الحلقة 18 - الوداع يا حبيبي

6.8K 123 5
                                    

أحيانا في هذه الحياة تحدث أشياء لا يجب أن تحدث في أماكن لا يجب أن تكون فيها، مثل قدوم جونول الآن إلى هذا البيت في وقت لا يجب أن تأتي فيه. مواجهة إمرأتين تحملان حب نفس الرجل في قلبيهما ستكون خطيرة جدا.
امتلأت ريان بغضب كبير، عندما فهمت أن الصوت القادم من خارج الصالون ليس صوت ميران إنما صوت جونول انطلقت من مكانها مثل السهم. و أيلول لم تفهم كيف حدث هذا، في العادة لا تأتي بدون إعطاء خبر. لماذا جاءت فجأة في يوم كهذا؟ صدفة كهذه، هل هي لعبة القدر؟
جونول صُدِمَتْ عندما رأت ريان خارجة من الصالون، لم تخرج كلمة من فمها، هي الآن تتواجه مع حقيقة مؤلمة. و كأن حياتها كلها تدمرت و وقعت بين يديها، أصبحت قدماها لا تحملانها و كأن حمل الدنيا كله وقع فوق ظهرها. تلك الحقيقة التي فكرت فيها لعدة ليالي و لم تتقبلها إنها تقف أمامها الآن. ماذا لو كان ميران لم يترك ريان أبدا؟ ماذا لو كانت اللعبة الحقيقية لُعِبَتْ عليها و ليس على ريان؟
الآن أجوبة أسئلتها تقف أمامها بكل ألمها، أثناء محاولتها كسب زوجها الذي خسرته مجددا، المنظر الذي تراه كان مدمرا:
ريان و ميران مع بعض، إنه مثل الموت بل أسوأ من الموت...
نظرت مطولا إلى ريان التي تنظر لها بنفس الكره، ماذا تفعل هذه الفتاة هنا في هذا البيت؟
"أنت... أنت ماذا تفعلين هنا؟"
ماتحس به ريان ليس مختلفا عما تحس به جونول، بالنسبة لها جونول ليست سوى إمرأة حقيرة، قاسمت زوجها مع إمرأة أخرى عن دراية. كم إمرأة تقبل بوضع كهذا؟
"ما هذا؟ كأنك لم تفرحي برؤيتي"
عندما تقدمت ريان نحو جونول أيلول خافت كثيرا أما السيدة نرجس فقد أخذت الهاتف و تتصل بميران، ستخبر ابن أختها بأن القيامة ستقوم بعد قليل.
"أفرح لرؤيتك؟!!"
عندما رأت جونول نظرات ريان المستفزة لها غضبت أكثر، أما ريان كانت ممتنة جدا من هذا الوضع، هي لم تفعل أي شيء يجعلها تحني رأسها، إذا لم تتقابل يوما مع جونول و تفرغ غضبها منها لم تكن لترتاح... جونول مازالت تحت تأثير الصدمة: "أنت... كنت هنا دائما منذ البداية أليس كذلك؟ ميران لم يتركك أبدا"... وضعت يديها التي ترتجف على شفتها و تظن أنها أجابت على كل الأسئلة:
"لقد لعبتم علي... جميعكم"
ثم وجهت نظراتها إلى أيلول، على أساس أنها أقرب صديقة لها، قالت لها بخيبة أمل:
"هل أنت أيضا؟ أنت أيضا يا أيلول؟"
أيلول كانت على وشك البكاء، هزت برأسها قائلة:
"لا.. أقسم أنه ليس كما تظنين يا جونول، لقد تعرفت اليوم على ريان. المذنب الحقيقي هو أخي ميران و أنت... أنتم لعبتم على ريان، اتحدتما مع أمي و خدعتم هذه الفتاة المسكينة"
رفعت أيلول يدها مشيرة إلى ريان التي كانت متفاجئة، دفاع أيلول عنها أمر غريب، في النتيجة هي لا تعرفها و هي صديقة جونول المقربة... هذا يعني أنه مازال هناك أناس يحملون العدل في قلوبهم.
"أنا فعلت كل شيء كي لا أخسر ميران"
صرخت جونول بشدة ثم رمت الورقة التي بيدها على الأرض بغضب و أكملت:
"قال اصمتي، صمتت. قال لا تقولي، لم أقل. قال مثّلي فمثّلت. بكيت كل ليلة حتى الصباح ثم ذهبت إلى ريان و ابتسمت في وجهها"
انحنت أيلول و أخذت الورقة من الأرض و بدأت تقرأها و أثناء ذلك رفعت جونول يدها المرتجفة في الهواء قائلة:
"و لكن انظري... انظري، يداي فارغتان. ميران غير موجود. أنا لم أتحمل كل هذا كي يكون هو مع ريان"
جونول استسلمت لنوبة غضب أما ريان فقد ضحكت بسخرية:
"أنت تستحقين كل ما حل بك"
ثم سحبت الورقة التي في يد أيلول، هذه عريضة طلاق. هذا يعني أن ميران سيطلق جونول حقا. بينما كانت جونول تنظر بحقد شديد رمت ريان ورقة الطلاق في وجهها و قالت:
"هل ظننت أنك ستكونين سعيدة عندما تهدمي دنياي فوق رأسي؟... أنت إمرأة مقرفة و أنا لا أشفق عليك بمقدار ذرة"
"أنا لم أتحمل كل هذا العذاب كي يكون ميران لك... ستذهبين من هنا، ستعودين إلى المكان الذي جئت منه"
كانت عينا جونول مثل كرة النار، لم تكن في وعيها، تجاوزت كل حدودها و اتجهت نحو ريان و أخذت تسحبها من ذراعها. ريان أساسا لا تبقى بجانب ميران بإرادتها، لا تريد البقاء هنا لكن بعد كلام جونول لها كانت تود الصراخ في وجهها قائلة أنا لن أذهب عنادا بك. قالت ريان بصوت عصبي:
"لن أكون أنا التي ستذهب"
"أي أنك تقبلين العيش مع رجل متزوج أليس كذلك؟ هل تعرفين ماذا يُقَال عن النساء مثلك؟"
جونول كانت تريد الضغط على ريان و لكن ريان لم تسمح لها بأن تكمل كلامها، لن تسمح لها بقول تلك الكلمة التي تريد جرحها بها: فجّرت ريان صفعة قوية على وجه جونول تعادل خمسة أضعاف تلك الصفعة التي ضربتها في وجه ميران قبل بضعة أيام... بينما كانت السيدة نرجس و أيلول تحت تأثير الصدمة، وضعت جونول يدها على وجنتها المحمرة تماما في دهشة، هي أيضا لن تقف هكذا، أساسا هي ذات شخصية تميل للعنف. انقضّت جونول على ريان و دفعتها بكل قوتها، كانت ريان على وشك أن تقع، في تلك اللحظة لم تفكر سوى بطفلها، لو حدث له شيء هي ستقتل هذه المرأة بكل تأكيد.
بقيت ريان مترددة فيما ستفعله أما جونول و كأنها ستقفز فوق ريان في أي لحظة. طرفها المجنون كان يقول لها أن تنتف هذه المرأة أما طرفها الآخر يقول لها أن تبقى هادئة و تفكر بطفلها. كانت مرتعبة من أن يفهم أحدهم أنها حامل و الأكثر من ذلك كانت خائفة حتى الموت من أن يحصل شيء لطفلها.
عندما هاجمتها جونول مجددا استسلمت ريان لغضبها، حتى لو وقفت كل الدنيا أمامها لن يستطيع أحد أخذ هذه المرأة من يدها. منعت جونول من توجيه صفعة لها ثم سحبتها من شعرها، مهما حاولت أيلول التدخل بينهما لم تستطع فعل شيء.
متى وصلوا إلى هذه الحالة؟ كيف تحولت إلى إنسانة كهذه؟ لم تكن تعرف شيء، كل ما تعرفه أنها لم تعد ساذجة و بريئة مثل السابق.
هذه المعركة إنتهت بنتيجة سيئة جدا، جونول فقدت توازنها و سقطت فضربت رأسها. ريان تراجعت إلى الوراء في دهشة، لم تكن تريد حصول هذا. الآن يداها ترتجف و هي تنظر إلى جونول المغمى عليها أمامها...
ميران تأخر كثيرا، عندما وصل إلى البيت و رأى سيارة الإسعاف ضاق قلبه، ظن العكس تماما، أعتقد أن جونول هي من ضربت ريان، أساسا جونول لديها شخصية كهذه و لكن عندما سمع الحقيقة اندهش كثيرا.
في النتيجة هم الآن في المستشفى، بينما يهتم الطبيب بجونول كان ميران و أيلول ينتظران أمام الباب. بقيت خالته في البيت مع ريان. رمى ميران بجسده المتعب على الكرسي و وضع رأسه بين يديه، و بدأ يفكر بعمق، الخطأ الذي ارتكبه ولّد نتائج مرعبة. بينما يقول سأصلح كل شيء ألا يغرق أكثر هكذا؟ كيف سيحلها؟ لا يعرف كيف سيصلح كل ما دمره. كلما أراد أن لا ينكسر أحد، كان يشهد تحطمهم أمامه.
كان جزء من عقله مع جونول و الجزء الآخر عند ريان، هو يعرف ريان جيدا، لا بد أنها تنهي نفسها من عذاب الضمير الآن. معرفة أنه هو سبب وصولها إلى هذه الحالة تحرق روحه... رفع رأسه على اليد التي وُضِعَت على كتفه، كانت أيلول تنظر لميران و على وجهها إبتسامة أليمة:
"يجب أن تكون هادئا و صبورا... كل هذا سيمضي"
ميران أيضا ابتسم لا إرادياً، كان يريد الصراخ قائلا: "لا يمضي أي شيء" و لكن فضّل الصمت. اتكأ على الكرسي، الدقائق لا تمضي، بالنسبة له للمستشفى وجه بارد، لا يحب المشافي أبدا. وراء هذه الجدران الباردة كانوا قد وضعوا والده في المشرحة و بعد موت والده بقيت أمه في المستشفى طويلا، كانت تداعب شعر ميران قائلة: "سأكون بخير هنا" و لكنها لم تصبح بخير و أخذ خبر فقدان والدته في المستشفى أيضا... كان صغيرا حينها، قلبه صغير، يداه صغيرتان و لكن ألمه كبير.
مرت سنوات و كبر ذلك الطفل صاحب الآلام الكبيرة، لم ينس ما عاشه ولا من كان السبب في هذا، و تحول ألمه إلى نار الإنتقام في داخله، حرق بقدر ما يستطيع و لكن في النهاية احترق هو أيضا... ليس من السهل التراجع عن إنتقام كهذا و لكن ميران أحبّ كثيرا، أحبّ ريان أكثر من كل شيء، يعشقها لدرجة أن يدير ظهره ليمين الإنتقام الذي أقسمه.
عندما فُتِح باب الغرفة نهض كل من ميران و أيلول، كلاهما نظرا إلى الطبيب، سأل ميران في قلق:
"كيف حال جونول؟ هل هي بخير؟"
لم يكن يريد أن يحصل لها شيء خاصة عندما تكون ريان السبب في هذا، لا يريد أبدا.
"أُغْمِي عليها بسبب الصدمة فقط، الآن هي بخير تماما"
كلمات الطبيب جعلت ميران يتنفس براحة و كأن حملا كبيرا انزاح من ظهره. واصل الطبيب كلامه:
"مع ذلك يجب أن تنتبهوا لها، في هذه الأوضاع ال24 ساعة القادمة تكون مهمة جدا، إذا واجهت المريضة مشكلة تقيأ أو ألم في المعدة يجب أن تذهبوا إلى المشفى"
"فهمت، شكرا لك"
بعد أن ابتعد الطبيب لمست أيلول ذراع ميران قائلة:
"أنا سآخذها إلى بيتنا، أنت خذ ريان من هناك و اذهب"
هز ميران رأسه بالموافقة ثم نظر إلى الغرفة التي تبقى فيها جونول و قال:
"لا تتصلي بعائلتها كي لا يقلقوا عبثا.. انتظري هنا يا أيلول، سأتحدث معها للمرة الأخيرة"
اتجه ميران إلى الغرفة تاركا أيلول وراءه، فتح الباب و الدخول كان مثل الموت بالنسبة له. إن كان جيدا أو سيئا فقد تقاسما بعض الأشياء معا، مهما كان هذا الزواج لا يعني شيئا لميران فهو يعرف مدى أهميته بالنسبة لجونول... فتح الباب و دخل بخطوات هادئة، آخر مرة رأى فيها جونول كانت يوم تشاجرا و ترك لها البيت. عندما رآها تألم قلبه لا إرادياً، النظر إلى عينيها لم يكن بهذه الصعوبة من قبل، عندما يكون غاضبا يكون كل شيء أسهل، حينها عين الإنسان لا ترى شيئا. لا يستطيع أن يغضب من جونول، و لن يسألها لماذا ذهبت هناك و تشاجرت مع ريان. مالذي ينتظره من إمرأة عاشقة؟ كان يعرف أن جونول ستسبب مشكلة بسبب دعوى الطلاق... جلس ميران على الكرسي و قال بصوت هادئ:
"كيف حالك؟
جونول كانت تنظر إلى الخارج، لم تُدِر رأسها عندما فُتِح الباب ولا عندما ملأت أنفها رائحة حبيبها لأنها كانت تعلم أن تلك العينين ستكون موتها:
"برأيك هل أنا بخير؟"
"أريد أن تكوني بخير، لأنني بعد الآن.. في حياتك..."
كان ميران يختنق في كلماته ثم رفعت جونول يدها في وجهه قائلة:
"لا أريد أن أسمع، لا أتحمل هذا، لا تقل... أرجوك لا تقل"
ميران لا يتحمل أكثر، نهض من مكانه و ذهب نحو سريرها، أمسك يدي جونول و أبعدها عن أذنيها ثم أخذ وجهها بين يديه و جعلها تنظر له، كان يتألم، و همس لها:
"انك تفعلين هذا مجددا... أنت تضربينني من رحمتي يا جونول"
جونول تنظر له بعينيها الدامعتين و كأنها تموت، أغمض ميران عينيه و أخذ نفسا عميقا و قال:
"لماذا؟ لماذا تفعلين هذا؟ لماذا؟"
"أنا لم أفعل شيئا، أنا أحببت فقط.. أحببتك كثيرا"
"ربما أكبر خطأ لك، ركضت وراء حلم لن يتحقق و حاولت سجني.. "
ثم سحب يديه من وجه جونول و اقترب منها أكثر و قال:
"و لكن لم تستطيعي، حريتي لم تعد بين يديك الآن"
جونول هزت رأسها بغية إنكار هذا، لا تتقبل نهاية كهذه، نهضت من السرير و ركعت تحت قدمي ميران و كأنه لم يحذرها من هذا قبل قليل:
"اقتلني يا ميران... و لكن لا تقل هذا"
انها تفعل هذا مجددا و تضرب ميران من ضميره، و لكن هذه هي النهاية، لم يبق شيء للتحدث فيه. صرخ ميران:
"انهضي.. قلت لك انهضي يا إمرأة!!"
جونول لم تكن تستمع له، كانت تأخر النهاية ببكائها و لكن عبثا... نهضت من الأرض و بقيت عيناها هناك، لا تريد النظر إلى ميران، لو نظرت ستموت، و ربما ستراها لآخر مرة. كم هذا مؤلم... لم تفكر يوما بحياة بدون ميران.
"بعد أن تطلقني ستتزوج بها أليس كذلك؟"
"سأفعل ما يجب علي فعله"
"لو لم تكن هي موجودة..."
"حتى لو لم تكن هي موجودة لن يستمر هذا الزواج، افهمي هذا... أنت لست موجودة في عيني"
"رغم هذا كانت لدي فرصة يا ميران، لو لم تكن هي، لو لم تدخل بيننا..."
ميران لا يتحمل كلامها أكثر، وضع يده على فمها و لم يسمح لها بقول المزيد، هناك حقيقة يجب أن تعرفها:
"اصمتي، اصمتي و اسمعيني... أنت مخطئة، هي لم تدخل بيننا... في الأصل أنت التي دخلت بيني و بين ريان"
مالذي يريد ميران قوله؟ ماذا يقصد؟ نظرت إلى عينيه في دهشة و قالت:
"ماذا يعني هذا الآن؟"
"ريان كانت موجودة دائما، حتى لو لم تكن هي تعرفني فقد كانت جزءا من حياتي دائما. أنا أنتظرها منذ سنوات، هل تظنين أنني وضعت خطة الزواج هذه مؤخرا؟ لقد حفرت في عقلي فكرة الزواج بها منذ 5 سنوات... أنت التي جئت لاحقا، أنت كنت عبارة عن خطأ لم يكن في الحسبان"
كانت جونول تُدهس تحت ما سمعته، تركت جسدها المنهك على حافة السرير، لقد فهمت الآن أنها الخاسرة في هذه الحرب... همست في داخلها و هي تنظر إلى ميران:
"أنت تعشقها منذ ذلك الوقت..."
صمت ميران و صمته يعني قبول هذا، لقد وصلا إلى النهاية، اليوم في هذه المشفى هو آخر لقاء له بجونول. قال بصوت متقطع و لكن بقوة:
"أنا ذاهب يا جونول، ان كان جيد أو سيء هذا لا يفرق، و لو كان لمدة قصيرة فقد تقاسمت حياتك معي. أنت تعرفين كم جرحنا بعضنا و لا يوجد فائدة من جرح أنفسنا أكثر... انتهى"
هزت جونول رأسها في ألم، ليس لديها طريق بدونه، ليست لديها قوة لتحمل لياليها و أيامها بدونه و لكن ستتعود مع الوقت... من الذي لا يتعود؟ من مات من الحب حتى يومنا هذا؟ مازال جرحها طازجا و لكن يوما ما لن يؤلمه و لكن حتى قدوم ذلك اليوم ستتذوق هذا الألم دائما... قال ميران:
"وداعا..."
قال كلمته الأخيرة و اتجه نحو الباب و هي ترى الرجل الذي تحبه و تسمع صوته لآخر مرة، كانت جونول تنظر له بعينين دامعتين و قالت:
"وداعا يا حبيبي..."
يتتبع...

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن