"الفصل الثامن و الثلاثون"

1.3K 24 0
                                        

" الفصل الثامن و الثلاثون "

التقطت جهاز التحكم و خفضت صوت التلفاز قليلًا ثم استدارت برأسها للخلف متمتمة باهتمام :
- بابا ، انت نازل ؟
فـ أغلق زر سترته و هو يردد متنهدًا :
- أيوة يا ولاء ، روحي اسألي أمك عايزة حاجة من تحت
فسحبت عكازها و اتكأت عليه و هي تتحرك بخطى متعرجة نحو غرفة أختها ، طرقت عليه عدة مرات فـ استمعت لردها الفاتر :
- عايزة ايه يا ولاء ؟
- بابا نازل يا ماما ، بيقولك عايزة حاجة من تحت ؟
فـ اجابتها باقتضاب :
- لأ
تنهدت "ولاء" بحرارة و هي تمضي نحو الباب ، نظر لها " حسين" متسائلًا فـ نفت بحركة من رأسها ، تهدل كتفيه بقنوطٍ و تنهد بضيقٍ و هو ينظر حيث غرفة ابنته ، ثم ربت على كتفها عدة مرات مرددًا بنبرة حانية :
- خلاص يا ولاء ، روحي انتي
فـ التقطت كفه تحتضنه بكفها و عمقت نظراتها نحوه قائلة بصوتٍ رقيق :
- متزعلش يا بابا ، ان شاء الله كل حاجة هتتحسن
فربت على كفها و هو يهز رأسه بحركة بسيطة :
- و نعم بالله يا ولاء ، روحي انتي اقعدي
أومأت برأسها موافقة فـ استدار " حسين" ليُدير المقبض و كاد يدلف للخارج فتعلقت نظراتها به ، خفق قلبها بعنفٍ في صدرها و كأنها استشعر تخطبًا ما ، فـ استوقفته بنبرة قلقة تجلّت على ملامحه :
- بابا
فـ تنغض جبينه و هو يلتفت لها مرددًا :
- أيوة يا ولاء ، عايزة حاجة؟
ازدردت ريقها و هي تتمتم :
- خد بالك من نفسك يا بابا
التوى ثغره بابتسامة باهتة و هو يردد بصوتٍ مبحوح :
- حاضر يا ولاء ، و انتي خلي بالك من روحك و من حبيبة
شعرت بفؤادها يهوي في قدميها و قد استشعرت و كأنه يودعها للمرة الأخيرة ، حاولت اقناع نفسها بأنها أوهام لا محل لها من الصحة ، فـ أومأت برأسها بحركة بسيطة غير قادرة على التفوه بحرف ، فـ مسح " حسين" برفقٍ على وجنتها ثم ربت ثانية على كتفها ، و استدار بجسده مغادرًا و أوصد الباب خلفه ، تابعت "ولاء" اختفاؤه بأعين دامعة ، وضعت كفها على موضع قلبها تستشعر دقاته ، ثم أطبقت جفنيها بقوةٍ و هي تستدير بجسدها متمتمة بنبرة مبحوحة :
- شكل المسلسلات لحست دماغي !
...................................................................................
خلع عنه سترتهُ و أسندها على ظهر المقعد الجلدي خلف المكتب ، ثم اعتلاه و عاد به للخلف قليلًا ليرفع ساقيه أعلى المكتب ، عاد برأسهِ للخلف مُطبقًا جفنيه مستعيدًا بذهنه كيفية وصول ذلك العقد الى خزانته ان كان بالفعل بداخلها ، بالتأكيد استغلت " هدى" الفرصة لتدسه بها وقت تواجده بغرفة والده ثم انتقل بتفكيره الى ذلك الكابوس الذي لم يغادره تقريبًا ، فرك وجهه بكفيه بقوةٍ ثم خلل أصابعه العشر بخصلاته ، لم يكن ما حدث مطابقًا لذلك الكابوس أو مشابهًا له ، لربما يوضح له بأن هناك من يتربص بها و هي والدته و لكن ليس الى تلك الدرجة ، مازال هناك حلقة تنقصه ، أخفض ساقيه معتدلًا في جلسته لينتصب بكتفيه ، ثم التقط قلمه الحبري و شرع يطرق به عدة مرات على سطح المكتب ثم نزع عنه غطائه و رسم حلقة فارغة على الورقة البيضاء أمامه و هو يردد بصوتٍ قاتم :
- في حلقة ناقصة ، بس هعرفها
ألقى القلم الحبري بلا اكتراث و نظر مُطولًا للورقة و قد ارتسم وجهها على صفحتها فـ ظل محدقًا بها و هو يتمتم باصرار :
- مش هيتعاد تاني ، مش هسمح للي حصل يتعاد تاني ! محدش هيقدر ياخدك مني !
...............................................................................
- خــــالد !
قالتها بذهول و قد حملقت به بعدم تصديق ، فـ ردد مُضيقًا عينيه باستفسار:
- مين خالد ده ؟ هو قالي انك تعرفيه كويس ، انتي تعرفيه ؟
فـ ازدردت ريقها متمتمة :
- ده .. ده ابن خالي
فـ هز رأسه بإيماءة متفهمة ثم ردد بارتياح :
- بس شكل نيته مش صايفة ، أنا مرتحتلوش
فـ عاد المشهد نصب عينيها حين اتهمها بأبشع التهم ، أطبقت جفنيها بقوةٍ محاولة محو تلك الذكريات ثم رددت بنبرة ضائقة :
- و هو عايزني ليه ؟
فـ رفع كتفيه مرددًا بنبرة جادة :
- مش عارف ، هو قال أوصلك الموبايل و أصلًا يامن لو عرف هتبقى مُصيبة
فـ قبضت على شفتيها بقوةٍ و هي تبسط كفها مرددة بنبرة شبه متوسلة :
- طب أرجوك تساعدني و تخليني أكلمه ، أنا متأكدة ان أهلي عايزين يوصلوا حاجة معاه ، أنا خايفة لو موافقش فعلًا ييجي هنا و ساعتها هتكون مصيبة أكبر !
فـالتوى ثغره بابتسامة ساخرة :
- ده لو عتب هنا القيامة هتقوم مش هتبقى مصيبة !
فـ تشبثت برأيها متمتمة باصرار :
- عشان كده لازم أكلمه
ثم أشارت بكفها مرددة برجاء :
- الموبايل لو سمحت
نظر مُطولًا لكفها و قد أخذ يعتصر ذهنه مفكرًا في حل لتلك المشكلة ، لا يستطيع الإقدام على خطوة گتلك ، و لكن ان حدث و أتى الى القصر لن يمر الأمر مرور الكرام ، تنهد بحرارة و هو يرفع نظراته اليه ليجد نظرات التوسل تملأ عينيها ، قبض على شفتيه بقوة ثم طرد زفيرًا حارًا من شفتيه و هو يناولها الهاتف و :
- بس بسرعة ، يامن لو عرف مش هيعديها
تنفست بارتياح و هي تلتقطه منه بلهفة متمتمة بامتنان :
- شكرًا
أومأ برأسه و هو يبادلها بنظرات جادة ، بينما أخفضت نظراتها الى الهاتف و نقرت على شاشته لـ تأتي بآخر المكالمات و أعادت الاتصال بـ ذلك الرقم ، رفعت الهاتف الى أذنها ، و گأن السنون قد مرت عليها بالرغم من كونها ثوانٍ و أخيرًا أتاها رده متسائلًا بصوتٍ أجشّ :
- يارا ؟
أومأت برأسها متمتمة :
- أيوة أنا ، عايز ايه ، في حاجة حصلت ، ماما و بابا كويسين ؟
فـ حك مؤخرة رأسه و هو يتمتم بصوتٍ أشبه بفحيح الأفعى :
- أبوكي بيموت يا يارا ، بيموت !
هبت واقفة مرددة بهلعٍ :
- ايه ؟ بابا ؟ حصل له ايه ؟
فـ تصنّع الاستياء و هو يردف :
- عمل حادثة ، و أمك انهارت و مستحملتش ، ده لو حصل له حاجة هتموت من بعده !
رجفة قوية سرت بجسدها و قد فرّت الدماء من عروقها ، صارت ساقيها رخوتين فـ تهالك جسدها على الفراش و قد شخصت أبصارها مما سمعت للتو ، شعرت بـ فوجدانها يُسحق من فرط ما شعرت به ، تجمعت الدموع في عينيها و هي تردد بقهرٍ :
- انت .. انت بتقول ايه ؟ ازاي ده حصل ؟
فـ ذم شفتيه قائلًا بعبوسٍ :
- مش عارف ، ولاء من بعد ما عمتي أغمي عليها مهاش شايفة قدامها .. انتي لازم تتصرفي و تيجي .. أهلك محتاجينك
فـ نزحت دموعها ملتقطة أنفاسها متمتمة بتهدج :
- طب .. طب هي في مستشفى ايه ؟
- مستشفى "........" اللي في ".........."
تمعن " عمر" النظر لملامحها و تجلى القلق على ملامحه و هو يرى دموعها ، نظر لها بتساؤل و لكنها لم تنتبه ، فقط ظلّ تفكيرها عالقًا مع عائلتها ، أطبقت جفنيها مرددة بمرارة :
- آجى ازاي ؟ مش عارفة ؟
فـ توهجت بشرته بحمرة منفعلة و هو يردف بصوت متشنج :
- يعني ايه مش هتعرفي ؟ بقولك عيلتك بتضيع ، اتصرفي !
فـ رددت بمرارة و الدموع تنهمر من عينيها :
- انت .. انت مش فاهم حاجة
فـ أظلمت عيناه و هو يردد بنبرة ناقمة :
- مش هتشوفي أبوكي للمرة الأخيرة حتى
فـ نهرته بنبرة منفعلة :
- بــس متقولش كده ، بابا هيقوم و هيبقى كويس
فـ التوى ثغره بابتسامة ساخرة و استطرد بنبرة متهكمة :
- ان شاء الله ، خليكي عايشة في الوهم ده لغاية ما يتنقل على القرافة و أمك تلحقه ، و ابقى افتكري كلمتي ، سلام يا .. يا بنت حسيـن !
و گأنه يغرس أشواكًا حادة النصل في فؤادها فـ أدماه بلا هوادة ، فاضت دموعها أنهارًا و هي تردد باختناق :
- حرام عليك .. حرام عليك ليه بتعمل كده ، متقولش كده .. خالد .. يا خالد رد عليا !
أزاحت الهاتف عن أذنها لتتفاجأ بانهائه المكالمة ، فـ القته على الفراش و دفنت وجهها بين كفيها و هي تردد باختناق :
- ليـه بيحصل كده معايا ، ليــه كل ده بيحصل لي ، أنا تعبت من كل حاجة ، تعبـت
آلمه فؤاده من حالتها فـ ربت على كتفها متمتًا بنبرة قلقة:
- اهدي بس و فهميني في ايه ؟
فـ هزت رأسها استنكارًا متابعة بانهيار :
- كلهم هيموتوا ، بابا عمل حادثة و ماما روحها في بابا ، لو حصل له حاجة هــ..
استصعبت حتى أن تستكمل تلك الكلمة المُهلكة التي كانت گشظايا تنهش من روحها المعذبة أكثر فـ أكثر ، اختنق صوتها و هي تبكي بحرقةٍ و قد تعالى صوت شهقاتها متمتمة بـ قهرٍ :
- كل حاجة بتضيع مني ، كل حاجـة !
نظر لها بإشفاق و ربت ثانية على كتفها مرددًا بنبرة جادة :
- طب حصل ده ازاي ؟
فـ تحجرت الدموع في مقلتيها فجأة ، و أزاحت كفيها عن وجهها و هي تحملق به لثوانٍ فـ تغضن جبينه مرددًا :
- في ايه ؟
فـ رددت بنبرة تائهة :
- هو .. هو اللي عمل كده ، أكيد هو !
لم يكن يحتاج شرحًا ليتفهم ما تتفوه به ، عبست ملامحه على الفور مرددًا بـ استنكار :
- قصدك يامن ؟
فـ هبت واقفة و هي تردد باهتياج :
- أيوة هو ، أنا متأكدة ، مفيش غيره يقدر يعمل كده
ثم مضت نحو باب الغرفة فـهب واقفًا و سد الطريق أمامها بجسده و هو يردد مستنكرًا :
- استني بس رايحة فين
فـ التمعت عيناها بوميض الاصرار و هي تردد بتصميم :
- هروحلهم ، هشوف أهلي ، مستحيل أفضل هنا ثانية واحدة و أهلي في المستشفى
ثم تنحت للجانب لتمر من جواره ، فـ قبض برفقٍ على عضديها مرددًا بنبرة جادة :
- استني بس و الله ما هتعرفي تخرجي ، انتي مش عارفة مثلًا ؟
فـ هزت رأسها نفيًا هاتفة باصرار :
- لا لا ، مش هسيبهم ، هروحلهم
فـ هز جسدها مرددًا بصوتٍ قوي :
- يارا اسمعيني ، مستحيل تعرفي توصليلهم ، مستحيل تخرجي من هنا
فـ نظرت له مُطولًا بأعين دامعة جعلت فؤاده يتألم لحالها ، التقطت " يارا" كفه و قبضت عليه بأصابعها و هي تردد بتوسل :
- انت الوحيد اللي طيب هنا ، انت الوحيد اللي بحسك مش شبههم ، أرجوك تساعدني .. أرجوك
و گأنها تعتصر فؤاده بنظراتها و نبرتها و هي تستغيثه گأنه قشة بالنسبة للغريق ، و مع ذلك لم يكن لينسى أخيه و كيف ستكون ردة فعله ، حتمًا سـ تقوم القيامة ، هز رأسه نفيًا و هو يسحب كفه و أجفل جفونه مرددًا باستياء :
- أنا آسف ، صدقيني مش هقدر
فـ رددت بقنوطٍ :
- انت .. انت أكتر واحد ساعدتني هنا ، أكتر واحد اتكلمت معاه من غير خوف ، أرجوك تكمل اللي عملته و تساعدني ، اعتبرني أختك !
فـ رفع نظراته اليها ليشعر بنظراتها تدهس فؤاده ،  فـ رددت بتوسل :
- انت .. انت بجد شخص طيب .. انت غيرهم كلهم ، الله يخليك ساعدني أخرج من هنا ، بص.. أنا .. أنا هشوفهم و أرجع ، هحاول متأخرش ، أرجوك بس تساعدني ، لو .. لو كان عندك أخت كنت .. كنت هتساعدها صح ؟ اعتبرني أختك
طرد زفيرًا حارًا من صدره و هو يمرر نظراته على وجهها ، ثم أطبق جفنيه متمتمًا :
- تمام
فـ تهللت أساريرها ونزحت دموعها مرددة بلهفة :
- هتستاعدني صح ؟
فـ هز رأسه بإيماءة و :
- أيوة
فـ تنفست الصداء و هي تردد بابتسامة باهتة :
- كنت متأكدة انك هتوافق ، مش عارفة أقولك ايه ، انت طيب أوي
فـ ارتفع جانب ثغره بابتسامة ساخرة و هو يهمس لنفسه بتهكم :
- هي طيبتي دي اللي هتوديني في داهية
مضت نحو باب الغرفة و كادت تُدير المقبض فـ استوقفها بنبرة جادة :
- حيلك حيلك ، انتي رايحة فين ؟
فـ نظرت له بشدوه متمتمة :
- انت مش قولت هتساعدني ؟
فـ ردد بنبرة جادة :
- و أنا عند كلمتي ، بس مش من هنا أكيد ، فارس قاعد تحت ، و استحالة نعرف نخرج بالشكل ده
فـ ازدردت ريقها متمتمة بـ قنوطٍ و قد تهدل كتفيها :
- طب .. و بعدين ، هنعمل ايه ؟
فـ نظر لها مُطولًا و هو يحك ذقنه الغير نابتة باصبعي السبابة و الابهام ، مرّت دقائق من الصمت قطعها بقولهِ بشكلٍ مُفاجئ أفزعها :
- لاقيتها
فـ رددت بلهفة :
- ايه ؟
فـ أشار لحقيبة ظهرهُ الرياضية و هو يردد :
- بصي ، أنا كان عندي تدريب دلوقتي ، انتي هتنطي من البلكونة .. متخافيش المسافة مش كبير..
فـ قاطعته :
- عادي .. دي مش المشكلة ، الحديقة كلها مليانة حراس
فـ تنغض جبينه و هو يردد مهتمًا :
- متأكدة هتعرفي تنزلى ؟
فـ رددت مؤكدة :
- أيوة دي أسهل خطوة ، متشغلش بالك
فـ ردد بنبرة جادة :
- تمام ، تعالي ورايا
قالها و هو يمضي نحو الشرفة ، فتح بابها و دلف للداخل بحذرٍ ، مشط المكان بعينيه لـ يُعين أعداد الحراس و حركتهم في ذلك الجزء من الحديقة الداخلية ، ارتكزت أبصاره على تحركاتهم كاملة و سيرهم الثابت و أخذ يُحدد المناطق الصغيرة التي تخلو منهم ، ثم التفت اليها ليجدها تنظر حيث هم .. فـ أشار لـ منطقة بعينها مرددًا :
- بصي هناك كده ، شايفة الجزء ده
فـ نظرت حيث يشير ، و ضيقت عينيها :
- أيوة
فـ ردد بهدوءٍ حذر :
- انتي هتنزلي و تستخبي ورا الشجرة دي ، متخافيش أنا لاحظت ان مفيش حد قريب منها ، هتستنيني هناك و أنا هنزل بحجة التدريب آخدك
فـ ازدردت ريقها و هي تمشط الحديقة بعينيها و تعدد الحراس :
- أنا خايفة
فـ نظر لها باشفاق مرددًا بنبرة واثقة :
- متخافيش ، ان شاء الله مش هيحصل حاجة
طردت زفيرًا حارًا من صدرها و أطبقت جفنيها بوهنٍ مرددة بهمسٍ :
- نفسي الكابوس ده ينتهي بقى
فـ تعجلها قائلًا :
- طب بسرعة عشان فارس ، هتعرفي تتصرفي متأكدة
- أيوة
فـ أومأ برأسه مرددًا بنبرة جادة :
- تمام ، خدي بالك من نفسك
- حاضر
مضى نحو باب الشرفة ثم التقط حقيبته الرياضية و علقها على كتفه ، و سار نحو الباب و هو يسحب شهيقًا عميقًا زفره على مهلٍ مرددًا بنبرة شبه مرتبكة :
- ربنا يستر
دنا من الدرجات و شرع يلتهمهن للأسفل ليجد " فارس" جالسًا فوق أحد الأرائك و أصابعه تتحرك بشكلٍ سريع و كأنه يحدث أحدهم كتابيًا ، تنحنح ليلفت انتباهه فرفع " فارس" نظراته اليه مرددًا بنبرة هادئة :
- رايح التدريب ؟
فحك عنقه مرددًا :
- أيوة ، السواق مستنيني
فـ التوى ثغره بابتسامة هادئة و هو يردد :
- تمام ، خلي بالك من نفسك
فـ تنفس الصعداء و هو يمر من أمامه مرددًا :
- تمام تمام ، أنا ماشي عشان اتأخرت
فـ استوقفه بنبرة جادة و كأنه لاحظ شيئًا ما :
- عمر !
...................................................................................
ازدردت ريقها و هي تُلقي بطرف الملاءة من الشرفة ، عاد المشهد يتجسد أمامها و هي تتشبث بها لتستخدمها للهبوط للأسفل حتى وصلت الى طرفها فتركتها مُجبرةً لتهوي على ركبتيها ، صدرت منها أنة خافتة كتمتمها بكفها ، تراجعت للخلف لتختبئ خلف احدى الشجيرات و هي تتمتم مُتذكرة ذلك اليوم :
- مستحيل أكون حلمت ، أنا متأكدة ان ده كان حقيقة
لم تقف عند تلك النقطة كثيرًا ، شرعت تمشط المكان بعينيها الشاخصتين محاولة اغتنام أقرب فرصة تسنح لها بالخروج من مخبأها المؤقت الذي لا يُخفي جسدها كثيرًا ، ارتفعت نسبة التوتر لديها و هي تنتصب ببطءٍ في وقفتها ، تسمرت في مكانها لتنظر الى ذلك الحارس الذي كان يمشط المكان بأعين حادة كالصقر بأعين مذعورة مترقبة أن يُدير ظهره فتتمكن من السير من خلفه ، حتى حدث و أخيرًا و استدار بجسده ليولي ظهره لها ، فـ تنفست بارتياح بسيط و هي تسير بخطوات حذرة و قد انغمست قدميها بين الحشائش الخضراء ، ظلّت نظراتها مُعلقة به و قلبها يكاد يهوي في قدميها من احتمالية التفاته ، و أخيرًا ابتعدت عن محيطهِ و أوشكت على الوصول الى ذلك الجزء بعينه من الحديقة ، تنفست الصعداء و هي تستند بظهرها لسور القصر الضخم و أطبقت جفنيها بارتياح ، و لكن شعرت بالدماء تفرّ من عروقها حين استمعت الى صوت أقدام تنغمس بالحشائش فسرت رجفة قوية بجسدها ، انكمشت على نفسها حين وجدت حارسًا آخر يدنوَ منها حتى توقف على بُعد خطوات موليًا ظهره لها عاقدًا ساعديه أمام صدره ، كتمت شهقة كادت أن تصدر من بين شفتيها بصعوبة بكفيها و حبست أنفاسها المتوترة في صدرها ، شعرت بالثواني تمر كالساعات عليها و هي متسمرة بمحلها تكاد تفقد وعيها من فرط الذعر الذي شعرت به ، اعتقدت أنه سيتقدم للأمام و لن يلتفت و لكن خاب ظنها حين التفت برأسه للجانب فصارت احتمالية لمحه لها بطرف عينه كبيرة ، تنحت للجانب قليلًا و هي تُحاول الحفاظ على سكونها و لكن هيهات ، شعرت بالذعر يتدفق في أوردتها ، أحنت بصرها لتلمح ذلك الحجر الكبير نسبيًا مُلقى على الأرضية فـ انحنت بـ حذرٍ تلتقطه ، ثم انتصبت في وقفتها و هي تنظر له بأعين شاخصة مترقبة ، حتى استدار على حين غرة بجسده بالكامل فـ صدرت منها شهقة مذعورة و هي ترفع ذراعها لتهوي بالحجر الصلب على رأسهِ فـ ندت منه صرخة متألمة و هو يتراجع للخلف واضعًا كفه عند موضع ضربتها فـ ما كان منها الا أن تعيد الكرة بشكل أقسى من السابق قبل أن يستدعي باقي الحراس ، حتى شعر بالدنيا تهتز أمام عينيه و أظلمت تمامًا و تلاشى كل شئ ليسقط على الأرضية فاقدًا لوعيه ، حملقت به غير مُصدقة ما حدث للتو و تراخى كفها ليسقط الحجر على الأرضية ، سرت قشعريرة بجسدها و هي تتمتم هامسة بعدم استيعاب :
- أنا .. أنا قتلته !
.................................................................
.................................
...............................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن