الفصل العشرون

402 12 0
                                    

هناك برد... لا يهزمه دفء أبدا

لـ شهرزاد الخليج

التفتت دمشق ناظرة نحو مرآة طاولة الزينة تحاول تمشيط شعرها المبلل متجنبة النظر نحو قاهرة التي اقتربت منها بخطوات بطيئة سائلة إياها السؤال الذي يدور برأسها منذ أن أتتها دمشق قبل شهرين مذعورة: لماذا هربتِ من زياد دمشق؟!

توقفت قاهرة في مكانها عندما وصلت بذكراها لهذه النقطة, ارتفع رأسها بعدما كانت تحدق في الأرض لتنظر حولها تحاول التعرف على المكان, لم تبتعد بخطاها كثيرا عن القصر فقد كانت تلمح أسواره الكائنة في نهاية الشارع, عادت أدراجها بأقصى خطاها دون أن تركض, عليها أن تتحدث مع دمشق!!! حل كل هذه المأساة يكمن عندها... هي واثقة من ذلك!!!

*************

هبطت دمشق الدرج بخطوات بطيئة مرهقة, اليوم هو السبت وفي حين أن متجرها يكون مفتوحا فيه إلا أنها لطالما فضلت أن تذهب إليه من بعد الغداء, ولكن ليس اليوم!! حتى على الرغم من أنها لم يغمض لها جفن طوال الليل وقد عاقبها عقلها وضميرها بإعادة محادثتها الأخيرة مع قاهرة, وكم ندمت على قسوة الكلمات التي تفوهت بها في نوبة خوف على الرغم من معرفتها بأن كل كلمة منهم لم تحمل حتى رائحة الحقيقة, نعم... هي تعلم جيدا ما الذي تسبب في انفجارها, لطالما كانت سيئة في التعامل مع المفاجأت التي تلقيها الحياة في وجهها وعودة قاهرة كانت حتما إحدى تلك المفاجأت, هزت رأسها بإشمئزاز من تصرفاتها, يا إلهي... كم يجب أن تبلغ من العمر حتى تتوقف عن التصرف باندفاع دون أن تزن الأمر في رأسها!!! علمت بأنها يجب أن تتحدث عن الأمر مع إيمان, إلا أنها لم تكن تحديدا متحمسة لهذا الحديث, ولهذا هي ترجئه قليلا حتى تستطيع تصفية عقلها وتستعد لإجراء هذا الحديث, خرجت من الباب الأمامي متوجهة نحو سيارتها حيث توقفها نور سائقتها, ولكن صوت ضحكات طفولية مرتفعة جمدها في مكانها للحظات قبل أن تغير من وجهتها وتتحرك نحو الحديقة الخلفية التابعة للقصر, وقفت قرب إحدى الأشجار الضخمة التي تخفيها عن الموجودين في الحديقة في حين تسمح لها برؤية كل شيء, كانا هناك يلعبان سوية في الحديقة... أباها وابنـ... لا!!! هزت رأسها نافية بتألم هو ابن قاهرة... هي لا تستحق أن تدعوه ابنها بعدما فعلت, ولا تظن بأنه يوم يعلم بحقيقتها قد يعذرها أيضا, همست له في سرها: كل ما أردته هو صالحك... لم أكن أريدك أن تكبر مع أم تكره زوجها بكل طاقتها... أم قد تعكس كراهيتها هذه عليك, أحسن ما فعلته هو أنني تركتك مع قاهرة... هي تشبه والدتنا كثيرا في الطباع... هي ستغمرك بكل الحب الذي لم أكن وقتها لأستطيع إعطاءه لك, وعلى قدر ما أخشى أن أزدري ذاتي أكثر... إلا أنني أخشى أنني حتى هذه اللحظة أنني لن أستطيع إعطاءك الحب الذي تستحقه!

تراجعت ورأسها منخفض تحاول كبت الدموع التي تهدد بالخروج بخطوات خافتة مترددة مثقلة بالهزيمة التي تشعر بها تتردد في داخلها, اعترافها هزها أكثر مما قد تعترف, كانت عند الباب الأمامي للمنزل مرة أخرى يفصلها عن سيارتها أمتار قليلة, لم تر قاهرة التي تحركت باندفاع ممتلئ بعزيمة نحوها وكانت النتيجة أنهما اصطدمتا ببعضهما, تراجعت دمشق للخلف عدة خطوات متعثرة مصدرة تأوه من بين شفتيها, في حين كانت قاهرة أسرع في استعادة توازنها لتمسك دمشق من أعلى ذراعيها بقبضة حازمة وهي تهمس لها من بين أنفاسها اللاهثة متكئة على كل كلمة وكأنها تخبرها دون كلمات بأنها لن تسمح لها بالفرار منها: أريد... التحدث... معكِ... الآن!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن