ذلك ليس واضح أبدا... ربما أنا أفعل بك هذا، يجب أن تخاف على نفسك"
تظاهرت ريان بالغضب مجددا و نهضت قائلة:
"هذا يكفي... هل ستذهبان أم لا؟ هل سأتجادل معكما؟"
"حسنا حسنا، سنذهب الآن"
نهضت أليف و هي تنظر بحقد لآردا الذي كان يضحك، أما ريان فقد كانت تمسك نفسها بصعوبة كي لا تضحك، إذا لم تخبر ميران عن هذه المناقرات فورا ستنفجر. بالتأكيد هما معجبان ببعض هذا ما تفكر به ريان. قالت أليف:
"سنأتي خلال ساعة"
قالت أليف هذا لريان ثم أخرج آردا مفتاح السيارة من جيبه ثم اتجها إلى خارج المستشفى. لو كانت ريان تعرف ابنة خالتها و صديقة عمرها كل هذه السنوات فهي متأكدة تماما أنها معجبة بآردا. قالت في داخلها: "هناك رائحة عشق في الهواء" ثم خرجت من المطعم متجهة إلى المكان الذي ينام فيه حبيب عمرها، لقد إشتاقت لميران.

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن