الفصل السابع والثلاثون

356 14 0
                                    

- نعم طارق... هي معي الآن!

استرق معز نظرة سريعة لقاهرة الشاردة بجواره, قبل أن يعيد بصره سريعا على الطريق كاتما تنهيدة ضجر من كلمات شقيقه التي وصلته راسمة في عقله صورة لا تتلائم مطلقا مع جدية الموقف... حيث ذكره بمدير مدرسة ضجر من مشاكسات ولد مشاغب عنده, حقا الرجل لديه ميل قوي لكي يعيش في دور الدجاجة الأم وهو يحوم حولهم هكذا!!! اختنق بضحكة غير ملائمة ليشرق ويبدأ في السعال مبعدا الهاتف عن أذنه للحظات, قبل أن يعيده مطمئنا طارق الذي حادثه بقلق: هل أنت بخير معز؟!

هز رأسه كأن شقيقه يراه قبل أن يتذكر أنه لم يتحدث ليقول سريعا: لا تقلق إنه لا شيء...

ثم استطرد عائدا للسؤال الأصلي: ونعم... لحقت بقاهرة... لا لم تصبه أي رصاصة!

وضغط على أحرف الكلمة الأخيرة وعيناه تحيدان للحظات لتقعا على قبضته الممسكة بالمقود وقد بدأت في التورم وإزعاجه بنبضات الألم على الرغم من أنه يتجاهلها بكل قوته, فالرجل كان يستحق أن يقتل لا أن ينال لكمة واحدة يتيمة! شعلة الغضب التي خمدت لدقائق وقد طغى عليها قلقه على قاهرة عادت تزدهر بداخله اشتعالا, زفر بضيق وقد بدأ شقيقه يزعجه بالحديث مرة أخرى دون أن يلحظ أن نبرة الآخر كانت مشدودة بقلق لم يفصح عنه له, ليقول بنفاذ صبر واضح: حسنا طارق... حسنا, لقد فهمت... لكن كل ما تقوله لا يهمني بحرف, ما يهمني الآن هو قاهرة وقاهرة فقط... وطالما هي معي فليذهب الباقي للجحيم ولن أبالي!

ودون أن ينتظر ردا من شقيقه أغلق الخط في وجهه, ليلقي بالهاتف على الفسحة الصغيرة أمام قاهرة بجوار علبة المناديل ويصطدم بها بصوت قوي إلا أنه لم يبد أنه نبه المرأة الشاردة بجواره, توقف بالسيارة في إشارة مرورية ليلتفت بكامل جسده ناظرا لها بصمت, منذ أن وضعها بالسيارة وانطلق بها مبتعدا عن ذلك المكان المشئوم وهي هكذا... ضائعة في ملكوتها الخاص لا تبدو واعية لما حولها, ابتلع ريقه وقد شعر بمخالب الخوف تنبش في قلبه عليها, يكاد يشعر بجسده بأكمله يتوجع لدى مرآها, كيف تكون هي المرأة التي أسرت قلبه في غفلة عنه منذ سنين طويلة وتكون غريبة عنه كما لو أنه لم يعرفها يوما؟! صوت أبواق ارتفعت من خلفه وعدة شتائم وصلت لأذنيه نبهوه بأن الإشارة المرورية قد فتحت ليلتفت معاودا النظر للطريق مجبرا نفسه على التركيز فيه وهو ينطلق بالسيارة, متجها بصورة تلقائية إلى ذلك الشاطئ الذي لطالما حمل بين رماله ذكريات كثيرة له معها.

أوقف السيارة والتفت ينظر لرفيقة دربه وقلبه يتباطئ في دقاته بداخل صدره وهو يجدها على ذات الوضعية البائسة تكاد تبدو كتمثال من شدة جمودها, لولا أن صدرها يرتفع وينخفض دلالة على أنفاسها الراحلة والداخلة, نادها بهدوء: قاهرة!

هل سمعته؟! تساءل بداخله عندما لم يظهر عليها رد فعل يوضح ذلك, ترجل من السيارة ودار حولها ليفتح الباب المجاور لها ويركع أمامها متناولا يديها بين يديه, فركهما وهو يخاطبها بلطف: يداك متجمدتان قاهرة!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن