"الفصل السابع و الثلاثون"
ليت البداية لم تكن قطّ،.. ليت بإمكاننا محوها
_____________________________________________
كم يود في تلك اللحظة لو يسدد لكمة لوجهها فيُزيح ما بهِ من حنق مكبوت تسببت لهُ به على مدار الأيام الماضية من تعنّدها الزائد عن الحد في تصرفاتها، أشاح بوجهه بعيدًا عنها ليطرد زفيرًا حانقًا من صدره، ثم عاد ينظر إليها بعينين متقدتين حين قالت بتعند و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
- ماليش فيه يا يامن، أنا عايزة أشهب
تأفف و هو يقول:
- يارا، أشهب ده من أسرع الخيول، مينفعش تتدربي عليه و انتي لسه..
فقاطعتهُ بحنق واضح:
- ماليش دعوة، أنا عايزاه
فهدر بها و قد فرغ مخزونه من الصبر:
- قسمًا عظمًا لاسيبك تولعي
عبست ملامحها و هي تنظر نحوهُ باستهجان:
- انت بتهددني؟
فهمّ بالانصراف و هو يقول باحتدام:
- لأ.. أنا لسه ههدد أنا هنفذ على طول
فهرولت من خلفه لتسد عليه الطريق و هي تلوى شفتيها بامتعاض:
- خلاص خلاص، إنت إيه.. ما بتصدق
نظر نحوها حانقًا ثم زفر مجددًا و قد لوت ثغرها بابتسامة شزرة و هي تقول:
- خلاص أهو، يالا بقى!
تطلع إليها قليلًا ثم أشاح بأنظاره عنها و هو يضرب برفق على ظهر الجواد الآخر قائلًا:
- اتفضلي اركبي
غمغمت بصوت غير مسموع و هي تتحرك أكثر لتدنو من الجواد:
- أوف! ده انت الحاوجة ليك مُرة!
فسألها بشراسة و نظراته تتسلط على شفتيها:
- بتقولي حاجة؟
فكادت تصعد على ظهر الجواد و هي تقول بغضب مكبوت:
- بكُـح!.. آه!
كادت تسقط و قد اختل توازنها حيث كانت تنظر نحوه و هي تم كلمتها، فلم تنجح في وضع قدمها في "ركاب السرج"، فمضى نحوها و هو يدور حول الجواد، مُتشدقًا بلهجة حانقة:
- بتعملي إيه؟ انتي غبية؟
فنظرت نحوهُ بحنق و هي تعيد قدمها اليمني على الأرضية، بينما تردد مستنكرة:
- في إيـه؟
أمسك مرفقها ليدور حول الجواد ليكونا بالجانب الأيسر منه، ثم قال مشيرًا لركاب السرج و هو يقول بلهجة صلبة:
- أولًا تطلعي من الشمال، و ثانيًا اهدى و انتي بتطلعي، مش هيكون سهل عليكي في الأول
توقفت متيبسة و قد سئمت أوامره فزمت على شفتيها بغيظ و هي تنظر نحوه، بينما كانت أنظاره مسلطة على قدمها اليسرى و هو ينتظر أن ترفعها فتقلصت المسافة ما بين حاجبيه و هو يرفع أنظاره إليها، ثم جأر بنفاذ صبر:
- بتعملي إيه؟ ما تخلصي
- اوف!
سحبت مرفقها بعنفٍ من قبضته، ثم شرعت تدخل قدمها في الركاب، أمسك "يامن" برأسه الحصان و بذراعه الآخر كاد يعينها لترفع جسدها عليه، و لكنها دفعت ذراعه بعيدًا و هي تشمخ بأنفها:
- حاسب إيدك، أنا هعرف أطلع لوحـ...آه
اختل توازنها و قد فشلت في رفع ثُقل جسدها فوق ظهر الجواد، فكادت تسقط مجددًا لولا ذراعه الذي امتد لموازنة جسدها فصهل الخيل فور أن ترك رأسهُ ليساعدها، ارتبكت أكثر و هي تتشبث به بينما تضغط بقوة بقدمٍ واحدة على جسد الخيل فكاد يتحرك و قد آلمتهُ ضغطتها، ثم صاحت بهلع:
- في.. في إيه، هو بيعمل كده ليه
امتد كفه ليزيح قدمها قليلًا عن جسد الخيل بينما يساعدها لتوزان و هو يهدر بها ممتعضًا:
- حاسبي!
ارتخت قدمها قليلًا و صدرها ينهج علوًا و هبوطًا، بينما ظل ذراع واحد محيطًا لجسدها، و بكفهِ الآخر كان يمسد على عنق الخيل محاولًا تهدئته، حتى نجح في ذلك و قد بدا الخيل متعرفًا عليه، تنفس بارتياح و هو يعيد النظر إليها بنظراتهِ الملتهبة، فأحنت بصرها عنه و هي تقول ببراءة:
- بتبص لي كده ليه؟.. الله!
فوصلتها غمغمتهِ و هو يحاول كبت سخطهِ عنها بشق الأنفس:
- استغفر الله العظيم
ونفخ بحنق ممتعض و هو يساعدها على الترجل عنه، ثم أردف محذرًا:
- عارفة لو سمعت نفس.. نفس بس منك هعمل إيه فيكي؟
زمّت على شفتيها بغيظ و هي تقول متأففة:
- طيب خلاص، مكنتش أعرف إنه صعب كده
ظل ذراعه محيطًا لظهرها و هو يقول مشيرًا لقدمها بلهجة آمرة بدت أشد قسوة عن ذي قبل:
- اخلصي
فغمغمت بامتعاض بينما تفعل بتروٍ:
- طيب
دست قدمها بحذر في ركاب السرج و هي تستند بذراعها على كتفه محتضنة عنقه بلا قصد منها، حتى أنهُ لم ينتبه لفعلتها و قد صب جمّ تركيزه عليها و هو يقول بلهجة مشتدة:
- عشان أول مرة هساعدك، بعد كده هتطلعي لوحدك
- حاضر
و منحها دفعة خفيفة لجسدها بينما هي متشبثة بعنقه خوفًا من السقوط، و فور أن جلست على ظهرهِ تنفست بارتياح و هي تزيح كفها قليلًا عن عنقه لتكتفي بالقبض على كتف قميصهُ مجعدة لهُ، فأردف مشيرًا بعينيه للجانب الآخر:
- دخلى رجلك
أومأت برأسها و هي تتنفس بارتباك ملحوظ بينما تقول:
- دخلتها
و نظرت نحوه بتخوف فكان قريبًا للغاية منها، انتبه توًا لكفها القابض على ملابسه بتوجس فانتشى للحظات، فبمجرد أن شعرت بالخوف لجأت إليه و تشبثت به، كان ذلك كافيًا لترتخي تعبيراته قليلًا، بالرغم من احتفاظهِ بلهجتهِ الصارمة حين سألتهُ:
- أعمل إيه؟.. حاسة إني هقع
فكان كفهُ يتخذ محلهُ منتصف ظهرها و هو يدفعها برفقٍ لئلا تُحدب ظهرها للأمام، و تستقيم بعمودها الفِقري، بينما يحثّها بصوتهِ الغليظ:
- افردي ضهرك و بصي قدامك، متخافيش
تنفست بعمق و هي ترفع ذقنها محاولة الامتثال لأمره، فحذرها من ضغطها على جسد الجواد بساقيها:
- خففي ضغطك عليه شوية، انتي كده بتديله إشارة إنه يمشي
ازدردت ريقها و هي تحاول إرخاء ساقيها المحتضنتين للجواد عنه، فاستكمل إعطائها للتعليمات الدقيقة و هو يشير لركبتيها:
- كعب رجلك يبقى لتحت شوية و ركبتك لجوا بس متضغطيش على جسمه
سحبت شهيقًا عميقًا سحبته على مهل و هي تمتثل لهُ، سحبت كفها إليها بعدما أدركت أنها متشبثة به من فرط توترها، و ما لبث أن أعربت عن حاجتها لـ:
- أنا عايزة أفك شعري! عايزة توكتي!
أعينهُ محدقة بوجهها و قد حلّ عقدة حاجبيهِ ليرتفع حاجبه الأيسر استنكارًا، ثم سألها بغتة:
- انتي مجنونة؟
هزت رأسها بالنفي بحركة خفيفة بينما تنظر نحوهُ بزاوية عينها خوفًا من أن تحيد برأسها الذي تيبس لتظل محدقة أمامها:
- لأ.. بس أنا متوترة أوي!
فحاول أن يهدئ من روعها بعفوية بلهجتهِ الثابتة:
- طب اهدي، متخافيش أنا معاكي!
فأعربت عن خوفها، و هي تستشعر حركات الجواد العشوائيّة من أسفلها:
- هقع.. أنا شوفت ناس لما بتقع من على الحصان بيحصلها كوارث!
فسألها مستنكرًا:
- لما انتي خايف أوي كده عايزة تجربيه ليه؟
مطت شفتيها و هي تجيبه بينما هي على نفس وضعيتها:
- عشان نفسي أعمل كده!
و نظرت نحوه من طرف عينيها بارتياب و هي تسأله:
- أنا هقع، صح؟
فهدأها بقولهِ الصلد و قد ارتخى تشنجه:
- متخافيش، هلحقك!
و رغمًا عنها لم تتمكن، فالتفتت نحوهُ لتحملق به و قد استشعرت عمق كلمته بمدى لم يقصده هو، ارتخت تعبيراتها المشدودة و قد تقابلت نظراتهِ الجامدة مع نظراتها العميقة، ثم حاد ببصره أولًا محاولًا الانفلات من غزوها الوشيك لأراضيهِ، بينما كان يقول و هو يضع اللجام بين كفيها:
- صابعك ده يبقى هنا، و الباقي هنا، امسكيه كويس،.. دا اللي بتوقفي بيه الحصان، لما تيجي توقفيه بتشديه، لكن مش بغباء، عشان متضغطيش على رقبته
و ربت على عنق الجواد قائلًا:
- أنا مختار لك أهدى الخيول، فمتخافيش
أومأت برأسها بحركة خفيفة للغاية، فنظر "يامن" لكفيها الرقيقين نظرة مطولة، تغضّن جبين "يارا"، و قد تعجبت بصره الذي علق بيديها، فسألت بتشكك:
- في حاجة على إيدي و لا إيه؟.. انت ليه بتصلها؟
فابتعد "يامن" قليلًا عنها، و هو يشير لها بسبابتهِ محذرًا إياها من الحراك، أو إبداء أي فعل:
- اتصنّمي، متتحركيش حركة، راجعلك!
أصابها الذعر حين رأته يبتعد، فنادته و قد بدا الهلع في نبرتها:
- لا و النبي استنى، يامن.. متمشيش
حاولت قدر الإمكان التحكم في تحركاتها، حتى لا تسقط عن ظهر الخيل، و لا تزال تناديه و قد بدت يائسة من عودتهِ:
- قولتلك أنا بخاف لما بتوافق لي على طلب، كنت عارفة انك هتعمل فيا حركة من دي، يامــــن!
كادت تبكي حقًا من فرط شعورها بالوحدة، سلطت بصرها على نقطة في الفراغ أمامها، و قد غشت الدموع بصرها، لا تدري ما ستفعل أو كيف ستتصرف، و لا تدري كم مرّ عليها حقًا و هي تحاول التحكم في نوبة بكاء تكاد تداهمها، إلى أن انعقد حاجبيها و قد توهج وجهها في غيظ، و تبيّن البغض في نبرتها و هي تهمس بـ:
- أنا غلطانة، كل ما أحاول أثق فيك تعمل فيا حاجة تثبتلي إنك.....
- إني إيه!
انحلّت عقدة حاجبيها، و انبسطت عضلات وجهها، و هي تلتفت نصف التفاتة نحوه، لتجده يجتذب كفها، و بصره عالقًا عليهما، بينما يسألها بنبرة هادئة:
- إني إيـه؟.. كملي؟
فسمحت لعبرتها العالقة في عينها بالسقوط، بينما تغمغم معاتبة:
- سيبتني ليـه؟
و قطبت جبينها من جديد و قد لاحظت ذلك الملمس على إحدى كفيها، تسلط بصرها على كفها الذي وضعه داخل قفازات لكي تحميه من اللجام فلا تتأذي يداها، ارتخى فكها للأسفل، و بصرها لا يزال عالقًا على كفها الآخر، و قد بدا أن عقلها أبدى إشارات خاطئة، و كلمة “ Error”
تلوح على صفحة وجهها، رمشت "يارا" عدة مرات فانزلقت عبراتها العالقة بهما، تغضّن جبين "يامن" حين ارتقت نظراته إليها، و بدا متعجبًا و هو يسألها بشئ من الاستنكار:
- انت بتعيطي؟
حينها فقط وجّهت بصرها إليه و هي تجيبه بدون تعبيرات بيّنة:
- فكرتك سبتني!
- قولتلك راجعلك!
فـ لاح شبح ابتسامة ساخرة على ثغرها، و هي تغمغم موضّحة:
- مبقاش سهل عليا أثق في اللي حواليا
فلم يعر الموضوع اهتمامًا، و أجاب بشكلٍ عابر، و كأنه لا يقصد شيئًا:
- مش لوحدك، أنا كمان مبثقش غير في ناس يتعدوا على صوابع الإيد
علق بصر "يارا" به، و قد راودها ذات الشعور، إحساس الذنب يتعاظم بداخلها نحوه عما تنتوى فعله، و لكن لا تزال مشاهد البداية كصفعة تستفيقها، كي لا تظلّ بداخل أحلام يقظتها، مسح "يامن" برفقٍ على عنق الجواد، و هو يتابع نصائحهِ لها:
- هتضغطي على جسمه بالراحة
أومأت "يارا" برأسها متفهمة، و لكنه ودّ لو يتيقن من أنها فهمتهُ جمّ الفهم، فـ ثبّت الجواد متمسكًا بعنقهِ:
- جربي الأول
ففعلت "يارا" بشئ من الخفّة، حتى لا تكون إشارة ليسير الجواد، فـ لم يستبقِ "يامن" ثنائه عليها في داخلهِ:
- عظيم.. كدا بدأتي تفهمي
فشكرته بصوتٍ خفيض لدى ذلك:
- شكرًا
ثم ابتعد قليلًا ليمتطي هو صهوة "أشهب"، راقبتهُ "يارا"، و تابعت صعودهِ بتلك الاحترافيّة، فسألته بشئ من الغيرة، و قد خالط المرح نبرتها:
- يا ترى هاخد قد إيه عما أنط النطة دي؟
حكّ "يامن" بسبابتهِ طرف أنفهِ، و هو يردد متسائلًا بشئ من السخرية:
- حسد دا و لا إيه؟
فضحكت "يارا" بخفة و هي تجيبه:
- حسد أيوة عادي
فـ أشار "يامن" بعينيهِ للجام و هو يردد و قد تجمّد وجهه من جديد:
- وريني هتمسكيه ازاي
حاولت "يارا" أن تسترجع ما علمهُ إياها، و فعلت، فـ ردد "يامن" مستحسنًا ذلك:
- عظيم
فـ سألتهُ "يارا" بتوتر:
- أمشيه؟
قبض بكفيه على لجامهِ و هو يقول مثبتًا لأنظاره على قدميها:
- أيوة، بالراحة
تنفست بعمق و هي تنكز الجواد نكزة خفيفة فشرع يسير بها متحركًا بتؤدة، و كان "يامن" بجوادهِ مجاورًا لها و هو يتابعها، ثم ردد بلهجة جادة:
- متتصنميش كده، افردي ضهرك و كتفك و بصي قدامك بس
أومأت برأسها و هي تطرد زفيرًا حارًا عن صدرها محاولة أن ترخى عضلاتها قليلًا، حتى خرجا عن الاسطبل، فغمغمت متسائلة محاولة نزح الارتباك عنها:
- هو دا و لد و لا بنت؟
اقتضب في قولهِ:
- بنت
- اسمها إيه؟
- "ورهاء"
تفضن جبينها بينما تسأله:
- إيه الاسم العجيب ده، انت اللي سميتها كده؟
- تـؤ.. الأحـدب
فضيقت عينيها فضولًا و قد شرع خوفها ينسحب من أوردتها، مع حركة الجواد الهادئة بينما تقول:
- هو انت مش بتقوله إسمه خالص؟
- تـؤ
و قبل أن تسأله عن السبب كان يقول بغموض:
- وفري سؤالك عشان مش هجاوبك
مطت شفتيها:
-مممم، ماشي، مع إنك كده بتزود فضولي
كانا يخرجان من البوابة الرئيسية فتحمست أكثر لتهرول به، و قد تركت خوفها جانبًا، فأردفت متسائلة:
- عايزة أجري بقى
تنمر عليها قليلًا و:
- مش لما تعرفي تمشي أول
عبست مجددًا و هي تقول:
- ما أنا ماشية أهو لازم تحبطني!
و قبل أن يهمّ بإجابتها، كانت "يارا" تلكز الجواد بعنفٍ، مُستعينة بملحوظاتهِ السابقة الأوليّة عن كيفيّة الركض و السير، فصهل و هو يُسرع من خطواتهِ فبدت أقرب للهرولة، تلاشت بسمتها و قد ارتبكت كثيرًا و لم تجد ما تفعل، فصرخت بفزع و جسدها يترنح من فوقه حتى شعرت بأنها توشك على السقوط:
- أعمل إيـه؟
دنا منها بفرسهِ و بسط كفه و هو يكاد يجتذب يدها الممسكة باللجام فيُوقف الجواد، و لكنها قد استبقتهُ قبل أن يتلمس كفها و هي تجتذب اللجام بعنفٍ، فتوقف الجواد محلهُ و هو يصهل عدة مرات و قد بدا أنها أغضبتهُ، أو آلمت عنقهِ أو فمه حيث شرع يرفع قوائمهُ الأماميّة عاليًا ثم ينقر الأرضيّة، و كرر فعلتهُ مجددًا وسط صراخها و محاولة التشبث بهِ، و لكن توازنها قد اختلّ تمامًا، فترنّح جسدها و سقطت عنهُ، و لكن "يامن" كان الأسرع حيثُ أوقف جواده و وثب فوقها محيطًا لجسدها بين ذراعيهِ، اصطدم جسد كلاهما بالأرضيّة حتى استقرّ جسدها فوقهُ و انتهى الأمر بارتطام ظهرهُ بالأرضية الصلبة و هي من فوقهِ، دقائق مرّت و هما على حالتهما تلك، صدرهُ فقط ينج علوًا و هبوطًا، حتى استشعر ارتخاء جسدها بالكامل و هي دافنة وجهها في عنقهِ و أنفاسها الحارة تلفح بشرته، و لكن دون حراك، كان محيطًا لظهرها بذراعيه فارتفع كفه قليلًا ليزيح رأسها عن صدره و هو يقول:
- يارا!
و لما لم يجد ردًا منها بدأ القلق يستبد منه، فـ أردف:
- يارا!
ارتفعت نظراتها إليه ليتبين لهُ وجهها الشاحِب أثناء قولها بينما أنفاسها تهدر عاليًا:
- أنا.. كـ..ـويسة
تنفس الصعداء و هو يضم جسدها إليه دافنًا رأسها بصدرهِ مجددًا و هو يعود برأسهِ للخلف مطبقًا جفنيه، و قد استشعر ألمًا مبرحًا بظهرهِ و كتفيه، بالإضافة لشعورهِ و كأن عضلاتهِ تكدّست ببعضها البعض، من فرط الارتطام.
عِدة دقائق مرت كانت قد نهضت فيها و قد شعرت و كأن كاحلها قد التوى، بينما هو جلس مستقيمًا على الأرضية و قد تبدلت نظراته للحنق حين امتد كفها نحوهُ بينما تقول بابتسامة بلهاء:
- أساعدك؟
ارتفعت أنظاره الملتهبة نحوها ثم دفع كفها بعيدًا و هو يقول استنكارًا:
- انتي قادرة تساعدي نفسك، اقعدي على جمب
بضع ثوان مضت حتى تمكن من النهوض ففاجأتهُ بأن تقدمت إليه و هي تسند جسدهُ برفق و كأنها تساعدهُ، بينما تقول بإصرار:
- هساعدك!
و كأنها لم تكن تقصد ذلك، و كأن مقصدها كان عميقًا للغاية، أحنى نظراتهِ إليها لتتسلط أنظاره على عينيها العميقتين، ثم دفع ذراعها المبسوطة ناحيتهُ و هو يقول بينما يمر من جواره بخطى شبه متعرجة:
- مش محتاج مساعدة يا.. بنت حسين!
.................................................................
- ازاي يعني حصل ده يا ابني؟
أشار "يامن" نحوها و كأنهم بمحاكمة فِعليّة:
- اسألها يا أحدب، أنا أساسًا غلطان إني سمعتلها!
تغضن جبينها و هي تحاول الدفاع عن نفسها قليلًا فهتفت:
- أنا عملت إيه يعني؟ مش انت قولتلي لما تعوزي توقفيه تشدي البتاع..
فأردف مُصححًا بحنقٍ:
- اللجام
فـ بلا اكتراث عقّبت:
- مش موضوعنا!
و اتهمتهُ قائلة:
- انت اللي قولتلي لما تيجي توقفيه تشدي اللجام ده و...
قاطعها باستهجان جلّ على ملامحه:
- قولتلك تشديه بالراحة، مش بالغباء ده!
توقدت عيناها فـ أشارت لهُ بينما تلتفت للعجوز و هي تشكوهُ إليه:
- شايف يا عم منصور أسلوبهُ المستفز
فردد "يامن" محتجًا و قد توهج وجههُ بالكامل:
- أنا اللي أسلوبي مستفز و لا إنتي بتعندي و خلاص و انتي أصلًا غبية
عقدت ساعديها و هي تنظر نحوهُ باستنكار:
- انت السبب! كان لازم تنبهني للنقطة دي كويس!.. لكن أنا حاسة إني بشد الكلام من على لسانك من كتر ما انت كلامك قليل! و جاي دلوقتي تحاكمني!
طرد أنفاسهِ الممتعضة و هو يشيّعها بنظراتٍ ساخطة، بينما كان العجوز ينقل أنظارهُ المشدوهة فيما بينهما، ثم قال محاولًا تهدئة الوضع:
- يا ولاد إهدوا شوية، أساسًا أنا عايز أعرف الـ "ورهاء" حصل لها كده إزاي، دي أكتر فرسة هادية!
فـ أشار "يامن" نحوها و هو يقول مستهجنًا:
- أكتر فرسة هادية دمها اتحرق على إيدها، أومال أنا أعمل إيه!
فاستنكرت ذلك تمامًا و:
- يا سلام، و انت اسم الله عليك أهدى مخلوق على وش الأرض، ما انت دمك محروق خِلقة!
تكور كفهُ و هو يرفع ناحيتها و كأنه يوشك على إبراحها ضربًا بينما يكز على أسنانه، ثم قال مزمجرًا:
- أنا طالع.. بعد ما أصور قتيل النهاردة!
و أشار للعجوز قائلًا بامتعاض:
- كلم الدكتورة يا أحدب خليها تتنيل تيجي تشوف رجلها
ضمّ العجوز شفتيه معًا و هو يقول بهدوء نسبيّ:
- الدكتورة رجعت القاهرة يا يوسف، مفيش بدالها غير الدكتور علاء
فانفعل مجددًا فور ذكر اسمهِ:
- و انت عايزني أجيب راجل يشوف رجلها، ما تتصرف يا أحدب!
توهجت وجنتيها بالحمرة الخجلة فحمحمت محاولة إزاحة الحشرجة عن صوتها و هي تنظر نحوه:
- فيها إيه يعني؟ ده دكتور يعني مش حرام!
فجأر بها و قد احتدمت نظراته:
- حُرمت عليكي عيشتك
توهجت أنظارها و هي تقول و قد توسعت عيناها غيظًا:
- نعم!
فدنا منها و هو يسحبها من مرفقها دافعًا لها نحو درجات السلم و هو يقول:
- اتنيلي اطلعي أوضتك لغاية ما اتصرف، قال مش حرام قال!
فدافعت عن نفسها قليلًا و هي تتحرك صوب الدرجات:
- و الله مش حرام، أنا متأكدة
خرجت سبة نابية من بين شفتيه و هو يطالعها بأنظارهِ الناريّة حتى تلاشت من أمامه، فمضى نحو إحدى الأرائك ليعتليها و هو يغمغم بكلماتٍ تنُم عن مدى سخطهِ بينما كان العجوز مسلطًا لأنظارهِ عليه محاولًا كبت ضحكاته، و لكنه لم يتمكن ، فـ إذ به ينفجر بالضحك المتثاقل حتى اهتزّ كتفيهِ، فنظر نحوه مستهجنًا و هو يقول:
- بتضحك يا أحدب! طب و النبي قولي أنا أعمل معاها إيه دي!
خبى صوت ضحكات العجوز و هو يحمحم محتفظًا بابتسامتهِ ثم قال:
- بالراحة عليها شوية يا وسف يا ابني، البنت حساسة و بتتخنق بسرعة، انت عارف إنها كانت تعبانة كمان و لسه قـ...
اعتدل "يامن" في جلسته متأهبًا و هو يقول مقاطعًا بلهجة غاضبة:
- يعني بالراحة عليها أعملها إيه يعني، انت محسسني إني بجلدها، أنا جيت جمبها!
جلس العجوز إلى جوارهِ و هو يربت برفقٍ على ركبته قائلًا:
- معلش يا ابني، معلش استحملها، كله بالهداوة
أشار "يامن" بكفهِ و هو يقول محتجًا:
- هداوة إيه دي اللي تنفع معاها يا أحدب!
ربت مجددًا على ركبته و هو يقول بلهجة هادئة:
- يا يوسف متنكرش إنك خشن معاها أوي برضو، شوف يا يوسف..انت تقسى على الدنيا كلها، و لا إنك تقسى على مراتك
نظر "يامن" نحوهُ ساخطًا فأومأ مؤكدًا حديثهُ:
- زي ما بقولك كده، الستات دول مش عايزين اللي يعند قصادهم، انت تعند هي هتعند.. لازم طرف منكم يتنازل!
حك "يامن" عنقه بانفعال حتى احمر جلده و هو يقول بلهجة قاتمة متذكرًا أحداثًا ولّت:
- اتنازلت.. اتنازلت كتير يا أحدب عشانها لكن..
و صمت فـ غضّن العجوز جبينه المجعد أكثر و هو يسألهُ:
- لكن إيه يا ابني؟
رفض "يامن" أن يُطلعه على ما بعقله فأشاح بأنظاره بعيدًا و هو يزفر مختنقًا:
- سيبك مني يا أحدب، اتصرف و شوف دكتورة
فأومأ العجوز و هو يقول بلهجة حانية:
- طيب يا يوسف، أتصل لك بالدكتور علاء ييجي يشوفك
نظر "يامن" نحوهُ و كأن الحمم البركانية تتقاذف من عينيه، و قبل أن يجأر بهِ كان "منصور" يقول:
- عشانك.. عشانك انت بس! و هتصرف لو حتى هجيب من مصر، متبصليش كده
تشنجت نبرته و هو يقول:
- تؤ.. مش عايز
فغضن العجوز جبينه و هو يقول مستنكرًا:
- يا ابني مش عايز إزاي بس؟ ده انت...
أشاح "يامن" بلا اكتراث و هو يُقاطعه بفتور واضح:
- يا أحدب مش عايز زفت
و ارتفعت أنظاره نحو الأعلى و هو يهمس بصوتٍ حانق:
- خليني أطمن على الغبية دي بس!
...................................................
«- انت لسه عايش؟
تضاحك "حسين" ثم أردف من بين كلماته:
- بعد الشر عني يا كيمو، كده تتمنالي الموت ، ده أنا حبيبك!
فـ اعترض الأخير ببرود زائف و:
- حاشا لله، أنا أتمنالك الموت يا حِسّ
و أردف بلهجة ساخرة:
- بس ليه بقى بنتك تتمناه لابن أخويا؟ بقى ينفع كده؟
تلاشى البرود عن وجهه و قد تشنجت عضلاتهِ قليلة بينما يقول مغضنًا جبينه:
- قصدك إيه يا كمال؟
ارتفع حاجبيّ "كمال" و هو يقول بتأنيب زائف:
- البت طالعة لأبوها يا حِس، قتلت ابن أخويا، و يا عيني مستشفى الـ"....." شكلها هتشهد موته!
و كأنهُ تعمد أن يخبرهُ باسم المشفى، فنهض "حسين" عن جلسته و هو يقول ببرود زائف:
- لا بعد الشر عنه جوز بنتي، ان شاء الله تطمن عليه قريب
و أنهى المكالمة بقولهِ:
- يالا سلام بقى عشان ورايا شوية مشاغل!
عدة دقائق مضت فكان بالأسفل ينتظر "موسى"، و ما هي إلا دقائق إضافية تعدت الثلاثُون و كان "موسى" يصف سيارته أمامه مترجلًا منها، تحرك نحوه بينما يقول بقلق واضح:
- خير يا حسين؟ انت كويس؟
أومأ "حسين" قائلًا بسلاسة:
- متخافش يا موسى، مشوار كده هخلصه على السريع بعربيتك
كان قد حادثهُ هاتفيًّا ليحضر سيارته لاحتياجهِ الشديد إليها، فنفذ "موسى" على الفور، أخرج "موسى" مفاتيح السيارة و أسلمها إليه بينما يقول باهتمام:
- مقولتليش بس، حد حصل له حاجة؟
تناول "حسين" المفاتيح ثم ربت على ذراع الأخير و هو يقول بلهجة غامضة:
- لأ متقلقش يا موسى، خلينا نتقابل بعد مشواري في القهوة بتاعتنا، تمام؟
- ماشي
تحرك "حسين" نحو السيارة الصغيرة ذات الطراز العتيق و هو يقول قبل أن يستقلها:
- متقلقش، مش هاخد من وقتك كتير
و قبل أن يتحدث "موسى" كان "حسين" استقل السيارة و اقتادها مبتعدًا، لم ينتبه "موسى" إلى تلك السيارة التي تحركت بتروٍ من خلفه فتتبعهُ، و صبّ جم تركيزهُ على سيارتهِ التي شرعت تتلاشى من أمامه بينما يقول بتنهدة مُطولة:
- آه يا حسين لو أعرف انت وراك إيه!
و أجفل نظراته و هو يخرج للطريق الرئيسي فيستقل سيارة أجرة بينما يقول بعدم ارتياح:
- حاسس إن وراك حاجة يا حسين!، ده أنا حافظك صم
يُدرك جيّدًا تتبع تلك السيارة لهُ من خلفه، فتغضن جبينه و هو يحاول التأكد من ذلك، و قطع الشك باليقين بالفعل، يسارًا فتتبعهُ.. يمينًا فتتبعهُ أيضًا، تلوت شفتيه بابتسامة قاتمة بينما يقول متشدقًا:
- يا ترى حاططهم ورايا من امتى يا ابن يوسف؟
و تعمّد أن يُضللهم فنجح في الأخير بذلك، أوقف "ماجد" السيارة بمنتصف الطريق و هو يتلفت حوله، ثم التفت لـ "عاصم" الذي ردد محتجًا:
- يخربيته! راح فين ده؟
مرر "ماجد" أنامله بخصلاته و هو يجيبه بحنق:
- مش عارف، كان لسه قدامنا حالًا
ثم أتبع كلماتهِ بـ التوجس:
- ليكون هيعمل عاملة؟ أنا مش مرتاحله، و لو الباشا عرف هيشرحنا!
لم يُبالي "عاصم" كثيرًا و هو يشيح بكفه:
- يا عم لا هيعرف و لا بتاع، هيعرف منين، ارجع و خلاص!
تنهد "ماجد" بحرارة ألهبت صدره و هو يدير المقود ليبتعد عائدًا بينما يغمغم:
- هرجع، يعني في إيدي حاجة أعملها غير كِده!
لم يكن ليحتاج الكثير من الوقت ليرتدي فوق ثيابهِ_ بإحدى غرف المشفى الخالية من البشر و التي تشبه مخزنًا للأدوية_ المئزر الطبيّ و القناع الطبي الذي يخفى الكثير من وجهه و الذي اقتناهما في طريقهِ إلى هنا و الأهم من ذلك.. تلك العدسات اللاصقة التي تخفي لون عينيه الزرقاوين فتُكسبهما اللون الأسود، التمعت عيناهُ ببريق شيطانيّ و هو يخرج تلك القنينة الضئيلة، و شرع يسحب ما بها من مادة سامّة بالإبرة الطبيّة، ثم دسها في جيب مِئزره و هو يتحرك مغادرًا تلك الغرفة التي تأكد مسبقًا من خلوها من أي كاميرات مراقبة قد تلتقطه، بينما يردد بلهجة حالكة للغاية:
- أبوك نسى حتة منه بعد موته، بس معلش.. هوصلهالهُ!
و دلف غرفتهِ بصفتهِ الطبيب المسؤول عن حالته بعدما ترقّب خروج ابنته من الداخل، أوصد الباب من خلفهِ، تحرك بخطواتٍ حثيثة حيث فراشهِ الطبيّ ، ابتسم بشماتةٍ لم تتبين بسبب قناع الوجه الذي يرتديهِ ، بلغ فراشهُ فـ شملهُ بنظراتٍ ظافرة لحالتهِ ، و لكنه وجده صلبًا گالفولاذ بالرغم من ذلك ، تعبيراته المحتفظة بالصرامة سعّرت نيران الحقد بداخله أكثر و أكثر حتى طفت رغباتهِ القاتلة على السطح للثأر بـ إهانتهِ له ، لم يتمكن يومًا من التصدي لأمام جبروته ، لم تمكن من رد اعتباره ، تحدث بشماتة جليّة :
- شايف يا ابن يوسف الأيام وصلتنا لفين.. أخيرًا يا ابن يوسف شوفتك مرمي بين الحياة و الموت
فرك كفيهِ بحماس:
- انت عارف أنا مستني اللحظة دي من امتى ؟
تنقلت نظراتهُ على الأجهزة الطبية ، ثم تسللت أنامله إلى جيبهِ الداخلي ليستخرج منه إبرة طبية ، تعلقت نظراته بالمصل المغذي لـ وريدهُ ، فـ اتسعت ابتسامته و:
- معلش يا يامن يا ابني ، مش هتاخد وقت و مش هتتعذب كتير
تلاشت ابتسامته لتحل تعبيرات جافة على صفحة وجهه مردفًا ببغض جلي:
- مع اني كان نفسي تشوف الويل ، بس يالا ، شكل أبوك وحشك ، متقلقش .. دقائق و هتكون في حضنه ، يا.. يا ابن يوسف !
و بـ ثانية و بدون أدني ذرة ندم.. كان ينغز سن الإبرة الطبية بـ المصل لـيمتزج مع المحلول الطبي المغذي لأوردتهِ ، و ما إن كاد ينتهي كان يردد ببرود و كأنه لم يرتكب جُرمًا منذ ثانية واحدة :
- سلام يا.. يا يامن !
كان صوتهُ البغيض قد اخترق أذنيهِ فـ أُجبر أن يفتح عينيه و قد تشنجت ملامحه، رمش عدة مرات ليزيح ذلك التشوش عن رؤيته، حتى اتضحت صورتهُ رويدًا رويدًا أمام عينيه، شعر بدمائهِ تفور في أوردته، كاد ينقض عليه و لكنه شعر بجسده متيبسًا، و أحباله الصوتية متجمدة، و ما هي إلا ثوانٍ و كانت ملامحه تتصلب من جديد مستسلمًا رغمًا عنه لحالة الارتخاء العجيبة التي تداهمه و:
- أنا هفضل هنا و مش هتقدروا تخرجوني
ارتبك "حسين" فور أن استمع إلى صوتها ، حتى أنّ رجفة سرت بجسدهِ ، و تعالت نبضات قلبه ، و لكنهُ لم يتراجع عما يفعل ، لم يكن لينطق بحرف ، إن توارى وجهه خلف القناع الطبي فـ صوتهُ يعلم أنها سـ تتعرف عليهِ حتمًا، ليست غبية إلى الحد الذي لا يُمكنها من التعرف عليه ، تغضن جبينها من صمتهِ على غير ما توقعت أنهُ سيحاول طردها و ابعادها عن الوسط ، و لكنها تفاجأت بهِ ينزع الإبرة الطبية بعد أفرغ المادة السامة بـ المصل ليمتزج بالمحلول الطبيّ الذي يُغذي وريدهُ ، استدار و هو ينظر بالاتجاه الآجر متحرّكًا بخطى سريعة نحو الباب محاولًا مواراة وجهه عن عينيها التى تابعته بنظراتٍ ثاقبة متعجبة ، و لكنهُ رغمًا عنه نظر نظرة واحدة نحوها فـ فغرت شفتيها اثر الصدمة و حدّقت بهِ بـ ذهول ، كانت عيناه مألوفتان لديها و كأنها رأتهُ سابقًا ، حاولت اطالة النظر اليه و لكنهُ أشاح بوجههِ على الفور و هو يلج للخارج ، تابعتهُ بنظراتٍ متعجبة ثم رمشت عدة مرات ، هل يُعقل أنه فردًا من عائلته التي لم تلتقِ به كثيرًا و لكنها رأتهُ ذات مرة ؟ فـ العجيب و المثير للاهتمام أن عينيه بلونهما الأسود.. تشبهان عينيّ "كمال"
قُذف الرعب في قلبها حين استمعت إلى صوت نبضاتهِ الصادرة من جهاز قياس ضربات القلب تتزايد ، ثم أصدرت الأجهزة الأخرى أصواتًا لم تتفهم مدلولاتها و:
- روحت فين يا حِسّ؟
انتشلهُ من أوج شروده تلك الفرقعة التي أحدثها "كمال" بإصبعي السبابة و الإبهام فعاد يحدق به و هو يلوي ثغره بابتسامة قاتمة، ثم قال:
- نعم يا حبيبي؟ معاك
تكور كفيّ "كمال" اثر الغيظ الذي تملك منه من بروده المثير للأعصاب، تعلقت أنظاره الغامضة به ثم قال فجأة و هو يعقد حاجبيه بفضولٍ قاتم:
- تعرف عني إيه يا حسيـن؟، تعرف عني قد إيـه؟
لمس "حسين" بطرف لسانهِ وجنته من الداخل، ثم قال بلهجة جافّة:
- مش هتعرف.. هسيبك كده
و أشار بسبابتهِ بجوار جبينه بحركة دائريّة:
- هسيبك كده، دماغك تلف و تدور زي المجنون.. مش عارف أنا ممكن أعمل إيه في أي لحظة
هز "كمال" رأسه استنكارًا و هو يتسلّح بما يعلمه:
- مش هتقدر.. مهما هددت مش هتقدر، مش هتقدر تنطق بكلمة، لأن عارف مصيرك إيه لو نطقت!
مطّ "حسين" شفتيه ثُم قال بلهجة متيبسة:
- غلطان.. غلطان يا كمال، أنا مش النوع اللي بيبقى على حياته، و مش فارق معايا أي حاجة صدقني
و التوى شدقيه بقسوة و هو يردف:
- أنا مجنـون،.. ممكن في أي لحظة لساني ده يجيب كل حاجة، الجديد و القديم، و ميهمنيش حياتي!
ارتفع حاجب "كمال" استنكارًا و هو يعود بظهره للخلف مستريحًا في جلسهِ و هو يردد بلهجة ذات مغزى:
- بس أعتقد بناتك يهموك يا حِس.. و لا إيـه؟
فقال "حسين" و هو ينهض عن جلستهِ:
- متهيألي أنا طولت أوي، خد بالك على نفسك يا كيمو، في رعاية الله يا حبيبي!
و مضى بارحًا مكانه تاركًا خلفه علامات استفهام جمّة.. تتابعهُ نظرات "كمال" الملتهبة و هو يتوعده بالرد القاسيّ:
- و رحمة الغاليين كلهم لأوريك أنا مين يا حسيـن!
.......................................................................
.............................
......................................
أنت تقرأ
في مرفأ عينيكِ الأزرق
Romance" مُقَدِمة" أَقْسَـــمَ أن يُذيقَه من نَفـس الكَـأْس و حينَ حَانَتْ لـَحظة الأخذ بالثـَـأْر ظَهـَرَت هى أَمَـامــه كـمَلاك يَــرده عن خَطِيئة الانْتِقَام لـ ينْتَشلها منه عَنوَة فـ يـَحرِق رُوحُـه رُويدًا رُويدًا و لـكن.. لم يَـضَع المشاعر فى ال...