"الفصل السـادس"

2.2K 56 1
                                        


اتسعت عيناها فى صدمـة ، و رددت بـ ذهول و قد خفق قلبها بـ عنف :
_ هــا ، انت .. انت اللى….
استدار "يامن" بـ جسده بالكامل ، فابتلعت كلماتها بداخل جوفها جبرًا ،  نظر لها بـ نظرات ثاقبة ، و ردد بنبرة قاتمة و هو يدس كفيه بـ جيبيه :
_أيــوة أنا !
دب الذعر فى قلبها من كلماته التى أكـد بها شكوكها ، و رددت بهلع :
- انت .. انت عملت ايــه في بنتى ؟
رفع احدى كفيه ليمرر أنامله بـ خصلاته ببرود و تجاهل الرد عليها تاركًا لـ خيالها التفكيـر ، لم تستطع تحمل ذلك الضغط ، فـ غلت الدماء فى عروقها ، و تقدمت نحوه منتويـة الهجوم عليه ، فأمسكت بـ طرفى سترته ، و رددت بهيـــاج :
_ بنتى فيــــن ، عملت ايـــه فى بنتى !
تصلبت ملامحه و هو ينظر لها بنظرات جافة قاتمة ، و قبض بـ قوة على كفيها فتأوهت بـ خفوت ، نزع كفيها عن سترته بـ سهولة جمة و دفعها للخلف، كادت هى أن تسقط من قوة دفعه لها و لكنها تماسكت فى اللحظة الأخيرة ، أخفض "يامن" نظراته ليحدق بـ سترته بتأفف ، ثم نفضها بـ أطراف أنامله و هو يتعمد النظر لها باشمئزاز ، فازدردت "حبيبة" ريقها ، و تشكل الذعر على ملامحها و هى تردد بتوسل :
_ الله يخليك يا ابنى رجعلى بنتـ…
احتقن وجهه و عيناه بالدماء الغاضبة ، و حدجها بـ نظرات سـاخطة  ، و هـــدر بـ شراسة  :
_ متقـوليــــــش ابنك !
انتفض جسدها من صراخه المفاجئ ، فأومأت برأسها بإذعــان عدة مرات على الفـور ، و تحركت تجاهه و قلبها ينتفض من الذعر ، ثم أمسكت كفه بأيٍ مرتعشة ، و انحنت بـ جذعها للأمام ، و كادت تسحبه لـ تقبله و هى تردد بتوسل :
_ حاضر بس رجعهالى ، أنا مأعرفش أعيـــش من غيرها
سحب "يامن" كفه على الفور ، و رمقها بـ نظرات خالية من المشــاعر ، ثم تمتم بنبرة ســاخطة :
_ حاسبى
نفض كفيه و هو ينظر لها بتأفف ، فـ اعتدلت فى وقفتها و ابتلعت الإهــانة جبرًا و هى تنظر له برجاء ، فـ شملها "يامن" بنظرات مزدريـة ، و عقد كفيه خلف ظهره ، ثم لوى ثغره بابتسامة شامتة مرددًا بازدراء :
_ انتى خدمتينى من غيـر ما تحســى !
تنغض جبينها و هى تنظر لـه بـ عدم فهم ، و قد تساقطت دموعها على وجنتيها بلا وعى منها ، فتصلبت ملامحه بالكامل و تجمدت نظراته الجافة عليها مرددًا بـ قساوة جلية:
_ خليتينى أشــوفك مـذلولة .. مـكســورة ..قلبك بيتحرق على بنتك !
اتسعت عيناها فى صدمة من كلماته القاسية ،  فتابع "يامن" و قد صارت عيناه كـ جمرتين من الجحيـــم :
_ و لســـه يا .. يا حبيبة ، و لســـه ، أنا هأقضى عليكم كلكم ! هأعرفـكوا يعنى ايــه يتسرق منك روحك !
نفت برأسها عدة مرات مرددة باستنكار :
_ لا ، انت .. انت مستحيل تكون ابنه !
شعر "يــامن" بالنيران تضـرم في صدره ، و حل عقدة كفيه و هو يكورهما بـ غيظ حتى ابيضت مفاصل أصابعه ، و ينظر لها بإشتعال ، فتابعت "حبيبة" بازداء جلى :
_ انت مستحيـــل تكون ابـــن يوســـــف !
استدار "يامن" بـ جسده للخلف لـ يضرب بـ قبضتيه المكورتين الواجهـة الزجاجية ، هــــادرًا بـ شــــراســـة :
_ اخــــــرســـــــــى ، متنطقيش اسمه على لسانك !
ارتجف جسدها بـ الكامل ، و شعرت بالدماء تهرب من عروقها ، انكمشت على نفسها أكثر ، و احتضنت نفسها بـ ذراعيها متوهمة أنه سيتطاول باليد عليها، نظرت له بـ ذعر جلى ، فالتفت "يامن" برأسه لها و هو يكشر عن أسنانه ، و رمقها بـ نظرات نارية مميتة ، قبل ان يـستديــر بـ جسده بالكامل تجاهه متحركًا ناحيتها ، رفع اصبع السبابة فى وجهها و ردد بتحذير شديد اللهجة :
_ أنا بأحــــذرك ، آخـــر مرة أسمعك بتنطقي إسمـــه !
نظرت له بـ عدوانية مرددة بـ حدة :
_ انت .. انت بتعمل كده ليــه ، انا مغلطتش ! كل الحكاية اننا اتخطبنا و فسخت الخطوبة مش ذنبـ..
هـدر "يامن" بـ شراسة و هو يكز على أسنانه:
_ ده بالنسبة لك ، متعرفيش انك قضيتى عليه ، قتلتيه و هـــو عـايش ، و جــــوزك قال يكمل عليه !
هزت رأسها بـ  النفى عدة مرات مرددة باحتجاج :
_ ماحصلــش ، والله ما حصل أنا مـ...
تابع "يامن" بـتشنج و هو يضرب على سطح المكتب بـ كفه :
_ انتى عيشتى حياتك و كملتيها عــادى و هو حياتـــه و قفت عنــدك ، عملك ايــه عـشان تعملــى كـــــــده ، عملك ايــــــه ؟
تنغض جبينها و هى تردد مـدافعة عن نفسها بارتباك :
_ أنا .. أنا مأجرمتش ، مارتحتش معاه ..و .. كنت عارفة انى مش هأبقى مبسوطة لو اتجوزتــه
ثم صاحت باستنكـــار جلى :
_ فيها ايــــه؟ هــــو الجـــواز غصب !
لوى ثغره بابتسامة قاسية مرددًا بنبرة غامضة :
_ أه .. غصــــب !
تنغض جبينها و هى تردد متجاهلة كلماته بـشجاعة زائفة :
_ أنا عــايزة بنتى ، رجعهالى .. هى .. هى ملهاش ذنب فى حـاجــة
عقد كفيه خلف ظهره و سلط نظراته الجافة عليها مرددًا ببرود زائف :
_ ذنبها انها بنتكو !
رفعت حاجبيها للأعلى و رددت بنبرة راجية :
_ الله يخليك ، و الله هى .. هى مبتأذيش حد ، حــرام عليك !
لوى ثغره بتهكم و نظر لها بنظرات قاسية مستمتعًا بـ حالتها ، فـ هطلت دموعها و قد اختنق صدرها ، و رددت بصوت مبحوح بتوسل و هى تضم كفيها الى صدرها :
_ هأعمل كل حاجة انت عايزها ، هاعمل أى حاجة بس ترجعلى يارا !
تصلبت ملامحه بالكامل و ردد بنبرة جافة ذات مغزى و هو يحدجها بنظرات قاتمة مُظلمة :
_ تـقدرى ترجعلى اللى مات من المــــوت ، تقدرى تحييــــــه ؟
دفنت وجهها بين كفيها و هى تبكى بـكاءًا حـارًا و تنتحب بأنيــن مسموع فقد أصابتها كلماته فى مقتل ، لم تستطع تحمل كون ابنتها وحيـدة تحت رحمة من لا يغفر و لا يسامح ، فـ صارت ساقيها رخوتين و خرت على ركبتيها ، و قد تعالى صـوت شهقاتها ، فـ نظر لها بنظرات خالية من الحياة ، و ردد بنبرة جافة :
_ صـعــــب ، اللى راح مبيرجعـــــش ، و زى ما انتو قتلتوه بدل المـــرة ألـــف ، أنا هــاوريكوا يعنى ايـــه تعيشــوا كده مش عارفين بنتكوا عايشة و لا لا !
دب الذعــر فى قلبها من كلماته ، و رفعت نظراتها المذعورة اليه و قد تجمدت العبرات فى عينيها و رددت بـ هلع :
_ قـ..قـصدك ايــه ؟
انتصار آخـــر أحرزه و هو يرى تبعات كلماته على تعبيراتها ووجها الشاحب الذابل ، تعمــد أن يتجـاهل التوضيح لـ يجعل رأســها تتشوش أكثـر و هى تفكـر فى مصير فلذة كبدهــا ، رمقها بـ نظرات جافة ، ثم استدار لـ يجلس خلف مكتبه ، و رفع ساقيه على سطحه ، فانتفضت واقفة و هى تستند على سطح المكتب بنبرة متوجسة :
انت .. انت تقصد ايه بكلامك ، أنا .. انا عارفة انك مـ..
ارتدى "يامن" قناع البـرود أمامها ، و التقط احـدى الملفات أمامه ، ثم فتحه و تظاهر بالتركيز بإحـدى الأوراق مرددًا بـ صرامة قاسية :
_ وقتك خلص ، أنا مش فــاضى للتفاهـــــات دى !
اتسعت عيناها فى ذهــول و رددت بتلعثم :
_ بنـ.. بنتى ! انت هأتعمل ايــه فيها ؟
نظر لها من زاوية عينه ثم هـدر بـ فظاظة  :
_  بأقــول بــــــرا !
سرت فى جسدها قشعريرة قوية ، و شحب لـون وجهها ، و هربت الدماء من عروقها ، تشكل الذعر جليًا على ملامحها ، و هطلت دموعها بلا توقف فـ قلبها يتلظى على ابنتها ، على الـفور استدارت بـ جسدها و اتجهت نحو باب الغرفة و هى تكتم شهقاتها بـ كفها ، لم تتعجب "مـروة " من تلك الحالة المنهـارة التى خرجت عليها تلك السيدة ، فقد استمعت الى صوت الصراخ الهادر و لكنها لم تتمكن من فهم ما يدور ،  تنهدت بـ حرارة مرددة بـ استنكار بسيط :
_ لو بس يهدى شـوية !
و لكن ارتخت تعبيراتها ، و استندت بوجنتها على راحتها مرددة بـ هيام :
_ بس قمــــر ، حــقه !
………………………………………………………………………………..
عادت "حبيبة" الى المنزل تجر أذيــال خيبتها خلفها ، وضعت المفتاح فى المكان المخصص لـذلك ، و أدارت المقبض لتفتح الباب ، و دلفت للداخل لتُصعق عندما رأت "حسين" يقف أمامها عاقدًا لـ ســاعديه أمام صـدره ، اتسعت عيناها ، و شحب لون وجهها ، هربت الدماء من عروقها ، فـ اتجه "حسين" نحو الباب لـ يُغلقه ، ثم وقف أمامها مرددًا باستهجان مقوسًا شفتيه :
_ كنتى فيـــن يا هانم ؟ ازاى تخرجى من غيــر ما تقوليلى !
ازدردت ريقها مرددة بتوجس :
_ أصــ.. اصل أنا كنت مـ..محتاجة حاجة مهمة و يـ .. يعنى آآ..
قطع "حسين" تلعثمها مرددًا بنبرة ساخطة :
_ و ايـــه يا حبيبة ، و ايــــــه ، متكذبيــــــش ، انتى مش شايفة الظروف اللى احنا فيها ؟
هزت رأسها بالنفى قائلة بنبرة محتجة :
_ فى ايه يا حسيــن ، محصلش حاجة لـكل ده !
عقد "حسين" ساعديه أمام صـدره ، و نظر لها باشتعال و :
_ والله ، يعنى مش مكفيكى اللى حصل لـ بنتك و كمان …
حاولت اختلاق كـذبة لتخرج من الموضوع على خيـر ، فـ إن علم "حسين" بأن ابنتهما مع ذلك الـ متجبر القاسي لن يمرر الامـر مرور الكرام ، ليس ذلك ما يُقلقها ، بل لأنها تعلم جيـدًا ما مصيره ان تطاول "حسين" عليه ، فهى قد رأت فيه اليوم شخصية بربرية لا تسامح و لا تغفر و لا تصفح عن أصغر الأخطاء ، بل على العكس تمامًا هــو ينتشى برؤية عائلتها مُعذبة منهارة اعتقادًا منه بأنه يـعيد حق والده بـ أفعاله ، رددت بنبرة حادة :
_ حسيـــن ، قولتلك احتجت حاجة مهمة فـ ..
_ أوبــــس !
قالتها "ولاء" و هى تخرج من غرفتها ، ثم ضربت بـ كفها جبينها مرددة باستنكار زائف :
_ مـ.. مـامـا ، انا نسيت !
تنغض جبين "حبيبة" و هى تنظر لابنتها بتساؤل ، فـ غمزت لها "ولاء" بـ طرف عين لتتفهم مقصدها ، بينما التفت لها "حسيــن" مرددًا بـ حـدة :
_ نسيتى ايــه ؟
ازدردت ريقها مرددة بـارتباك طفيف :
_ اصــ.. اصل ماما قالتلى ان مافيش رز فى البيت فـ هاتنزل تجيب و قالتلى أتصل بيك أعرفك بس أنا نسيت خالص !
ردد "حسين" باحتجاج ملوحًا بـ كفه :
- طبعًا و هأتفكرى ازاى و انتى قاعدة للمسلسلات طول النهار و مش دارية بالدنيا !
رددت "ولاء" بـ داخلها بـ فتور  :
_ طب المسلسلات مالها دلوقتى
عقدت "حبيبة" ساعديها أمام صدرها ، و نظرت له بانزعاج من طرف عين ، فرددت "ولاء" محاولة تلطيف الأجـواء :
_ و كمان انت لسه راجع قبل ماما تيجى بـ يا دوب خمس دقايق ، ملحقتش  أقـولك !
نظر لها "حسين" بسخط ، ثم التفت الى "حبيبة" مرددًا بتنهيـدة مـطولة :
_ خلاص يا حبيبة ، حـقـك عليـ…
تنغض جبينه و هو يردد باستهجان و قد اشتعلت عيناه :
_ انتو عــامليـــــن عليا مسرحيـة ، هــو فيـــن الرز اللى اشتريتيه ده ؟
فـغرت "حبيبة" شفتيها مذهولة و :
_ هــاه !
نظرت لـ "ولاء" بـ صدمة و التى اتسعت عيناها ، و وقفت كـ البلهاء لا تعلم ماذا تفعل و هى توزع النظرات بينهما ، قبض "حسين" على عضدى زوجته مرددًا بانفعال :
_ كنتى فيـــن يا حبيبة ؟
أسرعت "ولاء" تحاول تخليص والدتها مرددة باستنكار :
_ بابا ، اهدى و احنا نفهمك !
نظر لها "حسين" بنظرات نارية ، و ردد باحـتـــــدام :
_ انتو بتستهبلوا ، مش شايفين اللى احنا فيـــه ؟
هزت "ولاء" رأسها مرددة بـ صدق :
_ هأقولك يا بابا ، بس اهدى عشان خاطرى
اتسعت عينا "حبيبة" بـ ذعــر و خشت من أن تفصح "ولاء" عما يخفيانه فتســوء الأمــور و يحدث ما لا يحمد عقباه ، بينما حدجها "حسين" بنظرات قوية ، و دفعها للخلف بـ رفق نوعًا ما ، و مسح على وجهه بـ كفه ، ثم توسط خصـره بـ كفيــه ، و ردد بتشنج :
_ حالا تـقولوا مخبيين ايــه !
"ولاء" بـ اذعان :
_ حاضر يا بابا ، بص .. أصـ.أصل ماما شـاكـ..
قاطعتها "حبيبة" بانفعال مشيحة بـ كفها :
_ كل ده عـشـان نسيت المحفـظة ، ايــه أجـرمت !
نظر لها "حسين" بـ حدة مرددًا بـعدم اقتناع :
_ و الله ، هـو ده اللى حصل ؟
نظرت لها "ولاء" بنظرات زائغة ، و ازدردت ريقها و هى تنظر لها بتوجس ، فرددت "حبيبة" و هى تشمله بنظرات حانقة :
_ أه هو ده ، و أقــولك على حاجة ، مش طـــــابخة !
ثم تحركت نحو غرفة ابنتها "يارا " تاركة له وسط اشتعاله ، فردد "حسيــن" باحتجاج و هو يلوح بـ كفه :
_ خــدى هنا يعنى ايه مش طابخة ، و بنتك دى هتاكل ايــه ؟
رددت "حبيبة" بلا اكتراث و هى توصد باب الغرفة :
_ اطلب دليفرى ، محدش له نفس ياكل أصلًا !
زفر بانزعاج و هو ينظر الى ابنته ، فرددت "ولاء" بـ حنو و هى تمسح على احدى وجنتيه بـ رفق :
_ خلاص يا بابا متزعلش نفسك ، أطبخلك أنا ؟
ردد "حسين" بنبرة ضائقة :
_ لا ، مش جعان
ثم اتجه نحو غرفته موصدًا الباب خلفه بـ عنف ، فتسمرت "ولاء" فى مكانها متنهدة بـ ضيق و هى توزع النظرات بين البابين ، و سريعًا ما تحركت فى اتجاه غرفة أختها المفقـودة لتستعلم من والدتها عما حـدث ، و أسباب تلك الـكذبة التى اختلقتها .
………………………………………………………………………………
احتضنت الوسادة أكثر اليها و هى تدفن رأسها بها ، لم تعلم كم مر عليها من الوقت و هى تبكى بـ حرقة بلا توقف  ، ترتجف من الخوف ، فإلى الآن هى أسيـرة لديهم لا تـجد مفـرًا مهما حاولت ، كم اشتاقت لوالديها و الى شقيقتها ، اشتاقت لمنزلها الصغيـر الدافئ ، اشتاقت للتفاصيل الصغيرة التى تجدها به و لا تجدها فى غيره ، فراشها ..غرفتها..كتبها..مشاهـدة فيلم الـكرتـون المفضل لـديها "الجميلة و الوحـش" على فراشها و هى تتناول ذرات الفشار كـ عادتها ، ثرثتها اللامتناهية مع والدتها الحنون _التى بالنسبة لها بـ مثابة الـحياة _ فى المطبخ ، و حين تحترق يد والدتها أو تسقط احدى الأطباق لـ تركيزها فى حديثها و عدم تركيزها فى ما تفعل تثور عليها  و أحيانًا تقوم بـ طردها من المطبخ ، التوى ثغرها بابتسامة باهتة ، و سريعًا ما تلاشت و هى تجهش بالبكاء ، ووالدها ..تتذكر أنها لم تكن تحادثه يوميًا كـ عادة أختها ، و لكنها معظم الأوقات تفشل بإظهار مشاعرها ، لـ ربما يظن والدها أنها لا تحبه مثلما يحبها ، و لكن على العكس تمامًا فهى تعشقه عشقًا لا حدود له ،  تـذكرت الأحاديث القصيرة _عبر تطبيق الواتساب الشهيـر _التى لا تجد لها تطويل و التى تكون تقريبًا عن السؤال عن الحال فقط .. تذكرت تلك اللحظة التى أخبر الجميع بها _بنبرة حزينة_ بأن مشكلة ما قد حدثت معه بالعمل ، و كيف أن أختها سارعت بـ محاولة التخفيف عنه ، و كيف كانت هى أمامه متلبدة المشاعر لم تواسيه بـ كلمة بينما قلبها و داخلها يتألم من أجله  ، أحيانًا حتى تشعر بأنها تحبه اكـثر من أختها ، و لكنها لا تفلح بإظهار مشاعرها قط حتى و ان حـاولت ، أخبرتها والدتها ذات مرة أن حبها له صادقًا بالفعل ، و لكنها لديها مشكلة بإظهار مشاعرها له ، ربما لأنها لم تعش معه طويلًا فليست معتادة على الحديث معه.. لا تعلم ،  تعالى صوت شهقاتها و هى تتقلب على الفراش تاركة الوسادة لتنظر لـ سقفية الغرفة ، تركت لنفسها العنان لـ تخرج ما بها من احتراق بـ روحـها ، نعم هى تعشق والديها للغاية ، تعشق أختها التى تقف بـ جوارها فى أصعب الأوقات و أشدها ، تعشق عائلتها الصغيرة الهادئة ، مدت كفها لتتلمس تلك القلادة التى تطوق عنقها ، و مدت كفيها لتخلعها و هى تعتدل بـ جلستها على الفراش ، كانت عبارة عن قلب ، ففتحته لتنتحب بأنين موجوع حين وقعت نظراتها على صورة والدها فى احدى الشطرين و صورتها فى الشطر الآخر ، نعم لقد صنعت تلك القلادة التى لا يعلم أحـد انها تُفتح من الأساس ، فكرت فى طريقة تجعل والدها قريبًا منها دومًا بالرغم من المسافات الشاسعة و قد وجدتها ، حيث قامت بوضع صورتها بـ شطر و صورة والدها بالشطر الآخـر ، فبات وكأنه بـ جوارها ، تلمست صورته بأطراف أناملها ، و سرعان ما قبضت عليها بـ كفها و احتضنتها لـ صدرها و هى تصرخ بـ مرارة مما تعايشه و همست لنفسها بأنين موجوع من بين شهقاتها :
_ وحشتنى ، و الله بأحبك أوى ، ياريتك تعرف ده ! ملحقتش أشبع منك ، و حشتونـــي أوى  آآآآآآآآه
………………………………………………………………………………
_ ايــــــــــــــــــه ؟
قالتها "ولاء" بـ صدمة جلية عقب أن أخبرتها والدتها ، اتسعت حدقتاها و اعتدلت فى وقفتها منتوية التوجه الى والدها ، فدب الذعـر فى قلب "حبيبة" و قبضت على ذراعها على الفور مرددة بتوجس :
_ استنى هنا رايحـة فيــن
رددت "ولاء" بـ ثقة بدون أن ترمش :
_ هأقــول لـ بابا عشان يرجع يارا
_ انتى اتجننتى ، أبوكى مين اللى هأيعرف يرجعها !
جذبت "ولاء" ذراعها مرددة بـ ذهــول :
_ نعــم ، انتى .. انتى مش هأتقـوليه ؟
هزت "حبيبة" رأسها بالنفى و :
_ لا طبعًا ، انتى عايزاه يعمل مصيبة !
رددت "ولاء" بـاحتــدام :
_ يعنى ايه يا ماما ، ازاى تـ..
قاطعتها "حبيبة" باستنكار :
_ بأقولك ايه يا ولاء ، انا مش عايزة مشاكل ، ابوكى لو عرف مش هأعرف أوقفه ، و اختك معاه أنا خايفة يحصلها حاجة لو حسين اتـ..
اتسعت عينا "ولاء" مرددة بـ استهجان :
_ ماما ، ازاى هتسكتى ، ده مش بس بابا لازم يعرف ، المفروض نطلب الشرطة  و ..
قبضت "حبيبة" على ذراعها مرددة باحتـــدام :
_ شرطة ايه و زفت ايه اللى يفرق معاه ! بأقولك أختك تحت رحمته الله أعلم هأيجرالها ايه لو حـد فينا اتكلم !
_ يعنى هأنفضل كده مش عارفين نوصل لها ! أنا مش عارفة انتى بتفكرى ازاى ؟
قالتها و هى تجذب ذراعها منها ، ثم تجاوزتها و هى تخرج من الغرفة و تغمغم بـ كلمات مبهمة ، فتسمرت "حبيبة" فى مكانها ، و أطبقت جفنيها مرددة بيأس :
_ مفيش حد فينا هأيقدر عليه يا ولاء ، ربنا بس هو اللى يقــدر على اللى زيـه !
ثم رفعت رأسها للسماء مردددة بتوسـل و قد انهمرت الدموع على وجنتيها :
_ يارب احميها منه ، يارب رجعهالنا سالمة ، احنا ملناش غيـرك !
………………………………………………………………………………
فتحت "يارا" جفنيها بتثاقـل ، و تململت فى الفراش و هى تـبعد الغطاء عنها ، و لكنها توقفت حين شعرت بـ ملمس غريب بـ كفها ، فرفعت كفها امام عينيها لتجد القلادة مازالت فى كفها لم تتخلَ عنها رُغـم غوصها في النـوم ، قاومت بـ صعوبة رغبة فى البكاء و لكنها لم تتمكن ، حيث انهمرت الدموع من مقلتيها و هى تعتدل فى جلستها ، ثم ضمتها الى صدرها ، و سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهل و هى تمسح دموعها ، و أمسكت بـ طرفي القلادة ، ثم طوقت بها عنقها ، و تلمستها بأطراف اناملها قبل أن تخفض ساقيها ليلامسـا الأرضية ، تحركت بـ خـطوات متثاقلة نحو خزانة الملابس ، و جذبت قطعتى الملابس التى وجدتها أمامها ، فـ كانت عبارة عن كنزة زرقاء اللون تصل لمنتصف عضدها ، و بنطال أبيض يصل الى ما بعد الركبة بـ قليل ، ثم تحركت فى اتجاه المرحاض الملحق بتلك الغرفة و هى تتنهد بـ ضيق ، بـعد أن أخذت حمامًا دافئًا خرجت من المرحاض و هى تجفف شعرها بمنشفة صغيرة ، ثم تحركت نحو منضدة الزينة و التقطت الفرشاة و مشطت خصلاتها ثم أسندتها ثانية و جمعت خصلاتها بواسطة رابطة الشعر فـ عقصته كـ ذيل حصان ، نظرت لوجهها الذابل فى المرآة بنظرات قانطة ، و تنفست بـ عمق محاولة السيطرة على نوبة بكاء ستداهمها ، ثم أطبقت جفنيها لـ ثوان ، أصـدرت معدتها أصواتًا مزعجة ، فوضعت كفها عليها و تذكرت بأنها لم تأكل شيئًا من الأمس ، فزفرت بـ ضيق ، و استدارت بـ جسدها للخلف لـ تخرج من الغرفة ، سارت بـ خطوات بطيئة فى غرفة المعيشة متجهة ناحية المطبخ و هى مخفضة لرأسها ، و لكنها تسمرت فى مكانها حين اخترقت أنفها عبق عطر رجـولى ، لوهلة شعرت بالدماء تهرب فى عروقها ، احتضنت نفسها بـ ذراعيها و حاولت إقناع نفسها أنها تتوهم ، فتنفست بـ عمق ، و خطت للأمام خطوة واحدة لتتجمد في مكانها و هى ترفع رأسها للاعلى لتحدق أمامها بـ صدمة رهيبة حين استمعت الى صوت رجولي جاف يأتي من خلفها :
_ كل ده نــوم ، شكلك خدتى على بيتى بسرعة !
استدارت بـ جسدها لتتسع مقلتيها فى صدمة ، فغرت شفتيها و  خفق قلبها بـ عنف بين أضلعها و كأن أحدهم قام بسكب دلو من الثلج فوق رأسها و ………...

التفـاعـل فـضلًا

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن