"الفصل الثالث و السبعون"
ولج بخطاهُ التي و كأنها تترك أثرًا لهيبيًا على الأرضية المصقولة، شمل الغرفة بنظراته حتى توقفت أنظاره لدى تلك النافذة التي تقع في غرفتها القابعة بالطابق الأرضيّ، أطبق على أسنانهِ و همّ بالرحيل مستوفضًا من الغرفة، و لكنه توقف و قد تغضن جبينهُ.. سار نحو الفراش و انحنى قليلًا ليسحب تلك الورقة عنهُ ليجدها قط خطّت بقلمها:
- "النعناع استناك.. لكن انت سيبتهُ يعاني، و سيبته لوحده وسط الثلج، سيبته يبرد.. لو مكنتش عملتهُ مكنش برد.. و النار اللي انت ولّعتها بنفسك أنا حاولت أطفيها، لكن انت رفضت، مش هتبرد.. لو مهما عملت مش هتبرد"
- " كان ممكن أسامحك على أي حاجة.. إلا إن ابني يضيع بسببك يا صيّاد"
أطبق بأناملهِ على تلك الورقة فجعّدها، ثم ضرب بقبضته المتكورة الكومود و هو يشعر أنهُ على شفى حفرة من الانهيار التام، و لكنه مازال يكابر، و مازال يرفض، خرج من الغرفة و شرع يخطو في الرواق فتبعهُ "فارس" و هو يسألهُ:
- ممكن تكون اتخطفت؟
- تـؤ
تغضن جبين "فارس" و هو يردد متعجبًا:
- واثق كدا ازاي؟
لم يجبهُ.. بل راح يستقلّ المصعد و هو يخفى عينيهِ القاتمتين خلف نظارته الأكثر قتامة، فدلف "فارس" و هو يتأمل وجههُ و تعبيراته التي تخفى الكثير، فـ ردد بصوتٍ امتزج مع شعور الوجل:
- انت.. عملت إيه في سهير؟
غمغم "يامن" باحتداد من بين أسنانه المطبقة دون أن يولّيه نظره:
- مش عايز أسمع اسمها تاني
- اللي بتقوله دا...
فانفعل أكثر و هو يقاطعهُ بتشنج:
- قولت مش عايز أسمع حاجة عن الموضوع دا تاني.. خــلاص؟
تنهد "فارس" بحرارة متفهمًا ما يعانيهِ، ثم أردف و هو يومئ برأسهِ:
- خلاص.. اهدى شوية
و صمت هنيهة.. ثم تابع مستفسرًا:
- تفتكر يارا هتكون فيـن؟
فـ أردف بلهجة مُشتدة متوعد:
- و لو في بطن الحوت هجيبها.. خليها تهرب زي ما هي عايزة
.................................................................
ارتكنت برأسها لوسادة الفراش المهترئ غير مبالية حتى بأكوام التراب التي تعتليه نظرًا لإغلاقهِ منذ أمـد، منزلٌ ضمّ جدها و جدتها، والدا أمّها؛ الذين توفاهم الله، وجدت بهِ دفءً عجيبًا رغم ذلك، و لكنهُ لم يكن كافيًا لإذابة تلك الثلوج المتراكمة عن صفحة قلبها، تلمست ساعتهِ القاتمة بأطراف أناملها، و عينيها المتجمدتين عالقة على عقاربها التي أوقفتها منذ أن تمكنت من مغادرة المشفى بمساعدة إحدى الممرضات التي أعطتها مبلغًا سخيّا مقابل ذلك، وكأن وقتها توقف منذ تلك اللحظة التي أدركت بها خسارتها الفادحة.
معاركًا خاضتها معتقدة أنها ستخرج منها منتصرة، معتقدة أنها ستنجو و تُنجّيه.. و لكنها انسحبت عقب أن فقدت الكثير.. ليس دماءً، فقدت ما هو أغلى و أعزّ عليها من قلبها، و ها هي تُعلن انسحابها منها، كم مضى من وقت و أعينها مسلطة على الوقت العالق، و العقارب المتحجرة، لفظت أنفاسًا ثقيلة على قلبها، ثم نهضت معتدلة في جلستها و هي تحيط بطنها التي خلت من طفلها، و استقامت بصعوبة في وقفتها، تجاهلت آلامها و راحت تخطو ببطء نحو الأدراج، و شرعت تبحثُ فيهم حت وجدت ضالتها، سحبت المقص الصدئ وضعته نصب عينيها، ثم حادت ببصرها لتنظر حيثُ صورتها المنعكسة في المرآة العتيقة التي يغلُب عليها التشوش فتظهر وجهها الذابل بالكاد، سحبت خصلاتها الطويلة و بحركات لا حياة فيها كانت تقصقصهُم خصلة خصلة و هي قابضة جفونها، حتى العبرات ترفُض أن تنسال من عينيها، و كأنها ترفُض أن تنسكب فتحمل معها ذرةً واحدة من آلامها.
البكاء حينما يتفاقم الوضع لا قيمة لهُ.. و كأنه وضعٌ تافه لا يليق بألمها، و الانتحاب وسيلة تفرغ فيها ما يعتمل في صدرك فتشعر ببوادر الراحة و إن كانت راحة وهمية، و إن كان فعليّا لا يُزيل مثقال حبةٍ من خردل، و لكنها رفضت حتى أن تنعم بانفجار تطيح حُممهِ ما حولها.
تقف.. و خصلاتها السوداء الحريريّة التي تقتصّهم تنسدل جوارها بطولها.. خصلةً خصلةً.. حتى ترتمي جوار قدميها في قنوط لما حلّ بهم، حتى انتهت، تركت المقص أرضًا و قد ارتخى كفها عنهُ حالما شعرت أنها أنهت عقابًا أصدرتهُ بنفسها، و لم تكترث حتى لرؤية صورتها، أو خصلاتها التي صارت تصل بالكاد لكتفيها أو أقصر.. و خطت بالاتجاه العكسي مجددًا لترتمي في أحضان الفراش متهالكة، و كأنها أشـلاء لاقيمة لها.
.............................................................
أطبق بأناملهِ على عنقها و هو يدفع جسدها بعنفٍ حتى حصرها في الزاوية، رمقها بنظرة ناريّة و هو يردد من بين أسنانه المطبقة:
- انطقي.. اللي في بطنك دا ابن ميـن؟
ازدردت بصعوبة ريقها مستشعرة عنفهِ المقيت نحوها، حاولت الحديث فخرج صوتها متلعثمًا:
- ابـ..ابنك يا.. يا يوسف
كشّر عن أنيابه و هو يقبض أكثر على عنقها مقلصًا المسافة بينهما و هو يغمغم هازئًا:
- ليه يا هانم؟ فكراني مُغفل؟
حاولت أن تبرر لهُ كذبًا لتنجو من موت محتم على يديهِ، فرددت بارتياع و هي تطبق جفونها:
- انت.. مش فاكر و لا إيه يا يوسف؟ انت كنت شارب يومها و ...
فجأر بصوتهِ و قد بزغت عروق جانبي رأسهِ:
- هُـــدى.. اللي متعرفيهوش إني مقربتش للخمرة غير مرة واحدة في حياتي، بلاش لف و دوران أحسنلك.. لأن و رحمة أبويا لاكون موريكي شغلك على أصولهُ
طافت أنفاسه المهتاجة حول بشرتها و قد انخفض صوتهُ ليكون وقعهُ أشد وطأة عليها:
- و أظن انتي عارفة بردو ان أنا و انتي محصلش بيننا أي حاجة!
شعرت بعنقها يكاد يُحطم في قبضته، فازدردت ريقها و هي تتوسله محاولة أن تنزح كفيه عنها:
- ار..ارحمني يا يوسف.. الله يخليك، ارحمني
و صمتت هنيهة لتحاول التقاط أنفاسها و لكنها فشلت.. اصطبغ وجهها بالزرقة التي طالت شِفاها، فخرج صوتها مكتومًا و هي تتمتم:
- انت.. لو قتلتني هتقتل ابني معايا، ده.. ده دين في رقبتك يا يوسف، يامن ربنا كتبله يشوف النور، هـ..هتكتب انت على ابني إنه يموت معايا؟
و كأنها لمست وترًا حساسًا لديه، اهتزت عضلة واحدة من جانب صدغه إثر إطباقه المُشدد لأسنانه، ثم أرخى قبضته عن عنقها فسعلت عدة مرات أثناء محاولاتها لسحب أنفاسها، انتفض جسدها حين لكم الجدار بقبضتهِ بجوار رأسها، ثم قلّص المسافة مجددًا و هو يهمس بشراسة متفاقمة:
- تفتكري المفروض أعمل إيه في واحدة خاينة زيك
لهثت و تهدج صوتها و هي تهز رأسها بالسلب.. ثم تمتمت:
- مخونتكش يا يوسف.. انت عمرك ما كنت ليا عشان أخونك، كنت عايز إيه؟ أعيش حياتي كلها مراتك قدام الناس.. و محدش عارف إنك ملمستنيش طول السنين دي، كنت عايزني مضعفش؟
فردد مشددًا على كلمته و قاصدًا نفس المعنى:
- خاينة.. خاينة و ***** كمان لما تعملي دا و انتي على ذمتي
هزت رأسها نفيًا و هي تردد محاولة استغلال نقطة ضعفهِ:
- مفيش انسان مبيضعفش.. مفيش انسان مبيغلطش، حتى انت غلطت يا يوسف، و ابنك كان نتيجة غلطك و...آآه
انفلتت منها صرخة شبه مكتومة حين دفن أناملهُ في خصلاتها ليجتذبها بعنف و قد قدحت عيناهُ بالشرر:
- كلمة زيادة و هتكوني انتي أول مين أوسخ إيدي بدمه و انتي و ابنك
أومأت عدة مرات و هي تحاول تخليص خصلاتها من قبضته متمتمة بوجل:
- حـ..حاضر، هسكت.. لكن ابعد عن ابني
حدجها بنظرة حامية، ثم ترك خصلاتها دافعًا جسدها بعنف فارتد مصطدمًا بالجدار من خلفها، نهج صدرها علوًا و هبوطًا حينما كان هو يستدير ليركل مقعدًا أمامه و هو يزمجر غضبًا، فعادت "هدى" تردد بنبرة ذات مغزى:
- دا.. دا دين في رقبتك يا يوسف، هتكتب ابني باسمك، زي ما ابنك اتكتب باسمي، دا دين في رقبتك
غمغم "يوسف" من بين أسنانهِ المطبقة و هو يلتفت نصف التفاتة نحوها:
- أبوه الـ***** فين؟
زمت شفتيها ثم رددت و قد شعرت بارتجاف جسدها:
- هـ..هرب، سابني و هرب لما عرف إني حامل
أطلق سبة بذيئة من بين أسنانه و هو يحك عنقه بانفعال، نظرت هدى" نحوهُ بارتياع مترقّب، حتى ردد أخيرًا و هو يلتفت نصف التفاتة نحوها:
- ماشي.. ماشي يا هدى، ابنك هيتكتب باسمي
ثم التفت برأسه بالكامل ليرمقها بنظرة مظلمة و هو يردد بلهجة قاطعة:
- و بعد ما تولديه هطلقك.. اللي جمع بيننا خلاص بقى تحت التراب، و مش شايف أي سبب يخليكي في حياتي بعد كدا!
................................................................
كانت تقوم بطيّ ثيابهِ بنفسها و وجهها قد اعتلاهُ الفتور، نظرت نحوه من طرفها، ثم طفقت تتحدث مبادرة:
- مبروك.. سمعت إن هدى حامل
زمّ "يوسف" شفتيه بحنق و قد احتقنت الدماء في وجههِ، مضى نحوها حينما كانت تستدير لتضع ثيابهُ في ضلفتهِ، و تلمس برفقٍ وجنتها و هو يردد بعذوبة:
- بتعملي دا بنفسك ليه؟ سـ.
قاطعتهُ بجفاء حمل في طياته سخرية مريرة:
- مش أنا الخدامة هنا.. لازم أعمل كل حاجة بنفسي طبعًا
أشاح بوجهه عنها ليحرر زفيرًا حارًا من صدرهِ، و برفقٍ أدارها إليه فنكست رأسها بضيق متحاشية النظر إليه، تلمس "يوسف" وجنتها و هو يردد:
- سهير.. أرجوكي بلاش الكلام دا
فنظرت لعينيه مباشرة و هي تردد باقتضاب:
- ليه؟ مش دي الحقيقة؟
ضمّ "يوسف" وجنتيها و هو يردد مشددًا على كلامتهِ:
- الحقيقة إن انتي الكل في الكل هنا.. الحقيقة ان انتي أم ابني.. أم الوريث الشرعي لعيلة لصياد يا سهير
و أحنى رأسه على جبينها.. قبلة طالت متعمدًا بثّ أشواقهِ فيها ألهبت مشاعرها الثائرة، ابتعد قليلًا و هو يمرر نظراته على وجهها، ثم ألصق جبينه بجبينها و هو يردد باختناق:
- عشر سنين عدوا و انتي معايا يا سهير.. عشر سنين لسه مقولتيهاش بلسانك، مقولتيش إنك مسامحاني
أطبقت جفونها بارتخاء ثم قالت متنهدة بحرارة:
- العشر سنين دول مروا و ابني بيكبر قدام عيني.. مروا و ابني بيقول ماما لواحدة تانية، مروا و أنا كاتمة في قلبي و ساكتة يا يوسف
فـ ابتعد قليلًا ليمرر إبهامهِ على وجنتيها، ثم أمرها بخفوت:
- بصيلي يا سهير
فرقت جفنيها لتنظر نحوهُ نظرة قانطة، فردد "يوسف" و هو يتعهد لها بـ:
- إنتي عارفة كويس إن اللي ربطني بهدى كان أبويا، و النهاردة خلاص.. مش موجود بيننا، و مفيش أي لازمة إنها تفضل على ذمتي
و صمت هنيهة و هي يحني بصرهُ عن نظراتها المستنكرة ثم ردد:
- التمثيلية دي سخّفت أوي.. بمجرد ما هدى تولد هطلقها، يامن هيعرف إنك أمه، يامن صغير دلوقتي، و الأحسن إننا نعرفه عشان ميكملش عمره في الأوهام
و أخفض إحدى كفيه ليحتوى كفها بضغطة خفيفة متابعًا:
- كل حاجة هترجع لأصلها يا سهير.. كل حاجة لازم ترجع لأصلها!
.................................................................
ترك والدهُ رغمًا غارقًا وسط بركة دمائهِ و راح يستغيث بوالدته و كأنها هي من ستعيد إليهِ الحياة.. حينها وجدتها فرصة سانحة، أوفضت نحوه من فورها، جثت أمامهُ على ركبتيها و هي تمرر نظراتها على جرحهِ، انسكبت الدموع من عينيها رغمًا عنها، فتلمست وجنتهِ و هي تردد متوسلة إياه:
- يوسف.. متمشيش، متسيبنيش لوحدي في الدنيا دي يا يوسف
رمش "يوسف" عدة مرات.. ثم أشار لها بكفهِ مرددًا:
- قربي.. عايز أشوفك كويس لآخر مرة
انتحبت بخفوتٍ مرير و هي تدنو منه بجسدها، مررت ذراعها خلف عنقهِ لتضمّ جسدهُ إليها قليلًا، مسحت على وجنتهِ و هي تردد برجاء:
- أرجوك يا يوسف.. انت السبب في اللي أنا فيه، انتي اللي جيبتني هنا، متسيبنيش.. هيدوسوا عليا يا يوسف، هيحرموني من ابني، خليك معايا يا يوسف
كان صوتهُ متقطعًا و هو يدمدم:
- غـ..غصب عني يا سهير، غصب عني
و أطبق جفونه و هو يلتقط بصعوبة أنفاسهِ.. ثم ردد:
- مخونتكيش يا سهير.. مخونتكيش، هدى مراتي لكن 10 سنين مجيتش جمبها، عُـ..عمر مش ابني!
توسعت مقلتاها بشدوهٍ و هي تغمغم مكررة:
- مـش.. ابنك؟
هز رأسهُ نفيًا و هو يردد:
- تـؤ.. مش ابني
التوى ثغرهُ بابتسامة باهتة و هو يردد من بين أسنانهِ بصعوبة:
- تعرفي إني.. إني طلقتها.. كنت هنفذ وعدي ليكي، كنت هقول لابننا على كل حاجة، لكن.. الواضح إن.. مفيش نصيب لدا
و أوصاها بألمٍ بالغ و هو يرمش بعينيه محاولًا التقاط وجهها:
- قوليله يا سهير.. قوليله أبوك مش ملاك زي ما انت فاكر.. قوليله إنه غلط، قوليله إنه ارتكب جريمة كان لازم يتحاسب عليها
تقوست شفتيها بتحسّر متذكرة دعائها.. تذكرت تلك اللحظة التي تركت فيها حقها للخالق ليستردّهُ لها، تلك اللحظة التي تمنت فيها لو تراهُ غارقًا في دمائهِ و ها هي اليوم تراهُ و تبكيهِ أيضًا.. بل و تتمنى أن يظل لها سندًا و ظهرًا، قصرهِ گوكر الذئاب و إن كان منهُم.. و لكنهُ كان يهاجم بضراوة من يسمح للسانهِ بنعتها بالخادمة فقط و إن كان والدهِ الذي توفى.
تشبثت بكفه و هي تردد مترجيّة إياه:
- خليك يا يوسف.. خليك معايا
فعاد يغمغم:
- مخونتكيش.. حتى حبيبة حرقت صورتها اللي عارف كويس إنك شوفتيها، كنت خايف أخونك معاها بقلبي! لكن أنا حاولت.. حاولت أكتر مما تتصوري لغاية ما نجحت، دعيت ربنا ينزعها من قلبي عشان أعرف أبدأ معاكي.. عشان متسببش في جرح تاني ليكي، حاولت أكفر عن ذنبي يا سهير، و حاسس إني فشلت.. حاسس إن قلبك مرضاش عن قلبي، حاسس إنك مغفرتيش ذنبي
فرددت بلهفة تجلّت في صوتها و هي تطبق على كفهُ:
- سامحتك.. و الله سامحتك يا يوسف، صدقني مسامحاك من قلبي، لكن.. لكن مسيبنيش لوحدي
و كأن روحـهُ الملتاعـة وجدت معنى الراحة أخيرًا، مرر عينيه المشوشتين على وجهها القريب منهُ، و لم يمنع نفسهُ من تلمس وجنتها للمرة الأخيرة و هو يدمدم بصوتٍ انخفض للغاية و لكنهُ وصل مسامعها:
- خدي بالك منه.. خدي بالك من ابننا يا سهير، متخليهوش يطلع زيي، متخليهوش يطلع لعمه و لا لجده، إنتي الحاجة الوحيدة الصح في حياتي.. طلعيه شبهك، شبهـك انتي، متسيبهيوش لعمه يا سهير، أمانة عليكي.. هيضيعه يا سهير، متسيبيهوش»
.................................................
لا تزال تذكر تلك اللحظة التي ارتخى فيها ذراعهُ عن وجنتها إلى جوارهِ، لا تزال تذكر أنه لفظ أنفاسهِ الأخيرة في أحضانهِ، و رأت جفونهُ تنطبق و هي تجلس عاجزة عن فعل أي شئ، لا تزال تذكر ابتسامتهِ الباهتة التي منحها إياها قبل أن تتلاشى، لا تزال تذكر أنها اضطرت أن تتركهُ لتختبأ خلف مكتبهِ حين عاد إليه صغيرها مصطحبًا والدتهِ ليجد روحهُ قد صعدت لبارئها، لم تعلم كيف كتمت فاهها تمنع شهقاتها المقهورة من التصعد و هي تضم ساقيها لصدرها، و قد أدركت أن نهايتهُ كانت نهايتها.. بل أنهُ وجد في الموت راحتهِ و تركها في الوكر وسط الذئاب الشرسة، أدركت أن ما عايشتهُ طوال تلك السنون لن يقارن بما ستعايشهُ مستقبلًا.. و ليتها تمكنت من أن تنفذ لهُ وصيّتهِ الأخيرة، و لكن أنى لها بذلك؟.. و قد صارت مجددًا الخادمة، "سهير" الخادمة.
و ها هي تجلس جاثية على ركبتيها بنفس المكان.. تُعاد الذكريات المحملة بالآلام العاصفة لروحها، و هي تتذكر سنون عمرها التي أفنتها.. حقًا أصابها الذهول و هي تتساءل، أمرّ ذلك حقًا؟.. أين عمري الذي أفنيتهُ و كيف عمري؟ كيف حييتُ و إلى الآن لا أزال محتفظة بعقلي لم أفقهُ وسط ما عانيتُ؟.. كيف؟
تجلس.. و كأنها تجلسُ على الأطلال، ترى شريط حياتها المُكتظّ بالمعاناة يمر أمام عينيها.. تعايش من جديد مشاعرًا دفنتها مطولًا و ها هي اليوم تنبُش فيها حتى وصلت للقاع..للجذور، لم توقع أن تنفجر بتلك السهولة حقًا عقب أن عقدت العزم على إخفاء الأسرار في بئرها حتى الممات، و لكنها فعلت.. و ليتها ما فعلت، ليتها ارتضت بأن تحيا الأيام المعدودة الباقية لها جوار ابنها كما حيت قبلًا، و ها هو اليوم لم يعد لها..ستُحرم حتى من أن تختطف نظرة واحدة إلى وجههِ، لن ينبذها فقط، بل سيخرج أسوأ ما لديه فيها، تدرك ذلك، و تعلم أنها طعنت نفسها بـ سكينًا آخر، و جنت على نفسها اليوم، ليت لسانها احتفظ بأسرارهِ، و ليتها ما تفوّهت ببنت شفة.
فتحت مجددًا وثيقة زواجها و التي كانت حينها وثيقة إعدامها، و نظرت بداخلها بنظرة فاضت بمرارة شعرت بغصتها في حلقها و هي تبتلع ريقها بصعوبة، قامت بطيّ الورقة مجددًا و هي تهمس بقنوط بائس:
- كل حاجة ضاعــت.. كــل حاجة
..............................................................
گُل ما هو قابل للتهشيـم تهشم في منزله الذي أخلاهُ إلا منه، حتى خارت قواهُ تمامًا عقب ذلك المجهود المبذول و قد آلمهُ كتفهِ الذي انبثقت الماء منهُ مخترقة الشاش الطبيّ المغلف لهُ فبدا و كأنه افتتق جرحهِ، و لم ينتبه حتى إليه، جلس أرضًا و هو يستند بظهره للجدار في الزاوية، وشاحها الأبيض الذي استرقهُ منها مرة على حين غفلة منها و ظلّ مصاحبًا له يدفن أنفه فيهِ فيشتمّ عبقها أينما ذهب، ها هو اليوم خضّب لونهُ بلون الدماء الأحمر و هو يغلف كفه الذي سالت الدماء من جروحهِ بغزارة بهِ، نظر نحوهُ و تعلقت أنظاره به، ثم عاد برأسه للخلف مطبقًا جفنيه و هو يغمغم متهكمًا:
- كل حاجة كانت كذب.. كل حياتي كانت كذبة، أبويا مش ملاك، و أخويا مش أخويا، و أمي مش أمي، كل حاجة كذب
و ركل بطول ساقهِ مقعدًا تهشمت ساقهُ ملقى أمامهِ و هو يجأر:
- كــــــذب، سنين حياتي ضاعت في كذبة، سنين بحاول أرجع حقك و انت متستاهلش غير العذاب، سنين فاكرك ملاك و انت شيطان
و صمت هنيهة و صدرهُ ينهج علوًا و هبوطًا إثر المجهود الذي بذله، ثم دمدم ساخطًا:
- إيدي لوثتها بالدم عشان خاطرك، ليـــه؟
و صرخ صرخة مهتاجة امتزجت ع قولهِ:
- ليــــه؟
و انخفض صوتهُ و هو يردد مستشعرًا ذلك الجرح الجديد:
- حتى ابني مات بسببكم.. حتى ابني قتلتهُ و انت ميت!
كان عسيرًا ألا تذرف عيناه الدموع، ذرفتها حتى دون استئذانٍ منه و هو يعيد رأسه للخلف مُدمدمًا:
- خليتني أقتله!.. خليتني ألوث إيدي بدم إبني، حتى ابني سحبته لجحيمي و حرقتهُ.. حتى ابني!
.....................................................................
- إيـه!.. البيبي نزل؟
فحذرها من أن تكون بجوار والدتها التي لم تشفى بعد:
- ولاء.. اوعي تكوني جمب حبيبة، دي هتموت فيها!
زمّت "ولاء" شفتيها و هي تردد:
- لأ.. أنا في الفندق، بس .. ازاي ده حصل؟
زفر "فارس" بحرارة ثم أتبع ذلك بقوله العميق:
- حكاية طويلة.. و باختصار بسبب الضغط النفسي اللي اتعرضت لهُ
و كأنها شعرت أنها المتسببة في ذلك، أجفلت جفونها و هي تردد بنبرة غلفها الشعور بالذنب:
- فارس.. هو أنا ممكن أكون حسدتها من غير قصد فـ البيبي نزل!
تغضن جبينه و هو يكرر كلمتها:
- حسدتيها!
أومأت و هي تردد بعبوس:
- أيوة.. يمكن عشان كنت حاسة بحقد ناحيتها حسدتها من غير ما أقصد؟.. لكن أنا و الله من أول ما كلمتني قبل العملية و أنا بصفي نيتي ناحيتها
أجبرتهُ رغم ما يحيطهُ من نوائب على الابتسام الباهت و هو يردد مشاكسًا:
- على كدا بقى انتي حسودية.. و لا دي أول مرة
فتأهبت في جلستها و هي تنهرهُ قائلة:
- إيه يا فارس؟.. هو أنا بقولك عشان تألس عليا
فحكّ مؤخرة رأسهِ مغمغمًا:
- لأ ما هو دا مش تأليس و لا حاجة.. أنا خايف على نفسي لاحسن ترشقيني عين طالما طلعتي عيك صفرا كدا!
أطبقت "ولاء" أسنانها بغلّ ثم فرقتهما لتتمتم بتذمر:
- أنا غلطانة إني بتكلم معاك يا فارس.. أنا آسفة، سـلام
و همّت بإنهاء المكالمة فاستوقها من فورهِ و:
- يا بنتي اهدي شوية أنا بهزر معاكي
فسخرته منهُ و هي تقوس شفتيها:
- بنتك!.. ماشي يا بابا
وتنهدت بحرارة و هي تحنى بصرها، ثم سألته بارتباك طاف حول نبرتها:
- طب.. و هي عاملة إيه دلوقتي
حمحم "فارس" ثم ردد بخشونة:
- عشان كدا كلمتك.. يارا هربت من المستشفى، و معتقدش إن ليها حد تلجأ له، فكري كدا في مكان ممكن تروحه؟
ضاقت عيناها استهجانًا و هي تكرر:
- هربـت؟.. ليه؟
فـ أجابها باقتضاب موجز و قد احتلت الجدية ملامح وجهه:
- اتخانقوا
زفرت "ولاء" بحرارة ثم رددت بتشوش:
- مش عارفة، معتقدش إني في دماغي مكان معين، هحاول أفكر
و بطرف إصبعها حكت جبينها مفكرة، ثم هزت كتفها و هي تردد معربة عن عدم معرفتها:
- معتقدش أصلًا إن في مكان تحاول تروح له.. مش عارفة، مفيش غير خالي
فردد "فارس" معترضًا:
- لأ.. خالها دا قريب أوي، معتقدش إنها بالغباء دا، لأن يامن كان فايته جايبها من الصبح
فغمغمت حيرة:
- أومال هتكون فيـن؟.. مش عارفة
...............................................................
جلست جوارها و هي تتحسس جبهتها مجددًا لتجد حرارتها كما هي لم يحدث بها تغيُّرًا ملحوظ، اعتصرت القطعة القماشية و راحت تضعها على جبينها مجددًا و هي تردد بوجل عقب أن لاحظت ارتخاء جفنيها:
- روڤي.. سمعاني يا روحي؟
تكوّرت الصغيرة على نفسها و هي تدمدم بخفوتٍ وَهِن:
- أنا تعبانة أوي يا رهف
أزاحت "رهيف" القطعة القماشية عن جبينها و هي تتلفت حولها في هلع، ثم تمتمت بـ تيهٍ تام:
- طب.. أعمل إيه بس؟ مش عارفة أعمل إيه
- يامـن.. هاتيلي يامن يا رهف، يامن وحسني أوي
و كأن اسمهُ ذكّرها بمن هو متعلق بهِ، نهضت "رهيف" من فورها و قد أدمعت عيناها تأثرًا لحالتها المريبة تلك و قد فشلت منذ البارحة في محاولة التخفيف عنها، فشرعت تجري اتصالًا بهِ و قد سحبت هاتفها عن الكومود.
ترك "مايكل" جهاز الحاسوب الخاص بهِ جانبًا مزيحًا له عن ساقيه عقب أن كان يتابع عملهُ عبره مستعينًا ببضع الملحوظات من "فارس"، و شرع يجيب اتصالها من فوره و قد نهض متأهبًا:
- رهيف؟
فنطقت باختناقٍ غلّف نبرتها:
- رهف.. تعبانة أوي يا مايكل، أنا مش عارفة أعمل لها إيه، عملتلها كمادات من امبارح و حرارتها مش بتنزل
ترك "مايكل" غرفة المعيشة و خطى مباشرة لغرفتهِ متجاهلًا نظرات "فارس" المستوضحة، ثم ردد مؤنبًا، بنبرتهِ المتكسرة:
- و لسه فاكره تقولي دلوقتي!
فعاتبتهُ بضيقٍ أطبق على صدرها:
- يعني دا وقت كلامك دا، قولي أعمل إيه أنا مش عارفة أعملها حاجة
- ok..ok, change your clothes.. and I’ll take you to hospital.. bye
و أنهى المكالمة و هو يترك هاتفهُ جانبًا، فتوقف "فارس" على أعتاب غرفتهِ عاقدًا ساعديه أمام صدره و هو يستند بكتفهِ لإطار الباب، تأمله و هو يفتح خزانتهِ مخرجًا ما تطاله يداه من ثياب فغضّن جبينه و هو يسأله في اهتمام:
- في إيـه؟
فـ أجابهُ و هو يحل أزرار قميصه:
- rahaf..she is sick
فمطّ "فارس" شفتيه و هو يردد بنبرة ذات مغزى:
- مممم.. رهف، دي اللي هي اخت رهيف اللي انت طردتنا من البيت و فضيتهولها عشانها.. مش كدا؟
خلع "مايكل" قميصهِ الخارجيّ و ظل فقط بالداخل الأسود اللون و الذي أبرز بنيته القوية و هو يردد بانزعاج فاتر:
- Fares..it's not the best time for these looks..Briefly , she has no one
Except her mother, who I'm afraid to communicate with and harm her.. Her staying here is a temporary until I have a chance to take her to her mother, so don't treat as if I'm trying to stick with her, please.
فانفرجت طرف شفتيه بابتسامة متهكمة و هو يحاول أن يبدو باردًا أثناء قولهِ:
- أنا قولت كدا يا مايكل.. و بعدين رهيف مين دي اللي تبصلها، مش استيالك أساسًا
ضاقت عينا "مايكل" استهجانًا و قد استشعر مغزى ساخر يمسّها، فخطى نحوهُ و هو يسحب قميصهِ الآخر استعدادًا لارتدائهِ أثناء سؤالهِ المحتد:
- what are you meaning? What is the matter with rahief?
ارتفع كتفيّ "فارس" و هو يردد ببلادة:
- لا ولا حاجة.. عادي يعني، بس اللي أعرفه إن واحد زيك مش هيبص لواحدة مش باين منها غير وشها!
ارتفع حاجب "مايكل" محذرًا و هو يغمغم من بين أسنانهِ المطبقة:
- فارس.. انتبه لكلامك!
تجعّد جبين "فارس" و هو يدمدم بعدم فهم زائف:
- مالك؟ أنا قولت حاجة ضايقتك و لا إيـه؟
فـ دحرهُ "مايكل" دافعًا إياه عن الغرفة و هو يصفق الباب في وجههِ مرددًا باحتدام:
- I wanna change my clothes.. if you don’t mind!
ارتفع حاجبيّ "فارس" و هو ينظر للباب الموصود بتعجب، ثم زفر أنفاسهِ الحارة و هو يدمدم نافضًا خصلاته بعصبية:
- ما هو مستحيل أسيبك تعمل اللي في دماغك، دا انت كل يوم مع واحدة هو أنا مش عارفك.. أنا مش ناقص البت تتمرمط معاك و هي ملهاش ذنب في حاجة
و ارتفعت نبرتهِ قليلًا ليردد بتحدي:
- طب أنا مفيش ورايا حاجة.. جاي معاك يا ميكو
................................................................
ضمّت جسدها الضئيل بين ذراعيها و قد أسندت الصغيرة رأسها لكتف شقيقتها التي تقرأ بخفوتٍ من مصحفها الصغير الذي تضعه دومًا في حقيبة يدها ، حينما كان "مايكل" يتابع ما تفعل بأعين ضائقة من الحين للآخر عبر المرآة الأماميّة، و عقب أن فشل في تفسير أو استنباط ما تقرأ منهُ مال على "فارس" قليلًا ليسأله بخفوت و نظراتهِ مسلطة على الطريق:
- what are she doing?
- بتقرأ قرآن.. خليك في سواقتك
زفر "مايكل" أنفاسهِ الحانقة و هو ينظر نحوها شزرًا، حينما كانت "رهف" تسأل بإعياءٍ بادي عليها:
- رهف.. هو أنا هموت؟
عبست ملامحها و هي تمسح برفقٍ على خصلاتها مُضطرة أن تقطع قرائتها، أغلقت الكتاب الكريم و تركتهُ جانبًا على المقعد جوارها و هي تردد بآسى و قد أدمعت عيناها تأثرًا:
- متقوليش كدا يا حبيبتي، هو انتي أول مرة تتعبي؟
هزت الصغيرة رأسها و هي تتدمدم باستياء مُنهك:
- لأ.. بس أنا فضلت أدعي كتير إني أروح أشوف تيتا و بابا عشان وحشوني، هو ربنا سمع كلامي و هيوديني هناك عندهم، يعني أنا كدا هسافر لمكان بعيد عنك، هموت و مش هشوفك تاني؟
انهمرت العبرات المتأثرة من عينيّ "رهيف" و هي تردد بضيق:
- حبيبتي مين قالك إنهم ماتوا، مش قولتلك هما...
فقاطعتها "رهف" و شفتيها تتقوسان بعبوس:
- أنا عارفة إنك بتضحكي عليا يا رهف.. هما ماتوا و مش هيرجعوا تاني، عشان كدا دعيت ربنا و أنا بصلي امبارح إنه يوديني عندهم
اعتصر قلب "فارس" لدى كلمات تلك الطفلة التي أحيت جرحًا لم يندمل بعد بمجرد كلماتٍ طفولية، انحرفت نظراتهِ نحوها و هو يلتفت ثم ردد و هو يلوى ثغره بابتسامة باهتة:
- مين قالك كدا يا حبيبتي.. هما كويسين و كل حاجة
نظرت "رهف" نحوه نظرة من طرفها، ثم غمغمت بقنوط:
- لأ يا عمو.. أنا عارفة إنهم ماتوا، أنا مش صغيرة
و نظرت نحو "مايكل" و هي تطالبهُ بتأييدها:
- ماكل.. مش هم ماتوا
كان يتابعها من المرآة الأمامية و قد تأثر حقًا من كلماتها و أشفق عليها، ثم غمغم عقب أن حرر زفيرًا حارًا من صدرهِ:
- أختكِ معاها حق رهف، هم بخير
فرددت "رهيف" متشبثة بكلماتهِ:
- شوفتي يا روڤي، كلهم قالولك إنهم كويسين و...
فصرخت الصغيرة فجأة باغتياظٍ تام و هي تُصرّح عما يعتمل في صدرها:
- لأ.. انتم بتكذبوا عليا، أنا سمعتك بتتكلمي عن الناس اللي ماتت في القرآن، و إنهم مش هيرجعوا تاني غير لما كلنا نبقى زيهم، و مش هنشوفهم غير في الجنة، و أنا مش عايزة أستني لما أدخل الجنة، أنا عايزة أشوفهم دلوقتي
انحرفت نظرات "مايكل" نحو "فارس" قليلًا فتابلا النظرات المتأثرة، في حين فاضت عيناها بالدموع أنهارًا و هي تربت برفقٍ على وجنتها و قد شعرت بالتعاج يُداهمها، ضمتها أكثر إليها و هي تردد متوسلة إياها:
- خلاص.. عشان خاطري أنا متزعليش
هزت "رهف" رأسها في استياء و هي تردد بتعند:
- لأ.. أنا عايزة أشوفهم، و مش بحبكم كلكم عشانكم بتضحكوا عليا عشاني صغيرة، و أنا KG 2 مش لسه صغيرة، أنا كبرت و رايحة
مسحت "رهيف" برفقٍ على وجنتها و هي تردد مؤنّبة إياها بلطفٍ:
- طب ينفع كدا يا روڤي؟ عايزة تسيبيني لوحدي؟
فرددت "رهف" مُتعندة على الرغم من خفوت صوتها:
- لأ.. إنتي مش لوحدك، انتي معاكي ماما و راشد، و كمان ماكل و يامن، و عمو اللي مش عارفة اسمه، كلهم معاكي.. عشان كدا هسيبك و أروح لباب و تيتا، هم لوحدهم، لكن انتي لأ!
انحرفت نظرات "رهيف" القانطة نحو "فارس" أولًا و قد أجج ذكر اسم "راشد" نيرانها ، ثم نظرت نحو "مايكل" علّهُ يتمكن من احتواء ثورتها تلك بكلماتهِ، فردد "مايكل" مستجيبًا لها و هو يوزع نظراتهِ بين المرآة الأمامية و الطريق:
look at me! - هاي.. أيتها الصغيرة،
نظرت "رهف" نحوهُ حين تحدّث فردد و هو يلتفت نصف التفاتة نحوها:
- و إن كانت شقيقتكِ لا تريد سواكِ؟.. ماذا إذًا؟ هتسيبيها؟
فرددت بفتور و هي قوس شفتيها بابتئاسٍ:
- لأ.. هي مش عايزاني، و مش لسه تحبني زي الأول، و بقت بتزعقلي كتير، و أنا معملتش فيها حاجة
همّت "رهيف" بالحديث محاولة الدفاع عن نفسها و قد ارتفع حاجبيها استنكارًا فعاد "مايكل" يحدق في الطريق قبل أن ينظر من خلال المرآة نحوها و هو يردد معاتبًا برفق:
- و لكنكِ لا تعلمين ما بها أيضًا، انظري كيف تصرخين بنا جميعًا لأنك مُتعبة.. هي أيضًا تصرخ بكِ لأنها متعبة
هزت "رهف" رأسها بالسلب و رددت مُحتجّة:
- لأ.. بس هي مش سخنة زيي، يعني مش تعبانة، و مفيش حاجة بتوجعها
فنظر نحو "رهيف" بدلًا من "رهف" نظرة مُطولة عميقة أتبعها بقولهِ:
- ربما هي كذلك، ربما تتألم.. و لكنها تخشى أن تظهر ذلك أمامكِ فتصيبك بالحزن، إنها تهتم لأمركِ أيتها الصغيرة، فلا تضاعفي من ألمها برحيلك.. فقط تحمليها قليلًا ريثما نأتي بوالدتكِ، أتصرخ والدتك عليكِ أيضًا؟
نفت "رهف" برأسها و هي تردد بعبوس:
- لا.. ماما مش بتزعقلي
- فلتصبري قليلًا فقط.. والدتكِ أيضًا بحاجة إليكِ
و افترّ ثغره عن ابتسامة مناغشة و هو ينظر لـ "رهيف" من طرفهِ:
- و فور أن تأتي ستعلم أختكِ درسًا قاسيًا كي تكفّ عن مضايقتك
تلاشت بسمتهِ تلك حين غمغمت "رهف" و هي تبسط كفها نحوهُ:
- خلاص.. اوعدني إنك هتجيب ماما عشانها وحشتني أوي، و كل ما أسأل رهف هنشوفها امتى تزعقلي
و راحت تردد بتصميم و هي تلوح بكفها الصغير محاولة الوصول إليهِ بكلمة استمعها في التلفاز مراتٍ عِدة:
- pinky promise?
انبعجت شفتاهُ بابتسامة باهتة و هو يزيح إحدى كفيه عن المقود ليتشبث بكفها متعهدًا لها و هو يعانق خنصرها بخنصرهِ:
-pinky promise
تعلقت أنظارها رغمًا عنها بانعكاس صورتهِ في المرآة فـ أمسك بنظراتها نحوهُ، أحنت بصرها على الفور و هي تحتوى جسد شقيقتها أكثر فور أن سحبت كفها حينما كانت ابتسامتهِ تتلاشى و هو يزفر في ضيقٍ أطبق على صدرهِ، حتى انحنى "فارس" عليه و هو يتمتم في خفوت متهكم:
- شكلك كان نفسك تبقى دكتور نفساني يا مايكل
فتأفف "مايكل" و هو ينظر نحوه شزرًا، ثم دمدم معلنًا عن ضيقهِ:
- ماذا تريد فارس؟
فغمغم مُقلّدًا نبرتهِ:
- ربما تتألم! مالك يا عم قالبها دراما كدا ليه انت كمان! هي ناقصاك؟
فلكزهُ "مايكل" بمرفقهِ في جانبهِ كي يكفّ و هو يشير للمقعد الخلفي بعينيهِ المحتدتين، فحاد "فارس" بنظراتها الساخرة عنهُ و هو يغمغم هازئًا:
- يا حنيـن!
................................................................
تركتها في الفراش عقب أن دثّرتها جيدًا و قد غلبها سلطان النوم في طريق عودتها، مالت عليها لتطبع قبلاتٍ متفرقة حانية على وجنتيها و جبهتها، ابتعدت قليلًا لتمسد برفقٍ على كتفها مغمغمة بانزعاج:
- متزعليش مني يا روڤي، و الله أنا مش قصدي أزعلك كدا
و سحبت كفها الدقيق.. ألصق شفتيها بظاهره لتطبع قبلة حانية عليه، ثم نهضت و هي تضعهُ أسفل الغطاء، راحت تخطو للخارج حيثُ "فارس" الذي يقف على أعتاب الشقة و قد ردع "مايكل" من الدلوف على الرغم من تحجج الأخير:
- إننا في وضح النهار فارس، ما بك.. ألا تبالغ قليلًا؟
و أشار للداخل بعينيهِ و:
- ثم إنه منزلنا في النهاية و...
و قبل أن يتابع قاطعهُ "فارس" بنظراتٍ شزرة:
- بس يالا
نفخ "مايكل" متأففًا و قد سئم ما يفعل رفيقهِ، حتى رآها تقبل عليهما، انزوى ثغرها بابتسامة باهتة مُصطنعة و هي تدمدم متشبثة بمقبض الباب:
- متشكرة جدًا ليكم بجد
فأومأ "فارس" و هو يجيب بلباقة قبل أن يهمّ "مايكل" بالرد:
- احنا معملناش حاجة.. خلي بالك بس منها ولو احتاجتي حاجة احنا موجودين
أحنت "رهيف" بصرها عنهُ متحرجة من الوضع بأكملهِ و هي تردد بانكسارٍ طغى على نبرتها:
- شُكرًا
حاول "فارس" أن يرفع عنها الحرج، فغمغم و هو يتراجع للخلف عن محيطها ساحبًا "مايكل" قسرًا:
- اقفلي الباب عليكي يا آنسة رهيف و متفتحيش لحد، و زي ما قولتلك إحنا موجودين
أومأت "رهيف" برأسها المُطرقة رافضة أن ترفعها نحوهُ، ثم أوصدت الباب في رفقٍ متحرج عقب قولها الخافت:
- عن إذنك
تملّص "مايكل" من "فارس" و هو يردد بتشنج:
leave me! - كفى..
و ضبط سترتهِ و كأن "فارس" أفسدها و هو ينظر نحوه من زاوية عينهِ أثناء مرورهِ من أمامه ليمضي نحو شقتهما متعمدًا أن يزفر بصوتٍ يصل مسامع الأخير، تابعه "فارس" بنظراتهِ و هو يحكّ صدغه متنهدًا بضيق، ثم دمدم:
- مش مرتاحلك يا مايكل
............................................................
دلف غرفتهِ ريثما تلقّى ردها، حينما كانت هي تسأل و قد ضاقت عيناها استنكارًا تاركة شطيرتها جانبًا و هي تدمدم عقب أن لاكت الطعام و ابتلعتهُ:
- رهيـف!.. و بتسأل عنها ليه؟
حكّ "فارس" مؤخرة رأسهِ و هو يردد مُلقيًا سؤالهِ:
- قصدي يعني تعرفي عنها إيه، عندها مشاكل مع عيلتها دي و لا إيه؟
انزوت شفتيها في انزعاج تام و هي تغمغم بفتور:
- و أنا أعرف منين يعني!.. كنت بنجم و لا بشمّ على ضهر إيدي
انعقد حاجبيّ "فارس" و هو ينفض خصلاتهِ متابعًا:
- مش دي صاحبة أختك بردو و لا إيه؟
فصاحت بهِ شاجبة قولهُ و هي تتخصر:
- و هي يعني عشان صاحبة أختي لازم أكون عارفة عنها قِصة حياتها!
فزفر متأففًا و هو يردد بتمقُّط:
- خـلاص يا حاجة، مكنش سؤال هو
ارتفع حاجب "ولاء" الأيسر استنكارًا و هي تردد باغتياظٍ شديد:
- و انت بقى عايز تعرف عنها ليه يا بشمهندس.. و لا هي عاجباك و عايز تتقدم لها!
قطب "فارس" جبينهُ و هو يقف أمام نافذتهِ مغمغمًا بسخط:
- عاجباني!.. انتي عبيطة يا بنتي
تقوست شفتيها متأففة و هي تدمدم مُؤكدة على مقصدها:
- أيوة عاجباك.. طبعًا كلكم كدا، تبقى بصباص و بتاع بنات و فيك كل العبر، و في الآخر لما تيجي تخطب تختار المحجبة اللي بتلبس واسع عشان تحافظ على بيتك، أنانيين.. لا تمتون للإنسانية بصلة
ارتفع حاجبيهِ و قد حُلت عقدتهما في شدوهٍ أضحى غيظًا مُتقدًا و انعكس ذلك في نظراتهِ و تشنج نبرتهِ و هو يردد:
- بصباص و بتاع بنات! دا انتي خدتي عليا أوي يا بنت عمي!
فصرخت في وجههِ باعتراضٍ على قولهِ:
- متقولش بنت عمي.. الكلمة دي بتعصبني!
فردد "فارس قبل أن ينهى المكالمة و قد فاض كيلهُ:
- اقفلي يا ولاء.. اقفلي دا انتي تحرقي الدم حرق!
فغرت شفتيها و هي تشهق غير مصدقة أثناء تحديقها الطول في الهاتف، رمت هاتفها بحنق و هي تسحب شطيرتها مجددًا، و التهمت قضمة فائضة عن حجم فاهها و شرعت تلوكها في شراسة أثناء قولها المستهجن:
- إللهي يتحرق دمك زي ما حرقت دمي يا بعيـد!
و سريعًا ما ابتلعت ما بفاهِها، و استأنفت تناولها و كأنها تضع طاقة الغيظ التي بداخلها في تناول تلك الأطعمة
................................................................
لمَ لا يقوى ببساطة على دحرها عن ذهنهِ قليلًا طوال تلك الأيام الماضية، أو لنكن أكثر دقّة منذ أن اصطادتها عيناهُ.. و كأن سنوات عمره التي حياها لم يعد لها أي وجود، و كأنها ابتدأت معها و لا يعلم كيف ستنتهي، مال بجسده للأمام قليلًا ليُطفأ سيجارتهِ في المنفضة و قد أحرق صدرهُ أكثر من اللازم، سئم التفكير بها و كأنها أولى من تقع عيناه عليها من النساء..
نهض عن جلستهِ عن الأريكة و راح يخطو نحو النافذة و فتحها على مصراعيها متعللًا بحاجتهِ لاستنشاق الهواء الرطب، و الحقيقة أنهُ گكُل يوم، ينتظر منها أن تطلّ عليهِ، أن يسترق نظرة عابرة منها يحتفظ بها في خلايا ذهنهِ، انزعاجٌ شديد أطبق على أضلعهِ حين رآى شباكها مُغلقًا..
فلفظ أنفاسًا ملتهبة و هو يرتكن بكتفهِ لإطار الشباك، و راح ينظر للآفاق بلا إمعان، بل بشرود انعكس في مقلتيهِ، عقد "مايكل" ساعديه أمام صدره و هو يعود برأسه للخلف، و لكنها رغبة في نفسهِ قضاها و هو يرفع ساعدهُ نصب عينيه ملقيًا نظرة لمعصمهِ، مُحاولًا تذكير نفسه بأنها گالمستحيل بالنسبة إليهِ، زفر مجددًا و هو يعاود تقييد ساعديه و قد سئم كثرة التفكير الذي حال حتى دون أن يحظى ببضع دقائق من النوم فظل ساهدًا تفكيرهُ معلقًا بها وسط الدياجير الحالكة، حتى تيبس جسدهُ و أرهف السمع لذلك الصوت العذب الذي صدح فجأة، و كأن الصوت وحده كافيًا أن يقشع عن قلبهِ ظلمته، و يُبلج النهار من ليلتهِ، أطبق جفونه تاركًا لأذنيهِ العنان لالتقاط صوت آذان الفجر
حتى انتهى المؤذّن ففتح جفونه على صوتٍ جعل خلاياهُ و حواسهِ أجمع تتنبّه إليه، توارى في وقفتهِ و هو يسترق النظرات إليها فكانت كما رآها دومًا، مُشرقة حتى في حزنها، و حجاب رأسها يُضاعف من جمالها، ذلك الظلام تبدد مع رؤيتها، شمسٌ هي ينير كل ظلمة، و يقشع كل ضبابٍ، شمس أشرقت بقلبهِ، و مع غيابها ستغرُب عنه..
خشى أن يُظهر نفسه فتتخبأ عنه عقب أن فشل في رؤيتها لأيام معدودة و لو لمرة واحدة، عقد حاجبيه و هو يدقق النظر فيما تفعل، فكانت أكُفها للسماء و قابضة جفونها، و كأنها تدعو ربها بشئ ما وسط ذلك الظلام الحالك، حتى انتهت .. و لكنهُ لم ينتهِ، و لم يكتفِ، أملى نفسه بالمزيد منها، من ارتوائهِ برؤيتها عقب ظمأٍ لم يطل لتلك الدرجة، و لكنه استشعر خلاياهُ جفّت قبل أن ترتوي مجددًا، مسحت "رهيف" بكفيها على وجهها، قبل أن تدلف مجددًا موصدة الشباك تهيأً لصلاتها، فغابت عنهُ و سحبت شمسهُ لتغيب معها..
ظلّ ميبسًا أنظاره معلقة بطيفها الذي تلاشى و كأنه ينتظر أن تطلّ مجددًا، و لكنها أبت، طرد "مايكل" زفيرًا حارًا محررًا إياه عن صدره و أنظارهِ تحيد أخيرًا عقب أن أصابه اليأس، و راح يرنو بنظرة للآفاق لا معنى لها، حتى رآى تلك الظلال التي ألقتها الشمس مُعلنة بقرب وصولها، فـ ها هي الشمسُ تشرق على تلك البقعة، و لكنه استشعر نفسهُ لا يزال غارقًا في أعماق الظلمات.
.........................................................
و جوارهِ.. في غرفة مجاورة لغرفتهِ تحديدًا كان هو، تضاحك بخفوت على رسالتها المغتاظة التي أتبعتها بمُلصق يخرج لسانهِ قاصدة إغاظتهِ، و لكنها أضحكته بدلًا عن ذلك، هجد ليلهُ و ظلّ يتحادث معها كتابيّا عبر تطبيق "الواتساب" الشهير، محادثة طالت لما يزيد عن الأربع ساعات دون وعي حتى منهما، و قد ابتدأ هـو بحُجة الاطمئنان على أحوالها، ليجد المحادثة تمتد و تمتد و لم يملّا، و كأنهما لم يشبعا بعد، حتى سألتهُ أخيرًا:
- " الساعة عندك كام دلوقتي؟"
ارتفعت أنظارهِ تلقائيّا ليجد الضوء قد عبر أعتاب النافذة و اخترق زجاجها فشرع يحتل الغرفة رويدًا رويدًا، فعاد يخفض رأسه ليسحب قدح قهوتهِ سريعة التحضير و ارتشف منها، ثم تركها جانبًا و هو يحرك أنامله كتابيًا على شاشتهِ:
- " 4 و نص الفجر"
- "يــا يا فارس!، انت منمتش؟"
- "أصل في واحدة رغاية مش سايباني بقالها ييجي خمس ساعات"
- "أنا رغاية!.. طب مش هرد تاني"
- "خلاص مش رغاية، متزعليش"
- "ولاء؟"
-" انتي يا بت"
- "ايه بت دي يا فارس.. ما تلم نفسك!"
- " رديتي يعني"
" انت بايخ أوي على فكرة.. عارف دا"
-" عارف.. معاكي البواخة بتحلو مش عارف ليـه!"
و كأنها توترت قليلًا و هي تحاول أن تفتح معهُ حديثًا جديدًا ذا مجرى أكثر جدية و أشد وطأة على نفسها، فشرعت تسألهُ بشئ من الارتياب:
-" فارس.. هو أنا إيه في نظرك؟"
- "لسه بتحبيه؟"
كان ردّهُ مباشرًا و يحمل في طياتهِ طاقة هائلة من الغيرة.. لم يعطِ لنفسه فرصة التفكير عكس ما كانت تعتقد أنه سيحملق في كلماتها التي تحوى أكثر من مغزى، و لكن بيد أنه تفهم ما ترمي إليهِ قبل حتى أن تكتب من طول صمتها الذي امتد لدقائق عِدة قبل أن تبعث إليه برسالتها، زمّت "ولاء" على شفتيها و هي تكتب:
- حُـب!.. مش عارفة، حاسة إني كنت غبية أوي، أنانية من الدرجة الأولى، لكن حب! معتقدش إني حبيته، لما قولتلي إنه خد رصاصة مهتهمتش أعرف حاجة عنه، لا حست بخوف عليه و لا كان عندي فضول حتى أعرف هو عايش و لا لأ، حاسة إني محبيتش أبدًا، يمكن كان مجرد إعجاب ظاهري، أو.. يمكن غيرة زي ما انت قولتلي، مش عارفة"
و أتبعت رسالتها بـ:
- " لكن اللي متأكدة منهُ.. إني استحالة أكون حبيته"
و كأنهُ لم يرتح بعد و لو لثانية، أضناهُ التفكير و لم يفكر حتى في الرد، دلك جبينه و قد بدأ الصداع يحتلّ رأسه، بسط أناملهِ ليسحب قدح قهوتهِ مجددًا، و شرع يرتشف منها بضع رشفات غير واعيًا حتى بطعمها على أطراف شفتيه، تعجّبت هي طول صمتهِ، فلم تتردد في بعث رسالة أخرى لهُ:
- " مقولتليش.. إنت شايفني إزاي؟"
ترك "فارس" قدحه و أخذ يكتب مجددًا:
- " واحدة طايشة.. أي مشاعر بتقول عليها حب، واحدة بتدور على الحب في أي حاجة حواليها، و رافضة إنها تعيش حياتها من غير ما تلاقيه، واحدة عايزة تحب رغم أي حاجة، و خايفة إنها متلاقيش الحب ده"
- " كلامك عميق و كل حاجة بس أنا مش طايشة، و حتى لو طايشة فمتقولهاش في وشي بالغباء دا.. أوكي يا طبيب القلب انت؟"
- " غباء!.. ولاء، أنا فصلت و خلاص.. سحبتي كل طاقتي في المناهدة معاكي"
و نقر الزر الجانبي للهاتف فأغلق شاشتهِ، تركه جانبًا غير مباليًا بصوت الرسائل واحدة تلو الأخرى و قد أزمع على تركها، تجرّع آخر ما تبقى في قدحهِ، ثم نهض عن محله و قد تناطحت الأفكار برأسهِ، أضحى كلاهما هكذا.. و كأنه شيئًا طبيعيًا لحياتهما، و يكون اليوم ناقصًا لو لم يحادثها برسائل نصيّة و اتصال هاتفيّ يطمأن فيه إلى أحوالها، و قلبهُ يرجو لو يحظى بنظرة واحدة يسترقها إليها تُشبع تعطّشهِ لها.
إنها "ولاء".. تلك الفتاة التي عاهدها دومًا غير متزنة، تعيش حياتها و تختلق لنفسها النوائب و المصائب فتجبر نفسها على التعايش معها، تتلبس شخصية لا تريدها، و تخلعها متى ما تريد، متمردة و تحتاج لترويضها الدائم كي لا تعود إلى حالتها المريبة، و هو كان مُروّضها فرّدها كما كانت وديعة مع بعض الشراسة المُحتملة، و لكنها داءٌ يشعر بهِ يتسلل بخبثٍ لأوردته، و هو لا يحاول حتى ردعهِ، بل أنه يتلذذ بما يصيبهُ من نصب به.
خرج "فارس" من غرفتهِ فوجد "مايكل" هو الآخر، جعّد جبينه و هو يترك قدح القهوة على حاجز المطبخ الرخاميّ، ثم سألهُ متعجبًا:
- انت لسه منمتش
حكّ "مايكل" مؤخرة رأسهِ و هو يردد:
- no.. I can’t
و دار حول حاجز المطبخ ليكون بداخلهِ، نظر نحو قدحه ثم سألهُ:
- I wanna make coffe.. what about you?
- ماشي.. أساسًا خلاص معتش فيها نوم
فشرع "مايكل" يصنع القهوة عبر آلة تحضيرها، و وقف أمامها عاقدًا ساعديهِ، نظر نحوه نظرة من طرفهِ، ثم سألهُ:
- did you pray faries!?
تغضن جبين "فارس" و هو ينظر نحوه بشدوهٍ، ثم سأله بعدم فهم:
- نعـم؟
أشار "مايكل" بعينيهِ و هو يتابع بنبرة شبه مرتبكة:
- I heard the muezzin while ago, did you pray then?
- No!
فنظر "مايكل" نحوه و هو يسأل بفضول:
- ألم تصلِ أبدًا؟
فلم يتردد في سؤالهِ و قد انزعج و تجلّى ذلك في نبرتهِ:
- و انت عمرك صليت؟
فأصرف "مايكل" بصره و هو يحكّ صدغه متنهدًا:
- I don't know.. a few times
فرفع "فارس" كتفهِ و هو يردد بفتور:
- خلاص.. مش من حقك تحاسبني
فـ استدرك "مايكل":
Just a passing question - مش بهاسبك..
ارتفع حاجب "فارس" الأيسر و هو يردد مستنكرًا:
- أول مرة يعني تسألني سؤال زي دا
ترك "مايكل" قدح "فارس" أمامهِ و تناول قدحهُ، و لم يتردد في إلقاء سؤالهِ الذي يعلم إجابته المؤرقة لمنامه بشكل مباشر:
، ؟I mean the Islamic religion,.. Is it not permissible for a woman – في دينكم.. to marry someone other than her religion?
قطب "فارس" جبينهُ و هو ينظر لقدحهِ، رفعه ليرتشف رشفة واحدة غير مباليًا بالأبخرة التي تتصاعد منه، ثم تركهُ جانبًا و هو يستند بساعدهِ على الحاجز، نظر نحوهُ مباشرة بنظرة ذات مغزى، ثم حاد ببصره عنه و هو يردد ببلادة:
- لأ.. الراجل يحق له يتجوز مسيحية أو يهودية، لكن الست مينفعش
و نظر نحوهُ نظرة ثاقبة و هو يردد بشكلٍ مباشر:
- بس مش غريب السؤال دا.. بتسأل ليه؟
نظر "مايكل" لمحتوى قدحهِ نظرة مطولة، ثم شرع يرتشف منهُ و حالما أبعده عن شفتيه مبتلعًا، دمدم بنبرة جافة:
- nothing ..just curious
و سحب قدحهُ لينصرف بارحًا محله، و راح يخطو نحو غرفتهِ موصدًا الباب من خلفه، تابعهُ "فارس" بنظراته الضائقة حتى تلاشى من أمامهِ، فـ ارتشف رشفة أخرى أعقبها بقولهِ الغامض:
- يا ريت اللي في دماغي ميكونش صح!
................................................................ح
أربعة أيام عايشهم وحيدًا بين جدران منزلٍ جمعهما يومًا، تاركًا لنفسهِ العنان، و لشروخ روحه الممزقة بالطفو على السطح، عايشهم في إنهيارٍ تام.. مجرد تلك الفكرة تجعل الشظايا تتناثر بدخلهِ، تجعلُ من لهيبيهِ يتفاقم، لقد قتل ولدهِ بنفسه، هكذا كان تفكيرهُ، قُتل ولدهِ في اليوم الذي أدرك فيه محيا والدتهِ التي لم و لن يعترف بوجودها، و كأنها فكرة ترسّخت في ذهنهِ و إن كان لا يؤمن بها، لم يكن لديه أُمًا سوى "هُـدى" و مهما حاولت "سهير" فلن تنجح في إحداث تغييرًا آخر، و إن كانت والدتهِ الفعلية.
ناقمًا على كل شئ.. كل شخص، والده الذي ارتكب أبشع الجرائم من أجلهِ، والده الذي أفنى سنوات عمرهِ متعايشًا من أجل سببًا واحدًا.. أن يحظى له بانتقام ممن سلبه منه يُخمد ثورة روحهِ و يريحه من العذاب في مقبرتهِ، و إذ بفكرتهِ تتغير عنه تغيرًا جذريّا..
لم يكن يومًا نقيّا كما اعتقد، بل لم يكن يومًا سوى حيوانًا بشريّا سعى وراء شهوتهِ، و ارتكب جريمة لم يرتكبها هُو.. والدهُ الذي سحبهُ للظلام و جعلهُ يعبر ذلك الخيط الرفيع الذي يفصل بين الأبيض و الأسود طوال حياتهِ، بلحظة واحدة.. جعلهُ يتخطى الحاجز ليفقد طريقهُ وسط الظلمات، و تلك الفكرة المميتة ترسّخت في ذهنهِ..
إنه ليس سوى "ابنًا غير شرعيًا".. كان ثمرة أشنعُ جريمة تُتركب بحقّ امرأة، كم شعر بالاشمئزاز من نفسهِ، كم شعر بتزلزل أعماقهِ و كيانهِ، و كأنه ليس هو من بنى نفسه بنفسهِ طوال تلك السنوات، حتى أخيه الذي حاول حمايتهِ من عمّه البغيض.. فـ إذ بهِ لم يكن يحميه سوى من والدهِ.
طفلهُ الذي أراد حمايتهِ من والدته حتى.. هو بنفسهُ من تسبب بمقتلهِ، و ها هي زوجتهُ لم يصل إليها حتى الآن، و للحق يقال أنه لم يحاول البحث عنها في خِضم ما يعانيه، و كأنهُ أعطى لنفسه هُدنة ريثما يستعيد شتاتهِ المبعثر، و يعود "يامن" الذي يعرفهُ.. يستعيد نفسه و كيانهِ.
و گأنهُ بثانية واحدة فقد كل شئ، حياتهِ.. لم تكن سوى عبارة عن أكذُوبـة، أكذوبة عايشها بكل جوارهِ.. و نصب بها لنفسه جهنمًا و بئس مصيرها على أرضهِ، فـ إذ به يدرك أنه طوال سنواتهِ.. لم يعايش جحيمًا كهذا، و لم تتراكم عليهِ الحقائق المريرة، و النوائب المريبة واحدةً تلو الأخرى سوى الآن، إنه يعايش الجحيم بعينهِ، و قلبه قد أُشبع إلتهامًا من لهيبهِ، گشوبًا من حميم سُقى بهِ و ها هو ينساب في أوردتهِ فيوقدها.
أُكذوبـة.. لم يكن بها صدقًا سواها، و دياجيرًا لم يكن بهِ ضوءً سواها، و إنها تلك الزهرة التي أينعت وسط أرضٍ قاحلة، و كان عذابًا أشد وطأةً على نفسهِ.. أن يكون هو مجتثّها.. أن يحرم من تواجدها مجددًا و هو يعلم ما تعانيهِ، و إن كانت معاناتهِ تخطتها بمراحل، إلى أنه لم يكن ليفرط بها، يُدرك حيّدًا أنها تحملت معه ما لم تكن لتتحملهُ امرأة أخرى، و لولا طفلهُ الذي قتل في رحمها و لم تكتب لهُ الحياة على يديهِ لكانت الآن جوارهِ.. و للحق كانت جوارهِ دومًا، و كأنها لم تفارقهُ ثانيةً واحدة.
و هو مستندًا بظهرهِ لظهر فراشها على الأرضية يجد طيفها جوارهِ.. يستشعر لمستها الحانية لكفهِ.. لتلمسها أناملهِ الخشنة إصبعًا إصبعًا، و ما إن يكاد يتلمسها يجدها سراب.. سرابًا نسجه عقله ببراعة من فرط احتياجهِ إليها، و كأنهُ مقرنٌ بأغلالها، كان يعتقدُ أنه أسرها و جعل منها سجينتهِ.. فـ إذ به يدرك دون سابق إنذار أنهُ هو أسيرها و كانت هي سجّانتهِ، و ها هو يبحثُ لنفسهِ عن مخرج فلا يجد، و كأنها متاهة.. كلما حاول العبور يعود إليها.. و كلما حاول التخلي يجد نفسهُ متشبثًا.
..............................................................
و اليـوم.. كان قد استجمع شتاتهِ المبعثر و إن كان ذلك ظاهريّا فقط، استعاد ثباتهِ وجمودهِ و صلابتهِ المُتناهية، و وأد لحظات الانهيار و الضعف المقيتة عليه في مهدها.
خرج من المرحاض عقب جلسة استحماميّة حظى بها، ارتدى بنطالهِ و ظلّ عاري الصدر و هو يخطو نحو المرآة، تأمل ذلك الأثر العميق لجرح كتفهِ الذي نزح عنه الشاش الطبي غير مباليًا بهِ، سحب قميصهِ و شرع في ارتدائه و هو يتناول هاتفهِ أيضًا مجريًا إتصالًا بـ "ولاء" فـ أتاهُ ردها المشدوه و هي تترك قدحها جانبًا:
- يامن؟
فـ سألها من فورهِ بلهجة متصلبة:
- أختك كلمتك؟
فـ أجابتهُ نفيًا:
- لأ
- ابعتيلي عناوين بيوت اجدادك
فغمغمت مستوضحة:
- ليـه؟ أنا جدودي كلهم ميتين
فردد من بين أسنانهِ المطبقة:
- هتخلصي؟.. و لا أتصرف بطريقتي؟
فرددت صاغرة لهُ:
- خلاص تمام.. متتعصبش عليا
فتفاجأت بإنهائهِ المكالمة في وجهها، فلم تمنع نفسها من النفخ المتذمر و:
- وقح.. أوف
و راحت تبعث برسائل نصيّة تحوي عنوانين تحديدًا أثناء غمغمتها:
- معقولة يارا تكون فيهم؟.. و ليه لأ؟ ليه مفكرتش في دا!
و ما إن وصلتهُ الرسائل حتى شرع يتفحصها، و لكن.. تقلصت المسافة ما بين حاجبيه و هو يرفع رأسهُ حين استمع إلى رنين الجرس، زفر متأففًا و هو يغلق أزرار قميصهِ حتى منتصف صدره و خرج من غرفته حتى بلغ باب المنزل، و ما إن فتحهُ تراخت تعبيراته قليلًا لتتيبّس و هو يشملها بنظراتهِ الثاقبة، فأتاهُ صوتها الحاني:
- وحشتنى
و أقبلت عليهِ خطوة لتدلف منزلها و هي تغمغم باستياء:
- موحشتكش؟
ضاقت عيناه و هو ينظر نحوها بتشككٍ، صفق الباب و استدار بكامل جسدهِ إليها فوجدها تتفحص المنزل الذي صار أشبه بمكانٍ لا يصلح للحياة عقب ذلك التدمير الشامل الذي ألحقهُ بهِ، التفتت نحوه و هي تعاتبه بضيق:
- بردو لسه زي ما انت؟ مش بتعرف تتحكم في عصبيتك أبدًا؟
تقوست شفتيه و هو يحيد بعينيها عنهُ و:
- خيـر؟.. مش كنتي هربانة مني تقريبًا
زمت شفتيها بحنق، ثم فرقتهما لتردد بتمقط:
- و انت مكلفتش حتى نفسك تدور عليا أو تحاول تلاقيني
و خطت نحوهُ.. عانقت عنقهِ بدلال و شرعت تعبثُ بخصلاته المبتلة و هي تهمس أمام شفتيهِ:
- و بعدين كنت ههرب منك فين؟ و أنا كل ما أهرب منك بلاقي نفسي بهرب ليك!
