الحلقة 11 - الضيف

8.4K 134 2
                                    

فكرت ريان كثيرا و لعنت تلك الكلمات التي لم تآتي إلى عقلها في تلك اللحظة الملعونة، كرهت نفسها لأنها سكتت. لو كانت تستطيع العودة بالزمن كانت تستطيع أن تقول أشياء مختلفة لميران، مثلا لن تبكي أمامه هكذا بعجز، لن تتوسل إليه كي لا يذهب... لقد أصبحت تكره نفسها لأنها كانت ضعيفة هكذا أمامه.
الأيام تمر، لقد مر أسبوع على قدومها إلى هذا البيت لكن لم ينقص شيئ من ألمها، الأيام و الساعات فقط هي التي تمر.. الألم باقي دائما.
مدت يدها ببطئ إلى الهاتف الذي يرن بجانبها، المتصلة كانت أمها، بعد أن وصلت إلى إسطنبول اشترى لها فرأت خطًّا جديدا. ريان كسرت الشريحة القديمة و رمتها. كان يجب أن لا يصل إليها أحد من أهل القصر، والدها عمها آزاد أو بديرهان. و أمها كانت تتصل بها من خارج القصر كي لا يعرف أحد مكان ريان. الوحيدة التي كانت تعرف أن ريان في إسطنبول عند السيدة صدّيقة هي أليف و أمها السيدة عائشة. السيدة زهرة لا يمكن أن تثق بأحد غير أختها في هذا الموضوع.
"أمي؟"
"عزيزتي ريان، هل أنت بخير؟"
"أحاول أن أكون بخير. أخبريني ماذا حصل في القصر"
كانت ريان تتحدث بهدوء، لا تريد أن تسمعها السيدة صدّيقة.
"والدك تقبل الحقيقة، لم ينكر أنه قتل والد ميران، و فوق ذلك هو لا يتحدث بأي كلمة عن هذا منذ أيام، منذ أيام كل ما يفعلونه هو التحدث وراء الأبواب المغلقة. عندما سمع اسم والد ميران تحول وجهه إلى رماد، كان يجب أن تريه يا ريان. و آزاد جن جنونه، إنه يقول أنه سيجد ميران و يقتله و عمك يحاول تهدأته"
"لماذا يفكر آزاد بهذا؟ مسألة ميران أليست عند أبي؟"
"ميران ضربنا بك يا ريان، لو سُمِعَ هذا في ماردين هل تعرفين ماذا يحصل؟ هل سيبقى ما فعله بدون عقاب؟"
"ماذا سيفعلون لميران؟"
سألت ريان و صوتها يرتجف، ضاق قلبها من الخوف و لم تستطع منع عينيها من الدموع:
"مهما حصل لا اريد أن يحصل له شيئ يا أمي"
ثم بدأت بالبكاء، ليس بيدها، مازالت تحبه كثيرا، فكرة أنه سيحصل له شيئ كانت كافية لجعلها تتحطم:
"أتوسل إليك امنعي آزاد، لا يلمسوه، لا أبي ولا آزاد، ليتراجعوا عن إيجاد ميران"
"انت لا تتدخلي في هذا الأمر يا ريان، هذه المسألة أصبحت تتجاوزك أنت أيضا"
كانت صوت المرأة غاضبا جدا، أغلقت الهاتف ثم بدأت ريان بالبكاء بشدة، لا تعرف لماذا تبكي حتى... قبل هاتف أمها تحدثت ريان مع أليف، قالت إنها ستأتي إلى جانب ريان بعد بضعة أيام لأنها أساسا  تدرس في إسطنبول و هذا الشيئ الوحيد الذي كان يُسعد ريان... من ناحية أخرى كانت ريان تغضب من نفسها بشدة، رغم كل ما فعله بها هي مازالت تفكر به و هذا يقلل من احترامها لنفسها، كانت تحس نفسها بلا كرامة.
عندما فُتِح باب الغرفة بهدوء مسحت ريان دموعها فورا، كانت السيدة صدّيقة تنظر لها بقلق و حزن:
"هل أنت بخير يا ابنتي الجميلة؟"
هزت ريان رأسها بمعنى نعم.
"تعالي إلى الفطور يا ابنتي، أنت لا تأكلين شيئا، هل نسيت ما قاله لك فرات؟"
"لم أنسى يا خالة صدّيقة و لكن لا أشتهي شيئا"
"لا يمكن هذا، هيا تعالي إلى المطبخ لنرى"
ريان فهمت أنه لا مفر لها هذه المرة، خرجت من الغرفة نحو المطبخ، الطاولة التي لا ينقصها شيء فتحت شاهيتها قليلا. سحبت الكرسي و جلست، منذ أيام لا تأكل بشكل جيد. ملأت لها السيدة صدّيقة الشاي و قالت: "بالعافية" فابتسمت لها ريان. عندما رأتها السيدة المسنّة تبتسم لأول مرة فرحت كثيرا.
"خالتي صدّيقة، بعد بضعة أيام ستأتي أليف إلى إسطنبول، انت تعلمين أنها تتدرس هنا، هل يمكن أن تبقى هي أيضا هنا؟"
"ماهذا السؤال يا ابنتي، يمكنكما البقاء قدر ما تشاؤون، أمهاتكما كبرتا على يدي في الماضي"
ريان كانت تتساءل عن هذا، لكنها لم تتحدث مع المرأة لأنها لا تخرج من غرفتها منذ أيام، وضعت الكأس من يدها و قالت:
"هل أنت من ماردين؟"
"نعم، وُلِدْتُ و كبرت هناك ثم تزوجت في ال16 من عمري، فقدت زوجي و أنا في ال24 من عمري، بقيت هكذا مع ابنتي الوحيدة... كان يجب أن أتزوج مجددا كي أعتني بها أو أن أجد مصدر رزق. كنت أحب زوجي كثيرا و لم أرد الزواج بآخر من بعده. في وقتها كان هناك جدك الآغا فيروز من أغنياء ماردين"
من تتحدث عنه كان جد ريان والد أمها، كانت ريان تستمع إلى حكاية السيدة صدّيقة وهي تبتسم.
"لم يكن لدى جدتك السيدة ديلبار حليب، خالتك في الثانية من عمرها و امك حديثة الولادة، أنا أرضعت أمك و منذ يومها عشت في قصر جدك، و هم ساندوني كثيرا، كبرت ابنتي ثم انتقلنا إلى إسطنبول."
"بعد ذلك؟ ماذا حصل بعد ذلك؟ أين ابنتك الأن؟"
بعد هذا السؤال حط حزن عميق على وجه المرأة، حينها فهمت ريان أنها لمست شيئا عميقا و خجلت قليلا:
"هل سألت شيئ خاطئ؟"
"لا يا ابنتي.. قبل 4 سنوات تعرضت لحادث مع زوجها و ابنها ثم توفيت"
ما سمعته ريان أصابها بصدمة، كم يوجد آلام غريبة في هذه الدنيا لا يمكن تحملها قالت بصعوبة:
"بسلامة رأسك.. فرات بقي بدون أم ولا أب ولا أخ أليس كذلك؟"
"بقي صغيري وحيدا، و أنا تذوقت مرة أخرى فقدان من أحب"
ريان لم تجد ما تقوله، لقد خجلت من الألم الذي تحس به منذ أيام، لو تسألها هذه المرأة الآن عن همها كانت ستحني رأسها من الخجل. و كأن المرأة أحست بكل هذا و أمسكت يدي ريان:
"صدقيني يا ابنتي الجميلة، الله الذي يعطي الداء يعطي الدواء أيضا بعد فترة، مهما كان ما عشته سيمضي يوما ما، الزمن سيكون مرهما لجروحك. فقط اصبري، الصبر هو الطريق الوحيد  إلى الخلاص..."
بدون شك منذ ذلك اليوم الشعور الحيد الذي ينخر كبده هو الندم، لم يفهم كيف و لماذا و لكن كان يحس بثقل كبير في صدره، الرجل الشاب لا يستطيع التنفس، لم يكن يتخيل أن هذا ما سيحصل في النهاية، لم يحسب أبدا أنه سيتألم هكذا. الأيام التي تمر تزيد في الألم الذي في قلب ميران:
ميران يتألم... ميران يندم... ميران يشتاق لريان...
سأل نفسه بأي حق؟ بأي حق تشتاق لها؟ خرج في هذا الطريق وهو يعرف أنه سيندم، في الواقع الشيئ الوحيد الذي يندم عليه هو ريان، ليس الإنتقام. لو حصل اليوم سيأخذ انتقامه مجددا، هو يكن كرها عميقا لذلك الرجل في داخله، و لكن لا يُعرف متى سيسقط الحب في عمر الإنسان. ميران حسب احتمال حبه لريان ألف مرة و لكن رفض هذا في كل مرة، لكن هذه هي الحقيقة. في الواقع هذا ليس شيئا جديدا، كان هناك أشياء بداخله منذ أول يوم رأى فيه ريان، عارض كثيرا قلبه الذي ينبض عند رؤية عينيها، ظن أن هذا سيمضي، كان يفكر أن ريان ستخرج من عقله عندما تنتهي هذه اللعبة و لكن لم يحدث هذا، كان داخله يمتلئ كل يوم أكثر بحب كبير...
ميران لا يستطيع التنفس، هناك فرق كبير بين الحياة التي يعيشها و الحياة التي يريد عيشها.. في جهة جونول و في الجهة الأخرى توجد ريان.
ميران في الأعراف... من جهة الجنة، و من جهة جهنم.
عندما عاد إلى البيت كانت الساعة تجاوزت منتصف الليل، لقد تشاجر مع آردا مجددا، خرج من الشركة غاضبا و جلس في الساحل أمام البحر لساعات. آردا هذه المرة أغضبه كثيرا، قال له "أنت تحب ريان، أنكر بقدر ما تريد، أنت تجن من أجل تلك الفتاة..."
أدار المفتاح بهدوء و فتح الباب، كان يتمنى أن تكون جونول نائمة و لكن للأسف جونول كانت جالسة تشاهد التلفاز، تعيسة و حزينة كالعادة لأن زواجهما يغرق أكثر كل يوم، ميران منذ ذلك اليوم لا ينام معها، لا ينظر إلى وجهها. كانت تحس أن هذا ما سيحصل، كانت تخمن أن لعبة الإنتقام و ذلك الحب سيتحول إلى حقيقة، و حصل هذا. هناك إمرأة أخرى في عقل زوجها و الأسوأ أنها تعرفها.
ميران اتجه نحو الدرج دون أن يقول كلمة واحدة كان يحس بأن نظرات زوجته تحاوطه و لكنه لا يهتم بهذا، بالنسبة له هذا البيت ليس بيت و هذا الزواج ليس زواجا حتى الحياة التي يعيشها ليست حياة.
دخل إلى غرفة النوم و خلع ملابسه بسرعة، عندما دخل و خرج من الدوش لم يجد ثيابه المتسخة، ذهب إلى الخزانة و أخذ قميصه الأسود و حينها رأى جونول خلفه:
"متى ستتحدث معي؟"
هي لم تمل من السؤال لكن ميران مل من الإستماع:
"أنا متعب"
انه يلهيها كالعادة، ميران ارتدى ملابسه بسرعة ثم قالت جونول:
"هل تعلم؟ اليوم جاءت أيلول"
"حقا؟ متى عادت؟"
قالت جونول: "اليوم"
أيلول هي ابنة خالة ميران و صديقة جونول من الجامعة، أساسا هي تعرفت على ميران بواسطة أيلول، ذهبت في يوم إلى بيت أيلول، في تلك اللحظة كان ميران خارجا من الباب بعد أن التقى بخالته، لم يلاحظ أبدا الفتاة التي وقفت في الباب تنظر له بإعجاب، هكذا بدأت هذه الحكاية الحزينة و هي تستمر كما بدأت، ميران لا يرى جونول مجددا و هي لا تمل من الصبر، لم تترك أثره منذ ذلك اليوم، حتى لو لم يعطها ميران وجها أبدا فقد وقع ضحية لشبابه و أُجبر على الزواج بها...
"ليس لديها علم بأي شيئ فلم أستطع إخبارها باللعبة القذرة التي لعبناها"
"امان كم هذا جميل!"
"ايلول أيضا ستعلم بهذا، لا يمكنك إخفاء ريان عنها، عندما يأتي قاطع الطريق ذلك آزاد إلى بابك ستعلم هي أيضا كل شيئ"
"فلتعلم... هل سأخاف من ايلول يا هذه؟"
صرخ ميران في وجه جونول ثم وضع يده على رقبته:
"لقد جعلتني أسأم يا جونول، كم مرة سأقول لك لا تذكري اسم ريان مرة أخرى؟"
صوت ميران المرتفع أرعب جونول فأرادت أن تغير الموضوع، أمسكت يد ميران اليمنى و حبستها بين يديها:
أنا أشتاق لك كثيرا"
كانت تشتاق كثيرا كلما بقيت محرومة منه و أكثر ما يخاف منه ميران هو هذه الكلمة، هو لا يشتاق لها و لكن لم يكن يريد قول هذا و كسر جونول، سحب يده بهدوء و قال:
"هل نتحدث لاحقا؟"
"أقول لك أنا اشتقت لك، ألا يوجد أي أهمية لهذا يا ميران؟"
ميران في آخر صبره، لم يفكر أبدا كم ستحترق المرأة التي أمامه بالكلمات التي سقولها و صرخ:
"لا يا جونول، لا.. أنا أعيش كما تريدين منذ سنة كاملة، حياتي تحولت إلى جحيم، أنا لست سعيدا معك، ألا ترين هذا؟"
ابتعدت جونول عن ميران و أخذت زجاجة عطر و رمتها على الحائط، لقد قطعت حبالها، كان الإثنين في قمة الغضب:
"لماذا تزوجتني إذا؟"
أنهما على حافة معركة كبيرة الآن، لكن ميران سئم من المجادلة حتى، أخذ نفسا عميقا ثم وضع يده على كتف جونول:
"أنا و أنت مذنبان في هذا، لا فائدة من فتح الدفاتر القديمة في هذا الليل"
عندما سحب يده و أدار ظهره أمسكته جونول من ذراعه، الواضح أن جونول تود نبش الجراح الآن، كانت غاضبة جدا لآجل كل يوم لم تستطع فيه الوصول إلى ميران:
"أريد أن نفتح الدفاتر يا ميران"
"تودين أن تسمعي هذا رغم أنك تعرفين أنك ستحزني أليس كذلك؟"
جونول هزت رأسها إلى الجهتين بلا حيلة، "لا أريد أن أسمع، إياك أن تقول تلك الكلمات" لم تستطع قول هذه الجمل التي أصبحت شوكا في لسانها.
بقي سؤال ميران بلا جواب، سحب ذراعه بقوة من يد زوجته:
"قولي، هل قلت لك يوما أنني أحبك؟"
"لم تقل يا ميران.. "
كان قلب جونول و لسانها يتمردان من العجز. لم تسمعها، لم تسمعها و لو لمرة واحدة.
"لم أقل لأنني لم أحبك أبدا، منذ ذلك اليوم الملعون لم تتركيني و شأني أبدا، دخلت في دمي، و كأن هذا لا يكفي دخلت إلى فراشي أيضا"
بقيت كلمات ميران في المنتصف بعد الصفعة التي نزلت على وجهه فجأة، ليس هو فقط بل جونول أيضا انهزمت أمام غضبها و لكن ما فعلته هذا لا يمكن مسامحته من طرف ميران. كانت عينا ميران تنظر برعب وهو يعيش صدمة الصفعة التي أكلها، ربما هذا ما ملأ الكأس، أمسك جونول من ذراعها ثم رماها على السرير بكل قوته ثم صرخ بشدة، ربما كل البيوت المجاورة سمعت ما قاله:
"من أين تأخذين هذه الشجاعة يا هذه؟"
"أنت من أوصلني إلى هذه الحالة... أنت"
لقد قطعت كل حبالها و كانت تبكي بشدة. ميران كان يضغط على يده بغضب و رفع يده الأخرى في وجه جونول و كأنه يهددها، قال كل ما بداخله دون أن يفكر بإحساسها:
"أنا أكرهك و أكره حبك هذا الذي لا ينتهي"
ثم صمت و أخذ نفسا بعمق، أنزل يده ببطئ ثم أشار إلى نفسه و قال بصوت ضعيف، عاجز، متؤلم و منزعج:
"لا أكرهك أنت فقط بل أشمئز من كل شيئ فيّ أنت تحبينه"
أدار ظهره، كرهه لهذه المرأة أصبح يأخذ بعدا آخر، لا يشفق و لا يحس بالذنب، قلبه أصبح حجرا لدرجة أنه لا يحس بشيئ. اتجه نحو الخزانة لبس ثيابه ثم أغلق الباب و كأنه سيكسره، كان يعرف أن جونول ستأتي وراءه لكنه لم يلتفت حتى، نزل الدرج بسرعة و عندما وصل إلى آخر الدرج قالت جونول:
"إلى أين يا ميران؟ تتركني و تذهب إلى أين؟"
توقف ميران في مكانه، جائت ريان إلى عقله، لقد سمع نفس الكلمات منها منذ أيام. كم أصبح رجلا سيئا هكذا! اتجه إلى الباب بسرعة، اليوم سيذهب من هذا البيت و لن يعود أبدا، انتهى أسره المؤلم، لقد وصل إلى آخر نقطة تحمل ثم صرخ:
"لا تأتي خلفي، الرجل الذي أسرت عمره بين يديك، اليوم حرر نفسه"
"أنت لم تكن أسيري، أنت كنت كل شيئ لي يا ميران"
كانت تنزل الدرج وهي تتمايل و تبكي. قبل أن يفتح ميران الباب و يذهب توقف لآخر مرة و لكن لم يدر ظهره، لأنه كلما نظر إلى جونول ضميره ينزف بدون سبب ثم يفرط بنفسه مجددا و لكن هذه المرة لا:
"ارسمي طريقا جديدا لنفسك"
هذه المرة كان واثقا من نفسه، لم يكن يريد أن يحصل هكذا و لكن حصل. اليوم يستقيل من مهنة الزوج، لقد انزاح حمل كبير فوقه من الآن:
"ارسمي طريقا لا أكون أنا فيه، لأنه أنت لست موجودة بعد الآن في الطريق الذي رسمته أنا"
أساسا لم تكوني موجودة أبدا...
فتح قفل الباب بضجة تكسر القلب، ميران انعصف إلى الخارج مثل الريح أما جونول فقد استسلمت تماما للبكاء، سبب عيشها و الرجل الذي نذرت عمرها له غادر هذا البيت و قلبها...
مرت ساعات على ذلك الإنفصال العاصف، ميران بعد خروجه من ذلك البيت ذهب إلى الشركة فورا، هذه ليست أول مرة ينام هناك، كان ينام على تلك الأريكة كثيرا عندما يتجادل مع زوجته. لقد قرر أن لا يعود إلى المنزل ابدا، إنه يحتاج إلى بيت جديد...
حل الصباح و بدأت ساعات العمل، بدأت الشركة تمتلئ بالموظفين. فتح ميران حاسوبه و نظر إلى جدول أعماله اليوم ثم فتح اردا باب المكتب و دخل، كان كالعادة في كامل طاقته و ذو وجه ضحوك و لكن عندما رأى ميران في ملابس رياضية عبس وجهه قليلا:
"لماذا لبست هكذا؟ هل نسيت اجتماعنا بعد الظهر؟"
ارتسمت ابتسامة على وجه ميران، كان سعيدا مثل الأطفال لأنه انفصل عن جونول:
"سأخبرك لاحقا، اجلس ثم اطلب لي شيئا للفطور"
ثم أخذ ميران هاتف العمل و اتصل بصرب و بدأ بإصدار الأوامر:
"ستذهب إلى بيتي الآن يا صرب، أحضر لي الوثائق التي في الخزنة و أيضا... خذ حقيبة معك و ضع كل ما تستطيع وضعه من ملابسي"
عندما أغلق الهاتف رفع اردا أصبعه مشيرا إلى ميران:
"أم أنك؟ هل انتهى حقا؟ هل انتهى هذا الزواج؟"
"هل كان بدأ حتى ينتهي؟ أنا فقط أتخلص من الأغلال التي كانت تقيدني، هذا ماكان يجب أن يحصل"
آردا أعطاه الحق، كان يحزن على جونول و لكن لا يمكن أن يسير هذا الزواج من طرف واحد... أراد آردا أن يفتح مسألة ريان فوق هذا و لكن سكت، كلما فتح هذه المسألة يتجادل مع ميران لكنه انتبه لشيئ، في آخر مرة تجادل فيها معه قال له أنه يحب ريان، و اليوم انه ينفصل عن جونول. كان آردا متأكدا مثل إسمه أن ميران يفعل هذا من أجل ريان...
بعد يوم مليئ بالعمل أحس ميران بالتعب، اتكأ على الأريكة، غادر كل الموظفين الشركة و لم يبق سوى آردا و ميران. نظر الرجل الشاب إلى حقيبته التي وراء الباب، يمكن أن يكون هو أول الرجل يفرح لأنه لا يملك بيت يعود إليه. لم يصمت هاتفه طول اليوم... سيبقى عند آردا لعدة أيام حتى تنتهي معاملات شراء البيت الجديد، في النتيجة آردا يعيش وحيدا و لم يسمح لميران بالبقاء في الفندق. من ناحية أخرى عندما سمعت خالته ان ميران ترك البيت جاءت كي تقنعه بالبقاء عندها لكنه رفض، لأنه كان يعرف أنه عندما يبقى هناك ستتحد خالته و أيلول ليقنعوه في موضوع جونول. ميران متأكد من قراره، مهما حصل لقد انتهت مسألة جونول.
أخذ مفتاح السيارة و الهاتف في يده ثم أطفأ أضواء الغرفة، في تلك اللحظة اهتزت الشركة الفارغة بضجة كبيرة. ميران وضع الهاتف على الطاولة و فتح باب المكتب، جاء أردا مسرعا:
"هل تعرف من يوجد في الأسفل؟"
كان في عقل ميران اسم واحد، لأنه كان ينتظر هذا:
"يجب أن يكون آزاد"
"الرجل يداهم الشركة في الليل و في يده سلاح، كيف تستطيع أن تكون مرتاحا هكذا؟"
"هذه النهاية لا مفر منها، هل تظن أنني لم أحسب هذا؟"
كان هناك توتر كبير يظهر على آردا، كان يخاف أن يحصل شيئ لميران. أما ميران فقد كان في عقله سؤال واحد، ترى هل جاء ذلك الرجل أيضا؟ قاتل والده، هازار شانوغلو هل هو هنا؟
دخل إلى المصعد لينزل إلى الطابق الأرضي، صراخ آزاد كان يملأ الشركة، لا بد أن الحراس يمسكونه بصعوبة، من يعلم كم هو غاضب من ميران، و سبب هذا الغضب ليس خداع ميران لهم فقط، ميران كان يعلم بحب آزاد لريان، الإثنان غاضبان من بعض بشدة.
فُتِح باب المصعد، ميران لم يستطع أن يخطو خطوة خارج المصعد، لقد فهم آزاد أنه هناك و كان ينتظره ثم هجم عليه مباشرة. كانت هذه اللكمة مفاجئة لميران لم يستطع فعل شيء لكن دخول آردا في الوسط جعله يكسب القليل من الوقت. آردا أخرج آزاد من المصعد وهو يسحبه ثم استجمع ميران نفسه و خرج. اللكمة التي أكلها كانت مفاجئة و تحمل كل غضب آزاد لدرجة أن أنف ميران بدأ ينزف، مسح الدم من أنفه بيده ثم نظر إلى الرجل أمامه، بعد قليل ستقوم القيامة، كان يحس بهذا. ثم قال له بصوت مستفز:
"أهلا و سهلا، لقد جعلتني أنتظر كثيرا... آزاد شانوغلو"
"أنت عديم شرف.."
آزاد كان غاضب و ميران يبتسم، هذه الكلمات لا تغضبه بل تجعله يستمتع. رؤية الرجل الذي يكرهه في هذه الحالة مجنون من الغضب كانت تسعده كثيرا، كي يكره إنسانا يكفي أن يحمل كنية شانوغلو.
"اليوم أريد أن تخرج جثتك من هنا.. عندها سيبرد داخلي"
"حقا يا هذا؟ هل لديك أمنية أخرى؟"
رفع ميران أصبعه في الهواء و وضعه على جبينه و كأنه يفكر:
"حقا لقد نسيت، القتل وراثة عائلية عندكم أليس كذلك؟"
"و الغدر بقي لك وراثة من والدك"
لا يستطيع ميران تحمل هذا، لا يمكن لأحد أن يتكلم بسوء عن الرجل الذي رمى بنفسه في النار من أجله و حرق روحا بريئة من أجل أن يأخذ ثآره.
عندما وجه ميران لكمة قوية في بطن آزاد وقع الأخير على الأرض ثم وجد ميران نفسه فوق آزاد يوجه له لكمات متتالية من شدة الغضب الذي أحاط به، هذا الرجل ليس ميران، لقد خرج وحش من داخله، آردا صديق ميران منذ سنوات لم يره هكذا أبدا من قبل...
"أقتلك هنا.. أقضي عليك الآن يا**** استرجع كلماتك"
آزاد ليس له نية أن يبقى خلف ميران و وجه لكمة، استمر هذا الوضع لدقائق اللكمات و الشتائم تتطاير في الهواء. أردا لم يستطع أن يتدخل و قد منع ميران رجال الأمن من التدخل... انتهى هذا المشهد العنيف بعد دقائق عصيبة، جسدان متعبان و داميان لا يستطيعان التحرك حتى، الوجهان مليئان بالدم، آزاد كان في وضع أسوأ من ميران، لقد دفع ثمن تلك الكلمات التي خرجت من فمه بشكل سيئ، وجهه أخذ اللون الأرجواني.
دخل رجل من الباب، عندما رأى آزاد في تلك الحالة ذهب إليه بسرعة و قال:
"ماذا حصل؟ هل أنت بخير يا آزاد؟"
هز أزاد برأسه ثم تمسك بالرجل و نهض على قدميه: "أنا بخير يا بكير" ثم التفت و نظر إلى ميران:
"لكن هو لن يكون بخير بعد الآن"
"أغرب و اذهب من هنا" قال ميران بغضب شديد
"سأذهب... و لكن هذا لا يعني أنني لن أعود مجددا، ان كنت لم أصوب طلقة في منتصف جبينك فهذا بفضل عمي، ادعو له"
"أدعو لقاتل؟ حتى لو كنت سأموت، لن أشرب قطرة ماء من يده، إنه قاتل أبي"
أثناء قول هذا في الواقع كان يتساءل كثيرا. هازار شانوغلو الرجل الذي لم يشفق على والده هل يشفق عليه؟ و بعد كل ما فعله لإبنته؟ عقله لا يتقبل هذا، ولا يستطيع أن يسأل.
وقف على قدميه بصعوبة ثم رفع يده و نادى رجاله الواقفين في الباب، دخل صرب و على مع رجال الأمن، ثم أشار إلى آزاد بإصبعه:
"أذا دخل هذا الرجل إلى هنا مرة أخرى، اعتبروا أنفسكم أموات"
عندما رأى آزاد الرجال حوله سحب سلاحه و وجهه نحوهم جميعا و صرخ:
"أنا أذهب بنفسي، لن يقترب مني أحد"
ضحك ميران رغم تعبه و الجروح التي على وجهه، بقي ينظر إلى السلاح الذي في يد آزاد:
"أنت لا تساوي شيئا بدونه أليس كذلك؟ أيها المسكين"
تظاهر آزاد بأنه لا يهتم بكلام ميران ثم اتجه نحو الباب بسرعة، هو ذاهب لكنه سيعود يوما ما. ليس سهلا، هذا الرجل عبارة عن عديم شرف وضع عينه على شرفهم و عقاب هذا هو الموت في كتابهم لكن هناك قرار قطعي من عمه هازار، لن يتم لمس ميران. إذا كان لم يوجه سلاحه و يقتل ميران اليوم فهذا بسبب الوعد الذي أعطاه لعمه، حتى لو لم يفهم السبب فهو لا يستطيع دهس كلام والده و عمه... قبل الخروج من الباب نظرر للمرة الأخيرة للرجل الذي يكرهه:
"حسابنا لم ينتهي، سآتي مجددا، انت بفتحك حربا علينا قد وقّعت فرمان موتك يا كارامان"
أخذ نفسا عميقا قبل أن يقول الإسم الذي يحرق لسانه ثم رفع أصبعه نحو ميران:
"سأجد ريان.. و سأضمد كل الجراح التي فتحتها واحدا تلو الآخر، لقد خسرتها مرة و لن أخسرها مجددا... سأحارب حتى لا يبقى أي أثر منك في قلبها ولا في عقلها... سأمحو آثارك واحدا تلو الآخر..." يتتبع

زهرة الثالوثحيث تعيش القصص. اكتشف الآن