الورقة التاسعه والثلاثون

625 9 0
                                    

كان رسول الله ﷺ يكثر من هذا الدعاء"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل والبخل والجبن ، وضلع الدين وغلبة الرجال" رواه البخاري

-----------

شيئ من الحنين للماضي، وشيئ من الحنين لنفسي.
لامفر من الحنين.. لاحل.. لاهروب.. ولا نهايات.
يسكنون بدواخلنا حتى وهم غائبون

الرياض، السابعه صباحاً

كان الكل مجتمع في غرفة الجد صقر، الجده وأبو سند وأمه وثريا ومعاهم بتول وبدر واتعالت أصوات الضحك وبدر بيحكي لهم عن موقف صار له في المدرسه، مسحت بتول دموعها وبدر يتحرش فيها/ناظروا بتول شلون صايره..اول مره أشوف احد يبكي من الضحك.
الجده/هوو..وش عليك منها خلها تستانس.
حاولت توقف ضحكتها/متخيله شكلك وأنت ماخذ راحتك وتسب في الأستاذ وهو وراك.. كان يبي لك صوره وقت اللي صادك.
بدر بإستنكار/أنا ماسبيت.. كنت قاعد أحش فيه.
ثريا بإبتسامه/يعني عدلتها.. بعد ذي اخس من السب.
بدر بإحراج/هي جات كذا.. بس بعدها رحت له وأعتذرت ومشي الحال.
كانت بتول بتعلق لولا سكوت مفاجئx متبوعxبالسلام بصوت هادي وعميق.. صوت ماسمعته من أسابيع لدرجة إنها شكت إذا كان صاحبه بعده عايش.
خبت ايديها في حضنها لما حست برجفتهم وبذراع بدر تحاوط كتفها وهو يهمس في أذنها بجديه/تبين نطلع من هنا.
حست بإمتنان للمسته وكلامه اللي حسسها بنوع من الحمايه كانت في حاجتها غمضت عيونها وأتنفست بعمق وهي تحاول تسيطر على دموع بتهدد بالنزول في أي لحظه.. أتذكرت كلام جوري لها لما كانت عندهم أخر مره في العيد، كيف لحقتها بعد ما تركتهم وطلعت تنام وكيف كلمتها بطريقتها الغريبه والحنونه في نفس الوقت.. طريقتها اللي بتخليها تبدأ في الكلام فجأه وبدون قيود، اتذكرت كيف حكت لها عن أبوها وامها وكيف كان متعلق فيها ويحبها.. حكت عن كل شيئ تتذكره من وقت ما صار لها الحادث وكيف صارت علاقتها بأبوها واللي حولها.. حكت لها عن كلامها مع بدر وإحساسها بالذنب في اللي صار..حكت لها عن هروب ابوها وكرهه لها .. عن الأسابيع الطويله اللي بتمر بدون ماتسمع صوته.. وعن أسلوبه البارد كل مالقي نفسه معاها.. حكت وحكت وحكت عن كل شيئ كانت محتفظه بيه لسنين لحد ماوصلت لمرحلة أنفجرت فيها ووصلت لحاله من البكاء والصراخ الهستيري اللي مافاقت منه غير وهي طايحه عالأرض بعد كف قوي على وجهها، أنخرست فجأه وهي تطالع في وجه جوري الشاحب للحظات قبل ماتضمها بقوه خلتها تستسلم للبكاء من جديد على كتفها، وبعد ساعه كانت في سريرها تشرب كأسة حليب دافئ جابتها دينا وجوري جنبها تمشط شعرها بعد ماساعدتهاx تأخذ دش وتغير ملابسها بشيئ مريح، كانت بدأت ترجع لحالتها الطبيعيه واتمنت لو شربت منوم كعادتها كل ماجاتها نوبة الإنفجار العنيف بين فتره والثانيه.. المنوم كان هيوفر عليها الإحراج ويعطيها فرصه للهروب علشان ماتواجه جوري بعد اللي صارx بس جوري خاصمتها وطلبت من دينا تجيب لها حليب دافئ يساعدها تسترخي وتنام، خلصت حليبها وحطت كاستها بحذر عالكومودينه جنبها، وبصوت مبحوح/أنا أسفه عاللي صار.
ردت بهدوء/أنا اللي أسفه عالكف .. بس ماكان في طريقه ثانيه تفوقك من اللي كنتي فيه.
لمست خدها بشويش وتابعت بأسف/ عورتك صح.. عارفه أن يدي ثقيله وعلمت على خدك بس ذي توابع حياتك مع ست أخوان مع الوقت بتتأثري بيهم بطريقه ماتقدري تتخيليها.
مسكت يدها وإبتسمت/ مافي أحد مد يده عليا من قبل وانتي بالذات ماتخيلتك تسويها..بس تدرين إنك قويه حسيت وجهي كله صار بالصوب الثاني.
جوري/قصدك فاقده الأعصاب.. عنيفه.. حونشيه.. مسترجله.
ماقدرت بتول تمسك ضحكتها العاليه من نبرة صوتها المحبطه، وبصدق/لا أنتي أي شيئ غير كل اللي قلتيه.. أنتي إنسانه غريبه وماشفت أحد مثلك.. مع إني موبشايفه في كل الأحوال.
جلست جنبها وبهدوء/عماكي ذا مو دايم وأنتي عارفه ذا الشيئ، كلها عمليه بسيطه وترجعي زي الأول.. بس أنتي أخترتي تكوني ضعيفه وحابه تعيشي في الظلام.
زفرت بضيق/مافي شيئ بيرجع مثل قبل والظلام ذا موافقه أعيش معاه كل عمري إذا بيخليه يسامحني.
جوري بهدوء/ أنتي ماسويتي شيئ ومو محتاجه مسامحه من أحد وبالذات من ابوكي.
بتول بعصبيه/انتي ليه موبراضيه تفهمي اللي قلته لك؟
مسكت جوري كتفها بقوه وبشرح/ أنتي اللي مو راضيه تفهمي إن كل اللي قلتيه مجرد اوهام في رأسك وبس.. أنتي في حالة صدمه من اللي صار ولسا عايشه فيها لذحين.. مافي أب يكره عياله ويحقد عليهم.. وأنا متأكده إن أبوكي لايمكن يكون بيفكر بذي الطريقه.
بتول بحده/ أنتي تعرفيه من قبل؟ تعرفي شلون كان يعاملنا وكيف كنا عايشين؟ وش اللي يخليكي متأكده.
ردت بهدوء/لإنه أب مثل ما أنا أم.. ومافي أب عاقل ولامجنون ممكن يحملك ذنب شيئ مالك يد فيه.. الموت ذا بيد الله سبحانه وتعالى لابيدك ولابيده.. وأبوكي ماهو غبي علشان يفكر كذا ويحملك ذنب موت أمك.
بتول بعدم إقتناع/بس انا السبب في اللي صار.. أنا اللي حرمته منها وخلي-----
قاطعتها جوري بقوه/بسك غباء.. جالسه تعيدي وتزيدي في نفس الكلام لحد ماصدقتيه.. بدل منتي جالسه تتوهمي وتعملي ذي الأفلام كلها ليه مافكرتي في ابوكي.. ليه ماجاء في بالك العكس وإنه هوا اللي حاس بالذنب لموت امك.
بتول بإستغراب/وليه يحس بالذنب في شيئ ماله دخل فيه.
صاحت بإستنكار/لا ياشيخه.. يعني أنتي اللي اللي ليكي دخل.
سكتت للحظات وهي تتنفس بعمق وبهدوء/ أنتي متخيله صدمة أبوكي لما صحي في المستشفى وعرف إن أمك ماتت.. موقلتي إنها كانت كل شيئ بالنسبه ليه.. زوجته وحبيبته وصديقة طفولته ماتت فجأه.. ما قدر يشوفها ويودعها لآخر مره..ماكان عنده فرصه يحزن ويبكي عليها.. ماكان موجود وقت دفنها ولا وقف في عزاها، ومو كذا بس صحي لقي اولاده صاروا إيتام وكمان بنته الوحيده عمياء.. مافكرتي إنه هوا اللي حس بالذنب لموت امك واللي صار لك؟
سكتت بتول بصدمه وجوري تابعت بإقناع/أنا متأكده إنه حاس بالذنب لإنه هوا اللي كان يسوق وهوا المسؤل عن سلامتكم، وبعد اللي صار ماقدر يواجهك لإنه خاف إنكx تكرهيه وتلوميه على موت أمك.. اكيد إنه أتمنى لو كان هو اللي مات وأمك عاشت وأنتي كنتي بخير.. أستغفر الله من ذا التفكير بس إذا كنت في محله أنا كنت هفكر كذا.. كنت هحس بالذنب لإني أنا اللي عشت بينما زوجتي ماتت وأولادي أتيتموا وبيعانوا من فقدها.
حست بضياع وهي تسمع كلامها.. معقول أبوها يفكر كذا.. معقول مايكرهها وحاس بالذنب.. معقول كل اللي تفكر فيه هو فكر فيه لنفسه.
ضمتها جوري وبحنان/صدقيني يابتول أبوكي حاس بالذنب ناحيتكم ومو عارف كيف يتصرف.. كل إنسان ليه طريقه يتعامل بيها في ذي المواقف وأبوكي يمكن طريقته غلط بس هوا ذا اللي عرف يسويه.. يمكن أفتكر إنه كذا بيريحكم ومارح يخليكم تفتكروا خسارتكم كل ماتشوفوه.. حاولي تعطيه فرصه ثانيه لاتفزي وتسيبي المكان كل ماتشوفيه.. بالعكس خليكي في وجههx واحتكي فيه قد ماتقدري ولما يحس إنك بتعامليه طبيعي وإن كل اللي في باله مجرد وهم زي اللي في بالك هيحس بالإمان ويرجع زي ماكان وهيتحسر عاللي ضيعه من حياته وحياتكم كل الوقت اللي راح.. أنتي بس أعطيه وأعطي نفسك فرصه علشان ماتندمي بعدين.. أنتي خسرتي أمك مولازم تخسري أبوكي كمان..فهمتي.
بتول..بتول.
فتحت عيونها وألتفتت لما سمعت صوت بدر القلقان، حست برطوبه في وجهها ومسحت دموعها بسرعه وبهمس/مافيني شيئ بس حسيت بصداع.
قربها منه وهمس لها/إذا ماتبين نقعد عادي بقوم معك.
مسكت يده وأخذت نفس عميق وبرجفه/لا.. بقعدهنا.. مع بابا.

 رواية خريف الحب  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن