قطفت "حبيبة" ورقة أخرى من ورقات النعناع الطازجة و تركتها في الصحن الذي تجمعهم بهِ، و همّت بأن تعيد الكرّة، و لكنها أصغت لطرقاتٍ أعلى الباب، تكهّنت أنها ابنتها و قد عادت للمنزل عقب أن برحهُ منذ قليل من الوقت الجارات، تنهدت "حبيبة" بثقلٍ جثى على صدرها، ثم نهضت عن مقعدها، تاركة الفروع المورقة جانبًا، عرجت أولًا إلى المطبخ لتغسل كفيها سريعًا، فاستمعت للطرقات من جديد، سحبت "حبيبة" منشفة المطبخ و جففت يديها عقب أن أغلقت الصنبور، ثم ولجت خارجهِ و هي تردد بصوت مسموع للطارق:
ـ حاضر ياللي على الباب، جاية
و تركت المنشفة جانبًا، سحبت حجاب رأسها المنزلي، و وضعته حول رأسها لتخفى خصلاتها، ثم وقفت أمام الباب، أدارت المقبض و فتحتهُ، فارتفع حاجبيها و توسعت عيناها قليلًا، متعجبة وجودهِ هنا في هذه اللحظة تحديدًا:
ـ يامن!
فافترّ جانب شفتيه عن بسمة متهكمة و هو يردد ببعض السخرية:
ـ أهلًا يا حماتي
شملت وجههُ بنظرة واحدة، و هي تحرر عن صدرها زفيرًا متأججًا، أفسحت له الطريق ليعبر و هي تهتف بثبات:
ـ لو جاي عشان حسين فهو مش هنا، لو مش مصدقني تقدر تفتش الشقة لو عايز
ـ عارف
و خطى للداخل، فتغضن جبينها و هي تنظر نحوه من طرفها، حتى التفت إليها و قد استعاد وجهه صلابتهِ المعهودة و هو يردف بحزمٍ آمر:
ـ عايز أدخل أوضة مراتي!
فغمغمت بشدوهٍ طفيف:
ـ أوضة يارا؟
و على الرغم من الاندهاش الذي اعتراها مع مطلبهِ العجيب في حالتهم، إلا أنها أشارت بكفها و هي توصد باب المنزل قائلة:
ـ اتفضل
برح "يامن" مكانه، و شرع يدنو من باب غرفتها الموصدة، أدار المقبض و دلف للداخل، و من ثُم أوصده من خلفهِ، ليمنع على "حبيبة" فرصة افتحام خلوتهِ اللحظيّة، جاب الغرفة التي سكنها مسبقًا بنظرة شمولية، فشعر أن روحها لا تزال تتجول هُنا، مع عبقها الذي قابلهُ فور دلوفهِ، و كأن حاسّة الشمّ لديه تلتقطه ببراعة، حتى استوقفتهُ تلك المكتبة الجانبيّة و قد تعبّأت أرففها بالروايات القيّمة، دنا "يامن" منها عفويًا، حتى توقف أمامها مباشرة، دومًا ما كان يحمل سخطًا لدى كل ما يتعلق بالمشاعر و العاطفة.. يتهم مؤلفون الأفلام و الروايات بالاحتيال و الخداع كونهم يجيدون التلاعب بعقول القُراء و المشاهدين، يُبدون لهم الدنيا بغير ثيابها، و يكسونها باللون الورديّ، و كأنه عالمًا خياليًا خُصص لفراشاتٍ الحب تمتصّ رحيقها، عالمًا كالجنان بورودها الملوّنة و عبق الحُب بضوعه يفوح فيها، و لا يُدرك أحدهم أن ما هي إلا أقتمُ و أشدّ كلحًا من الليل الغامض، و أن اللون الورديّ الزائف سينقشعُ و يتبدد، و يظلّ فقط الأسـود يفرض سيطرتهِ عليه.
مرر "يامن" عينيهِ الفاترتين على الأسماء الجانبيّة للكتب، حتى توقف نظره لدى تلك الرواية التي تُعتبر ثاني أجزاء سلسلة ما، خطفت بصرهُ كون اسمها غريبًا قليلًا عليهِ، بزغت -بوضوحٍ- خطُوط جبينه إثر تقليصه تلك المسافة بين حاجبيه و هو يبسط أناملهِ ليسحب تلك الرواية دونًا عن غيرها، تأمل غلافها بنظرة شموليّة، فاستكشف أنها للأديب العظيم.."نجيب محفوظ"، فردد "يامن" الإسم بصوت شبه مسموع:
ـ رادوبيس!
لم يكن عسيرًا عليه أن يستنبط منذ الوهلة الأولى أنها رُواية تاريخيّة، و لكن وفقًا للغلاف الذي يحمل صورة امرأة، و كون الرواية ضمن ما اقتنتهُ من روايات، فـ حتمًا تحوى جانبًا رومانسيّا، فرّ "يامن" أوراقها بحركة لا معنى لها، حتى بلغ الصفحات الأخيرة، و شرع يمضى بعينيهِ على الكلمات، مستشفّا النهاية، حتى شعر أنه ما يبغيه، نهاية حزينة سوداويّة.. حيثُ سيُقتل بطل الرواية و تنتحر البطلة عقب موتهِ عن طريق السُمّ، ليست ما كان يريدها تمامًا، و لكنها على الأقل ذات نهاية لا تمتّ للأحلام الوردية بصِلة، أغلق "يامن" دفتيّ الرواية، و التفت يسارًا ليلمح ذلك الإصيص الذي تركتهُ قبلًا أعلى مكتبها الخشبيّ الرقيق، سار "يامن" صوبهُ، ترك الرواية أعلاهُ، ثم انحنى قليلًا بجذعه ليُمعن النظر في الإصيص، متأمّلًا وريقات الورود الذابلة و المتساقطة لدى تربتهِ، و قد أصاب أوراقها الخضراء ما يشبه إنحناءً دلّ على تعطّشها، أو موتها.. لا يدري
و بدون تردد حمل "يامن" الإصيص الذي يضمُ البذور المتنامية، فـ أينعت ورودًا لم يُكتب لها الحياة، و خذلتها الدنيا بعد وجودٍ فقضت عليها و أهلكتها قبل أن تنعم بالوجود، و انتهى بها الأمر في السفح..لم يخمن نوعيتها كونه لا يفقه شيئًا من تلك الأمور، و لكن تسلل لأعماقهِ شعور غريب، كونهُ يحمل ما زرعته هي.. اعتنت بهِ و أحبته، روتهُ بدموعها، و هجرتهُ برحيلها، و قصّت لها لم تقصّه على أحدٍ قطّ.
انتُشل "يامن" من أوج شروده و هو يهمّ بسحب الرواية لينصرف، و لكنه توقّف مع رؤيتهِ لإحدى أدراج المكتب الخشبيّ مواربة فأضحت شبه مغلقة، و گأن فضوله غلبهُ.. إذ ترك الإصيص مجددًا، و انحنى قليلًا ليفتح الدرج فبزغت لهُ أوراقًا على وجهها الأبيض، و قد شابهُ اصفرارٌ يدل على قِدمهم، سحبهُم "يامن" و انتصب في وقفته، تكاد المسافة بين حاجبيه تتلاشى، و هو يحدق في تلك الأوراق التي قلبهم فتبيّنت لهُ رسوماتٍ عديدة.. لحيواناتٍ وطيُور عِدة، رسمتهُم "يارا" بمنتهى الدقّة و الاحترافية، و بشكل يجذبُ الناظر، و لكنه شعر أنها ليست مجرد رسومات لا مغزى لها، حتى توقف أمام ذلك الطاووس المُعتدّ بنفسهِ، و أمعن في ملامحهِ، و كأنها حاولت أن تشبهها بأحد من البشر، إذ كان الوجه يُشبه شقيقتها، أتى "يامن" بصورة أخرى عقب أن ترك تلك في أواخر مجموعتهِ التي فرّهم قبلًا، باحثًا عن صورة رآها قبل دقيقة و لم يُدرك معناها العميق سوى الآن.. حتى توقف لدى تلك الصورة التي لم يبدُ عليها العتاقة كباقي الأوراق، و لكنها ليست بتلك الدقة المتناهية كسابقيها، و كأن الفتور كان مصاحبًا لها لدى خربشتها بأقلامها..فـ إذ بعصفور يعود لعشّهِ حيث تنتظرهُ ثلاث عصافير، بدا على مسافةٍ قريبة منهم طائرًا مهيبًا.. أشبه بطائر الغُراب تحديدًا، بريشهِ الأسود الفحميّ، و بعيونهِ المقتنصة، و قد بدا غريبًا لديه أنه بوضع الانقضاض على فريستهِ.. الأب.
لم تحل عقدة حاجبيهِ عقب أن أدرك معنى تلك الرسمة دونًا عن غيرها، بل بدا مُستهجنًا و لا يدري لمَ، حتى انتشلتهُ قرعات على باب الغرفة من أوج تركيزهِ و اهتمامه بتفاصيل الرسمة التي تبدو بسيطة للغاية في ظاهرها، و قد حملت في بواطنها و روت الكثير، أُعقبت الطرقات بصوت "حبيبة" و هي تناديه:
ـ يامـن؟
دسّ "يامن" مجموعة الأوراق في الرواية و سحبها، ثم حمل الإصيص و تهيّأ لبرح الغرفة، فتح الباب بطرف كفه ليجد "حبيبة" قد انسحبت من أمامهِ، فوجدها فرصة للرحيل دون أن يضطر لرؤيتها من جديد، و لكنها خرجت قبل أن يبلغ الباب من المطبخ تحمل قدحًا من القهوة قائلة بنفس الثبات:
ـ استنى.. عملتلك قهوة اشربها الأول!
و أشارت بعينيها لما يحملهُ قائلة:
ـ سيب اللي في إيدك.. لو مكانش وراك حاجة هاخد من وقتك دقايق
التفت "يامن" نحوها مرددًا باستنكار:
ـ أنا طلبت!
خطت "حبيبة" نحوهُ و هي تردد:
ـ مش هتندم، و مش هتخسر حاجة
أمعن "يامن" النظر لوجهها، فترك ما بيديه أعلى الطاولة و هو يشيح بوجهها بعيدًا قد تفهّم رغبتها في الحديث، فسأل بفتورٍ:
ـ انجزي يا حبيبة، عايزة إيه؟
فأفضت القول لديه بما يذور في بالها من فورها و دون مراوغة:
ـ نتكلم
...........................................................
ذلك الكأس الخامس تقريبًا الذي ترتشف به شرابها، ثملت تمامًا و قد شعرت بالأرض تميد بها و لكنها مازالت تهذي بسخرية عن أحلامها التي راحت هباءً، فهو لم ينظر إليها قَط، و لم يكلف نفسه حتى عناء ذلك، كان عليها أن تنتبه أن شقيقتها الغبيّة احتلت مكانة خاصة في قلبه، و هي ظلّت بالهامش.. بل أنها لم تكد تبلغ تلك المكانة لديه، فهي لا شئ تقريبًا بالنسبة له.
لم تنتبه إلى "وداد" التي شرعت تعد كوبًا من العصير الطازج و هي تقف بالمطبخ مولية ظهرها لها، أخرجت "وداد" شيئًا ما و سكبتهُ بالكوب، افترّ ثغرها عن ابتسامة خبيثة و هي تسحب ملعقة لتُقلب بها كوبها، ثم التفتت لتمضي نحوها، سحبت زجاجة الشراب بعيدًا عنها لتقول بلهجة جادة:
- كفاية يا لولي، بلاش تشربي كتير بما إن دي أول مرة
و سحبت الكأس من بين اناملها الرغم من اعتراض الأخيرة و قد بدت نبرتها غير متزنة:
- لأ.. سيبـ..، أنا عايزاه!
و أدمعت عيناها و هي تسند رأسها على البار الخاص بمنزل "وداد" لتقول بهذيان:
- أنا عايزاه يا وداد، اشمعنى هي تاخده و أنا لا؟، ليه هي يا وداد
ربتت "وداد" على كتفها بودٍ زائف بينما تقول مواسية:
- معلش يا حبيبتي، خدى بس اشربي العصير ده و هتكوني كويسة
رمشت "ولاء" عدة مرات لتتضح الرؤية أمامها و هي ترفع أنظارها نحوها لتقول:
- ها؟، عصير إيه؟
فوضعت "وداد" الكوب نصب عينيها قائلة:
- اتفضلي، اشربي و حاولي تهدي
سحبت "ولاء" الكوب و كادت تتجرع ما بهِ كاملًا، تتابعها أعين "وداد" الخبيثة، و حين كادت ترتشف أولى الرشفات انتفضت "ولاء" إثر الطرقات العنيفة على باب المنزل، فتركت الكوب من بين أناملها ليسقط على الأرضية الصلبة متهشمًا، لم تكترث "ولاء" كثيرًا، بل بيد أنها لم تنتبه حتى لما حدث، فراحت تستند بساعديها على البار لتهمس بالترَّهات:
- عمره ما شافني أصلًا، مكانش شايف غيرها، لو كنت مكانها في اليوم ده.. كان فاتني مكانها دلوقتي، لو مكنتش سيبتها عشان موبايل تافه كان زماني مكانها جمبه، في حُضنه!
تقبّض كفي "وداد" بجوارها و هي تطبق أسنانها بحنق صريح، كادت أن تصيح بها مهتاجة و لكنها تماسكت في اللحظة الأخيرة، سحبت شهيقًا عميقًا تسيطر على انفعالها و عينيها مسلطتان على شظايا الكوب المختلط بالعصير، ضربت الارضية الصلبة بقدمها امتعاضً، ثم مضت لتفتح الباب الذي لم يكفّ طارقهُ، و حين أدارت المقبض تلاشى الحنق عن معالِم وجهها لتحل الصدمة محله، حملقت عيناها بهِ و لم تكد تستوعب ذلك حتى تفاجأت بدفعتهِ القوية لها من كتفها و هو يهدر بها مستهجنًا:
- انتي لسه هتندهشي و تشبهي، حاسبي
و أوفض للداخل و هو يبحث عنها بعينيهِ قبل لسانه:
- ولاء
تيبس بمحله و هو يحدقها بنظرات مشدوهة، تحرك نحوها من فورهِ و هو يتأمل حالتها تلك، دنا منها و وقف على مقربة ليقول بلهجة متشككة:
- ولاء
ارتفعت أنظارها إليه فتيقن أنها احتست شرابًا ما، تنهد بحرارة و هو يحدجها بأنظارهِ القاتمة، امتعض و هو يسحبها من مرفقها ليجبرها على الوقوف و هو يقول بلهجة آمرة:
- امشي معايا
سارت من خلفه تترنح و هي مازالت تهذي:
- مشافنيش أصلًا، عمره ما حبني، هو محبش غيرها
تسمّر بمحلهِ قبل بلوغه باب المنزل و قد شعر بكلماتها تسقط گشُهب ثاقبة على سطح قلبهِ، التفت و قد بدا و جهه گكتلة من النيران في حين كانت تتابع و هي تنظر حولها بلهجة بائسة:
- هيعمل لها فرح!، و أنا.. عمره ما فكر فيا، مشافنيش حتى، مشافنيش!
لم يكن يحتاج تفسيرًا أدقّ.. ليتفهم مقصدها، ارتخت تعبيراتهِ المتشنجة لتحل الصدمة محلها و هو يرمقها بأنظارهِ التائهة، حتى و أخيرًا ارتفع بصرها نحوه لتنظر لعينيه مباشرة و هي تقول:
- مشافنيش.. عمره ما شافني، حبها من الاول لكن أنا كنت بكذّب، لكن هو.. عمره ما شافني!
عادت ملامحه تتشنج أكثر و هو يقبض أكثر على مرفقها، ثم سار ليخرج ساحبًا لها خلفه و هي تترنح و تُعصف يسارًا و يمينًا، يتمنى فقط.. أن تكفّ هذيانها الذي أشعل النيران بقلبهِ.
...................................................................
مشط "يامن" الأفق بعينيهِ و هو يقرب الفنجان من شفتيهِ و قد ترك إحدى ساعديه لدى سور الشرفة، و ارتشف رشفةً أخرى استلذّ فيها بمذاق القهوة التي أشاد بها في داخلهِ حقّا، لربما لم يتجرع في مذاق تلك القهوة الفريدة في حياتهِ سوى من يد "سهير"، و لكنه كان يعتقد أنها ستكون الأسوأ.. كون ابنتها لا تفلح في صُنع كوبًا من الشاي حتى، تركه أعلى السور في ذات الآن الذي دلفت فيه "حبيبة" عقب أن تركتهُ ينهى قدحه ريثما تنتهي من فريضة الصلاة، و ما إن ولجت قالت لهُ:
ـ في جامع قريب من هنا يا يامن مش بيقفل طول النهار، لما تنزل صلي فيه!
يكاد يجزم أنهُ سينهار منخرطًا في نوبة ضحك ساخرة لدى كلماتها، و لكنهُ أبدى نبرة متهكمة بزغ بها الضجر و هو يقول دون أن يمنحها نظرة أو بحيد عن الأفق:
ـ بلاش تحسسيني إني شيطان عايزة تصرفيه يا حبيبة
نظر نحوها من طرفهِ و هو يتابع بصوت قاتم:
ـ مش كل اللي بيركع يبقى أحسن خلق الله، في ناس مبتسيبش فرض في الجوامع و هما شوية أ***** بيداروا اللي بيعملوه
و قبل أن تهمّ بالحديث أردف و هو يصرف بصره مجددًا عنها:
ـ بالعكس.. الجوامع أطهر من إن الأنـ*** دول يوسخوها!
فكانت نبرة "حبيبة" جادة لم تتأثر بحديثهِ:
ـ و ليه ميكونوش مش قادرين يسيبوا الغلط اللي بيعملوه، مش قادرين يتوبوا لكن سايبين بينهم و بين ربنا باب موارب، مبيسيبوش فرض يمكن لما يقربوا من ربنا و يحافظوا على صلاتهم يهديهم و....
فكانت لهجتهِ قاطعة و كأن شيطانه يوسوس لهُ بـ:
ـربنا مبيهديش حد يا حبيبة، الانسان بس هو اللي في إيده يتوب أو لأ
فهمست "حبيبة" و كأنها تُؤنبه:
ـ ليه يا يامن؟.. ليه بعيد كده عن ربنا يا ابني؟
التفت "يامن" نحوها ليحدجها بنظرة قاتمة متابعًا باحتجاج:
ـ انتي مش ملاك عشان تحاسبيني، كل واحد بيعمل اللي بيشوفه صح، كل واحد بيختار طريقه لازم يكمله للآخر يا حبيبة.. مينفعش يرجع فيه!
أطلقت "حبيبة" سراح زفيرًا مطولًا نبع من أعماقها، ثم رددت:
ـ يوسف مكانش بيسيب فرض يا يامن.. مكنش بيأخر الصلاة نص ساعة، كل صلواته بيصليها في ميعادها.. إلا لو حصل حاجة ضرورية منعته من ده
ـ و اللي زي أبويا ماتوا..ماتوا من زمان
ـ أ...
و قبل أن تهمّ بالحديث قاطعها "يامن" بتشنجٍ و هو يشيح بوجهه عنها من جديد بضجرٍ بزغ في نبرته:
ـ حبيبة.. متهيّألي مرفضتيش أمشي عشان كلمتين زي دول، هاتي اللي عندك
أومأت "حبيبة" عقب إن تنهدت بحرارة و قد أدركت أن كل ما تحاول فعله يضيع هباءً، ثم قالت و هي تبسط كفها بظروفٍ عتيقة:
ـ اتفضل يا يامن
التفت يتطلّع إليها بعينين حالكتين، ثم أحنى بصره ليجد تلك الأظرف المغلقة التي اصفرّت أوراقها و تجعّدت، اضمحلت المسافة بين حاجبيه و هو يسأل بصرامة قبل أن تمسّها يديهِ:
ـ إيه دا؟
أجابتهُ "حبيبة" بنفس الثبات الانفعاليّ:
ـ شوف بنفسك
سحب "يامن" الأظرف.. و دقق النظر في الظرف الأول كونهُ على رأسهم، فتشنجت عضلات وجههِ و هو ينطق بـ:
ـ يوسف!!
و نظر صوبها مستوضحًا و قد بدأت تلك الشعيرات الدموية تبرزُ في عينيه و هو يسأل باستهجان:
ـ يعني إيه؟
هزت "حبيبة" رأسها بإيماءة خفيفة، ثم قالت مؤكدة:
ـ يعني اللي بتفكر فيه
أحنى "يامن" بصره ليحدق من جديد في الأظرف العديدة، و شرع يسحب واحدًا تلو الآخر و هو يقتنص التواريخ المتوالية، حتى غمغمت "حبيبة" بشرودٍ جلّ على تقاسيم وجهها و قد غامت عيناها:
ـ كل شهر تقريبًا.. كل حدث جديد.. كل حاجة محتاج إنه يقولها.. كل نجاح.. كل فرحة.. و كل حزن، كل لحظة خلاني أعيشها معاه، من أول رسالة كنت هبعتلهُ، كنت هعيب عليه، إزاي يكلمني و انا متجوزة دلوقتي، و ازاي يحسسني إني خاينة لمجرد إني أقرأ رسايله
و نكست رأسها و هي تنغضها في أسفٍ مستطردة:
ـ لكن مقدرتش.. مقدرتش يا يامن
سحبت شهيقًا عبّأت صدرها به، محاولة أن تخالف قوانين الطبيعة فتنجحُ النسمات في إخماد نيرانها:
ـ كفاية إني حرمته وجودي في حياته، سيبته يبعت اللي نفسه يبعته من غير ما "حسين" يعرف أي حاجة، بالعكس.. ساعات كنت بستنى رسايله عشان أطمن على أحواله
كل ذلك و هو يتفقّد الأظرف بعينينِ تعبّأتا بالاستهجان التامّ، شرعت الحُمرة المنفعلة تزحف إلى وجهه عقب أن احتقن بالدماء، قبض "يامن" فكيه في غيظٍ و هو يُطبق على الأظرف، رفع بصرهُ ليتجول في الأفق بنظرة محتدمة حتى تابعت "حبيبة" مستدركة:
ـ متحاولش.. متحاولش حتى تفكر إنه غلط، يوسف كان بيكتب عشان يلاقيني في اللي بيكتبه، لا أكتر و لا أقل
و أشارت بعينيها لقدح القهوة و هي تردد:
ـ كمل قهوتك.. قبل ما تبرد، بيتهيألي مش بتحبها باردة
انعطفت نظراتهِ نحوها، فسأل باقتضاب و قد شعر برأسه يغلي احتدامًا:
ـ ليه؟
أومأت برأسها و قد طفت بسمة باهتة على ثغرها، ثم أجابت سؤالهِ الموجز:
ـ لأن لازم كان يحصل، طالما إنك مش هتسيب يارا لازم تقرأ كل كلمة كتبها بإيده
و مسحت برفقٍ على صدرهِ و هي تتابع بتنهيدة مطولة:
ـ يمكن تحس بوجوده يا يامن.. يمكن تحس إني مش السبب في موته
فأردف "يامن" بعدائيّة و قد اتقدت عيناهُ بنذيرٍ:
ـ وجودك كان السبب يا حبيبة.. لو مكنتيش اتوجدتي مكنش أبويا سابني!
تنفست "حبيبة" بعمقٍ، محاولة أن تمنع تلة العبرات التي تكافح لتخطو نحو عيونها، فقالت ببعض الاختناق و هي تطرق قليلًا، ساحبة كفها:
ـ كلمة قالوها زمان يا يامن.. قالوهالي كتير، خُدي اللي بيحبك متاخديش اللي بتحبيه!
و ارتفع بصرها نحوهُ، و قد فشلت في كبح عيراتها، فنفرت من عينيها بينما تردد يندمٍ أحسّت به ينهش من روحها:
ـ يا ريتني اختارت صح، بدل ما دفعت أنا و بناتي تمن غلطي
حاد "يامن" عنها بعينيه و هو يقول بصوتٍ قاتم:
ـ لو فاكرة إن بنتك بتدفع التمن تبقي غلطانة!
و نظر نحوها نظرة فتّاكة متابعًا:
ـ بنتك اترحمت.. بوجودها معايا
نظرت "حبيبة" إليه.. نظرة مطوّلة عميقة، تدرس أدق تفاصيلهِ، حادت "حبيبة" عنه بعُسر، ثم أشارت للفنجان بعينيها و هي تُغير بشئ من البلادة دفّة الحديث، أثناء نزحها لدموعها بأطراف أناملها:
ـ القهوة
انحرفت نظرات "يامن" للقدح و هو يزفر في حنقٍ بادٍ، ارتكز ببصره على الفنجان، ثم سأل مستوضحًا بنبرة شابها التشنج:
ـ عرفتي منين إن قهوتي سادة؟
ـ يوسف مكنش بيشربها غير سادة!
و گأن البقاء هُنا عذابًا طائلًا لنفسهِ..التفت "يامن" نحوها فتبيّن له ذلك الوميض المنذر بأنها ستذرف المريد من الدموع، و كأنها تترقّب الفرصة للانفجار، و لم يكن هو ببخيل..دنا منها حتى باتت المسافة شبه معدومة، فأخفض من نبرتهِ ليكن وقع كلماته أشد وطأة على نفسها:
ـ مات، يُوسف.. مات يا حماتي، كلمة و قولتهالك زمان اللي راح..مبيرجعش!
و ابتعد قليلًا.. ليتراءى له عينيها اللتان أطبقتهما لتنسكب الدموع من بينهما، عبورًا على وجنتيها، فهتف "يامن" بجمودٍ:
ـ الندم.. أصعب من إنك تحاولي تتحمليه!
فرّقت "حبيبة" جفونها لتشهق متألمة ببوادر انخراطٍ في بكاء حارق، و قد انحدر فيض الدموع على وجنتيها، فأردف "يامن" مقوسًا شدقيه بقسوة تامّة:
ـ زمان كنت فاكرك السبب الرئيسي لكل المصايب يا حبيبة.. فرق كبير بين زمان و النهاردة
و تصلّبت نبرته و هو يستطرد ضاغطًا على أحرف كلماتهِ:
ـ النهاردة انتي مجرد ضحيّة.. ضحية اتداس عليها وسط لعبة ****** بتتلعب من ورا ضهرها!
لم تتمكن من فكّ شفرات كلماته الأخيرة، و لم تنتبه أو تحوز على نقطة من بحر تفكيرها الذي انصبّ في تدك اللحظة على ابنتيها اللتين تنسابان كحبات الرمال من بين أناملها، فرفعت عينيها المُعبّأتين بالدموع إليه و هي تردد بصوتٍ ممشوج ببكائها الملتاع:
ـ بيضيعوا مني.. كل حاجة بتضيع مني يا يامن، كل حاجة بتروح مني
و شهقت من بين بكائها شهقة تُدمي الفؤاد، أعقبتها بترديدها و قد شاب التحسر لهجتها:
ـ بناتي بيضيعوا مني..بناتي بيضيعوا عشان غلطة معملتهاش بناتي بيضيعوا و أنا واقفة أتفرج مش بإيدي حاجة أعملها..آه!
لم يتأثر "يامن" -ظاهريّاـ بما تفعل.. أبدى لها وجهًا من جليد و هو يبتعد خطوة عن محيطها مُشددًا على رسائل والدهِ التي تحوى خطّه، ثم قال:
ـ لو فاكراني بعمل ده عشان انتقم منه فيها.. تبقي غلطانة
و صمت هنيهة ثم أردف بتصلّبٍ يُناقض ما سيتفوه بهِ:
ـ بنتك أمانة معايا يا حبيبة، و أنا عمري ما ضيعت أمانة!
فتوسلتهُ من بين بكائها الحارق بقلّة حيلة:
ـ رجعهالي يا ابني.. رجعهالي و أي حاجة عايزها هعملها، رجعلي بنتي يا يامـن، أنا معملتش حاجة عشان تعذبني العذاب ده!
أشاح بوجههِ عنها، و قد ضاقت عيناهُ فباتتا أكثر احتدادًا، تقوست شفتيه في فتور و هو يجيبها بحزمٍ:
ـ فات الأوان يا حبيبة.. بنتك مكانها معايا
و نظر صوبها و هو يُشدد على كلمتهِ:
ـ أنا.. و بـس!
خطى "يامن" عبورًا من جوارها فصدم كتفها دون عمدٍ منه، أطبقت "حبيبة" جفونها و قد استأنف سيل الدموع شقّ سبيلهِ مغرقًا وجهها و عنقها، خارت قِواها، فتركت سيقانها يقودانها للأرضية الصلبة بتوحّشها البارد، انحنى كاهلها بما حملتهُ من همومٍ تجرّعتها رشفة رشفة، شهقت من بين انتحابها شبه المكتوم شهقة نبعت من صميمها.
ماذا تفعل؟ و ماذا تقدم لابنتها كي تُخلصها من وثيقة هلاكٍ أبديّ، و تهديها مفتاحُ أسرها، و أنى لها بذلك و هي مهيضة الجناح لا تملكُ حتى أن تحمى نفسها من ألسنة الناس السامّة و أفكارهم المُهلكة التي انصبّت في الآونة الأخيرة على ابنتها دون هوادة.
..........................................
أجبرها على الترجُل في ذلك المكان الخالي من البشر و هو يجتذبها بحركة عنيفة فصارت أمامه، و لترنحها ذلك التوت إحدى قدميها أسفلها، اختل توازنها، و كادت تسقط لولا أن أحاط خصرها بذراعيه مشددًا من إحكامهِ حولها، تشبثت "ولاء" بعضدهِ و هي تحرف نظراتها التائهة بين عينيه بينما تستكمل هذيانها:
- محبنيش.. عمره ما حبني، عمره ما بصلي حتى!
انتصب و هو يجبرها على الاستقامة في وقفتها، و بحركة مفاجأة منه كان يزيح غطاء الزجاجة البلاستيكيّة ثم شرع يسكب ما بها فوق وجهها و هو يجأر بانفعال:
- فوقي بقى و شوفي نفسك بتقولي إيه.. فـــوقي!
و راح يدعك وجهها و عينيها جيّدًا بالمياه بينما هي تسعل و هي تحاول إبعاد كفه، أغرق وجهها و تعلقت المياه بأهدابها و خصلاتها، و لم يكتفِ، و كأنه أصرّ أن يحاول تبريد تلك النيران التي تعبث بقلبهِ، فعاد يسكب مجددًا ما تحتويه الزجاجة حتى أغرق ملابسها بالكامل، فألقاها بعد أنهى ما بها بلا إكتراث على الأرضية و هو يهدر بها:
- فـــوقي من أوهامك، فوقي من اللي بتهببه في نفسك، فـــوقي!
نهج صدرها علوًا و هبوطًا و قد بدت في حالة ما بين الوعي و اللا وعي و هي تحاول إزاحة المياه العالقة بأهدابها، رفرفت بعينيها عدة مرات و قد شرع الإدراك يتسلل إليها قليلًا، فغمغمت هامسة بعدم وعي:
- ها؟، أنا.. فين؟
و أدمعت عيناها و هي تقول متلفتة حولها:
- هيتجوزها.. هيتجوزها بجد!، عمل لها فرح، هيتجوزها، عمره ما شافني، هو مشافش غيرها، كان ممكن أكون مكانها..آآه
تأوهت من تلك القبضة العنيفة التي أحاطت فكها و هو يجبرها على النظر لعينيهِ مباشرة بينما يهتف مستهجنًا:
- إيه اللي بتقوليــه؟ إيه اللي انتي بتقوليه؟ انتي اتجننتي؟ خلاص مبقاش فيكي عقل
أزاحت بعنف قبضته عن فكها و هي تهدر مشيحة بكفيها:
- ليـه اختارها هي؟ ليـه هي و مش أنا؟، ليــه؟ هي أحلى مني؟ و لا عشاني بقيت معاقة
و ارتفعت أنظارها الحانقة إليه و هي تتقدم نحوه بندفاع لتقبض على تلابيبه هادرة بانفعال و هي تتهمهُ:
- بسببك!، بقيت معاقة بسببك و بسببها، انتو الاتنين.. أنا بكرهكم، بكرهك و بكرهها!
أزاح كفيها عن ملابسه و هو يقبض عليهما معتصرًا لهما في قبضتيه بينما يقول متشنجًا:
- معاقة إيه يا متخلفة؟، ما تفوقي بقى، انتي بتضيعي نفسـك و تقولي معاقة!.. فين إعاقتك دي؟
حاولت الفكاك بكفيها من قبضتيه و لكنها لم تتمكن، تشنج جسدها بأكمله بين ذراعيه و هو تشير بعينيها لساقها و:
- إنت أعمى؟ مش شايف اللي جرالي؟، أنا مبقتش أنفع، أنا حتى مش عارفة أمشي!
اندلعت النيران بين عينيها و هي تستأنف من بين أسنانها المطبقة:
- بقيت أمشي في الشارع الناس كلها تتكلم عليا!، أحس إن الناس كلها بتشاولي، ناقص يقولو المعاقة أهي و...
فتفاجأت بهِ يقبض مجددًا على فكها ليُخرسها و قد بات وجهه گجذوة ملتهبة:
- لو سمعتك بتقولي معاقة دي تاني يا ولاء مش هرحمك!
فهدرت بهِ محتجة و هي تحاول تخليص نفسها:
- انت مجنـــون؟
- انتي اللي اتجننتي و عقلك لسع!
حرر فكها، و هو يسألها مستهجنًا مشيرًا بسبابتهِ:
- بتحبيـــه؟، ليـه، عملك إيه عشان تحبيه؟
ابتلعت غصة عالقة في حلقها و هي تحرف نظراتها الحانقة بين عينيه، فجأر بها مستوضحًا بانفعال:
- ما تنطقي؟، عملك إيـه؟ بتحبيه ليـه؟ اديني سبب واحد يخليكي تحبيه؟
فهدرت به و هي تعقد حاجبيها:
- دي المشكلة.. إنه معملش حاجة، إنه مبصليش حتى
و باتت نبرتها مشبعة بالضغينة و قد تجلى ذلك في عينيها:
- كل حاجة يارا يارا مراتي مراتي!، و هي عملتله إيه عشان يحبها؟، عملتله إيه عشان يكرهني أنا و يحبها هي؟، عملت إيه عشان يسبني أنا و يختارها هي!
رمش عدة مرات غير مستوعبًا ما تقول ثم ردد و هو يهز رأسه استنكارًا:
- انتي مجنونة.. مجنــــونة!
أومأت برأسها و هي تصرخ:
- و هي العاقلة، ولاء وحشة و يارا الحلوة، ولاء مبقاش ليها لازمة.. لكن يارا!، يارا بقت ملكة، ملكة متجوزة راجل متحلمش بيه.. عمل لها كل حاجة عشان ترضى عنه، طعنته.. و هو حتى مرضاش تتسجن، و فوق ده كله هيعمل فرح عشان محدش يتكلم عنها كلمة واحدة!، هي دي يارا!.. لكن ولاء
صمتت هنيهة، ثم تابعت بنبرة حاقدة و هي تشير بسبابتها:
- ولاء هي اللي استحملت القرف كله عشان خاطر الهانم يارا،.. كنت فاكراها ياعيني مظلومة، و قال إيه خايفة يقتلها فجريت وراه زي العبيطة.. و لا كأني هقدر أمنع حاجة، و الحال إنه كان بينقذها!، تخيـل!
تلاحقت أنفاسها اللاهثة فغمغمت بتهدج:
- ولاء.. اللي عاشت مع أب و أم مش طايقين بعض حتى، و ليل نهار في شكل و خناق و قرف.. أنا تعبت!
قبض "فارس" على ذراعها و قد سكبت ملحًا فوق جراحهِ الغائرة توًا و هو يهتف بها بلهجة قاتمة:
- احمدي ربك إن أبوكي و أمك عايشين، مش تشوفي كل حاجة وحشة في حياتك و تسيبي الحلو، غيرك متيتم و مرمي في الشوارع.. غيرك مش لاقي لا أب و لا أم!
فهدرت بهِ بلهجة قوية و هي تحسب ذراعها من قبضته:
- و غيري بردو عنده كل حاجة، غيري عنده فلوس و أب و أم و كويسين مع بعض، غيري عايشين حياتهم مفيهاش مشاكل.. غيري بينام مرتاح الباب مش على باله حاجة، و لا حاسس إنه هيقوم من تاني يعاني زي ما بيعاني كل يوم يا فارس بيه
لم ترتخِ ملامحه و هو يمرر أنظاره المزدرية على وجهها، ثم غمغم مشمئزًا مما انحدرت إليهِ:
- الكلام معاكي مفيش فايدة منه،.. مفيش منه أي فايدة!
اجتذبها بعنف مجددًا ليضعها بالسيارة و صفق الباب بعنف متجاهلًا احتجاجها و صراخها، و راح يستقل السيارة لينطلق بها ليعيدها لمنزلها، و قد سئم حقًا حديثًا لن يُجدي مطلقًا معها.
..........................................................
...........................
..........................................................................................
أنت تقرأ
في مرفأ عينيكِ الأزرق
Romance" مُقَدِمة" أَقْسَـــمَ أن يُذيقَه من نَفـس الكَـأْس و حينَ حَانَتْ لـَحظة الأخذ بالثـَـأْر ظَهـَرَت هى أَمَـامــه كـمَلاك يَــرده عن خَطِيئة الانْتِقَام لـ ينْتَشلها منه عَنوَة فـ يـَحرِق رُوحُـه رُويدًا رُويدًا و لـكن.. لم يَـضَع المشاعر فى ال...
