عاونتها و هي تدلف لداخل المنزل ثم أوصدت الباب خلفها ، تنهدت " حبيبة" بحرارة و هي تتمتم :
- ربنا يكرمه ، لولاه مكنتش هشوفها أبدًا
فـ امتعضت ملامح "ولاء" و التفتت لـ تعقد ساعديها أمام صدرها متمتمة بحدة :
- ماما افتكري ان ده ابن عمه مش عارفة ازاي بتعامليه كده
- انتو بتتكلموا عن مين ؟
تسائل بها " حسين" بصوتٍ محتدٍ ، فـ التفتت " حبيبة" ناحيتها و بسطت ذراعها متمتمة بنبرة جامدة :
- تعالي أدخلك أوضتك
نظرت لها " ولاء" بنظراتٍ معاتبة ، و تنهدت بحرارة و هي تستند عليها ، بينما تنغض جبينه و هو يخطو نحوهم ، و أزاح ذراع "ولاء" عن والدتها ، و دفعها للخلف بشئٍ من العنف و هو يردد بنبرة محتدمة:
- أنا مش بكلمك ؟ كنتوا فين بالظبط ؟
كادت "ولاء" تسقط ولكنها تماسكت في اللحظة الأخيرة ، فـ غلت الدماء بعروق " حبيبة" و هي تتمتم بـ نبرة ساخطة :
- ايــــه ؟ عايز تقتل بنتك التانية بالمرة مش مكفيك اللي حصل لها بسببك ؟
فـ احتقن وجهه بالدماء الغاضبة و هو يردف باستهجانٍ :
- بسببي و لا بسبب ابـن الـ..
فـ هدرت مقاطعة بنبرة غاضبة :
- متجيبش سيرة يوسف يا حسين !
تجهمت ملامحه و هو يهدر باستهجان :
- انتي اتجننتي يا حبيبة ؟ ناقص تدافعي عنه و عن ابنه اللـ××× قدامي ؟
فـ نظرت له باحتدام و أومأت برأسها و هي تردد :
- أه يا حسين هدافع عنه ، يوسف معملش غلطة واحدة .. غلطة واحدة يستاهل عشانها اللي حصل له !
أظلمت عيناه بدرجة كبيرة و أشاح بذراعه مرددًا بـ صوت قاتم :
- غلطة واحدة ، رجع عشان يفرق بينا و دي متعتبرش غلطة !
تنغض جبينها و هي ترد باحتجاج :
- انت الحقد بيعمي عينيك ! يوسف معملش حاجة يا حسيـن ، انت حاسبته على حجات هو حتى مفكرش يعملها ؟
تجمدت تعبيراته و هو يردد مستوضحًا و قد اشتاط غضبًا :
- قصـدك ايه بكلامك ده ؟
عقدت ساعديها أمام صدرها و نظرت له مُطولًا بينما ازدردت " ولاء" ريقها و تحركت صوبه بخطوات متعرجة متمتمة بـ هدوءٍ حذر :
- بابا لو سمحت ممكن تهـدى
و گأنه لم يستمع اليها ، حيث صـاح بصوتٍ جهوري :
- قصـــدك ايه يا حبيبة ؟ ما تنطقـــي ؟ قصدك ان أنا اللي قتلته ؟
فـ التوت شفتيها متمتمة بـ فتورٍ:
- معرفش ، معرفش بعد اللي شوفتك بتعمله ممكن تعمل ايه ، بنتي كانت هتموت بسببك !
فـ قبض بعنفٍ على ذراعها و هو يحدجها بنظراتٍ مستشاطة مرددًا بنبرة عنيفة :
- انتي عارفة كويس أوى اني مكنتش أقصد بنتنا
فـ كزّت على أسنانه بقوةٍ و هي تجذب ذراعها بعنفٍ من قبضته مرددة :
- حتى لو مكنتش تقصدها ، فكرة انك تطعن حد بسكينة خليتني أشك فيك !
اتسعت عينا "ولاء" متمتمة بعتاب :
- ماما ! ايه اللي بتقوليه ده ؟
فـ التفتت اليها مرددة بحدة :
- متدخليش يا ولاء ، ادخلـي أوضتك
هزت رأسها نفيًا و هي تردد باحتجاج موزعة نظراتها بين كلاهما :
- بـس ..
فـ ازداد صوتها احتدادًا و :
- هـــي كلمة ، اتفضـلي على أوضتك
تنهدت " ولاء" بحرارة و هي تستند الى عكازها الخشبي و تحركت على مضض نحو غرفتها و أوصدت الباب خلفها ، بينما رمقها " حسين" باستهجان و ردد بعتاب :
- انتي أكيد اتجننتي يا حبيبة ، حصل لعقلك حاجة !
فـ احتدم صوتها و هي تردد :
- أه اتجننت ، بنتي اتجوزت واحد بتكرهه بسببك و عشانك ، و بدل ما تحاول تحل مصيبتها كنت هتقتلها !
فـ كان رده صادمًا بالنسبة اليها و هو يردد باستهجان :
- و أنا قولتلها تتجوز ابـن الـ×××× ده عشان تذلنا قدامه ؟
حلت ساعديها ببطء و هي تنظر له بـذهول سريعًا ما تحول بـ غيظٍ و هي تتمتم بنبرة مستشاطة :
- بقـــولك بنتك ضحت عشـانك و انت اللي هامك هي اتجوزت مين ؟
- ضحت عشاني و لا عشان الفلوس ؟ أنا حرمتها من حاجة عشان تعمل كده ؟
شخص بصرها و هي تنظر له غير مصدقة ما يتفوه به ، حركت شفتيها لتتمتم بنبرة مذهولة :
- انت اللي أكيد اتجننت ، بنتك عملت كـده عشان تحميك و انت .. و انت بتفكر كده ؟ ازاي ؟ مش قادرة أصدقك
فقست ملامحه و هو يتمتم بنبرة جافة :
- مفكرتيش للحظة هو اتجوزها ازاي و امتي ؟
ازدردت ريقها متمتمة بـ نبرة متلعثمة :
- انت .. انت ناسي انه خطفها و ..
فـ لوى شفتيه ممتعضًا متمتمًا:
- خطفها و لا هي اللي كانت متفقة معاه من الأول ؟ لو كان خطفها كان سابها ترجع ليه .. تاني مرة متخطفتش .. دي كذبت و عملت لعبة ×××× عشان تروحله .. كل حاجة كانت بإرادتها ، لما هربت و راحتله الشركة اتفقوا على كل حاجة ، قالت تستفيد من الموضوع .. مش كده ؟
و گأنه سكب دلوًا من الثلج فوق رأسها.. كانت كلماته اليها صادمة الى الحد الذي جعلها تتسمر في مكانها تحملق به بعدم تصديق ، هزت رأسها نفيًا رافضة لما يقول و هي تتمتم بـ استنكار :
- مستحيـــــــل ، مستحيـــــــل تعمل كده !
فـ ردد بنبرة قاسية :
- أنا كنت حاسس انها عمرها ما حبيتني ، كنت عارف ان عمرها ما اعتبرتي أب ليها
فـ رددت بنبرة مشدوهة امتزجت بالاستنكار :
- انت بتقول ايه يا حسيـن ؟
امتقع وجهه و هو يردد بصوت محتد :
- مكنتش بتسأل عني حتى ، مش زي ولاء كانت بكلمني كل يوم تطمن عليا ، انما هي .. و لا كنت في دماغها ، و لا كأن عندها أب !
ابتلعت غصة عالقة في حلقها و هي تتمتم بـ نبرة متحسرة :
- و من امتى الحب و المشاعر كانوا بالتعبير و الكلام و السؤال ؟ الحب مشاعر مش مجرد سؤال ، الحب مشاعر .. مشاعر في القلب و الروح و بس ، حتى لو اللي بيحبك مش قادر يعبر عنه ، الحب مش حاجة ملموسة تقدر تلاقيها في السؤال عن الحال ، ممكن تلاقي واحد بيسأل عليك ليل و نهار .. بس بينافق من جواه بيكرهك ، بيتمنالك الشر ، لكن الحب .. الحب بيتلمس بس لما تلاقيه في الظروف الصعبة ، لما يقف جمبك و يعمل أي حاجة عشان يحميك ، زي ما يارا عملت عشانك بالظبط
ارتفع جانب ثغره بابتسامة متهكمة و عقد كفيه خلف ظهره ليتمتم باستخفاف :
- اتعلمتي محاضرات المشاعر دي منين يا حبيبة ؟
فـ كررت خلفه بـ استنكارٍ مرير :
- محاضرات؟
التوى ثغرها ببسمة متهكمة و هي ترمقه بنظرات معاتبة ، هزت رأسها استنكارًا و هي تتمتم بـ تنهيدة مُطولة :
- يا ريتك ما رجعت يا حسيـن ، يا ريتك ما رجعت !
أطبق جفنيه مستشعرًا تمادي خياله في رسم أحداث تُدين ابنته قسرًا ، فـ سحب شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ فتح جفنيه ليجدها قد تلاشت ، التفت برأسه لينتبه الى صفق باب حجرة " يارا" فـ دنا من الغرفة و هو يتمتم بنبرة جادة :
- حبيبة ، استني اسمعيني
فـ هدرت به بنبرة امتزجت مع شهقاتها :
- عايزني أسمع ايه بعد اللي قولته ؟
استند بظهره الى الباب و هو يتمتم بمرارة :
- حبيبة أنا مش في وعيي ، انا.. أنا هتجنن
فـ استندت هي الأخرى بظهرها للباب متمتمة بـ تحسرٍ :
- انت اتجننت فعلًا ، امشي يا حسيـن ، مش عايزة أسمع منك حاجة ، كفاية أوي اللي سمعته
تهالك جسده على الأرضية و هو ينظر أمامه بنظرات شاردة متمتمًا بنبرة تائهة :
- مبقتش عارف الصح من الغلط يا حبيبة ، مش فاهم حاجة
فـ تهالك جسدها هي الأخرى على الأرضية ، و دفنت وجهها بين كفيها تبكي بحرقةٍ متمتمة بـ نبرة امتزجت مع نشيجها :
- و لا أنا .. و لا أنا فاهمة حاجة ، حاسة اني في كابوس عايزة أصحي منه بقى ، أنا تعبت !
................................................................................................
التفتت كلاهما نحو فـ سارع " عمر" بالرد بنبرة ممتعضة :
-عمـــي ، ياريت تخلي ماما تبطل اللي بتعمله ده
تنغض جبينه و هو ينظر لـ " هدى" مستوضحًا بخشونة :
-في ايه يا هـدى ؟
عقدت ساعديها أمام صدرها و هزت احدى ساقيها مرددة بحنقٍ :
-البيـه ابنك بيعلي صوته عليا ، كان ناقص يديني قلمين !
ارتفع حاجبي " عمر" و هو ينظر لها متمتمًا بـ استنكار :
-امتى ده حصـل ؟ ماما !
فـ نظرت له بنظراتٍ متقدة مرددة بـ استهجانٍ :
- اخـــرس انت ، مش كفاية شايف مامتك بتتهزأ قدامك و مش عارف تدافع عني حتى !
فـ زفر بحنقٍ متمتمًا :
- ما انتي اللي بتتصرفي بـ..
فـ قاطعته بنبرة حادة :
- كمان هتجيـب الحق عليا ؟
زفر " كمال" بحنق متمتمًا بامتعاض :
- ما تهدوا و تفهموني في ايه ، أكيد فارس مش هيعمل كده من نفسه
فـ نظر "عمر" له بـ ضيق مرددًا :
- لأ مش من نفسه ، ماما جابت سيرة ريم ، و انت عارف انه بيتعصب من...
فـ تنغض جبين " كمال" و قست تعبيراته و هو يردد بـ فتور :
- و هـدى غلطت في ايـه ؟ مش هي اللي سابته و سابتني و هربت !
رفع " عمر" حاجبه الأيسر استنكارًا و :
_ طب و فارس ذنبـه ايه مـش فاهـم ؟
ثـم نظر لوالدته مرددًا بتبرم :
- مش كفايـة أجبرتوه يسيب البيت كله و يعيش متغرب عن بلده !
توسطت " هدى" خصرها بكفيها مرددة بتأفف :
- و الله دي كانت رغبته هو ، محدش أجبره يعمل حاجة
فـ غلت الدماء بعروقه ، أشاح بكفه متمتمًا بازدراء :
- و بردو محدش منعه انه يسافر ، بالعكس انتو وافقتوه فورًا على قراره بالرغم من سنه وقتها
ثـم نظر لـ " كمال" متمتمًا باستخفاف :
- مش كده يا عمي ؟
عقد " كمال" كفيه خلف ظهره متمتمًا بنبرة باردة :
- و الله دي كانت رغبته و انا سيبته يتصرف بحريته
فـ تشنجت ملامحه و هـو يردف باحتقار :
- و الله أنا مش فاهم انت أب ازاي ، ازاي طاوعك قلبك تسيب ابنك يسافر لوحده و هو عنده 15 سنة و متسألش فيه و لا حتى تـ...
تنغض جين " هدى" و تجلى الجفاء على صفحة وجهها و هي تردد بـ صرامــة :
- ولــــــــــــــد ، انت اتجننت ؟ انت هتحاسبنـا ؟
بسط " كمال" كفه متمتمًا ببرود :
- اهدى يا هدى
فنظر لها " عمر" بـ استهجان متمتمًا بسخطٍ :
- ده اللي هامـك يا هدى هانم ؟ مهما قولت و عيدت محدش هيسمعلي ، مش عارف انتو قلبوكم دي ايــه ؟ حجــــــــر ؟
ثم شمل " كمال" بنظرات حانقة و استدار بجسده لينتقل للدرجات ، فـ ارتفع حاجبي "هـــدى" هادرة بـ استهجان :
- ولــــــــــــــد خـــد هنـــا ، انت ازاي تتكلم بالطريقة دي ؟
سحب " كمال" شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ و هو يتمتم بـ نبرة جامدة :
- اهدي بقى يا هدى و ...
فـ لم تكترث له ، ظلت تتابع ابنها الذي يصعد الدرجات هادرة بـ شراسـة :
- طب مفيش خــروج من البيت و لا نادي الأسبوع ده عقابًا ليك على تصرفاتك دي ، أنا هعرفـك ازاي تتكلم بالطريقة دي تاني يا عمـر
فـ كان قد وصل الي نهايـة الدرجات ، سار بـ محاذاة الدرابزون متحركًا نحو غرفته فـ نظر للأسفل حيث هي بنظرات ساخطة و لم يكترث لما تقوله ثم دلف لحجرته صافقًا الباب بعنفٍ خلفه ، فـ هـدرت " هدى" بـ احتدام :
- خلاص .. مبقاش ليا احتــــرام في البيت ، كل واحد بيتصرف على مزاجه ، واحد داخل عليا بمراته و التاني بيعلي صوته عليا و الله عال
فـ وقف أمامها " كمال" معنفًا :
- ما تتهدي بقى يا هدى
فنظرت له باشتعال مضيقة عينيها مرددة بنبرة حادة :
- انت .. انت ازاي بارد بالشكل ده ؟
فـ زفر بحنقٍ متمتمًا بـ نفاذ صبر :
- عايزاني أهبب ايه يعني ؟
فـ هـدرت به بـ غيظٍ مشيحة بكفها :
- اتصـــــــــــــــرف ، اعمــــل أي حاجة
فـ امتعضت ملامحه و هو يردد بتجهم :
- بقــــولك ايه يا هـدى ، أنا راجـع من الشغل روحي في مناخيري ، فحاسبي كده عشان عايز أرتاح
ثـم دفعها برفق نوعًا ما من كتفها و هو يمر من جوارها متجهًا لغرفتهما ، فـ ارتفع حاجبيها باستنكارٍ و هي تراقب اختفائه أمامها ، ثم كزت على أسنانها بغيظٍ و ضربت الأرضية بقدمها عدة مرات بـ حنقٍ بالغ و هي تردد بسخطٍ متوسطة خصرها بكفيها :
- مـاشي يا كمــــال ، لـو مكنتش هتتصرف فـ أنا هتصرف
ثـم نظرت للخلف حيث باب القصر متمتمة بـ توعـد :
- و انت يا فارس أنا هعرفــك مين هي هــدى الريحاني
.....................................................................................................
لم تستطع مسايرة خطواته الواسعة و هو يجذبها خلفه فـ التوت قدمها أسفل منها فـ صدرت منها تأويهة رُغمًا عنها ، توقف " يامن" و قد تنغض جبينه و التفت اليها فـ نظرت " يارا" عند موضع قدمها و عضت على شفتها السُفلى بتألمٍ ، ثم رفعت عينيها اليه متمتمة بـ حنقٍ و هي تجذب معصمها من قبضته :
- أوف ، عاجبك كده يعني ؟ انت مش هترتاح غير لما أتكسح صح ؟
فـ زفر بـ حنقٍ و هو ينظر لها باستنكار ، دنا قليلًا منها فـ ابتعدت للخلف خطوة مرددة باصرار :
- مش هتشيلني ،مش عايزة مساعدتك انت بالذات ، أنا همشي لوحدي
فـ اكفهر وجهه و هو يقبض على عضدها و جذبها لتكون الى جواره متقدمًا في خطواته متمتمًا بـ لهجة صارمة :
- امشي
امتعض وجهها و هي تردد بـ احتجاج :
- أوف بالراحة
تنهد بضيقٍ و هو يحاول مسايرة خطوتها الضيقة ، بينما كانت تسير على أطراف أصابعها بتعرجٍ مستشعرة تلك الآلام التي تُداهم ساقها و جرح ظهرها ، عبست ملامحها الى حـدٍ كبير حيـن فتح باب الغرفـة و جـذبت ذراعها من كفه و هي تسير نحو الفراش بخطوات أشبه للوثب لـ تُزيد سرعتها ، فردد مُحـذرًا بصوتٍ أجش :
- بالراحــة
زفرت بانزعاج و قد تهالك جسدها على طرف الفراش ، بينما نظر لها " يامن" مُطولًا ثم دلف لداخل المرحاض و بعد دقائق خرج منه حاملًا علبة الإسعافات و دنا منها فـ تنغض جبينها و عقدت ساعديها أمام صدرها ، تفاجأت به يجثو على احدى ركبتيه أمامها فـ فغرت شفتيها و هي تنظر له بشدوه بينما كانت ملامحه جامدة و هو يجذب قدمها بـ حذرٍ فـ عبست ملامحها متمتمة باستهجان و هي تحاول سحبها :
- انت بتعمل ايـــه ؟
فـ ثبت قدمها بكفيه ثم نزع عنها حذاء قدمها و هو يردد بنبرة جامدة :
- هشوف حصل لها ايه !
فـ تمتمت بـ نبرة حادة :
- ليــــه ؟ كنت دكتـور و أنا معرفش
نزع عنها حذاء قدمها فـ حاولت سحب قدمها و لكنه ثبتها أعلى ركبته ثم رفع نظراته الصارمة اليها متمتمًا بـ تحذير :
- اثبتــي
نظرت له شزرًا و هي تنفخ بضيق ، بينما أخفض نظراته لـ يتفحص قدمها ، فـ وجـد بها زُرقة خفيفة لا تُنذر بالسوء ، تنفس بارتياحٍ بسيط لم يجعله يطفو على السطح ، و ظلت تعبيراته غير مقروءة بالنسبة اليها ، لم ينتبه الى نظراتها المُسلطة عليه تتأمل ملامحه القاسية ، فـ التوى ثغرها باستخفاف متمتمة :
- مكنتش متوقعة تكون بتعاملها أفضل أصلًا
تنغض جبينه و هو يرفع نظراته اليها لتتلاقي زرقاوتيها مع خضراوتيه ، ضيق عينيه متمتمًا بـ إيجـاز :
- يعنـى ؟
فـ توسطت خصرها بكفيها و هي تتمتم بنبرة قاسية :
- يعنــى إنت أكتر انسـان جاحـد شوفته في حياتي ، حتى والدتك بتعاملها معاملة زي الزفت
فـ هـز رأسه بإيماءة بسيطة و هو يتمتم بنبرة شبه متشنجـة :
- صـح ، في عنـدك اعتــراض ؟
عقدت ساعديها أمام صدرها ثم أشارت لـ قدمها بعينيها متمتمة بتهكمٍ :
- ليــه ؟ لو اعترضت هتعمل ايه مثلًا ، هتقتلني ، هتكسرلي رجلي ؟ خلاص اتعودت
كز على أسنانه بـ عنفٍ و أظلمت نظراته و هو يردد بلهجة قاتمة :
- انتي عايــزة ايـه ؟
تنهـدت بحرارة و هي تنظر نحـوه بـ عمقٍ ، ثم تمتمت :
- نفسي يكون كل ده كابـوس.. كابوس و هصحي منه ألاقي كل حاجة رجعت لأصلها ، ألاقي نفسي في بيتي و بين أهلي ، مش عايزة بابا يرجـع .. وجوده هناك و هو بعيـد بس على الأقل مطمنة عليه كـان أفضل مليـون مـرة
ارتفع جانب ثغره ببسمة ساخـرة و هو يتمتم بلهجـة مستخفة :
- لو كان فيـن كنت هلاقيه ، لو كان حتى تحت الأرض .. اللي متعرفيهـوش اني كنت خلاص قربت أوصل له ، بس هـو اللي طلع أغبى مما كنت أتصور ، دخل المصيدة برجليه !
و كأنها لم تستمع اليه ، كانت تنظر اليه بطريقة غريبة و كأنها تدرس ملامحه القاسيـة ، نظرة مُطولة قبل أن تتنهد بـ عمقٍ متمتمة و هي تنقل نظراتها بين خضراوتيـه :
- و أهم حاجة .. أصحي من الكابوس ده ألاقيك مش موجـود ، نفسي تكون خيال مش حقيقة
ثـم ارتفع جانب ثغرها باستخفاف متمتمة بتهكم :
- مع اني متأكـدة اني عقلي الباطن عمره ما يتخيل شخصية بالبشاعة دي !
كلماتها لم تكن غريبة عليه ، هـو يُدرك أن ما تقوله ينطبق عليه حرفيًا ، و لكنه أحسّ بـ شعـور مُريب ، نقل بصره بين زرقاوتيها ، هاتان اللتان أُعجب بجمالهما منذ الصغـر ، لم يذكر أنه تعمق النظر نحوها هكذا من قبل الا في وقتها منذ سبعة عشر عامًا تقريبًا ، انهما گ أنهار أحـزان ، عميقتيـن لأقصى درجـة ، تمكن بسهولةٍ أن يلمح طبقة التحسـر التى تطفـو على سطحهما ، ازدرد ريقه و قـد لاح أمام عينيه صورتها بـ كابوسه ، ذات العينين .. ذات النظرات ، لا يعلم كم مرّ عليه من الوقت هكذا ، لم يتمكن من أن يحيد ببصره عنهما ، و أخيرًا انتبه الى شـروده ، فـ حاد ببصره سريعًا عنها كي يقطع ذلك التواصل البصري المريب و انتصب في وقفته و هـو يتمتم بلهجـة جامدة :
- صـح ، و أنا أبعدلك من الخيال لو خيالك حاول يتصورني
أغلق علبة الإسعافات و قـد اختنق صدره ثـم استدار متحركًا نحو باب الغرفـة و وقف على أعتابـه و هـــو يهـدر مناديًا :
- سهيــــر ، يا سهيـــر
فـ خرجت اثـر صوته متمتمة بـ لهجـة مرتجفـة و هي تكاد تصعد الدرجات :
- أيوة يا بيه ؟
فـ ردد بلهجـة آمـرة :
- متطلعيش ..ابعــتـــي مريم
فـ رددت بـ خنوعٍ :
- حاضر
دلف ثانيـة و انتقل نحو الكومود بينما جذبت " يارا" رابطة شعرها لـ ينسدل على ظهرها ، و أخذت تعبث بها بأناملها و هي تنظر لها ، ثم التوى ثغرها بابتسامة متهكمة و هي تتمتم :
- مريـم دي صعبانة عليا من كتر ما بتندهلها
ضيق عينيه و هو يرفع نظراته اليها ، فرددت بـ تهكمٍ مرير :
- لازمتها ايه تندلهلها تداوي جـرح اتجرحته بسببك ؟
خفق قلبه بـ عنفٍ في صـدره ، عاد ذلك الشعـور الذي لا يعلم كنهه بعد يُداهمه ، هـل هـو اشفاقًا؟ أم أن ضميـره قـد استيقظ بعـد سُبـات طويل ؟ لا يعلم .. رفعت فجأة عينيها اليه و قـد تجمعت الدموع فيهما رُغمًا عنها و هي تتمتم بوجـوم :
- فاكر انك بتكفر عن ذنبك مثلًا ؟ و لا ده عشان تبقى راضي ضميرك اللي مش موجود أصلًا ؟ عشـان لو صحي في يـوم مع ان ده مستحيـل تقول انك عملت اللي عليك ؟
نغـزة قويـة داهمت فؤاده فجأة و هو يرى عينيها تفيض بالدمـوع ، انهمرت على وجنتيها غير قادرة على التحكم بها و هي تتمتم بـاختناق :
- فاكـر انك كده بتداوي الجرح ؟
ثـم التوى ثغرها بابتسامة امتزج بها التهكم مع المرارة و التحسـر و هي تتمتم :
- صعـب .. صعـب الجرح يتداوى بالسهولة دي ، و لو اتداوى بيسيب أثـر .. لو مكانش أثر ملمـوس فـ هـو بيسيب أثر في الروح .. شـرخ عمره ما هيترتق
لـو كانت تجلد فؤاده بـ سـوطٍ لكان أهـون عليه من كلماتها ، انها تشـرح معاناته الداخلية التي يحاول دفنها و مواراتها خلف تراب مقبرة فؤاده بشتى السـبل ، شعـر بشئ يُطبق على صـدره فـ يمنعه التنفس ، بنيرانه المستعرة بصدره تنهش منه بلا هـوادة ، عادت تُخفض نظراتها لرابطة شعرها تستكمل العبث بها ، ثـم سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهل و نزحت دموعها بأطراف اناملها متمتمة بنبرة جادة :
- مش عارفة ليه حتى بقولك كده مع اني متأكدة انك عمرك ما هتفهم
ظل مُسلطًا لنظراته عليها ، من حسـن حظه أنها لم تكن تنظر اليه و إلا قـد رأت تلك النظرة الحارقـة التي رمقها بها ، نظرة عكست ما بـ فؤاده الذي حَسِبه قد تجمـد منذ فتـرة طويلة ، قطع شـروده " مـريم" التى طرقت الباب الموارب قليلًا لـ تُعلمهما بوصولها ، ثـم دفعته لـ تدلف للداخل ، و نظرت لـ " يارا" أولًا ثم رفعت نظراتها اليه متمتمة بـ ارتباك جلي على ملامحها :
- حضرتك تؤمرني بـ إيـه يا يامن بيه ؟
فـ رفعت نظراتها لتنظر لها بعينان حمراوان متمتمة بلهجة جامدة :
- مفيش حاجة ، اللى انتي هتعمليه مش هيفيدني كتيـر
فـ عاد الجفاء يرتسـم على صفحـة وجهه و هـو يسحب هاتفه و سلسلة مفاتيحـه و دس كلاهما في جيبه و هو يسيـر نحـو الباب مرددًا بصـوتٍ قاتم :
- شوفيلها رجلها عشان اتلوت
فـ تابعته بـ نظراتٍ متحسـرة حتى تلاشى من أمامها صافقًا الباب بعنفٍ خلفه حتى انتفض جسـد " مريم" و هي تنظر نحوه و قد تواثب قلبها بيـن أضلعها ، بينما لم تتمكن من السيطرة على نفسها فـ إذ بصوت الباب يتزامن مع صوت شهقاتها التي بدأت تعلـو فجأة و بدون سابق إنذار ، دفنت وجهها بين كفيها و هي تبكي بـ حُرقة لم تتمكن من مواراتها ، أشفقت " مريم" عليها و هي ترى انهيارها ، فـ سارعت بالجلوس الى جوارها و مسدت على ظهرها مُحاولة مواساتها ، و لكنها للأسف لم تنجح.
..................................................................................................
هنا .. على ضفة نهر النيل مباشرة و في مكانٍ متوَارَى عن الأعيـن ، كان يجلس على صخـرة ينظر للمياه أمامه بنظرات شاردة ترقرت رُغمًا عنه دمعة حارقة سريعًا ما نزحها بـ طرف اصبعه ، سحب شهيقًا عميقًا و هـو يدس كفه بـ جيب سترته الداخلي و أخرج صورتها منه ، تعلقت عيناه بـ ملامحها و التي يشبهها فيها الى حـدٍ كبير ، حيث كانت تملك بشرة بيضاء و شعـر بني كان يصل الى خصرها كانت تُحبذ دومًا صُنع جديلة سميكة ذات مظهر جميل منه ، كما كانت تملك عينين عسليتين ، انه يتذكر كل تفصيلة بها ، و كيف ينساها و هي كانت دومًا و كأنها معه ، لوعة قلبه لا يوجد مثيل له ، لا يعلم أهو مشتاق لها أم أنه ساخط عليها ، و لكنه يتمنى لو يعود به الزمن فـ يمنعها الرحيـل ، يتمنى لو أنه يراها مُجددًا و لو لـ مرة واحدة .. مـرة واحـدة فقط عسـاه يُخمد نيران الشوق اليها ، قِيل له أنها تركت المنزل بأكمله بـشكلٍ مُفاجئ مخلفة ورائها رسالة غامضة _تخبرهم بها بـ سقوطها في شباك عشق غير زوجها _ و قلب بداخله شرخًا غائرًا لن يرتق بسهولة ، كان ذلك بمثابة النقطة الفاصلة بحياته ، تبدلت حياته كليًا بعد رحيلها و لكنه قرر الصبر عسى أن تعـود و لكـن هيهات.. سرعـان ما تزوج والده بـ زوجة أخيه المتوفي السابقة ، هنا لم يكن ليتمكن من المكوث أكثر برفقتهم ، قرر ترك الجميع خلفه و لكنه يشعـر بأنه كان أنانيًا فقد ترك ابن عمه وحيدًا برفقة والده الذي يعلم جيدًا قسـوته المعهودة آنذاك ، تنهد بحرارة و هو يرفع نظراته لـ يسلط نظراته الشاردة على صفحة المياه ، ثم عاد يدس الصورة في جيب سترته الداخلي استند بمرفقيه الى ركبتيه و دفن وجهه فيهما و هـو يطرد زفيرًا حارًا من صدره لـم يحمل معه للأسف ذرة من عذاباته فـ يخفف به عنهُ
.................
......................................................................................................
أنت تقرأ
في مرفأ عينيكِ الأزرق
Romance" مُقَدِمة" أَقْسَـــمَ أن يُذيقَه من نَفـس الكَـأْس و حينَ حَانَتْ لـَحظة الأخذ بالثـَـأْر ظَهـَرَت هى أَمَـامــه كـمَلاك يَــرده عن خَطِيئة الانْتِقَام لـ ينْتَشلها منه عَنوَة فـ يـَحرِق رُوحُـه رُويدًا رُويدًا و لـكن.. لم يَـضَع المشاعر فى ال...