كانت نظراتهِ نحوها متشككة.. هو يعلم حقّ العلم أنها تحيك شيئًا ما غامضًا، "يارا" لن تتنازل بسهولة عن حقّها المسلوب، و ستسعى للانتقام منهُ بطرقٍ هوجاء كسابق عهدها كونهُ المتسبب في مقتل طفلهما، أشاح "يامن" بوجههِ بعيدًا عنها و هو يحل ساعديها عن عنقهِ، ثم ردد و هو يدلف:
- كويس انك عارفة دا
و اختفى بحجرتهِ، فولجت من خلفهِ و نادتهُ لتستوقفه:
- يامن
التفت نحوها مغضنًا جبينه فأردفت و ابتسامة تلوح على ثغرها:
- جعانة.. مش هتطلب لنا أكل؟
و مسحت على بطنها و هي تتابع بشغفٍ غلّف نبرتها:
- البيبي دا خـلاص.. مخليني ليل نهار طفسة! عايزة آكل أي حاجة قدامي
أأُصيبت بانفصامٍ في الشخصيّة؟.. مضى نحوها بخطى بطيئة و هو يسبر أغوارها بعينيهِ، حتى توقف أمامها مباشرة، أخفض نظراته نحو بطنها، ثم إلى وجهها، و هو يردد بتريث جامد:
- يارا.. انتي كويسة؟
أومأت برأسها و هي تنظر نحوه و قد انبعجت شفتيها بابتسامة واسعة:
- طبعًا
و أحاطت وجههُ بكفيها ممررة ابهاميها على شعيرات ذقنهِ التي شرعت تنبت من جديد و هي تتمتم بحبور:
- انت و ابننا معايا.. هكون عايزة إيه من الدنيا أكتر من كدا؟
حملق بها مطولًا و قد شرع يرتاب حقًا، خاصةً حينما أردفت و هي تضيق عينيها مبتعدة عنه قليلًا:
- أنا بس عايزة أفهم إيه اللي حصل خلاني أسيبك و أمشي بالشكل دا، حاسة إني مش فاكرة أي حاجة
ابتعد خطوة عنها و هو يحملق بها و قد صار حاجبيهِ كمسطرةٍ مستقيمة، استشعر خطورة وضعها من بضعة كلماتٍ أردفت بهم، و لكنها تابعت و هي تتحسس بطنها باحتجاج طفولي:
- جعـــانة، ايه يا حبيبي؟ هتسيبني جعانة كدا كتير؟
و خرجت من أمامه و قد تلوت شفتيها سخطًا و هي تتابع متذمرة:
- أوف.. أنا أساسًا لو اعتمدت عليك مش هاكل النهاردة
و راحت تقف في منتصف المطبخ، فتحت البراد، و شرعت تعد لها شطيرة سريعة بالجُبن و تعد كوبًا من الشاي مرافقًا لها، حينما كان هو يقف متصلبًا بمحلهِ.. لا يقوى على الحراك حتى، و فور أن استجمع شتاتهِ.. سحب سترته و همّ بالخروج من المنزل بأكملهِ و هو يشرع في مهاتفة "فارس" مستشعرًا تلك النائبة الجديدة التي حلّت عليهِ:
- أيوة يا فارس.. عايزك تشوفلي دكتور نفسي حالًا، أنا عندي مشوار هخلصه و أرجع تكون لاقيت واحد كويس و....
- حبيبي.. أنا هعمل شاي أعملك معايا؟
تيبس محله و هو يطبق جفونهُ لافظًا أنفاسهِ مستشعرًا ذلك الاختناق الذي عاد يصيبهُ، ثم ردد بصوتٍ تعالى ليصل إليها:
- تـؤ.. أنا نازل
و همّ بالحديث في الهاتف حينما استمع لقول "فارس" الذي التقط صوتها:
- إيه دا؟ هي يارا رجعـت؟
نفض "يامن" خصلاته المبتلة بعصبية و هو يردد بسئم:
- هكلمك تاني يا فارس
و أنهى المكالمة حينما كانت هي تخرج من الردهة المؤدية للمطبخ، وقفت أمامه بوجعٍ عابس، ثم رددت قنوطًا:
- هتنزل و تسيبني أنا و البيبي لوحدنا،.. ينفع كدا؟
أشاح "يامن" بوجههِ عنها و قد شعر بما يعتصر فؤادهِ، ثم انصرف دون أن يعقب بحرفٍ إضافيّ ، فتابعتهُ بنظراتها القانطة حتى أوصد الباب من خلفهِ، تنهدت بحرارة و هي تتأمل حال الشقة من حولها، ثم رددت بتذمر:
- ماشي يا يامن.. مش مسامحاك!
.................................................................
كأنهُ إن سمح لنفسهِ بالسقوط ينهضُ أشد بأسًا عن ذي قبل.
و كان كذلك.. من يراهُ يسير بشموخهِ المعتاد نحو سيارتهِ و هو يخفى عينيه خلف زجاج نظارته لا يتكهن مُطلقًا بانهيارهِ، و لا يتكهن بما يعتمل في نفسهِ من شعورٍ مقيت عقب ما ألحق بزوجتهِ، حتى استقل سيارته خلف المقود و اقتادها بعيدًا عن هنا، زفر قانطًا و هو نفسهُ لا يتمكن من تفسير شعورهِ، و كأنهُ لم يجدها.. و كأنها لا تزال عنهُ تائهة لم يعثر عليها، تلقى اتصالًا هاتفيًا، فسحب هاتفهُ من جيبهِ ليستمع إلى الردّ، ثم تحدث بثبات:
- عظيم
و انخفض صوتهُ قليلًا و هو يردد بلهجة أشبه للفحيح مديرًا المحرك:
- لو حد جه جمبها يبقى قال على نفسهُ يا رحمن يا رحيم!
و أنهى المكالمة.. ترك هاتفهِ و هو يشرع في اقتياد سيارتهِ مدمدمًا بصوتهِ الشرس:
- العين بالعين.. و السن بالسن، و البادي أظلم يا نائف!
............................................................
كانت في حالة ارتخاء رهيبةً و هي تُطبق جفونها مستمعة للصوت المتسلل إلى أذنيها عبر سماعة الأذن التي زوّدت بها هاتفها، حتى تغضن جبينها و هي تنزع إحداهنّ عن أذنيها فظلت واحدة فقط عالقة بها، حملت هاتفها و نهضت عن محلها لتخطو للخارج و هي تسحب حجاب رأسها القريب، خرجت من الغرفة لتتأكد شكوكها، فتجهم وجهها و هي تخطو نحوهُ قاصدة شنّ هجومًا رسميًا و هي تراهُ يعبث مع شقيقتها الصغرى و يدغدغها فتضحك مطولًا بضحكات مدللة و هي تتمايل بين ذراعيه على أعتاب الشقة و قد رفض على الأقل ان يطأها بقدميه معتقدًا أنه بذلك و كأنه لم يفعل شيئًا، حتى انتبها إلى صوتها الهادر:
- بتعمل إيه هنا؟ كمان فتحت الباب بمفتاحك؟
عبس "مايكل" من فورهِ و تقوست شفتيه و هو ينحني ليترك الصغيرة أرضًا ثم انتصب و هو يجيبها:
- لم أفآل.. طرقتهُ و فتحت لي أختك
فاجتذبت "رهف" بنطالهِ للأسفل مجبرة إياه على النظر لعينيها، فسألتهُ بوداعة:
- ماكل.. هو انت ليه بتتكلم زي كارتون نيت وورك " قناة تليفزيونية للأطفال"
تغضن جبينه و هو يسألها بعدم فهم:
-What?
تنهدت "رهيف" بضيق و هي تسحب "رهيف" من أمامه لتكون بجوارها، و لكنها انسحبت من فورها و قد وثبت من محلها متذكرة:
- توم و جيري.. فاته جه!
تابعتها "رهيف" بنظراتها، ثم نطقت بانزعاج:
- بتعمل إيه هنا؟
فرددت و هو يرفع منكبيهِ بسلاسة:
- أتيتُ كي أخبرك أن...
و بحركة مباغتة انتزع تلك السماعة من أذنها عقب أن لاحظها توًا ليضعها في أذنهِ و هو يسألها بفضول:
-What do you hear?
تجعد جبينه أكثر و هو يُقلص المسافة التي بين حاجبيه، فنهرتهُ "رهيف" عن فعلتهِ تلك و:
- انت بتعمل إيه؟.. رجعلي السماعة لو سمحت
و لكنهُ أشاح بوجههِ عنها و هو يتشبث بالسماعة الواحدة قبل أن تحاول سحبها و هو يردد:
- wait..wait, what is that?
صوتًا عذب.. شَجِن.. شجيّ.. مرتل خاشع، صوت.. لم يستمع لمثيله من قبل، انشراحٌ عمّ صدره و هو يستمع للكلمات المنبثقة منهُ، أطبق جفونه مستمتعًا بذلك الصوت الرخيم الذي اخترق حواسه أجمع، و راحة ضجّت بصدره جعلته يعيش حالة من السكون الهادئ، فتح عيناهُ و هو ينظر نحوها و قد ارتخت تعبيراتهِ ثم سألها مستنبطًا:
- أهو كتابكم السماويّ؟
أومأت و هي تردد:
- أيوة.. دا القرآن
اضطر أن ينزع السماعة عن أذنهِ و هو يعتذر لها عن حركته المباغتة:
- I’m sorry to do that .. لم تكن حركة مقصودة
سحبت سماعة الأذن منه.. ثم عادت للخلف محتفظ بمسافة بينهما و قبل أن تتحدث كان يردد بفضول:
it’s amazing- صوت القارئ..
فـ أفضت إليهِ باسمهِ و قد تحمست قليلًا:
- فارس عبّاد.. بحب أسمعه جدًا، صوته بيغلب عليه الشجن، لكن مؤثر جدًا
فـ أيّدها بالرأي و:
good choice- أوافقكِ..
زمّت شفتيها قليلًا و هي تتأمل وجهه، ثم رددت مُطلعة إياهُ على:
- يوسُـف.. اسمها سورة يوسُف
تغضن جبينه قليلًا و هو يردد متذكرًا شيئًا ما:
- يوسف؟.. إنه والد يامن
أومأت برأسها و هي تردد بابتسامة صغيرة شبه مرتبكة:
- أيوة.. يوسف و والده كمان كان اسمه يعقوب، الاتنين كانوا أنبياء
- أثرتِ فضولي أكثر لأعرف المزيد عنهما.. و لكن دعيني أعلمك بسبب قدومي
تغضن جبينها و قد استرعى انتباهها، فرددت متسائلة:
- في إيـه؟
- والدتك.. إنهُ الوقت الأنسب لكي نتمكن من استعادتها من منزلكِ، لقد حادثني راشد، يعتقد هو الآخر أنه تم اختطافكِ من قبل والده، كما طلب مساعدتي لإيجادكِ
زفرت حانقة و هي تحنى بصرها بضيق، ثم سألته:
- طب.. و بعدين؟
- أخبرني أنهُ سيسافر هو و والدهِ لبلدة مجاورة اليوم، إنها فرصتكِ
ارتفع حاجبيها و هي تردد:
- النهاردة؟
فأجابها من فورهِ متعجلًا إياها:
- بل الآن.. عليكِ أن تتعجلي، تعلمين أن المسافة تتطلب ساعاتٍ منا
فرددت بنبرة جادة مُصرة:
- بس رهف هتبقى معانا
و كأنهُ استنبط ما ترمي إليه.. حيثُ مازلت تخشى أن تكون طعنة غادرة منه أو خطة أحكمها حولها، و كأن تلك الصغيرة من ستحميها، و لكنه احتفظ بتعبيرات وجههِ و هو يردد ببساطة:
- بالتأكيد.. و ماذا في ذلك؟.. أسنتركها وحدها مثلًا؟ و كما أعتقد أنها لم تشفى بعد بشكلٍ تام
و نظر في ساعة يده قبل أن ينصرف مرددًا:
- سأنتظركِ بالأسفل، لا تستغرقي الكثير من الوقت
....................................................................
كانت ترتعد خوفًا.. كُل ذرةٍ بجسدها ترتجف خوفًا من مصيرها الذي تجهلهُ، و ما جعلها أكثر ذعرًا، حين انفتح الباب الحديديّ الصدأ على مصراعيه مصدرًا صوتًا مدويّا وسط ذلك الهدوء السائد، أجفل جسدها و قد شعرت بالخوف يتشبع في أوردتها، نهج صدرها علوًا و هبوطًا حتى أقبل عليها، ضاقت عيناها و هي تتأملهُ، ثم غمغمت هلعًا:
- يـ..يامن ؟
أومأ و هو يدنو منها شاملًا لها بنظراتهِ، حتى استقرّ بصره على وجهها الشاحب، توقف أمامها مباشرة فرددت مستوضحة و هي تضيق عينيها:
- انت.. انت اللي عملت كدا يا يامن؟.. أنا مش مصدقة
فكانت نبرتهِ قاسية و هو يطوف حولها حتى توقف خلفها ليحل قيد معصميها:
- احمدي ربك إني مش زي أخوكي الـ***، على الأقل إنتي ضامنة إني مش هاجي جمبك.. في واحدة زيك الله أعلم بحالها دلوقتي
تغضن جبينها و هي تردد بانزعاج ملتفتة نصف التفاتة لهُ:
- يامن.. بليز أنا مسمحلكش تـ...
- شـشـشـش.. مش عايز أسمع تهديدات فارغة
و فور أن حلّ معصميها، نهضت عن جلستها عن ذلك المقعد و هي تلتفت لهُ بسائر جسدها، فرمى "يامن" الحبل السميك أرضًا، حينما كانت تردد و هي تعقد ساعديها أمام صدرها:
- ليه كدا يا يامن؟.. إيه اللي وصلك انت و نائف للحالة دي؟
رد عليها بجفاء تبيّن في نبرتهِ:
- متسألينيش السؤال دا.. إسألي أخوكي
و تهكّم بشراسة مُضيفًا:
- دا لو اتكتبلك تشوفيه تاني
ازدردت ريقها بتوجس من تلك الفكرة التي لاحت أمام عينيها، فحلت ساعديها و هي تتراجع للخلف خطوة عنه متمتمة بارتعاد:
- انت.. هتقتلني
دسّ "يامن" كفيه بجيبيه و هو يردد بسلاسة قاتمة:
- و ليه لأ؟
شحب وجهها أكثر و هي تحملق بوجههِ بأعين اتسعت، و حالما تمكنت من جمع حروفها المبعثرة كان صوت هاتفهِ الذي صدح يطغى على صوتها، أخرج "يامن" هاتفه من جيب سترته و هو يقول هازئًا:
- شكل أخوكي لاقى المفاجأة بدري.. عظيم
و أجاب المكالمة و هو يوليها ظهرهُ، فأتاه صوتهُ الهادر الشرس:
- أختي فين يا يامن؟ أنا متأكد إن انت اللي وراها
أشار "يامن" بجذوتيهِ المتوقدتين و هو يردد باحتدام شمل نبرتهِ:
- دلوقتي افتكرت إن عندك أخت؟.. مفتكرتش دا ليه و انت بتخطف بنت ملهاش ذنب في اللي بيننا؟
فجأر بهِ متعمدًا إثارة غيظهِ:
- يامـن.. أنا لو كنت ناسي إن عندي أخت مكونتش هحوش نفسي عن البت و انت عارفة دا كويس
فاصطبغ وجههُ بالحمرة القاتمة و هو يهدر باستهجان:
- جرب بس تمسّ منها شعرة و أنا هوريك يا ******
تقوست شفتيّ "نائف" و هو يردد بوقاحة:
- ليه بس كدا يا مينو؟ أنا قولت حاجة غلط، البت صغيرة بس تتاكل أكل
كاد يُهشم أسنانه من فرط إطباقهم، ثم فرقهم ليردد من بينهم بفحيح:
- اعمل حسابك.. لو شيطانك صورلك تيجي جمبها فخليك واثق إن اللي هيحصل فيها هيحصل في أختك!
نجح في أن يُشعل فتيل قنبلتهِ ، فجأر بنفاذ صبر و هو يطيح إحدى المزهريات:
- يامــن، لخص و قول اللي عايزه
فكان كلماتهِ واضحة و حاسمة للغاية و هو يردد:
- أختـك.. مقابل أمنية
أومأ "نائف" و هو يردد ساخرًا:
- تمام.. تمام بس عايزك تعرف حاجة مهمة
و ضحك ملء شدقيهِ و هو يردد و كأنهُ سيفاجئه بذلك:
- أمنية مش معايا.. من أول ما رجعت مصر و هي مش معايا
فتشدّق "يامن" و هو يدس كفه بجيبهِ:
- طب ما أنا عارف.. إيه الجديد؟
تلاشت بسمته و هو يشدد من ضغطه على عضلت فكيهِ، ثم ردد بحزم و قد تيبست تعبيراتهِ:
- أختي أول
قوس "يامن" شفتيه ساخرًا و هو يردد باستهجان:
- فاكرني مغفل يالا؟.. و انت من امتى كان ليك عهد؟
و تجمدت نبرتهِ و هو يدمدم بصرامة تامة:
- اللحظة اللي هتكون فيها أمنية معايا، هتكون أختك وصلتك
و أنهى المكالمة.. التفت ليجدها منكمشة على نفسها و كأن أحدهم سكب دلوًا من الثلج فوق رأسها، فشملها بنظرة حالكة من طرفهِ و هو يدمدم ساخرًا:
- متخافيش أوي كدا.. أنا مش و** زي أخوكي، و معتقدش إنهُ هيضحي بيكي بالسهولة دي
و مضى و هو يأمرها بصلابة:
- تعالى ورايا
- فسألتهُ قبل أن تتحرك و هي محدقة به بعينين مذعورتين:
- انت.. موديني على فين يا يامن؟
لم يجبها.. فاضطرت أن تسير من خلفهِ حتى خرجا من ذلك المنزل المهجور، أشار "يامن" بعينيه لها قبل أن يستقلّ سيارته غير مباليًا بها:
- هيودوكي مكان أحسن
و أخفى عينيه خلف نظارته القاتمة، ثم استقل مقعد السائق و هو يصفق الباب خلفهُ صفقة عنيفة، في حين تيبست هي و هي تتابع التهام السيارة للطريق من أسفلها، هي تعلم حقّ العلم أنه لن يتجاوز حدهِ، و لن يخلف عهدهِ، و إن كان قد اختطفها.. فلن يلحق بها سوءً كونها بريئة من تلك الحروب الناشبة بين شقيقها و بينهُ، حتى انتبهت إلى قول الحارس الذي أشار بكفه للسيارة الأخرى:
- اتفضلي حضرتك
أومأت برأسها و هي تستقل السيارة طواعية، عقب أن لفظت زفيرًا حارًا ألهب صدرها و هي تغمغم يئسًا:
- امتى بقى أترحم من أخطائك اللي بدفع تمنها يا نائف.. امتى؟
.............................................................
كانت ساجدة سجدة مُطولة تركت فيها أمانيها و توسلاتها و أدعيتها الجمّة أن يمر اليوم على خير.. أنهت صلاتها ثم رفعت سجادة الصلاة عن الأرضية، سحبت هاتفها، و كادت تدسّه في حقيبتها لولا اتصالهِ الذي جعلها تتسمر متعجبة، و من فورها أجابت و قد تغضن جبينها:
- أستاذ يامن؟
تقوست شفتيه و هو يردد مستوضحًا بلهجة ثاقبة:
- آخر مرة يارا كلمتك فيها امتى؟
ارتفع كتفها و هي تغمغم:
- من.. زمان، تقريبًا آخر مرة كلمتني لما جدتي اتوفت، معرفتش أوصلها بعدها
زمّت شفتيها و قد استشعرت خطبًا ما، فسألتهُ بارتياب:
- هي.. يارا كويسة؟
تفاجأت بإنهاء مكالمتهِ بشكل مفاجئ جعل أعينها تتوسع قليلًا، أزاحت الهاتف عن أذنها و هي تنظر للهاتف متعجبة، ثم دمدمت بعدم ارتياح:
- هو في إيه بالظبط؟ أكيد مش هيسألني عن يارا و هي كويسة!
تفاجأت باقتحام الصغيرة للغرفة و هي تنفخ بتذمر و راحت تردد مشيرة لثيابها التي ارتدتها بطريقة خاطئة:
- رهف.. أنا مش حابة الطقم دا، خلي ماكل يجب لي واحد تاني
شملتها "رهيف" بنظراتها و قد التوى ثغرها ببسمة باهتة، تركت هاتفها في الحقيبة الخاصة بها و خلعتها عنها لتجثو أمامها على ركبتيها، و راحت تخلع عنها كنزتها الرقيقة و:
- انتي لابساه بالقلبة و عايزاه يعجبك؟.. تعالي هظبطه ليكي
..............................................................
عاد إليها سريعًا.. دلف موصدًا الباب من خلفه و هو يبحث عنها بنظراتهِ، خطى بخطوات ثابتة للداخل حتى غرفتهِ، فوجدها تجلسُ أمام منضدة الزينة و قد نقلت كافّة قنينات عطورها هنا، تغضن جبينه و هو ينظر نحوها فكانت تُمشط خصلاتها المبتلة عقب أن بدا لهُ أنها استحمّت، حتى انتبهت إليهِ، نظرت نحوه من طرفها و قد زال عبوسها من فورها، و انبعجت شفتيها بابتسامة و هي تردد قاذفة المشط:
- كويس إنك جيت.. كنت فاكراك هتتأخر عليا، أنا زهقت من القعدة لوحدي
فـ خطى نحوها حتى صار ملتصقًا بها، منذ أن أتت و لم يدقق النظر في تقاسيم وجهها، و كأنه استصعب قبلًا أن ينظر لعينيها، و لكنهُ دقق قليلًا بهما الآن و هي تنظر نحوهُ بذلك الابتهاج، ثم حاد عنهُ و شعورٍ ما يتفاقم بداخلهِ، ثم أردف بنبرة تصلّبت:
- جعانة؟
هزت رأسها نفيًا و قد تلاشت بسمتها قليلًا لتردد:
- لأ.. أنا كلت من شوية
فنظر لعينيها مباشرة من جديد و هو يجعد جبينهُ و:
- لأ؟.. ماشي
و نظر لخصلاتها نظرة عابرة، ثم أردف و هو يحكّ بطرف سبابتهِ أنفهِ:
- مش هتلمي شعرك؟
هزت رأسها بالسلب و هي ترفع كتفيها بسلاسة:
- لأ.. كدا أحسن، أساسًا مش بحب ألمه، لأني بطبعي مش بحب التوك و الخنقة دي!
أومأ و هو يتابع بنظراتٍ ثاقبة:
- عظيم!
فتغضن جبينها و هي تبتسم متعجبة، ثم سألتهُ و هي تضحك بخفوت مستوضحة:
- عظيـم؟ إيه العظيم في دا يا حبيبي؟
فـ إذ بهِ يُطبق بأناملهِ الغليظة على عنقها و هو يدفعها للجدار بجوار منضدة الزينة محاصرًا لجسدها أمام جسدهُ، شحب لون وجهها من حركتهِ المباغتة، و جحظت عيناها الزرقاوين من فورهما من فرط هلعها في تلك اللحظة من ذلك التغير المريب بهِ و قد أبصرت تعبيرات وجههِ الشرس و قد احتقن بالدماء فاصطبغ بحمرة قانية، كشّر "يامن" عن أنيابهِ و هو يقلص المسافة بينهما، و فحّ في وجهها فلفحت أنفاسه المهتاجة بشرتها:
- سؤال واحد.. يا تجاوبي عليه، يا تتشاهدي على روحـك!
و بزغت عروق جبينهُ بوضوح و قد تشنجت عضلات عنقهِ و هو يشدد من قبضته على عنقها:
- يـــارا فيــــن؟!
...............................................
...............
.........................................................
أنت تقرأ
في مرفأ عينيكِ الأزرق
Romansa" مُقَدِمة" أَقْسَـــمَ أن يُذيقَه من نَفـس الكَـأْس و حينَ حَانَتْ لـَحظة الأخذ بالثـَـأْر ظَهـَرَت هى أَمَـامــه كـمَلاك يَــرده عن خَطِيئة الانْتِقَام لـ ينْتَشلها منه عَنوَة فـ يـَحرِق رُوحُـه رُويدًا رُويدًا و لـكن.. لم يَـضَع المشاعر فى ال...