"افتتاحيّـة"
يركض.. و يركض.. و يركضُ، يركض حتى أُهلِكت عضلات ساقيهِ من فرط سرعتهِ المتناهية في محاولة للفرار، و لا يزال يقاوم بأنفاسٍ متلاحقة و صدرٍ ينهج علوّا و هبوطًا، فتتكون سحابة كثيفة من أنفاسهِ من فرط برودة الجوّ و الصقيع الذي يغلّف الأرجاء، من يكن بموقفهِ فـ حتمًا سيكون في أقصى توترهِ.. بل و هلعهِ، إلا أنه على الرغم من ذلك داخلهِ كالجوّ من حولهِ، صقيعًا باردًا، لولا أنه يقصدُ تأديّة واجبًا عليهِ أخيرًا قبل أن يلقى حتفهِ المحتوم، لما كان حاول الفرار و أنهك نفسهُ في شئٍ زائل، لكان تلقّى المنيّة بين ذراعيهِ بالأحضان، و لكن..
لا يزال عليهِ القيام بواجبهِ، لا يفتأ دينًا أخيرًا عليهِ تسديدهِ، و ما عرف عنهُ يومًا إلا بتأدية الأمانات، و سيـفعل، أو أنه سيحاول حتى الرمق الأخير.
ممراتٍ عبرها و أبوابٍ اخترقها، و طرقٍ لا يدري إلى أين تلقي بهِ، حتى دلف عبر بابٍ يتّضح أنه للطوارئ.. و صفعهُ من خلفهِ، و صوت وتيرة أنفاسهِ تدوّي في أذنيهِ، همّ يترجل عن الدرجات هبوطًا، لولا أنهُ توقف محلّهِ ليراقب ذلك الضوء المنبثق من إحدى المصابيح اليدوية و الملقي ظلالِ أشخاصٍ على الجدار المقابل تبيّن وسط الظلمة السائدة، و همساتٍ توصّلت لآذانهِ، و هم يرتقون الدرجات للأعلى حيثُ هو..
فنفخ بنفاذ صبرٍ و هو يتراجع خطوة، ثم غيّر وجهتهِ تمامًا و قد تفاقَم تجهّم وجههِ، بابتلاعِ الدرجات، حينًا ثلاث في خطوة واحدة و حينًا اثنين، تمكّن أخيرًا من أن يصل وجهتهِ التي لم يقصدها، بل كانت مجهولة النهاية، إلا أن لا مفرّ لهُ، وجد بابًا ففتحهُ من فورهِ، بدفعتين متواليتين من كتفهِ، فانخلعت مفاصلهِ، و هوى أرضًا محدثًا دويّ مرتفع، و مخلّفًا كومة من ذرات التراب التي تناثرت حوله، عبر من تجويفهِ، ليجد نفسـهُ أعلى سطح المبنى الشاهق، تيبّس محله.. يراقب الضباب الذي سبح بذيولهِ في الوسط المظلم الحالك من حولهِ، فـ إذ بهدوء الصريم ينقشع تمامًا لدى دنوّ الأصوات من خلفهِ، و اختلاف تردداتها، بل و علوّها، و هو متصلبًا.. لا يدري أيّ الوجهتين أقرب.
گومضةٍ خافقة مرّت أمام عينهِ، حملت مشاهدًا متوالية متباعدة، بوضوحٍ و كأنهُ يشاهد عرضًا سنيمائيّ، و للأسف.. لم يكن العرض الأول، أطبق جفونهُ و صوت نبضاتهِ تدوى في أذنيهِ كالدفوف، محاولًا محو تلك المشاهد المتشبثة بذهنهِ، و قد شعر بالمرارة تصبّ في جوفهِ، ابتلع ريقهُ فـ وكأنهُ يبتلع علقمًا مرّ، بيد أن دينهُ تلك المرة لن يُسـدد.. لن يُسدد أبدًا.
الضباب يلفّ من حولهِ.. يدور و يدور بهِ، كغيمةٍ خيّمت عليهِ، و الأصوات تتقارب و تتقارب، عليهِ أن يُسارع بتحديد مصيرهِ، انتقاءً من الطريقين أمامهِ، و للأسف.. كلا المطافين يقتادانهِ للموت المحتّم، تدفق هرمون الإدرينالين في عروقهِ، حتى كادت تتفجر من كمّ الدماء الذي انساب بغزارة فيها، حتى استجابت عضلاتهِ للانقباض تنفيذًا للإشارات العصبية التي أُنهك عقله من إرسالها، فعاود الركض من جديـد، حتى بلغ الحافّة، فتسمّر.. أيقرّب أجلهِ فيقفز عن ذلك المبنى الذي تلاشت آثار نهايتهِ من فرط العلوّ و الظلام الحالك، أم يترقّب أفراد الشرطة فيأخرّون من نهايتهِ و لو دقائق، و بيد أنهُ استغرق دقيقتين في التفكير كانت كفيلة ليقتحم الأفراد تباعًا بتجمهرٍ حتى اكتظّ بهم الوسط، و أشهرت جميع الأسلحة لديهِ ، فبزغ صوتٌ محتدّ صارم من خلفهِ يحذره:
- سلم نفسك يا "......"، مبقاش عندك حلول!
لم يلتفت، و لكنهُ ظلّ متخشّبًا، و كأنهُ يهدد بإلقاء نفسهِ، فيموت و تموت برفقتهِ الأسرار التي يختزنها في جوْفهِ، و بالفعل،.. توتر الجميع مع هدوئهِ المريب، ككلِ تصرفاتهِ، فعاد يهدر قائدهم من جديد، بصوتٍ أجشّ تردد صداه في المحيط:
- "........"، الموت مش حلّ
حينها فقط اختلط صوت أنفاسهِ الصادر عنه بصوتهِ الغليظ و هو يردد بنبرة جعلت الارتياب يتسلل إلى أنفسهم جميعًا:
- الموت مش النهايـة يا حضرت الظابط، الموت عمره ما هيكون نهايتي!
و باستسلامٍ لم يتوقّعهُ المقدم، رفع "....." ذراعيهِ و أكفّهِ، معلنًا تراجعهِ، و هو يلتفت ليواجههم، فتسلطت الأضواء على وجههِ، فأطبق جفونه و قد تقوست شفتيهِ تأففًا، و بدا الفتور في صوتهِ و هو يدير وجهه قليلًا قائلًا ببرودٍ لا يناسب الوضع المضطرب:
- تـؤ.. إيه الغباوة دي!
و ما هي إلا ثانية واحدة، و كانت الشرطة تلتفّ من حولهِ، ليُـسارعوا بتقييدهِ قبل أن يفرّ من بين أناملهم، عقب ارتكابهِ تلك الجريمة الشنيعة.
...............................................
.................
...................................................................!
روايـة "ما وارهُ الضباب"
#تسنيم_تامر
#ما_واراهُ_الضباب
أنت تقرأ
في مرفأ عينيكِ الأزرق
Romance" مُقَدِمة" أَقْسَـــمَ أن يُذيقَه من نَفـس الكَـأْس و حينَ حَانَتْ لـَحظة الأخذ بالثـَـأْر ظَهـَرَت هى أَمَـامــه كـمَلاك يَــرده عن خَطِيئة الانْتِقَام لـ ينْتَشلها منه عَنوَة فـ يـَحرِق رُوحُـه رُويدًا رُويدًا و لـكن.. لم يَـضَع المشاعر فى ال...