وسط القاعة، تسمرت صاحبة المظهر الرث، غير المهندم مطأطأة الرأس تستمع إلى ضحكاتهم وقهقهاتهم الوقحة التي لا تنتهي، تتمنى في جوفها أن يكون ما تمر به حلمـًا، بل كابوسـًا ستستيقظ منه قريبـًا لكن الأمر لم يكن كذلك، إنها الحقيقة فهي الآن تقف أمام هؤلاء الأشخاص ذوي المراتب العليا كـعلو أنوفهم المدببة وعيونهم الساخرة والمشمئزة، تكفكف دموعها التي توشك على الانهمار، تتمتم معاتِبةً نفسها قائلةً : " لا تبكي، إياكِ وذلك ! "
تتشبث بفستانها الزهري البسيط بقوة لتجعل منه أكثر انكماشـًا لعلها وبذلك تنجي نفسها من ذلك الموقف، ترجو وتتمنى حدوث معجزة تبعدها عن ذلك المكان، تنتشلها وسيرتها من أفواههم التي خُلقت لتبادل أخبار الناس خلف ظهور أصحابها.
بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها؛ الصداع يفتك برأسها لم تعد تتحمل ذلك الكم الهائل من النوايا والأفكار الساخرة، تحاول بشدة إحكام غلق أذنيها بكفيها الصغيرتيْن المُلطختيْن بالنبيذ الذي يغطي الجزء العلوي من فستانها وكذا مناطق من وجهها ورقبتها، تراجعت نحو الخلف محاولة الابتعاد فإذا بهيكل صلب يعيق خطوتها الثالثة غير المتزنة، شعرت بزوج من الأذرع تحاوط خصرها النحيف وبصوت أشبه بالهمس يداعب أذنها التي عملت بجهد على منعها من استقبال الأصوات، عيناها الحمراوتان تحاربان بضراوة النعاس الذي اعتراهما، ترغبان بشدة معرفة مصدر ذلك الصوت.
"أرى أن الكل قد تعرف على المرأة التي ستصبح زوجتي !"
ما الذي يهذي به هذا الشخص؟ تَردد في نفسها هذا السؤال ألف مرة واحتل عقلها الذي أصبح مُشتـتـًا تمامـًا، أنفاس المُتحدث أصبحت واضحة بالنسبة لها ويسهُل سماعها، دقات قلبه المتزنة تسمعها بوضوح تام، لقد أدركت للتو بأنها لا تسمع سوى صوته ودقات قلبه، لا ضوضاء تحتل رأسها ولا أحاديث تشتت ذهنها، كيف هذا؟.
تساءلتْ وتساءلتْ ولم تجد لأسئلتها تفسيرًا، مصدومةٌ هي لا تعلم أي القضيتيْن عليها أن تُفسر أولًا، سر اختفاء تلك الضوضاء، أم الشخص الواقف خلفها والذي لم يسبق لها أن التقت به.
على الأقل هذا ما كانت تعتقده قبل أن تلتفت نحوه ..
أنت تقرأ
شمس أوستن
Fantasíaلَقَد رَاوَدنِي حُلْم ، كَانَ هُنَاك شَخْصٌ بأَحَاسِيسَ مُلبَّدةٍ مُظْلِمَةٍ ، لَمْ أسْتَطِعْ رُؤيَةَ مَلامِح وَجهِه بِوضُوحٍ لكِنَّنيِ أَذكُر أنَّ لدَيهِ عَيْنَينِ زَرْقَاوَيْنِ تُصبِحَانِ أكْثَرَ بَريِقًا مَع كُلِّ خُطوَةٍ يَخطُوهَا نَحْوِي حَامِل...