ان وَضعت نَصب عينيكَ ما ينتمِي إليّ فـ احـذر !.. فـقد فتحت على نفسك بابًا من الجحيم
________________________________________
سبعة عشر دقيقة منذ أن استفاقت و لم تتفوه ببنت شفة ، فقط مُحدقة أمامها بنظرات خاوية من الحياة و گأن تأثير الصدمة لم يذهب عنها بعد ، فقد أتاها الأذى من أقرب الأقربون اليها ، بينما التزم الصمت تلك المدة و هو يتأمل ملامحها ، يبدو أنها لم تنتبه حتى الى تواجده بجوارها .. جالسًا أمامها على طرف الفراش تحديدًا ، طرد زفيرًا حارًا من صدره و هو يستشعر عجزهُ عن تحريرها من حالتها التى ستظل أسيرةً لها ، عُفويًا امتد كفه ليلتقط كفها ، و گأن صاعقةً مستها .. دفعت كفه بعيدًا و جحظت عيناها برعبٍ و هي تهمس بهلعٍ :
- متلمسنيش !
انكمشت على نفسها تضم ركبتيها الى صدرها ، بينما سحب كفه و هو يتنهد بضيق ، بسط كفيه أمام وجهها و هو يبادر بنبرة جادة :
- تمام ، اتمام ، اهدى
تلاحقت أنفاسها المتوترة و نظرت له من طرف عين تزدرد ريقها ثم تمتمت و هي تُطبق جفنيها :
- عايز ايه تاني مني ؟
استند بمرفقيه الى ركبتيه و نظراته مسلطة على وجهها ، ثم ردد بنبرة جامدة :
- انتي مصدقة اني ممكن أعمل كده ؟
ابتسمت من زاوية ثغرها و هي تتمتم متهكمة :
- أنا متأكدة ان محدش يعملها غيرك !
ارتسمت ابتسامة متهكمة على ثغره و هو يردد بسخرية بيّنة :
- للدرجة دي أنا و×× في نظرك ؟
ظلت محملقة به لبرهة فلم تجد غير ذكريات سيئة تُعاد نصب عينيها ، ثم حادت ببصرها عنه و قد تبدلت نظراتها و ملامحها للجفاء ، ثم تمتمت بنبرة جافة :
- مش عارفة أنا عملت ايه في حياتي عشان ربنا يعاقبني بوجودك فيها !
گأنها دعست فؤاده ، استشعر ذلك الألم النابع من صميمه ، طرد زفيرًا حارًا من صدره و انتصب في وقفته معقبًا بنبرة صلبة :
- عارف انك مش مصدقاني .. لكن خديها مني كلمة
نظرت له من زاوية عين فتابع بنبرة شرسة :
- حقك هيرجع .. هيدفع تمن اللي عمله غالي أوي !
رفعت نظراتها اليه لتصطدم مع نظراته ، فـ أردف بنبرة جافة :
- و أنا مبكسرش كلمتي
حادت ببصرها عنه لتحدق بنقطة في الفراغ ، ثم أطبقت جفنيها متمتمة ببغض :
- مش عايزة أشوفك ، مجرد ما أسمع صوتك بتخنق .. بكرهك لدرجة مش عايزة أتنفس نفس الهوا اللي بتتنفسه !
بالرغم من الألم الذي سحق روحهُ بلا رحمة إلا أنه دس كفيه بجيبيه متمتمًا بتهكمٍ حمل المرارة في طياتهِ :
- للدرجة دي ؟
فنظرت له نظرةً عكست ما بداخلها ناحيته و هي تتمتم بضغينة :
- و أكتر !
- تمام
سحب هاتفه و دسه في جيبه ، ألقى عليها نظرةً أخيرة ثم استدار ليمضي نحو باب الغرفة ، دلف للخارج صافقًا الباب خلفه ، كور قبضتيهِ حتى برزت عروق ظهرهما ، استشعر شيئًا يُطبق على صدره فيسلبه حق التنفس ، استند بظهرهِ إلى الباب و عاد برأسهِ للخلف مُطبقًا جفنيهِ ، ذلك اللهيب الذي يتقد بفؤاده لا يعلم ما مصدره ، فتح عينيه فإذ بهما و گأنهما تُطلقان شررًا ، طرد زفيرًا حارًا ألهب صدره ، ثم نظر للفراغ أمامهُ بنظراتٍ تحمل الكثير في طياتها ، نظراتٍ لا تُبشر بالخير .. مُطلقًا .
...............................................................................
اكفهرت ملاكمحها و هي تكرر :
- فارس !
أومأت برأسها مؤكدة :
- أيوة
تغضن جبينها بضيق و هي تعقد ساعديها أمام صدرها :
- ليه ؟ عايزة ايه منه ؟
تنهدت " حبيبة" و هي تمضي نحوها ليتهالك جسدها على الفراش بجوارها متمتمة بوهنٍ :
- عايزة أطمن على يارا ، مفيش غيره يقدر يطمنى
زمّت " ولاء" شفتيها بضيقٍ ، ثم استدارت لتسحب هاتفها و نقرت على شاشته عدة مرات ثم ناولته لـ " حبيبة" قائلة على مضض :
- اتفضلي
سحبت شهيقًا عميقًا وزفرتهُ دفعةً واحدة و هي تلتقطه ، ثم نقرت زر الإتصال و رفعت الهاتف الى أذنها منتظرة أن يأتيها ردّه
على الجانب الآخر .. أوصد الباب خلفه و تحرك ليمضي نحو غرفته ، اهتزّ الهاتف في جيبه فأخرجه ليتنغض جبينه ، زفر بضيق و هو يردد حانقًا :
- و بعدين بقى ؟ عايزة ايه دي ؟
قرر أن يتجاهل الرد عليها .. فتح باب غرفته و دلف للداخل و لكن استمر الاهتزاز فقتله فضولهُ لمعرفة مرادها منه و سبب اتصالها مجددًا .. فـأوصد الباب و نقر زر الإجابة متمتمًا باقتضاب :
- ألو
- فارس ؟
عقد حاجبيه حين استمع الى صوتٍ غير صوتها ، سريعًا ما تذكر ذلك الصوت المألوف فتمتم متسائلًا :
- مدام حبيبة ؟ صح ؟
- أيوة يا ابني
دس كفه بجيبيه و هو يردف :
- أخبارك ايه يا مدام حبيبة ؟
هزت رأسها نفيًا متمتمة بمرارة :
- مش مهم أنا ، المهم بنتي .. بنتي حصل لها حاجة ، أنا حاسة بيها !
خلل أصابعه بين خصلاتهِ و قبض على شفتيه بقوةٍ و :
- مدام حبيبة آآ..
فقاطعته و قد تجمعت الدموع في مقلتيها لتنهمر على وجنتيها :
- قولي يا ابني .. متخبيش عليا
طرد زفيرًا حارًا من صدره مرددًا بنبرة جادة :
- هي دلوقتي كويسة يا مدام حبيبة
ضيقت عينيها مرددة بتشككٍ :
- دلوقتي ؟
فـ حمحم قائلًا بارتباك طفيف :
- قصدي انها كويسة
لم تقتنع بما يقول ، امتزج نشيجها مع نبرتها و هي تقول :
- بنتي جرالها حاجة ، صح ؟ هي فين ؟
فردد بتنهيدة مُطولة :
- صدقيني يا مدام حبيبة هي في القصر و كويسة
شحذتهُ قائلةً بتوسل :
- قولي الحقيقة يا ابني
أجفل جفونه و هو يردد بنبرة جامدة :
- دي الحقيقة
و بالرغم من عدم اقتناعها الى أنها يأست .. تهدل كتفيها بقنوطٍ و هي تتمتم بمرارة :
- طب .. طب عايزة أكلمها ، هسمع صوتها بس !
أطبق جفنيه و هو يردد بضيق :
- للأسف حاليًا مقدرش
فتشبثت بذلك الأمل الضئيل أثناء قولها بتلهف :
- يـ.. يعني ، يعني أقدر أكلمها قريب ؟
أومأ برأسهِ و هو يردد بنبرة جادة :
- هحاول أوصلك ليها عن قريب يا مدام حبيبة
تنفست الصعداء و هي تتمتم بامتنان :
- شكرًا يا ابني
- أنا معملتش حاجة ، سلام
- مع السلامة يا ابني
أغلقت المكالمة و هي تنزح دموعها ، ثم ناولت الهاتف لابنتها التي تمتمت بفضولٍ و هي تتمعن النظر اليها :
- ها يا ماما ، قالك ايه ؟
تهدل كتفيها و هي تردد بسئم :
- و لا حاجة ، قالي انها كويسة
قبضت على شفتيها متمتمة بغيظ :
- أومال بتشكريه على ايه ؟
تمتمت بنبرة طغى الشوق عليها :
- قالي هيحاول يوصلني ليها أكلمها
عقدت " ولاء" ساعديها أمام صدرها و قوست شفتيها قائلة بتبرم :
- جاي على نفسهُ !
قطبت " حبيبة" حاجبيها و هي تردد معاتبة :
- مالك يا بنتي بتقولي كده ليه ؟ انتي ناسية ان هو اللي خلاني أشوفها ؟
نظرت لها "ولاء" مرددة بحنقٍ :
- و انتي ناسية يا ماما انه ابن عمه !
فكان ردها مسالمًا أكثر مما توقعت :
- محدش بيقدر يختار العيلة اللي اتولد فيها !
حلت ساعديها لتردد بذهولٍ :
- حضرتك اللي بتقولي كده يا ماما ؟ ده انتي المفـ..
ربتت " حبيبة" على كفها و هي تقول بنبرة هادئة :
- يا ولاء الراجل معملش حاجة وحشة فينا ، أنا مش عارفة انتي نقرك من نقره ليه !
عقدت حاجبيها و هي تردد بنبرة ضائقة :
- يا ماما لا نقري من نقره و لا حاجة بس...
لم تجد من الكلمات ما تبرر بها موقفها المعادي نحوه غير كونهُ ابن عم زوج أختها الذي سعى لتدمير عائلتها بشتى الطرق حتى نجح و فكك أفرادها ، فتوقفت الكلمات على أطراف لسانها ، فرددت " حبيبة" :
- يمكن عشان هو اللي داسك ؟
رفعت كتفيها قائلة بضيق :
- لا عادي يعني ، كفاية كلام عليه بقى ، سيرته بتعصبني
ضيقت " حبيبة" عينيها و هي تتمعن النظر اليها ، فتنغض جبين "ولاء" و هي تردد :
- ايه يا ماما ، بتبصيلي كده ليه ؟
طردت زفيرًا حارًا من صدرها أعقبته بـ :
- مفيش يا ولاء ، مفيش
..................................................................................
گمن يغلي على موقد .. ذرعت الغرفة ذهابًا و إيابًا و هي تضرب قبضتها براحة كفها الآخر متمتمة بنبرة ناقمة :
- آه لو أعرف و أفهم ايه اللي حصل !
كورت قبضتها و توقفت أمام منضدة الزينة ، ضيقت عينيها و هي تنظر لانعكاس صورتها متمتمة بفضول :
- نفسي أعرف البت دي كانت فين ، و يامن جابها ازاي
ضربت بقبضتها المتكورة على سطح منضدة الزينة و هي تتمتم بنبرة حاقدة :
- أوف ، و بردو رجعت..بس مش هسيبها ، كفاية انه صدقها هي و كذبني أنا !
رفعت ذقنها للأعلى بغرورٍ و هي مرتكزة ببصرها على المرآة :
- أنا أمه ! أنا أم الباشا يامن الصياد اللي الكل بيترعب منه ، أنا اللي عملته كده ، مش بعد كل ده تيجي بنت حبيبة تاخده مني !
كزّت بعنفٍ على أسنانها و هي تردد بنبرة مغلولة :
- ان ما وريتك يا بنت حبيبية مبقاش أنا هدى الريحاني !
................................................................................
تعالى صوت شهقاتها فدفنت رأسها في الوسادة و قد امتزجت مع صوت أناتها النابعة من تلك الندوب العالقة بروحها ، لحظاتٍ عصيبة عايشتها لن تنساها ما حييت ، ستظل عالقة بذاكرتها فتُدمي فؤادها أكثر ، انهمرت الدموع من عينيها گشلالات منهمرة ، التقطت أنفاسها بصعوبة لتردد بنبرة مختنقة امتزجت مع شهقاتها :
- ليه كل ده بيحصل لي ؟ ليـه ، عملت ايه فيكم عشان تعملوا كده فيا ؟
دفنت رأسها أكثر بوسادتها محاولة محي تلك الذكريات عن ذهنها و هي تتمتم بمرارة :
- أنا معملتش حاجة .. مليش ذنب في حاجة ، ليه تعملوا كده فيا ؟ ليـــه ؟
..........................................................................................
كسى الهدوء القصر بدهاليزه .. لا يعلم كم مرّ من الوقت عليه و هو متخشبًا أمام باب غرفتها .. يأبى الرحيل و تركها ، و يأبى الدخول اليها ، تأبى روحه أن تعرف للراحة معنى عقب تلك اللحظات التي عايشها ، ماذا ان تأخر عليها لدقائق .. مجرد التفكير بذلك يجعل الدماء تغلي في عروقه ، و تستعر النيران القابعة بصدرهِ أكثر ، حسم أمره أخيرًا بالدخول فـ أدار المقبض و مضى للداخل ، دنا من الفراش ليجدها متكورة على نفسها ، انحنى عليها ليتمعن النظر اليها عن كثب ليجد آثار الدموع عالقة بأهدابها ، جفنيها منتفخان ، و أنفها أحمر اللون ، امتدت أنامله لينزح دموعها و هو يكز بعنفٍ على أسنانه ، ثم تمتم بنبرةٍ متوعدة من بين أسنانه المُطبقة :
- هيندم.. هيندم على اللى عمله !
انتصب في وقفته و هو يسحب الغطاء ليدثرها به ، ثم مسح برفقٍ على وجنتها فـ سرت قشعريرة في جسدها استشعرها ، انحنى عليها ليهمس بجوار أذنها بنبرة صادقة :
- متخافيش ، محدش هيقدر يأذيكي طول ما أنا موجود !
تفاجأ بها تتقلب على جانبها لتكون في مواجهته فتمعن النظر بتفاصيل وجهها ليدرسها عن قرب ، شعر بنغزة قزية اقتحمت فؤاده و هو يرى تلك الدمعة التي سالت من بين جفنيها بشكلٍ عمودي فالتقطها بأطراف أنامله ، تضاعفت رغباته الانتقامية بشكلٍ مريب .. و ازداد تلذذه بسفك دمائه ، تحولت عيناه لجذوتين من الجحيم و هو ينتصب في وقفته مغمغمًا بكلماتٍ يتوعدهُ فيها ، ثم استدار ليمضي نحو باب الغرفة و خرج منها و هو ينظر أمامه بنظراتٍ أقل تقدير .. تكاد تقضي على الأخضر و اليابس
.....................................................................................
- احنا اتعاملنا معاهم يا باشا .. كلهم قالوا انهم ميعرفوش شكله أو اسمه أو أي حاجة عنه !
قالها أحد رجاله بنبرة جادة ، فـ ازدادت نظراتهُ قتامة و هو يردد بصوتٍ حالك :
- عظيم أوي .. بس هما غلطوا معايا ، و حسابهم هيكون عسير !
انتصب الأخير في وقفته و هو يردد بإذعان :
- أوامرك يا باشا
خلع عنه سترته و ناوله اياها ثم شمر ساعديه و هو يتقدم بخطواته ليمضى نحو المخزن ، دلف للداخل و مشط المكان بعينيه لتقع نظراته على احدى الغرف الجانبية فـ أشار الأخير مرددًا :
- احنا حطيناه في أوضة لوحده زي ما حضرتك أمرت
فنظر له من زاوية عينه و هو يردد بنبرة صارمة :
- فهمت هتعملوا ايه ؟
أومأ برأسهِ قائلًا بنبرة هادئة :
- أيوة يا باشا
مط عنقه للجانبين ليصدر صوت طرقعات ثم انتصب بكتفيه و التوى ثغره بابتسامة شرسة متمتمًا :
- عظيـم !
مضى نحو تلك الغرفة و دلف للداخل لتقع نظراته عليه ، مسجي على الأرضية مكبلًا بقيودٍ حديدة متصلة بالجدار ، حاول قدر المستطاع التمسك بزمام هدوئه الذي يسبق العاصفة فمضى نحوه بخطواتٍ ثابتة حتى توقف منتصبًا أمامه بشموخٍ مريب ، فتح الأخير جفنيه المنتفخان من آثار الضرب بصعوبة و رمش بهما عدة مرات حتى تتضح الصورة أمامه لتفر الدماء من عروقه حين سقطت أنظاره عليه ، جحظت عيناه بذعرٍ جلّ على ملامحه ، كاد أن يصرخ و لكن أُسر صوته في جوفه فقد اُلصق فمه بلاصقة تمنع خروج صوتهِ ، انحنى ليكون بوضع القرفصاء أمامه فيدنو منه أكثر ، ثم تمتم بصوتٍ جاف :
- ايه ؟ شوفت عفريت ؟
ازدرد ريقه بتوجس و سرت رجفة قوية في جسده ، بينما التوى ثغر " يامن" بابتسامة شرسة و هو يردد بصوتٍ قاتم :
- أحسن لك تخاف ! أصلك وقعت معايا !
سلط عيناه على الدماء المخضب بها وجهه ، فامتدت أنامله ليلتقط قطرة منها و هو يردد بشراسة :
- و أنا مبرحمش !
زاغت نظراته و شعر بقلبه يهوى في قدميه فقط من نظراته المسلطة عليه ، گقط شرس التمعت عيونه الخضراء في الظلام ، نظراته و كلماته أشعرته أنها النهاية ، نزع " يامن" اللاصقة عن فمهِ بقسوةٍ قاصدًا إيلامه فصدرت منه تأويهة متألمة ، جحظت عيناه أكثر برعب حقيقي حين أخرج سلاحه الناري و قد قست تعبيراته لدرجة كبيرة ، ازدادت نبرته شراسة و هو يردد :
- بتشتغل مع مين ياض ؟
ازدرد ريقه و تلعثمت نبرته و هو يردد :
- مـ..مش ..
بدون أن يرف له جفن .. سحب صمام الأمان و أطلق رصاصته بحرفية لتخترق ساقه اليُسرى فتعالى صوت صرخاته المتألمة ، تضاعفت شراسته و هو يجذب خصلاته ليلوى عنقه مجبرًا له على النظر اليه ، و غرس نظراته التي أطلقت شررًا بعينينه ليردد بصوتٍ حالك :
- اسمع يالا ، انكار مش هيفيدك ، كده كده مش هتعيش كتير ، أحسنلك تموت من غير وجع بدل ما تتعذب و تتمنى الموت و مش هتطوله
سلط نظراته على موضع الرصاصة ثم دعسها بقدمه لتتعالى صوت صرخات الأخير فهدر به :
- انطـق ، مين اللي زقك عليا ؟
فتمتم من بين صرخاته بنبرة متلعثمة عسى أن يتخلص من عذابه :
- معـ.. معرفش ، وا.. واحد عايـ.. عايز ينتقم من حسـ.. حسين و عايزك تطـ.. تطلق يارا
صدح صوت الطلقة الثانية التي اخترقت ذات الساق ليستكمل صرخاته التي تضاعفت حتى بحّ صوته ، قبض بكفيه على تلابيبه و اجتذبه اليه و هو يزأر :
- اسمها ميتنطقش على لسانك الـ×××× ده يا ×××××
ارتبك الحارس بدرجة كبيرة فـ أقدم نحوه و هو يردد بصوتٍ مرتبك :
- باشا هيمـ..
نظرةً واحدة منه كانت كفيلة بأن يبتلع كلماته و يتراجع للخلف منكسًا رأسه ، عاد يسلط نظراته عليه ثم سلط فوهة السلاح على جبينه و هو يردد بنبرة جافة :
- قسمًا بالله لو ما نطقت لتكون الرصاصة الجاية في دماغك
هز رأسه نفيًا عدة مرات و هو يردد متوسلًا :
- لأ لأ ، أنا هـ.. هتكلم
فهدر بنبرة صارمة :
- اخلص
فتمتم بنبرة مضطربة :
- عمـ..عمك !
اعتقد بسذاجته أنه بذلك سينجو من موتٍ محتوم ، و لم يكن يعلم أنه نزع فتيل القنبلة لتنفجر فيه ، صدح صوت الطلقة التالية التي اخترقت ساقه ، لم يكترث " يامن" بصرخاته و كور قبضته ليلكمه في وجهه عدة مرات و هو يزأر مُطلقًا وابلًا من السباب :
- و هي ذنبها ايه يا ×××× يا ابن الـ××××××
انتصب في وقفته ليدعس قدمه أكثر متعمدًا الضغط على موضع الطلقات الثلاث ، ثم التفت بدون أن يُفلته مشيرًا للحارس الذي تفهم اشارته على الفور و راح يخطو نحو الخارج ليدلف بعدها عدة رجال يحملون عبوات تحوى سائلًا قابلًا للاشتعال ، و شرعوا يسكبونه في المخزن بأكمله ، هوى قلبه في قدميه و صوت صرخاته لا ينقطع ، ازدادت نظراته هلعًا و هو يتمتم بفزعٍ من بين صرخاته :
- انت .. انت هتعمل ايه ؟
لم يُجيب ، فقط أجابت نظراته بدلًا عنه ، انتهى الرجال من سكب العبوات كاملةً فانصرفوا تباعًا عقب اشارته ، انحنى " يامن" ليجتذبه من تلابيبه قاصدًا خنقه و هو يردد متعمدًا غرس نظراته المميتة بعينيه متمتمًا بنبرة جافة :
- أنا اللي بييجي على اللي يخصني بمحيه من على وش الدنيا ، و انت مش بس جيت على اللي يخصني ..
تضاعفت شراسته و هو ينطق بنبرة أشبه للفحيح :
- انت جيت على مراتي ، فتخيل كده أنا ممكن أعمل ايه فيك ؟
التوى ثغره بشراسة و هو يتمتم :
- و تتخيل ليه ؟ ما انت هتشوف بعينيك دلوقتي !
قبض على معصمه المقيد و قام بثنيه بشراسة مستمتعًا بصوت صرخاته حتى استمع الى صوت تهشمه .. تلك اليد التي امتدت لتترك أثرًا في وجهها ..سدد له لكمة طرحته أرضًا و هو يأن من كثرة ما ألم به و لم يقوَ حتى على الحركة ، حاول أن يزحف متراجعًا للخلف و لكنه فشل ، انتصب " يامن" في وقفته و ركله بعنفٍ في جوف معدته فتكور الأخير على نفسه متابعًا حلقة صراخه النابعة من آلامه اللا متناهية بصق فوقه و هو يُطلق سبة نابية من بين شفتيه ، ثم أخرج من جيب بنطاله علبة أعواد ثقاب و فتحها ليخرج عدة أعواد منها ، شخصت أبصار الأخير نحوه و هو يتمتم بفزعٍ من بين صرخاته :
- انت .. انت هتعمل ايه .. هتعمل ايه ؟
أشعل الأعواد جميعًا و قد قست تعبيراته و هو ينظر له بنظراتٍ لا حياة فيها مرددًا بقساوة :
- هوريك جهنم على الأرض تبقى عاملة ازاي !
تواثب قلبه بين أضلعه و هو يرى أصابعه تتحرر عن الأعواد المشتعلة ليسقطن جميعًا على الأرضية ، انكمش على نفسه و هو يصرخ حتى آلمته أحباله الصوتية حين رآى النيران تتولد بشراسة ، بينما دس " يامن" كفيه بجيبيه و هو متسمرًا في مكانه يراقب النيران التي شرعت تبتلع ما حولها بداخلها مرورًا تجاهه ، ثم أردف بنبرة خالية من الحياة :
- أحب أقولك ان الجحيم اللي هتشوفه ميجيش حاجة جمب جهنم اللي فوق
حملق به الأخير و صرخاته لا تنقطع و هو يرجوه بالرحمة ، فقست تعبيراته حتى باتت گالصخر و نظر له بعينين خاليتين من معانى الرحمة .. نظرات لم تنطق يومًا بالحياة ، تضاعف جفاء نبرته و هو يردد :
- متخافش..هنتقابل هناك و نشوفها احنا الاتنين !
لم يرف له جفن و هو يرى النيران تتناول من جسده بشراهة و صرخاته المريبة تتضاعف أكثر فوقعت على أذنيه كأنغام موسيقية ،بسط الأخير ذراعه الذي شرعت النيران تتناوله نحوه و هو يرجوه بالرحمة بصوتٍ مرتعد امتزج مع صرخاته ، و كأنه جماد لا حياة فيه ، ظل متصلبًا في مكانه و قد انعكس تراقص ألسنة النيران في عينيه و هو يتابع ابتلاع النيران له ، يشتم رائحة احتراق جلده .. و كأنه وجد معنى للراحة أمامه مع التهام النيران له خبى ذلك الجحيم المستعر بصدرهِ تدريجيًا ، لم ينتبه حتى الى النيران التي أمسك بقميصه فـ نزحها بكفه غير مباليًا بالحروق التي أصابته ، حانت منه نظرة أخيرة اليه و هو يردد بنبرة لم تنطق بالحياة يومًا :
- نتقابل في جهنم !
استدار بجسده ليمضى بشموخٍ مريب.. خارج المخزن الذي ابتلعته النيران المريبة بداخله غير مكترثًا لارتكابه جريمة قتل توًا لم يرتكبها حتى من أجل والده .. فقد عبث شيطانه برأسه فـاستباح التهام زوجته ، و لم يُدرك أنه قد فتح على نفسه بابًا من الجحيم إلا بعد فوات الأوان .. فقد أُزهقت روحه و قُضي الأمر .
.............................................................................................
أنت تقرأ
في مرفأ عينيكِ الأزرق
Romance" مُقَدِمة" أَقْسَـــمَ أن يُذيقَه من نَفـس الكَـأْس و حينَ حَانَتْ لـَحظة الأخذ بالثـَـأْر ظَهـَرَت هى أَمَـامــه كـمَلاك يَــرده عن خَطِيئة الانْتِقَام لـ ينْتَشلها منه عَنوَة فـ يـَحرِق رُوحُـه رُويدًا رُويدًا و لـكن.. لم يَـضَع المشاعر فى ال...
