"لم نستطع أن نكون مرهما لبعضنا"
هذه الجملة جعلت روح ريان تنزف، الرجل الذي تحبه قال هذه الكلمات التي دخلت كالرصاصة في قلبها. لقد إنتهى، إستيقظت الآن من الحلم الجميل الذي عاشت فيه لأشهر، كل شيء جميل تدمر مع قساوة هذه الحقيقة. هل كل شيء بهذه البساطة؟ هل يترك ميران مجددا صاحبة العينين الجميلتين التي يعشقها؟ ريان ستذوب و تنتهي، هي تعرف هذا، لن تضحك مجددا بعد الآن، وضعت يدها على بطنها و شردت. لقد قال لها:
"إعتني بإبنتنا جيدا"
كلما فكرت ريان بهذا يجن جنونها و يرتجف كل جسدها و لكن لا تنزل دمعة واحدة من عينها. تهب العواصف في داخلها و لا تُظهر ذلك، لقد إعتادت على الألم. ضغطت على أسنانها و قالت:
"سأعتني بها... أنا لست مثلكَ حتى أتخلى عن إبنتي و أذهب"
"ريان؟"
عندما سمعت إسمها من آزاد سحبت يدها من على بطنها ثم نظرت إلى باب المستشفى، كان آزاد يقف هناك. نظر لها و كأنه يسألها لماذا تقف في الخارج و عبس وجهه و كأنه أحس بشيء غريب. إقترب من ريان ووقف أمامها واضعا يده في جيبه و قال:
"هافين تبحث عنكِ... ماذا تفعلين هنا؟"
هربت ريان عينيها من آزاد، ماذا ستقول؟ كيف ستتكلم دون أن تظهر ألمها؟... نظرت إلى السماء و قالت:
"سيحل الصباح بعد قليل، لقد إشتقت لمشاهدة شروق الشمس هنا يا آزاد"
"مازال هناك وقت لشروق الشمس"
آزاد ليس غبيا كي لا يفهم أنه قد حدث شيء و لكنه لن يسألها، لأنه متأكد، إذا سألها ستكون أول كلمة تقولها هي ميران. ربما هو يظلم ريان، لمجرد أنه لا يتحمل سماع إسم ميران هو لا يسأل عن حالها حتى، و لكن آزاد هكذا. أليس الإسم الآخر للعشق هو الأنانية؟
"لندخل إلى الداخل، ستبردين"
هزت ريان رأسها بمعنى لا، ميران قد حرق روحها قبل بضعة دقائق. من الآن فصاعدا لا توجد أي رياح باردة كافية لكي تجعل ريان تشعر بالبرد. إذا دخلت إلى داخل المستشفى ستحس و كأن جدرانه تتساقط فوقها و ستخنقها أروقته...قال آزاد:
"لقد إتصل أبي بعمي و أخبره بوضع زوجة عمي... سيأتي في أول طائرة إلى ماردين هذا الصباح"
سيأتي بالتأكيد، هو أيضا مثل ريان سيترك جرح قلبه في إسطنبول و يأتي. قدوم والدها إلى ماردين ضاعف قلق ريان أكثر، الآن لن يتمكن أحد من الوصول إلى ميران و لن يستطيع أحد التكلم معه و تهدأته و سيواصل تخبطه في القاع الذي سقط فيه.
"ماذا تفعلان هنا؟"
قالت هافين الواقفة أمام باب المستشفى، لقد كانت تبحث عن ريان في كل مكان و عندما رأت آزاد بجانبها عبس وجهها. ما تراه الآن لا يعجبها، الجميع يعرف هذه الحقيقة ما عدا ريان: حقيقة أن آزاد يحترق بحب ريان و فعل المستحيل كي يستطيع إحضارها إلى هنا مجددا. إخفاء هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع عن ريان هو ظلم و لكن لا يمكن قوله.
نظرت هافين بشكل قاسي إلى أخيها، آزاد لاحظ هذا حتى إبتعد عن المكان عند قدوم هافين... مهما فعل سيظل هذا الرجل معرضا لهذه النظرات، ذلك اليوم الذي صرخ فيه بحبه لها، كلماته و كأنها تركت لطخة سوداء على جبينه. ليته إستطاع أن يمسك لسانه، لم يكن ليحدث هذا، كان سيعلم هو فقط، يخفي حبه داخله و يصمت. ما كان أحد لينظر له تلك النظرات القاسية حين يرونه بجانب ريان.... آزاد مذنب، لأنه عشق، لأنه لم يصمت. ليته إستطاع أن يدفن هذا الحب بداخله و ليته بقي دائما آزاد الذي تراه ريان كأخ كبير لها.
هافين تحاول أن تفهم لماذا تقف ريان أمام باب المستشفى، و غير ذلك آزاد بجانبها. عن ماذا كانا يتحدثان؟
"ريان... ماذا كنتما تفعلان هنا؟"
"كنت أستنشق بعض الهواء يا هافين"
تكلمت ريان وهي تهرّب عينيها و تمسك نفسها بصعوبة كي لا تبكي. في اللحظة كان يجب أن تبقى وحيدة فيها، هم لا يتركونها. مازالت أمها نائمة، الساعات الذي قضتها في هذه المستشفى منذ قدومها في ساعة متأخرة من الليل لا تنتهي أبدا، و الأكثر من ذلك مكالمة ميران القاسية لها... ريان لا تستطيع التحمل أكثر.
قالت هافين و قد وقع بداخلها شك، عدم معرفتها بما حدث في إسطنبول جعلها تتساءل كثيرا:
"سأسأل شيئا يا ريان... لماذا لم يأتي ميران معكِ؟ و كيف حدث و سمح لكِ بالقدوم مع أخي؟!"
ريان كانت تعرف هذا، هي تعرف أنهم سيسألونها هذا السؤال و لا تعرف بماذا ستجيب. لا يمكنها أن تقول في الواقع ميران هو إبن أبي الحقيقي و أنا كنت أعرف هذه الحقيقة و أخفيت عنه لذلك ميران لا يسامحني، لا يمكنها أن تقول نحن إنتهينا يا هافين... حسنا ماذا ستقول؟ هافين محقة تماما في سؤالها، في الشروط العادية حتى لو كانت يدا ميران في الدم سيترك كل شيء و يأتي معها إلى هنا و لكن لن يسمح لها أبدا بالذهاب مع آزاد... إلتفتت ريان إلى إبنة عمها التي تنظر لها بفضول منتظرة الإجابة، ثم رافقتها دموعها مجددا و قالت:
"ميران تركني يا هافين، لا يريدني بعد الآن"
بينما فتحت هافين عينيها بدهشة، نظرت ريان إلى باب المستشفى، هي لن تتحمل أن تسألها سؤالا آخر. أساسا هي تحس بشيء غريب، كأنها تشعر بإشعارات مغص شديد في بطنها. لم تهتم ريان بهذا لأن طبيبتها كانت قد قالت لها بأن هذا المغص شيء طبيعي في هذه الأشهر من الحمل.
عندما دخلت إلى المستشفى ضغطت على نفسها أكثر، لا تريد أن يراها أحد وهي تبكي، لن تتحمل أي سؤال أو تلميح آخر... عندما بدأت تصعد الدرج كانت هافين خلفها، أخذت ريان نفسا عميقا ثم أحست و كأنه تم غرس خنجر في بطنها فتوقفت في مكانها من شدة الألم ثم ضغطت بيدها على مكان الألم. وقفت هافين بجانبها و أمسكتها من ذراعها ثم قالت في خوف:
"هل أنتِ بخير يا ريان؟"
لقد ندمت الفتاة المسكينة على السؤال الذي سألته لها و على ما ستسأله فيما بعد ثم قالت:
"حسنا، أنا أعدكِ... لن أفتح فمي حتى تأتي أنتِ و تخبريني"
إكتفت ريان بهز رأسها، لم تجد القدرة كي تجيب. ما سبب هذا الألم الذي حاصرها؟ لقد أحست في لحظة أنها تعرقت و قد جفّ حلقها. حاولت أن تواصل صعود الدرج و لكن هذه المرة الألم الذي أصاب بطنها قطع كل طاقتها ثم جلست على الدرج و بدأت تصرخ من الألم... في تلك اللحظة صرخت هافين بخوف شديد:
"ريان هل أنتِ بخير، ماذا يحدث لكِ؟"
عندما رأت هافين بأن ريان تتلوى من الألم لدرجة أن لا تجيبها، نزلت الدرج و بدأت تنادي لأي موظف في هذه المستشفى. بعد ذهاب هافين ساءت حالة ريان أكثر، لا تفهم ماذا يحدث و لكنها لم تواجه مغصا بهذه القوة من قبل. وقع الخوف في قلبها، خافت أن يحدث شيء لإبنتها فضغطت على بطنها بيديها ثم صرخت بقوة. لم يمضي الكثير حتى عادت هافين و معها الممرضات و ساعدوا ريان على النهوض، من حسن حظها أن هذا المغص صادفها و هي في المستشفى، وضعوها على الكرسي المتحرك ثم أسرعوا إلى غرفة الطوارئ، أثناء ذلك كانت ريان تبكي و تقول:
"لا يحدث شيء لإبنتي، أرجوكم أنقذوا إبنتي"
قالت ريان هذا و هي تأخذ نفسا عميقا أثناء أخذها إلى غرفة المعاينة، خوفها من أن يحدث شيء لطفلتها كان يؤلمها أكثر من الألم الذي سببه لها هذا المغص. بعد أن ساعدتها الممرضة على التنقل إلى السرير، دخل الطبيب بسرعة و قال للممرضة أن تكشف بطنها... قال الطبيب:
"أنتِ حامل في كم أسبوع؟"
كانت ريان تشاهد الشاشة التي بجانبها بلهفة على أمل أن ترى طفلتها ثم قالت:
"أنا في الأسبوع السابع و العشرين (الشهر السابع من الحمل)"
بقي الطبيب ينظر إلى الشاشة و ريان تراقبه في قلق، الآن خفّ ألمها قليلا و لكن مازال الرعب يحاوط قلبها خوفا من أن يقول الطبيب شيئا سيئا. هافين أيضا كانت تقف بجانبها ممسكة بيد ريان و الخوف على وجهها لكنها لا تقول شيئا.
"هل أصابكِ هذا المغص من قبل؟"
"أحيانا، و لكن لم يكن شديدا مثل اليوم أبدا"
إلتفتت الطبيب متوسط العمر إلى ريان و قال بصوت هادئ:
"الآن لا يوجد ما يدعو للخوف، باللغة العامة نقول عن هذا تنبيه كاذب. و لكن يجب أن تجهزوا أنفسكم لإحتمال ولادة مبكرة"
عندما سمعت ريان كلمات ولادة مبكرة أُصيبت بصدمة، طبيبتها السيدة نيلجون لم تخبرها عن إحتمال كهذا من قبل. من أين خرج هذا الآن؟ هي لا تريد أن تُنجب إبنتها إلى هذه الدنيا قبل موعدها، هذا سيكون خطيرا جدا. قالت ريان:
"كيف يعني؟ طبيبتي لم تحدثني عن إحتمال كهذا"
"الولادة المبكرة إحتمال يتواجد في أي حمل. يجب أن ترتاحي كثيرا و تتغذي جدا و تشربي السوائل بكثرة"
نهض الطبيب من الكرسي و مد قطعة الورق لريان كي تمسح بطنها أكمل:
"أنا أقول هذا كي تأخذي إحتياطكِ، لا تخافي. كوني بعيدة عن التوتر بقدر الإمكان و يجب أن تذهبي إلى المستشفى فورا إذا تعرضتِ لمغص كهذا مجددا"
كيف لها أن تبتعد عن التوتر؟ خصوصا في هذه الأيام الأخيرة التي تعصف و لا تعرف متى ستنتهي... نهضت ريان من السرير وهي متمسكة بيد هافين ثم نظرت إلى وجهها و قالت:
"هافين... لا تخبري أحدا عن مغصي هذا اليوم، حسنا؟"
كانت هافين تضع رأسها في الأرض محرجة و كأنها هي التي كانت سببا فيما حدث رغم أنها ليست مذنبة ثم قالت:
"و لكن يا ريان..."
"رجاءا يا هافين، إذا عرفت أمي ستحزن و أنا لا أتحمل هذا"
عندما هزت هافين رأسها مجبرة، رأت أخوها آزاد قادم نحوهما. كان قد خرج إلى باب المستشفى كي يدخّن و عندما أنهى سيجارته كان مارّا من هناك و رأى هافين فدخل. عندما رأت ريان آزاد قادم نحوهما نهضت بسرعة.
"ماذا حدث؟"
قال آزاد هذا وهو ينظر إلى أخته، أحيانا ينظر إلى ريان أيضا، لقد أحس بأن وجودهما هنا متعلق بريان.
"لا يوجد شيء يا أخي، ريان أحست بقليل من الألم"
وجّه آزاد نظراته تماما إلى ريان و خصوصا إلى بطنها الواضحة تحت ثوبها، كم هذا غريب، ريان حامل، قريبا جدا ستصبح أم و والد الطفل هو ميران. لقد تقبل هذه الحقيقة منذ مدة و لكنه يستصعب هذا كثيرا. بينما كان آزاد يتجهز ليقول شيئا حتى قاطعه الطبيب و خرب كل إتزانه بما قاله:
"لقد جهزت قائمة طعام، لقد تبقّى القليل للولادة. إهتم بزوجتك جيدا"
بقيت الورقة في يد الطبيب الذي لا يعرف شيئا عن حكايتهم و عندما لاحظ نظرات آزاد القاسية نحوه سحب الورقة رويدا رويدا... ثم صرخ آزاد:
"أنا لست زوجها"
و الحال أنه مجرد سوء تفاهم بسيط. لا ريان ولا الطبيب فهما سبب ردة فعله المبالغ فيها و لكن هافين تعرف جيدا. عندما ترك آزاد الغرفة وهو غاضب كانت ريان تنظر في حزن. هي تحترق على عدم وجود ميران بجانبها في هذا الوضع أكثر من تفكيرها بردة فعل آزاد المبالغة.
في تلك اللحظة أخرجت هافين الهاتف الذي يرن من جيبها، بديرهان يتصل. من الواضح أنه بحث عنهما في المستشفى و لم يجدهما. وضعت هافين الهاتف على أذنها ثم إرتسمت إبتسامة عريضة على وجهها بسبب الخبر الذي سمعته. إلتفتت إلى ريان و قالت في حماس... أخيرا حدث ما كانوا في إنتظاره:
"أريد البشرى... لقد إستيقظت زوجة عمي"
بعد أسبوع،
كلما أغمضت ريان عينيها ترى خيال ذلك الرجل ذو العينين الجميلتين و الطبع القاسي. نظراته التي تدمر القلب، لمساته التي تفوح بالحنان، شفتاه التي تصرخ عشقا...
"اليوم مرّت سبعة أيام لم أسمع فيها صوته و لم أرى وجهه"
ريان كانت تحسب الساعات أيضا و ليس الأيام فقط، اليوم هو اليوم السابع الذي تعيش فيه مثل الميتة. كم هذا غريب، و كأنه قد مرت سنوات، هذا ليس العذاب ولا الفراق الأول الذي يجعلها ميران تعيشه، ريان تعرف جيدا معنى البقاء بعيدة عنه، تعرف و لكنها لم تكن تعلم بأن الفراق هذه المرة سيؤلمها هكذا.
كانت تضع رأسها على ركبة أمها التي كانت تداعب شعرها بحنان، أما ريان فقد كانت تبكي في صمت. كم هو عديم الوفاء حبيبها، لا يتصل ولا يسأل. لقد تجاوزت نفسها، ألا يقلق على إبنته أيضا؟ هل تخلى عنها بهذه السهولة؟ و عن إبنته؟ آردا فقط من كان يتصل بها، يسأل عن حالها و أحوالها و يخبرها أن ميران بخير ثم يغلق الهاتف... همست ريان بصوت مختنق:
"أنا سامحته يا أمي، سامحته رغم كل شيء. صدّقته، أحببته و إعتنيت به. لماذا تخلى عني هو؟"
أخذت السيدة زهرة نفسا عميقا ثم قالت:
"يجب أن أعرف بعض الأشياء أولا يا إبنتي، ألن تقولي السبب يا ريان؟"
هي لا تستطيع إيجاد أجوبة لأسئلة إبنتها دون أن تعرف ماذا حدث و لكن ريان مجددا تركت سؤال أمها بلا جواب. لم تكن تريد أن يسألها أحد عن شيء، لا يمكنها أن تقول، كيف لها أن تقول أن والدها هو السبب في فراقها عن ميران؟ و والدها لا يريد أن يعرف أحد من العائلة مؤقتا أن ميران إبنه، طبعا ماعدا آزاد و السيد جيهان.
"رجاءا لا تسأليني شيئا يا أمي... ربما أنا إرتكبت خطأ لا يمكن مسامحته"
الآن جاء إلى عقلها كلمات ميران و قوله أنه لن يسامحها أبدا. لقد أخفت عنه لعدة أشهر أكبر حقيقة في حياته، ربما ميران محق في عدم مسامحته لها، من يعلم؟
"إبنتي الجميلة..."
مدت السيدة زهرة أصابعها و مسحت دموع إبنتها، هذه الأشياء تحدث في كل زواج. هي لا تظهر هذا لريان و لكنها تخاف كثيرا من إنفصالهما هذا. أي أم تريد أن يُهدم بيت إبنتها؟ مهما كان ما حدث بينهما هي تؤمن أنه سيتصلح.
"كل شيء سيتحسن بالتأكيد، أنتِ كوني مرتاحة"
ليلة البارحة لم تمسك ريان نفسها و إتصلت بميران لكنه لم يفتح الهاتف، و كأنه حرّم حتى صوته عليها. إنها لا تتحمل هذا الفراق، تشعر و كأن أحدهم يمزق قلبها إلى قطع صغيرة و يضع هذه القطع في يدها. لا عينيه الزرقاء التي تعشقها تخرج من عقلها ولا كلماته القاسية تخرج من أذنها... ما هذه الحياة و ما هذا الألم؟ هي الآن بجانب عائلتها التي بقيت بعيدة عنها لأشهر، هل ستكون كفّارة هذا الوصال هي فراقها عن ميران؟ عندما تكون بجانب ميران تخسر عائلتها، و عندما تكون بجانب عائلتها تخسر ميران. و الأكثر من ذلك هذه المرة هي لا تعرف إن كانت ستجتمع به مجددا أم لا... ربما إنتهى كل شيء، هذه القصة إنتهت في تلك الليلة... قالت ريان في تشاؤم:
"ربما لن يأتي أبدا، ماذا سيحدث لي يا أمي؟ إذا لم يردني مجددا إلى من سألتجأ أنا؟"
عبس وجه أمها و قالت بغضب:
"ماهذا الكلام يا إبنتي؟ هذا بيتكِ و مكانكِ. إذا إرتكب ميران ذلك الخطأ و لم يردك مجددا فليحترق هو على همه"
ريان تفهم غضب أمها تجاه ميران، فكرت بإبنتها التي لم تولد بعد، لو عاشت ما عاشته أمها لن تتحمل أبدا لذلك هي تعطي الحق لأمها و لكن في نفس الوقت تتألم كلما قال أحدهم كلمة سيئة عن ميران. لأنها تحبه، هي تحب ذلك الرجل أكثر من روحها... قالت ريان بصوت هادئ:
"لا تقولي هذا يا أمي... هو أيضا لا يستطيع بدوني، أنا أعرف هذا"
حتى في هذه الحالة هي تدافع عن ميران، إنها الآن تنتظر فقط. تنتظر أن تهدأ الأوضاع و يخف غضبه و يتقبل هذه الحقيقة. بعد ذلك هو سيأتي إلى ريان خاصته، هذه هي الأمنية الوحيدة التي تُبقيها واقفة على قدميها.
"ذلك ما سيظهره الزمن"
أرادت السيدة زهرة أن تغيّر الموضوع، هي في القصر منذ أسبوع، لقد شُفيت تماما و لم يبقى سوى القطب في رأسها... قالت ريان:
"أنا أيضا سآتي غدا"
"إلى أين؟"
"ألستِ ذاهبة إلى المستشفى مع بديرهان لإزالة القطب غدا؟ و أنا أكون قد غيّرت الجو، لقد مللتُ"
نهضت السيدة زهرة من مكانها و قالت:
"حسنا يا إبنتي... هيا لنذهب إلى المطبخ"
منذ أيام لم تخرج ريان رأسها من القصر إستنادا على ما قاله لها الطبيب و أيضا هي لا ترغب بفعل شيء، من حسن الحظ أن ذلك المغص لم يزرها مجددا منذ ذلك اليوم. هي تنتبه لنفسها كثيرا، حتى لو لا تشتهي شيئا كانت تأكل جيدا من أجل طفلتها، و تحاول قدر الإمكان أن لا تتحرك كثيرا، أساسا لقد ثقلت خطواتها مع إقتراب موعد الولادة.
السيد هازار أيضا عاد إلى ماردين منذ أسبوع و لكن عقله و فكره مع ميران، إنه يأمل أن يأتي إبنه إلى هنا من أجل ريان. إذا لم يتحدث معه لن ينام الليل و سيجن من التفكير. في الواقع الجميع يتوقع أن يأتي ميران فجأة إلى ماردين، ما عدا آزاد. منذ ذلك اليوم أصبح يقضي معظم وقته في الشركة، يأتي إلى القصر متأخرا بقدر الإمكان و يبقى بعيدا عن ريان و لكن كل هذا لا يلغي فرحة آزاد بوجود ريان في القصر... و الحال أن الجميع يعلم بعشق آزاد لريان إلا هي لا تعلم و يتم خداعها من جميع من حولها، لأنهم يعرفون أن ريان إذا عرفت هذه الحقيقة لن يستطيع أحد إبقاءها في هذا القصر.
عندما فتحت السيدة زهرة باب الغرفة أوقفتها ريان، هناك شيء يشغلها منذ أيام و تريد أن تسأل أمها عنه:
"سأسآلك عن شيء يا أمي، مالذي تغير في القصر بعد ذهابي؟"
"لم أفهم يا إبنتي"
حتى لو فهمت السيدة زهرة فهي تتظاهر بعدم الفهم، نظرت ريان لأمها و إبتسمت بحزن:
"أنتم تخفون عني شيئا.... و كأنه هناك شيء تعرفونه كلكم و تخفونه عني"
إرتجفت السيدة زهرة حين تذكرت تلك الأوقات عندما كُشفت لعبة إنتقام ميران، ريان محقة، لقد حدث الكثير. محاولات آزاد للوصول إلى ريان، الشجارات في القصر و صراخ آزاد بحبه لريان ثم العداوة التي قامت بينها و بين سلفتها السيدة دلال... كيف ستقول كل هذا لريان؟... قالت بصوت متقطع، هي أيضا مثل إبنتها لا تنجح في الكذب:
"أنتِ تتوهمين يا إبنتي الجميلة... ماذا سنخفي عنكِ؟"
"أنا لا أعرف ذلك"
ريان لا تصدق كلام أمها و هي تستغرب بالأكثر تصرفات زوجة عمها دلال معها:
"أنا ماذا فعلت لزوجة عمي دلال يا أمي؟ هل إرتكبت خطأ بدون أن أعرف؟ لماذا هي تتصرف معي بغرابة؟ و كأنها لا تريد بقائي هنا"
ريان محقة، السيدة دلال ليست مثل السابق تجاهها، و هي محقة حسب رأيها. ريان ليس لها ذنب في هذا و لكن قلب إبنها لم يجد سوى إبنة عمه ليعشقها، مشاعر آزاد تجاه ريان تخيف السيدة دلال كثيرا و هي ترى ريان كمصدر للخطر في هذا القصر... لم تمسك السيدة زهرة لسانها و قالت:
"دعكِ من تلك المرأة عديمة الإتزان"
"هل تشاجرتِ مع زوجة عمي يا أمي؟"
نظرت ريان بدهشة لأمها التي ظهر الغضب على وجهها حين تذكرت الكلام الذي قالته تلك المرأة سلفتها عن ريان ثم قالت:
"تشاجرت يا ريان، نعم تشاجرنا"
"لماذا؟"
ريان كانت مندهشة جدا و الحال أن علاقة أمها بزوجة عمها كانت رائعة من قبل.
"لا تسألي عن السبب يا إبنتي... كما أنتِ لا تقولين لماذا تشاجرتِ مع ميران و إفترقتما و أنا أيضا لن أقول هذا"
ثم فتحت السيدة زهرة الباب و خرجت وراءها ريان، هي لا تعرف الآن ما حدث بعدها في القصر لكنها ستعرف عاجلا أم آجلا.
"أنتِ إذهبي إلى المطبخ و أنا سأغسل يدي و آتي"
عندما بدأت ريان تنزل الدرج كانت تتمسك بالحائط ثم تقابلت مع زوجة عمها. السيدة دلال عندما رأت عبس وجهها و لم تنظر لها حتى. نزلت ريان دون أن تقول لها شيئا، وصلت إلى الفناء ثم إتجهت إلى المطبخ، هي الآن متأكدة أنهم يخفون عنها شيء و لكن و كأنه هناك أشياء أخرى، هناك من ينزعج من وجودها هنا و خاصة زوجة عمها.
عندما دخلت ريان إلى المطبخ لم يكن هناك سوى هافين و ديلان، كانتا تتحدثان عن شيء و كأنهما تتجادلان و لكن سكتتا حين دخلت ريان. منذ متى هافين تخفي شيئا عن ريان؟
"هل قاطعتكما؟"
إلتفتت لها هافين و كانت تجفف يدها بالمنشفة و قالت مبتسمة:
"مالذي ستقاطعينه يا روحي، كنا نتحدث هكذا"
الموضوع الذي كانتا تتحدثان عنه هو ريان، مشاعر آزاد تجاه ريان و عدم معرفتها بهذا، التوقعات حول ما حدث بين ميران و ريان و ألم قلب ديلان الذي لا يهدأ... جلست ريان على الكرسي و عينها على ديلان هي أيضا تغيرت مثل الجميع في هذا القصر. مثلا ديلان لم تعد تلك الفتاة المرحة مثل السابق، عندما سألت ريان هافين البارحة عن مشكلة ديلان راوغتها بالكلام و ريان لم تصر كثيرا و لكن من الواضح جدا أن هذه الفتاة لديها مشكلة. كلما جاءت عينها في عين ريان كانت تهرّب نظراتها مثل المذنبة، فكرت ريان كثيرا و لكن لم تجد سببا لهذا. مشكلة ديلان كيف لها أن تكون متعلقة بريان؟... لو فكرت أربعين سنة لن يخطر على بالها أبدا أن الموضوع يخصها هي و آزاد.
من المؤكد أن ديلان تمضي أسوأ أيامها، ريان عادت إلى القصر مجددا و هي مثل السابق أمام عين آزاد. هل الحب مؤلم هكذا؟ لقد كانت تموت ولا أحد يعلم بهذا... قالت ريان:
"ماذا تفعلان؟"
لم ترد أن تظهر لهما الشك الذي بداخلها. رفعت هافين طبق الكفتة النيئة التي أمامها و قالت لريان:
"طبعا نحن نطبخ الكفتة، لابد أنكِ إشتهيتها"
"إشتقت كثيرا"
قالت ريان مبتسمة، بينما كانت ستفتح فمها و تخبرهما عن بيتها في إسطنبول حتى راودها ذلك الشعور مجددا، حتى لو تنسى غياب ميران في حياتها لبضعة دقائق فإن هذه الحقيقة تكون كالصفعة على وجهها بعد قليل.
"ماذا تشتهين أيضا من أكلاتنا؟ قولي لنطبخها كلها"
توقفت ريان أمام هذا السؤال، لقد سألتها هافين و كأنها ستبقى معهم لعدة أيام و تذهب.
"لدي وقت طويل لأتناول كل الأطعمة التي إشتقت لها، كيفما كان أنا لست ذاهبة إلى أي مكان"
إمتلأ المطبخ في لحظة حين دخلت والدة ريان و السيدة فاطمة، و بعد قليل ستأتي السيدة دلال و لن تتحمل ريان نظراتها لها. أحست هافين بإنزعاجها و قالت:
"هيا لنخرج إلى الفناء، كم أصبح الجو جميلا"
"حسنا"
نهضت ريان من كرسيها و ذهبن إلى الفناء، كانت ريان تنظر إلى كل زاوية، لقد وُلِدت و كبرت هنا، لديها ذكريات في كل مكان... قالت هافين:
"هل فكرتما بإسم للطفلة؟"
سؤال هافين أخذ ريان إلى ميران مجددا. لقد فكرا بإسم بالطبع، في أول يوم عرف فيه ميران أن جنس المولود هو أنثى، أراد أن يعطيها إسم أمه ديلشاه و ريان قبلت بهذا و لكن بعد كل ما..
حدث غير معروف إن كانت ستحمل إبنتهما هذا الإسم أم لا.
"لم نأخذ قرارا بعد، أساسا لا أظن أنني سأفكر بهذا الآن"
في تلك اللحظة سمعت هافين أنهم ينادونها من المطبخ فذهبت متذمرة، كانت ريان تضحك على حالها... لم يمضي الكثير حتى فُتِح باب القصر فجأة فإلتفتت ريان بسرعة إلى تلك الجهة. كم كانت ساذجة، كلما فُتِح هذا الباب ينبض قلبها بشدة و عندما ترى أن القادم ليس ميران تنهدم الدنيا على رأسها.
القادم كان آزاد. عندما رأته ريان لم تعرف ماذا تفعل و كانت تهرّب عينيها، هي مدركة أن آزاد لا يحتمل وجودها في القصر لدرجة أنه كلما تصادفا كان يغيّر وجهته كي لا يلتقي معها حتى أنه لا ينظر إلى وجهها. ليس لأنها لا تفهم بل لأنها لم ترى هذا لائقا به، هي و آزاد كانا مثل الإخوة لذلك لم يخطر على عقلها أبدا السبب الحقيقي وراء تصرفاته معها...
وضع ميران يديه المرتجفتين على الطاولة، جسده و عقله كان منهك، لم تبقى أي كلمة بداخله ليقولها. ليس لديه طريق ليذهب فيه و لم تبقى له حياة ليحارب من أجلها، ما هذا الألم؟ بينها لا يوجد أي جرح في جسده، كيف تتألم كل ذرّة بداخله هكذا؟... هو لا يستطيع بدونها، لا يعيش، حتى أنه لا يتنفس في غياب ريان و لكنه لم يستطع أن يسامحها أيضا.
بينما كان يحارب الأفكار التي تتطاير في عقله سمع صوتا من العالم الخارجي، رفع رأسه و بدأ ينظر للأطراف. هل الألم واضح على وجهه لهذه الدرجة؟... لقد وضعوا أفضل أغنية يحبها في المكان الذي يجلس فيه، و لكن ليس وقتها أبدا، كيف سيتحمل ميران هذا؟ كان يرغب بالبكاء مع كل كلمة يسمعها من الأغنية. و كأن الجميع يعرف جرحه و يحاولون وضع الملح عليه. ألا يوجد مرهم لهذه الحياة؟ لماذا كل شيء حوله يذكره بريان؟
كلمات الأغنية:
"لم يبقى لدي أمل، و لا غصن أتمسك به
أود أن أصرخ للحجارة و للجبال، أنا أحترق
هل إنتهت هذه الحكاية؟
هل هذا هو الوداع الدامي؟
روحي تحترق، بقدر ما لا تتخيله أنت..."
نهض ميران من كرسيه و صرخ فجأة بأعلى صوته:
"هذا يكفي يا هذا، يكفي... أنا أموت"
الضجة التي إفتعلها ميران لفتت إنتباه الجميع إليه، و كأن النار حاوطته من الجهات الأربعة و كان يحترق بشدة، خرج إلى الخارج مثل المجنون وهو لا يعرف إلى ماذا سيلتجأ... دواؤه هو نفسها حوله، دواءه هو عينيها الجميلتين.
يجب أن يترك كبرياءه على جنب و ينقض قسمه، يجب أن يذهب إلى تلك المدينة التي أقسم أنه لن يعود إليها و لكن سيذهب من أجل قلبه... كانت دموع العجز تنهمر من عينيه ولا يعرف كيف إستطاع أن يتحمل بعدها عنه في هذه الأيام التي تذوق فيها طعم الموت. سيذهب إليها، ليس لديه طريق آخر... قال ميران بصوت منهار:
"سأذهب لأُحضر ريان، مهما كان الثمن... سأذهب و أسترجع روحي"
وضع آردا يده على كتف صديقه ثم قال مبتسما:
"حتى أنك تأخرت في هذا"
فرح آردا كثيرا بقرار ميران، أخيرا إنكسرت مقاومة صديقه العنيد و إستسلم لقلبه... فتح ميران باب سيارته و رمى بنفسه إلى الداخل، إنه يعود إلى تلك المدينة بعد عدة أشهر بلا حساب ولا كتاب، يعود من أجل زوجته و إبنته... يتتبع....
أنت تقرأ
زهرة الثالوث
Randomقصه عشق مستحيله تولد من الانتقام .. الترجمه تابعه لصفحه زهرة الثالوث - Hercai @HercaiArab.1 التابعه لصفحه fb/ superTürkey اسم كاتبه الروايه Sümeyye Ezel 🌸