الفصل السادس والثلاثون

296 13 0
                                    

- طارق... لقد خرجت قاهرة وأخذت معها مسدس أبي!!!

هتف طارق بذهول وهو يعتدل فزعا في جلسته وقد تطاير من عينيه كل آثار النوم: ماذا؟!

لم يلحظ أن هتافه الفزع قد نبه نزار النائم على مقعد مقارب لمقعده وصار الآن ينظر له باستفهام وتعجب, وصله صوت شهقات أندلس وهي تقول من بينها بصوت مختنق: عليك أن تذهب إليها طارق سريعا... وإلا قد يحدث شيء لا يحمد عقباه!

هز رأسه قليلا يحاول إجلاءه من ضباب النوم الذي يسيطر عليه, ليزن الأمور في رأسه للحظة قبل أن يتخذ قراره و يخاطب أندلس بحزم: اغلقي الهاتف الآن أندلس... أريد الاتصال بمعز وإخباره بأن يذهب خلفها!

رددت بدهشة: معز؟! وأنت ألن تذهب؟!

التوتر الذي يشعر به بسبب مكالمة أندلس والأخبار الخطيرة التي حملتها معها جعلته يقول مقتضبا: لا أستطيع... أنا مع مريم في المشـ...

لم يجد الوقت الكافي ليكمل جملته فقد قفزت عليه أندلس كقطة غاضبة لتصرخ في أذنه: تبا لك ولأنانيتك طارق... أخبرك بأن أختي على وشك ارتكاب جريمة وأنت تمضي يومك مع زوجتك البائسة!

جمود تملك طارق مع هبوط معرفته بأن أندلس لم تغير قط رأيها فيه وأنه سيظل في نظرها دائما وأبدا وغد أناني, ولكن كل هذا لا يهم في هذه اللحظة... الشيء الوحيد الذي يهم هو أن يسرع في محادثة معز لكي يلحق بقاهرة قبل أن تقوم بالتصرف المجنون الذي تنتوي عليه, قاطع أندلس في وسط صراخها ببرود: ألا تسأمين أندلس من وصلة شتمي المتكررة هذه؟!

أمام صمتها المذهول لمقاطعته الباردة لها وسط انفجارها تابع طارق بذات النبرة: يبدو لا... ولكننا لا نملك وقتا لهذه المهاترات, فوداعا لكي أستطيع محادثة معز!

ودون أن ينتظر ردا منها أغلق الخط في وجهها, ثم بدأ في ضغط رقم هاتف معز الجوال قبل أن يضغط زر الاتصال رافعا يده كعلامة لإصمات نزار الذي استعاد وعيه كاملا متابعا المكالمة من جهة واحدة, ما إن فُتِح الخط على الجهة الأخرى حتى تحدث طارق مباشرة: معز... قاهرة قد خرجت بمسدس ساعية خلف أسعد... هو الرجل من تلك الصور اللعينة معز... تبا ليس الأمر كما تتصور فقد كانت مكيدة... سأشرح لك الأمر فيما بعد فليس هذا وقته, رجاء اذهب أنت للشركة ونزار سيذهب لمنزله... إياك أن تتهور معز أتفهم؟! الأمر لا يحتمل... وداعا!

نزار لم ينتظر بعدما أغلق طارق الخط بل نهض سريعا ليحاول اللحاق بتلك المجنونة عله يسبقها قبل أن تحصل مصيبة, حدق طارق في أثر نزار الراحل دون أن يرى شيئا حقا, يشعر بقبضة تعتصر قلبه بداخل صدره, مرة أخرى صار أنانيا في أعينها... مرة أخرى لم تنتظر حتى لتسمعه قبل أن ترسم استنتاجاتها الخاصة حوله, لقد تعب وضجر من هذا... علم في هذه اللحظة أنه لن يستطيع أن يمضي ما تبقى من حياته يدور في هذه الدوامة التي لا نهاية لها, حتى وهو يدرك جيدا أن النساء حقا لن يكن لهن دور في حياته... فكلهن سواء دون أندلس في نظره وهو تقبل هذا الأمر وتعلم درسه, كما أنه لا يريد لطفليه أن يكبرا مراقبين لوالديهم يكاد يفقد رشده بسبب حب كان هو السبب في تدميره, سيعيش لأجل درة وسيف... هما من سيتقبلان حبه لهما دون شروط ودون حساب, زفر طارق شاعرا بقلبه يتحطم مرة أخرى بداخل صدره رغم كلماته الشجاعة تلك, ابتلع ريقه وهو يهز رأسه بتعب لينهض متمطيا حتى يعيد الدم لعروقه قبل أن يتخذ طريقه بخطى بطيئة وإن كانت مصممة باتجاه غرفة الخدج ليطمئن على صغيرته ويراها... لتأسر قلبه ويشعر بها تديره حول أصابعها الصغيرة المنقبضة في قبضة صغيرة... صغيرته المحاربة!

في ظلال الشرق - ج1 من سلسلة ظلال -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن