الحلقة الثامنة - الانهيار

8.4K 129 6
                                    


فتحت ريان عينيها على أول يوم في حياتها الجديدة الطمأنينة تغمرها، نامت بشكل جميل لدرجة أنها لم تستطع النهوض حتى أنها تأخرت في النوم، حين تذكرت ليلة البارحة و أنها أصبحت إمرأة متزوجة ابتسمت ثم التفتت إلى الجانب الآخر من السرير، كان فارغ، و الحال أنها حلمت برؤية وجهه عندما تستيقظ، نهضت من السرير بسرعة و ذهبت إلى الصالون متردية قميص نومها، أولا ستجد ميران، لقد قلقت حين لم تجده بجانبها، أثناء خروجها من الغرفة رأت ملاحظة:
"تجهزي و تعالي، انا أنتظرك على الفطور"
أخذت نفسا عميقا و ابتسمت ثم فتحت حقيبتها بسرعة و أخذت فستانها الأزرق، رتبت شعرها بيديها، كان شعرها مموجا لأنها نامت به مبللا. بعد ذلك أخذت عدة مكياجها، لم تكن فتاة تستعمل الماكياج و لكن اليوم يجب أن تكون مختلفة و جميلة أكثر... بعد أن أنهت تجهيز نفسها نظرت إلى المرآة و ابتسمت.
كانت آخر أيام في شهر أكتوبر، الجو أحيانا يكون بارد كالشتاء و أحيانا ساخن كالصيف، كانت محظوظة البارحة لأن الجو كان جميلا، و اليوم بالعكس السحب تعم السماء و المطر على وشك النزول.
خرجت ريان من الغرفة و نظرت يمين و يسار بحثا عن المطبخ ثم دخلت في خجل، كان ميران يجلس على الطاولة مديرا ظهره، ذهبت أمامه و جلست على الكرسي الخشب ثم نظرت إلى ميران و ابتسمت، ميران أيضا كان يرتدي قميصا أزرقا:
"ارتدينا نفس اللون دون أن ندرك ذلك" ثم قالت له "صباح الخير..." رفع ميران عينيه من الطاولة و كأنه كان في مكان آخر ثم قال بصوت كالجليد: "صباح الخير"
ريان استغربت من هذا البرود، هل ارتكبت خطأ دون أن تدرك ذلك؟ مالذي يمكن أن تفعله ليغضبه هكذا في أول يوم؟
رفع ميران أصبعه مشيرا إلى الطعام:
"هيا تناولي فطورك"
رغم أن ريان كانت جائعة جدا قبل قليل و لكنها تحس بالشبع الآن، أحست ببرود ميران تجاهها، تألم داخلها و عبس وجهها. ربما كانت تبالغ و لكن كان هناك ضيق في قلبها و كأنها تحس بما سيحصل بعد قليل. طاولة الفطور التي لم ينقص منها شيئ لم تكن جميلة في عيني ريان، أساسا عندما استيقظت لم تجد ميران بجانبها و الأن يتصرف و كأنه غريب، هل يكون الرجل المتزوج حديثا هكذا؟ رغم ذلك لم تقل شيئ لميران و بدأت تأكل قليلا. في تلك اللحظة أدركت أن ميران كان يشاهدها فقط، فسألته في خجل:
"لماذا لا تأكل؟"
قال ميران بصوت بارد أكثر من قبل:
"أنا لا أفطر الصباح"
أحنت ريان رأسها و ابتلعت اللقمة التي في فمها بصعوبة ثم دفعت الطبق الذي أمامها قائلة بصوت منكسر:
"أنا شبعت"
سحبت ريان يديها من الطاولة و وضعتها بين ركبتيها و كانت تنتظر أن يقول ميران شيئا، كانت تريده أن يقول ماهو الخطأ الذي اقرفته، هي لا تستحق معاملة كهذه في أول يوم زواج، هل سيعاملها ميران هكذا دائما؟ بدأت تخاف من نظراته المخيفة لها. كلاهما صامتان الآن، الرجل الجالس أمامها و ينظر إليها أليس زوجها ميران؟ لماذا ينظر هكذا بشكل مخيف؟ بقيت ريان أسيرة في تلك النظرات ثم فهمت أن هناك مشكلة كبيرة. عندما كانت ستفتح فمها و تسأل ميران عن سبب نظاراته هكذا، ضربها هو في منتصف قلبها قائلا:
"من أجل ليلة البارحة... أنا أشكرك يا ريان"
حاولت ريان أن تدرك ما قاله لمدة و لكن لم تفهم شيئا، شكر ماذا الذي يشكره لها ميران؟ هذه التصرفات لا تعجبها أبدا، كانت تريد ميران القديم بسرعة، إذا كانت هذه مزحة فهي ليست مضحكة أبدا، كانت كأنها ستبكي مثل الأطفال. ثم قالت له بصوت مرتعش و متقطع:
"من أجل ماذا؟... شكر ماذا؟"
ثم بدأت تضغط بأظافرها على راحة يدها، كلما خافت تؤلم نفسها دون أن تدرك ذلك... نزل القناع، و ظهر وجه ميران الحقيقي الحقود، كان ينظر إلى ريان المرتعبة وهو غاضب حتى الموت... فتح ميران ذراعيه و ضرب يديه على الطاولة و عينه على ريان ثم ارتسمت ابتسامة خطيرة على شفتيه و قال بدون شفقة:
"يالأسفي عليكي... هل ظننت أنه بإمكانك أن تصبحي زوجتي؟"
تلك اللحظة توقف الزمان و توقفت الدنيا، أولا كررت هذه الجملة في عقلها عدة مرات، أحست و كأنها تأكل صفعات متتالية، في الواقع ريان لم تنم أبدا منذ البارحة لا بد أنها ترى حلما سيئا، لابد أن ما تسمعه مزحة، مزحة سيئة. كانت شفتاها ترتجفان، قالت بصوت متقطع:
"ماذا يعني هذا؟... أنا لم أفهم شيء"
نهض ميران من كرسيه ببطئ و وضع يديه في جيبه ثم نظر إلى ريان بعينين مليئة سخرية:
"أنت لست زوجتي"
عندما أدار ظهره و ذهب خارجا من المطبخ اتبعته ريان بخطوات ثقيلة، مازالت تظن أنه يمازحها و إلا كل الدنيا ستنهار على كتفي ريان و ستموت... توقف ميران في مكانه و أدار ظهره، كان في مدخل الصالون و قال:
"هل تعرفين يا ريان؟... أحيانا قدر بعض الأطفال يتم تحديده من قِبَل الآباء السيئين لأطفال آخرين"
ريان لم تفهم شيئا مجددا، أساسا أي شخص في مكانها لن يدرك ما يحصل الآن، صوتها مرتجف أكثر:
"أنا لا أفهم شيئ... يعني؟"
هز ميران رأسه ساخرا و قال:
"أنا أساسا لا أنتظر فهمك، لذلك سأدخل في الموضوع مباشرة" ثم رفع أصبعه مشيرا إلى نفسه:
"هل تعرفين من أكون؟"
حل الغضب مكان السخرية في صوته الآن، ريان كانت تعيش قمة العجز، كان وقع كلمات الرجل الذي أمامها مؤلما جدا، لا تستطيع إيجاد ميران القديم و كانت خائفة حتى الموت:
"ميران انا... أنا خائفة"
"أجيبي على سؤالي، هل تعرفين من أكون؟"
هزت ريان برأسها بمعنى لا و قالت: "لا أعرف" و بدأت الدموع تنهمر من عينيها واحدة تلو الآخرى.
"عدم معرفتك لي شيئ طبيعي... أنا لست ميران الذي تعرفينه، هذا الرجل الذي ترينه... أنت لن تودي معرفته أبدا. رجل كبر بيمين الإنتقام، أنا إنسان سيئ بالنسبة للناس و لكن بالنسبة لي أنا رجل عادل فقط... و والدك هو سبب وصولي إلى هذه الحالة، هناك أشياء كثيرة سآخذها منه"
كان يتحدث بشكل هادئ و كأنه يتحدث عن أشياء عادية، ريان لا تفهم جدية الموضوع بأي شكل، قلبها المسكين مازال يتمنى أن يكون كل هذا مزحة.
"وعدت نفسي أنني سآخذ كل ما يملكه و أجففه مقابل ما أخذه مني، و أنا وفيت بوعدي، و استعملتك أنت في أول خطوة من انتقامي."
كان ينظر إلى ريان و لا يهتم أبدا ببكائها و خوفها، خطى خطوات نحوها بكل راحة و اقترب منها، انحنى إلى وجهها ثم فتح يديه و قال ساخرا:
"و لكن كيف؟.. هل أقنعتك بشكل جميل؟"
رفعت ريان يدها و أرادت صفع الرجل الذي أمامها، تجمد دمها و تعقد لسانها و كانت مندهشة لدرجة أنها لم تستطع تركيب جملة ولا فعل أي شيئ، دماغها فارغ، كانت تريد أن تصرخ في وجه ميران قائلة كن هو رجل حقير و لكن مازالت تعيش في صدمة و لا تدرك ما حدث. وضعت ريان يدها على شفتيها المرتجفتين و واصلت البكاء في صمت:
"رأسي مشوش جدا... لماذا تفعل هذا بي؟"
"لقد كذبت عليك يا ريان، أنا خدعتك... مالذي لا تفهمينه حتى الآن هااا؟"
عندما ارتفع صوته، أغمضت عينيها من الخوف، بعد صراخه سحب ميران يد ريان بقوة و ضغط بها على جسده:
"هذا الرجل الذي تلمسينه هو أكبر عدو لك"
حينها غصّت ريان بألمها، لا تعرف ان كان ذلك الرجل عدوها و لكنه قاتلها، يدها التي في يده كانت تلمس جسده، هذا مثل الموت... جمعت كل شجاعتها و فتحت عينيها قائلة:
"انت... انت... من أنت؟ من أنت يا ميران؟"
قال ميران بصوت غدار:
"أنا ميران كارامان، أنا ابن الرجل الذي قتله والدك عديم الشرف قبل سنوات"
رمى يدها من يده بقوة و لم تتحمل ريان كل هذا ووقعت على الأرض و قال لها ميران مجددا:
"هل فهمت الآن؟"
نظرت له ريان بعينيها الدامعتين و لكن لم تقل شيئ، جسدها كان يرتجف و تجمعت صرخات كثيرة في حلقها و فقدت قدرتها على التفكير، صراخ ميران و كلماته جمدت دمها. هل كل هذا حقيقة؟ كانت تعطي كل شيئ كي يحضنها ميران في تلك اللحظة و يقول لقد كنت أمزح، و لكن الحقائق كانت عارية تماما أمامها... أغلقت أذنيها بيديها، كانت ترتجف بجنون و تبكي بشدة، لم تكن تريد البكاء لكن لم تستطع إمساك نفسها، إغلقت وجهها بيديها و قالت بعجز:
"أنا، انا ماذا فعلت لك؟ ماذا فعلت لك؟"
و لكن صراخها و تمردها لا يهم أحد، قامت قيامة ريان حين أدار ظهره لها و ذهب، صرخت وراءه بحدة:
"إلى أين أنت ذاهب يا ميران؟ لمن تتركني يا مصيبة الله؟"
توقف ميران، كان متجها نحو الباب، جهز كل شيئ حين استيقظ في الصباح الباكر، وضع أغراضه في السيارة، لم يبق سوى أن يفتح الباب و يذهب دون أن ينظر وراءه... أدار ظهره لريان و قتلها مجددا بنظراته و قال:
"انتهت اللعبة، نزلت الستارة يا جميلتي، أنت إلى طريقك و أنا إلى طريقي"
كانت الكلمات التي سمعتها و كأنها رصاصة إخترقت قلبها، لا يمكن وصف ألمها و ما تحس به، ماذا فعلت لتستحق كل هذا؟ أحبت رجلا فقط، أحبت كثيرا لدرجة أن تؤمنه على روحها و قلبها و جسدها و عينها مغمضة:
"أثناء قولك: أنا أحبك، لا يمكن أن يكون كذب"
كانت تهمس لنفسها، ميران لم يسمعها، وضعت يدها على قلبها، هذه المرة ينبض بشدة و لكن ليس من الحماس بل من الخوف، ريان لم تتحمل ثقل هذه الحقيقة، لم تكن فتاة قوية أبدا لهذا لا تستطيع الآن الوقوف في وجه ميران و محاسبته، كيف انطلت عليهم هذه اللعبة؟ كيف خدعهم جميعا؟
نظرت إلى الرجل الواقف أمامها، العيون التي تعشقها لم تعد تنظر  لها بحب بل بكره، في الواقع لم تنظر بحب أبدا، ريان ظنت أن مشاعر الإنتقام هي حب، كم كانت مخطئة... في ربيع عمرها، الرجل الذي قالت عنه روحي أخذ روحها و هي بقيت تشاهد فقط، أرادت أن تقف أمامه بجسدها المرتجف و لكن لم تجد القوة، ميران كسر روحها و قلبها و جناحها و كل شيئ....انحنى ميران على ركبتيه أمامها كي يقول كلامه الأخير:
"إلى هنا وحسب، الآن عودي إلى المكان الذي جئت منه... و أيضا لا تنسى أن تبلغي هازار شانوغلو سلامي، قولي له ميران كارامان يسلم عليك"
نهض على قدميه، عند إدارة ظهره لن يرى ريان مجددا، أسرع خطواته و ذهب نحو الباب، لم يستطع تخمين أن هذه اللحظة ستكون صعبة عليه هكذا و الحال أنه فكر كثيرا و صور هذا المشهد لعدة مرات في عقله، لن يتألم بل سيستمتع، لكن لسبب ما كانت فرحة الإنتقام الذي أخذه ناقصة، ظن أن كل شيئ سينتهي عندما يبتعد عن ريان، عند فتحه الباب أوقفته كلماتها:
"أنا لن أنسى هذه اللحظة طول حياتي، و أنت لن تنسى... لن أجعلك تنسى..."
ميران تحطم و لكن غيّر إفادة وجهه فورا و التفت لها لآخر مرة:
"هناك مثل شهير هل تعرفينه؟... إن كنت نارا تحرقين مكانا بحجمك، لا تقصري فيما يمكنك فعله"
نظرات ريان الغاضبة كانت تحرق قلبه و لكن ليس هناك معنى للبقاء أكثر، فتح الباب و ذهب دون أن ينظر وراءه.
أغلقت ريان شفتيها بيديها و هي تشاهد ذهاب ميران، بقيت لوحدها في هذه المدينة التي لا تعرفها، همست لنفسها و هي تحترق بشدة:
"حبي أنا لم يكن كذب... أنا أحببتك بصدق"
لأول مرة تكون عاجزة هكذا، لأول مرة فتحت قلبها لرجل، الضربة التي أكلتها لا يمكن تحملها، كانت تريد أن تجري وراءه و تمنعه من الذهاب لكن لم تستطع التحرك. ميران ركب سيارته، لا ميران ينظر وراءه ولا ريان تراه، لقد ذهب، لم يبقى سوى صوت عجلات السيارة القوي. ميران فعل ما قاله و ترك خلفه إمرأة جريحة أكثر مما كان يتخيل... الآن ريان لوحدها مع قلب من رماد، في داخلها حداد الآمال الضائعة، كانت تموت، تموت وهي تتنفس، هي الآن إمرأة جريحة تحمل كرها حزينا في قلبها... يتتبع....

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن