"الفصل الثالث و الأربعون"

789 18 2
                                    

 "الفصل الثالث و الأربعُون"
" لا تتهم حوّاء بضعفها الظاهريّ،.. فـ ما أنّت من خُدش سطحي، ما بـ الأمر أن الخدش توغل لـ شق روحها النازف فـ فاقم إدمائهِ!"
تركت رفيقتها قليلًا و تجولت هنا و هناك و قد شرد ذهنها للغاية، رفضت قطعًا العودة للطاولة، و انتقت مكانًا بعيدًا نسبيًا عنها، وسط الكلأ.. أطبقت جفنيها مستسلمة للنسمات الباردة التي تحيطها، و لم تفتح عينيها إلا حين اصطدم جسدها بجسد صلب، كادت تسقط أرضًا لولا كفيه اللذان اُحكام حول كتفيها ليثبتها، أثناء قولهِ الجاد:
- I am so sorry, are you okay?
فغرت شفتيها غير مستوعبة ما يحدث:
- هاه؟
ابتعدت خطوة للخلف حالما أرخى قبضتيه عنها و قد تضرجت وجنتيها بالحمرة الفاقعة، دوت نبضاتها گالطبول و هي تتلفت حولها خوفًا من رؤية "راشد" لها، تغضن جبينهُ و هو يتأملها جيّدًا و تساءل مجددًا:
-  are you okay?
ارتجفت شفتيها حالما تسلطت أنظارها عليه، ثم أحنت بصرها، و قد نهج صدرها علوًا و هبوطًا من فرط ارتعادها من أن يكون اقتنصها، و على الفور فرّت دون أن تجيبه، فارتفع حاجبيه و هو يلاحقها بنظراتهِ حتى تلاشت من أمامه، فغمغمَ ساخرًا:
- Is she crazy?
...............................................................
تشددت قبضتيهِ بجواره و هو يقف بجسده بالكامل گحائلًا فولاذيّ، بينما يقول محتجًا بضراوة:
- مش هتعرف أي حاجة دلوقتي
فسألتهُ باستنكار:
- أومال امتى يا يامن؟.. عايزها تعرف إمتي؟
فكانت لهجتهِ غامضة كنظراتهِ و هو يقول:
- في الوقت المناسب!
زفرت بحنق شديد و هي تشيح بأبصارها عنه، أثناء قولها و كأن هنالك ما ينهش من خلايا ذهنها:
- مش قادرة أبدًا
حكّ "يامن" ذقنه بسبابتهِ و هو يقول بلهجة ثابتة:
- لازم تقدري، أنا مش بخيّرك
كزّت على أسنانها مشددة على عضلات فكيها، ثم سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهل و هي تحرف أنظارها نحوه و هي تقول و كأنها تضغط على أعصابها:
- حاضر.. حاضر يا يامن، هصبر، و أستحمل الوضع ده، و أتظاهر إن كل حاجة طبيعيّة، و إني برا مصر، هعمل كل ده، عشان بس اتفاقنا
فـ دسّ "يامن" كفيه بجيبيه و هو يشيح بوجههِ عنها، ليشمل المكان حولها بعينيهِ الضائقتين:
- عظيم!
حكت مجددًا عنقها بانفعال و هي تحيد ببصرها عنه:
- مشوفتهاش.. كنت عايزة على الأقل أشوفها!
أخرج إحدى كفيهِ من جيبه و أشار بهِ و هو يردد بصوتهِ الأجشّ:
- تعالي معايا!
استوقفته و هي تتشبث بذراعه بينما تنفي عدة مرات برأسها:
- لأ لأ، خلاص مش عايزة.. مش هقدر
زفر "يامن" أنفاسهِ بعمق، ثم اصطحبها رغمًا عنها و هو يقول بلهجة جامدة:
- اتحكمي في نفسك شوية!
و مضى مجبرًا إياها على الحراك، حتى توقف على مسافة تسمح لهُ برؤيتها من زاوية معينة، تغضن جبينها و هي تضيق عينيها متربة، حتى أشار بسبابتهِ إلى زوجته و هو يقول:
- أهي
كانت في البداية مولية ظهرها له، فأعربت و هي تتأمل قوامها بأعين مغتاظة:
- حلوة، خليني أمشي بقى!
و كادت تستدير بجسدها، و لكنهُ طوق كتفيها بذراعهِ الغليظ فأجبرها على الثبات بمحلها، أطبقت أسنانها و هي تتنهد بضيق، ثم عدت تنظر نحوها بأعين متشوقة لرؤيتها، و قلبٍ يأكله الغيظ، حتى التفتت "يارا" قليلًا و هي تبتسم لرفيقتها.
و گأن صاعقة مسّتها، صدمة شلّت أطرافها حرفيًا و قد توسعت مقلتيها للغاية حتى كادتا تخرجان عن محجريهما، برودة سرت بأوصالها و فقد فغرت شفتيها، نبضات قلبها تكاد تصم أذنيها و هي متيبسة بمحلها غير قادرة على الحراك، هي عزفت عن رؤية أيّ من صورها مسبقًا، و لكنها تمنت توًا لو كانت فعلت.
ضيّق "يامن" عينيهِ و هو يتأمل بنظراته المقتنصة ملامحها المريبة، فسألها مُستشفّا ذلك التغير المريب بها:
- مالك؟
استفاقت إثر صوتهِ، فأشارت بكفٍ مرتجف نحوها و هي تسألهُ بتيهٍ متشكك، عقب أن ابتلعت ريقها:
- مين دي؟
- يارا!
ازدردت ريقها من جديد، و كأنهُ صار كالعلقم المُر، تكبدت العناء كي تسيطر على حالتها، توترها و تلجلجها المفاجئ و الملحوظ أمامهِ، فتهدجت أنفاسها بينما تقول و هي تنظر لساعة يدها بارتباك جلي:
- أنا.. اتأخرت يا يامن، لازم أمشي
و رحلت بخطى متوترة متشبثة بحقيبتها.. تتابعها أنظارهِ الثاقبة و عقله يضجّ بمئات الأفكار، حتى انتبه إلى تلك التربيتة على كتفه فالتفت ليجد "فارس" يقول:
- انت كنت فيـن؟، كان في واحد بيسأل عليك
سألهُ مضيقًا عينيهِ بلا اهتمامٍ يُذكر:
- ميـن؟
أشار "فارس" لنقطة ما خلفه و هو يقول:
- واقف هناك
و تغضن جبينه و هو يبحث عنه بنظراته متلفتًا حوله:
- إيه ده! كان لسه هنا حالًا
فردد "يامن" بلا اكتراث :
- خلاص.. سيبك منه
شدد "فارس" من قبضته على كتفه و هو يقول متنهدًا:
- كان شكله راجل مهم.. راجل كبير كده، مش عارف جنسيته.. لكن قالي إنه عايزك ضروري
لم يعبأ "يامن" كثيرًا لما يقول.. بل ارتكزت أنظارهِ على شخص ما و قد شعر بالدماء تغلي غليّا في أوردتهِ، توهج لون بشرته و التهب حين التقت أعينهما، فردد "فارس" و هو ينظر نحوه مرتابًا:
- في حاجة و لا إيه؟
ارتفع جانب وجهه بابتسامة ساخرة مناقضة لتعابير وجههِ الشرسة و هو يقول:
- ده الحبايب كلهم متجمعين!
انحرفت أنظار "فارس" نحوهُ فابتسم متهكمًا و كأنه تفهم:
- حبايب.. آه!
فرك جانب صدغهِ و هو يقول و قد شعر بالحنق هو الآخر:
- ده بيعمل إيه هنا ده؟
كان يقبل عليهما و ثغرهُ مفترّا عن ابتسامة سمجة بينما يمسك بكأس مشروبهِ، فانحرفت أنظار "فارس" الضائقة نحو "يامن" و هو يسأله بشك:
- انت عرفت انه خرج؟
دس "يامن" كفيه بجيبيه و هو يقول بلهجة ثابتة:
- أكيد يعني حاجة زي دي مش هتفوتني!
كان يخيّل إليهما أنه مقبلًا نحوهما، و لكنهُ تعمد أن يستدير باللحظة الأخيرة منعطفًا بخطواتهِ للجانب قليلًا، تقلّصت المسافة بين حاجبيه  و هو يتابعهُ و قد شعر أنه يوشك على فعلة ما، و كان اعتقادهِ صائبًا.. حيث تحرك نحوها مخترقًا الصفوف، حتى توقف أمامها مباشرة، ابتسامتهِ السمجة تلك تلاشت ليحل محلها ابتسامة ساحرة رجوليّة، وقف منتصبًا أمامها ، ثم انحنى عليها ليسحب كفها بحركة لطيفة، و ألصق شفاهه بظاهرهِ، ثم انتصب مجددًا ليقـول:
- ألف مبروك يا يارا! بتمنى لك السعادة من قلبي
- آه يا ابن الـ*******
و مضى مندفعًا نحوه و هو يكاد يقبض على عنقه فيرديه قتيلًا، استشعر تلك السخونة المنبعثة من جسده بالرغم من لطف الجو، واشتعال رأسهِ و كأن ما يتدفق إليها جمرات لا دماء، بينما "فارس" يتابع ما يحدث بحاجبين مرفوعين، مُتنبّئًا بما يمكن أن يحدث، بعد فعلتهِ الجريئة تلك:
- أوبـا!
انتفضت "يارا" في وقفتها حالما شعرت بذراعه يطوق خصرها، و أنظارهِ الملتهبة مسلطة على الواقف قبالتهما، فانحرفت أنظارهِ الباردة نحوه و قد تلاشت بسمته:
- أهلًا يامن.. ألف مبروك
و عاد ينظر نحوها مجددًا بنظراتٍ والهة:
- انت خدت الجوهرة بتاعتنا، يا ريت بقى تحافظ عليها
تشدد كفه دون قصد على خصرها، بينما "يارا تزدرد ريقها و هي تتلفت حولها خوفًا من تطور الموقف، خاصة حين لاحظت تلك الأنظار الفضولية التي تتابعهم، غير منتبهة لبركانهِ الذي يكاد يثور في أي لحظة، و نظراتهِ التي تبعث شررًا حاميًا نحو ذلك السمج، و ما إن قرر تفريق أسنانهِ المطبقة ليتحدث من بينهما كان نبرتهِ حالكة:
- أهلًا يا نائف.. خرجت امتى من السجن؟
انحرفت نظرات "نائف" المحتدة نحوهُ و هو يطبق على أصابع كفيه بحنق شديد، بينما كانت "يارا" تقول بأعين متوسعة و هي تحرف نظراتها بينهما:
- سـجن!
و ارتكزت ببصرها على "نائف" و هي تسأله باحتداد:
- انت كنت في السجن؟
حمحم "نائف" حرجًا و هو يتطلع لـ "يامن" بأنظارهِ الممتعضة، بينما كان "يامن" يجيبها ببرود يناقض حالة الهياج التي تداهمه دون أن يحرف أنظاره عنهُ:
- أيوة يا حبيبتي، ست سنين.. و لا أنا غلطان يا نائف؟
ارتفع حاجبيّ "يارا" تعجبًا و هي تنظر لـ "نائف" بنظرات ذات مغزى، بينما "يامن" يلاحقه بأنظارهِ الحامية، حتى شعر بضرورة الانسحاب، فغمغم و هو يمرر النظر بينهما بلهجة باردة:
- لأ يا حبيبي مش غلطان، عمومًا ألف مبروك
و ارتكز بأنظارهِ على "يارا" ثم كاد يسحب كفها مجددًا بجرأة بالغة لولا كفّ "يامن" الذي ضمّ كفه قبل أن ينحني و هو يطبق بأناملهِ القوية عليه معتصرًا لهُ في قبضته، فبادلهُ "نائف" نظرات ساخطة و هو يطبق أسنانه بينما كان "يامن" يقول بلهجة صقيعيّة:
- الله يبارك فيك يا نائف.. نورت، متخلينيش أشوف خلقتك تاني!
 و دفعهُ دفعة عنيفة للخلف، فارتد "نائف" للخلف، وازن جسدهُ في اللحظة الأخيرة و هو يتوقف متجمدًا بمحلهِ ليرمقه بأنظار مستشاطة و قد التهب وجهه و طغت الحمرة عليه، ضبط "نائف" سترتهِ و هو يزمجر بغضب، ثم أومأ و هو يتوعده وعيدًا صريح:
- ماشي يا يامن.. ماشي!
حك "يامن" بسبابتهِ الحُرة طرف أنفه و هو يتابعه ببرود شديد، و لكنه شعر و كأنهُ يوشك على دكّ عنقهِ حين انحرفت أنظاره المتوهجة نحو "يارا"، فأخفض كفه و قد تقبض بجواره و هو يكز على أسنانه حتى اهتزت عضلات صدغيه، متابعًا "نائف" الذي شرع يشق طريقهُ بالاتجاه العكسيّ، همست "يارا" محاولة ابعاد ذراعه عنها باحتجاج:
- حاسب دراعك، الناس كلها بتبص علينا!
انحرفت نظراتهِ المتقدة نحوها فشعرت بها تلتهمها حيّة، ازدردت ريقها و هي تبعد كفها عن ذراعه، و قد شعرت و كأنهُ سيقول الكثير، و لكنه عكس توقعاتها، أرخى قبضته عنها حتى حررها، ثم تركها و رحل مبتعدًا عنها تاركًا لها وسط رفيقاتها، دنت منها احداهنّ و هي تسألها بفضول شديد:
- هو ايه اللي حصل؟، ميـن ده؟
رفعت "يارا" كتفيها معربة عن عدم فهمها لما يجري:
- معرفش!
...................................................................
كانت تحمل صحنها بيدها و هي تسحب الطعام بحذر لتنقله لهُ، و لكنها عبست قليلًا و هي تقول:
- إيه ده؟، البروست خلص؟ لحق!
حتى تفاجأت بتلك اليد الممدودة لها لتترك قِطع الدجاج بصحنها، التفتت نحوهُ لترمش مرات عديدة، و لكنه لم يلتفت نحوها، تأففت و هي تكاد تترك الصحن من يديها، و لكنهُ قال بلهجة شديدة:
- اثبتي.. متلفتيش النظر
 كزت على أسنانها و هي ترفع أنظارها المحتجة إليه لتردد بلهجة مستنكرة:
- انت عايز إيه بالظبط؟ مش كفاية جيبتني غصب عني!
حينها انحرفت أنظارهِ المتوهجة ناحيتها ليردف بلهجة جادة ذات مغزى:
- كان لازم تشوفي بعينك!
و أشار بكفهِ لنقطة ما حيث "يامن" المطوق لخصر "يارا" قائلًا:
- يمكن تقدري تقتنعي
أطبقت على أسنانها أكثر و هي ترمقهم بأنظارها المشتعلة، ثم بحركة عنيفة تركت الصحن أمامه، فأردف "فارس" ببرود:
- خديه!
قالت "ولاء" قبل أن تشرع في التحرك مبتعدة:
- نفسي اتسدت!
......................................................................
عادت "رهيف" لطاولتها و هي تبحث بأنظارها عن "راشد"، و لكنها لم تجده، مما جعل الخوف يتسرب في أوردتها، سحبت مقعدها بارتجاف لتعتليه و هي تسأل خالها:
- خالي.. هو راشد فين؟
أشار "متولي" لنقطة ما خلفها:
- بيبارك للعريس ، مشوفتهوش عاد و لا ايه؟
ازدردت "رهيف" ريقها، ثم سحبت حقيبتها مجددًا و هي تستأذنه:
- طب.. ثواني و راجعالك يا خالي
 و لم تنتظر رده، حيث انطلقت نحوهُ من فورها، خوفًا من أن يحدث صدامًا بين كلاهما، فهي تعلم "راشد" جيّدًا، لن يتحمل غطرسة "يامن" و تعجرفهِ، وقفت على مقربة منهما، فكان "راشد" و كأنهُ وصل إليه توًا، امتد كف "راشد" نحو "يامن" الذي يدس كفيه بجيبه و قد بدا الجفاء على ملامحه، شملهُ "يامن" بازدراء تام ثم توقفت أنظاره على يده الممدودة بينما يبتسم "راشد" بود:
- ألف مبروك يا عريس، أنا راشد.. ابن خال رهيف صاحبة يارا!
تقوست شفتي "يامن" و أنظارهِ الثاقبة تتسلط على عينيه مباشرة، متجاهلًا كفه الممدود، حتى شعر " راشد" بالحرج، و الحنق في ذات الوقت، سحب كفه إليه و هو يحمحم، بينما كان "يامن" يقول ببرود:
- أهلًا!
 - راشد
تفوّهت بها "رهيف" و هي تقف على مقربة منه و قد تدخلت في الوقت المناسب بالفعل أخرجته من حالة الهياج التي كادت تنتابه لدى معاملة "يامن" الجافّة و المزدرية، و لكنها لوت ثغرها بابتسامة مرتعشة و هي تهمس:
- عايزاك.. معلش
أومأ "راشد" و هو يتحرك نحوها، بينما ارتكز "يامن" بأبصارهِ التي تحمل مغزى لم تفهمه عليها، حتى تفاجأت بأنظارهِ تذهب بعيدًا للغاية لمنطقة تقريبًا شبه خالية من الضيوف، فتفهمت نوعًا ما مقصده، أومأت برأسها بحركة لا تكاد تلحظ، بينما كان "راشد" يسير جوارها غير مدركًا ما يحدث من خلفه و هو يسألها بامتعاض:
- ماله ده؟، بيبص لي بقرف كده ليه؟
تنفست الصعداء و كأنها استشفت نوعًا ما أنهُ لم يلحظ ما حدث منذ قليل، ثم أردفت بانشراح:
- لأ.. متاخدش في بالك، هو دايمًا كده!
فأشار "راشد" مستنكرًا:
- دايمًا كده؟ ازاي يعني؟
انحرفت أنظار "رهيف" نحو رفيقتها المقربة فتوقفت محلها و هي تهمّ بالانعطاف نحوها أثناء قولها الضجر:
- يا راشد هو كده، بقولك إيه، أنا هروح أشوف يارا
فقال مقطبًا جبينه:
- يارا! انتي مش قولتي عايزاني؟
فتهربت منه كعادتها:
- بعدين يا راشد.. بعدين!
 و فرّت من أمامه، تتابعه أنظارهِ الحانقة و هو يتخصر بكف، و بالكف الآخر يحك جلد وجهه بانفعال متأففًا بقوة:
- أوف!
قضت برفقتها القليل من الوقت و هي تتابعهُ خِلسة ريثما تتأكد من إنشغالهِ عنها، و حالما حدث.. كانت تترك رفيقتها متملّصة من بين الفتيات، حتى بلغت ذلك المكان الذي أشار إليه، وجدتهُ بالفعل يقف موليّا ظهره لها، عاقدًا كفيه خلف ظهرهِ، منتصبًا بكفيه، للحظة أهابها، و لكنها حاولت السيطرة على رجفة جسدها و هي تعبث بتوتر بكفيها، خرج صوتها متلعثمًا و هي تقف على مسافة معقولة منه:
- أستاذ يامن؟
انتبه إليها، فالتفت نحوها أولًا لينظر نحوها بنظرات غامضة، ثم استدار بجسده بالكامل و هو ينتصب أكثر بكتفيه، أحنت نظراتها المرتبكة عنه و هي تقول باضطراب واضح:
- حضرتك قلقتني.. هو في إيه؟
أشاح "يامن" بأنظاره القاتمة عنها و هو يقول بلهجة غامضة:
- سمعت إنك وافقتي؟
أطبقت جفنيها و قد تفهمت مقصه، ثم أومأت بضيق:
- أيوة
حرر "يامن" كفيه ليحك صدغه و هو يسألها بنبرة أثارت ريبتها:
- يا ترى انتي تعرفي إيه عنه؟
ارتفعت أنظارها إليه و هي تطرد زفيرًا حارًا من صدرها، ثم قالت ببعض من التوتر:
- ابن خالي، و أعتقد إنه.. أخلاقه كويسة، و انسان كويس، بيحب شغله، معتقدش إنه مش مناسب
- نــصاب!
وقعت الكلمة عليها وقع الصاعقة، عقدت حاجبيها و هي تسأله بعدم استيعاب:
- أفنـدم؟
كان متصلبًا للغاية و هو يعقد ساعديه أمام صدره قائلًا و هو ينظر نحوها:
- نصاب.. هو و أبوه، عايز يتجوزك بأمر من أبوه عشان أرض أبوكي اللي انتي رافضة تبيعيها، وقتها هتكوني مراته.. يتحكم في الأرض، يجبرك على بيعها، مش هتقدري تعترضي!
شعرت و كأن هنالك ما يُطبق على صدرها، توسعت عيناها و قط حطّت كلماتهِ گالصقيع على قلبها، شعرت بدمائها تفرّ من أوردتها، تلاحقت أنفاسها و هي تعود خطوة للخلف و قد ترقرقت العبرات في مقلتيها بينما تهمس بعدم تصديق:
- مستحيـل!
«كان متشككًا بأمرهِ، خاصة حين أمر رجلهِ التابع له بالتقاط صورة للأخير على حين غفلة، و فور أن تأمل ملامحه شعر و كأن هنالك شيئًا ما خلف ملامحهِ الوسيمة تلك، و كأن عيناهُ تبدوان خبيثتين على الرغم من إخفائهِ لذلك، و لكنهُ لم يثق به مُطلقًا،.. حتى أمر رجلهِ بتتبعه هو الآخر، و محاولة معرفة ما يخفيه ذلك الرجل، حتى و بالفعل أتتهُ الفرصة على طبق من ذهب، حين كان الوقت مبكرًا للغاية.. تقريبًا بعد صلاة الفجر بينما يعودان من المسجد القريب، حتى تفاجأ بانحراف مسارهما، اختفيا عن الأعين بمنطقة شبه خالية من البشر وسط الغيطان، توقف مختبئًا خلف أحد الأشجار و هو يتنصت عليهما، فوصلهُ صوت "راشد" المحتج:
 أنا مش قادر يا بابا، مش قادر أفضل أخدعها كده!
لكزهُ "متولي" بعنف في كتفهِ:
- انت هتجول إيه يا واد إنت؟ اتجنيت و لا إيـه؟، احنا كنا مصدجين البت توافج، عشان تيجي انت و تجول مش جادر؟
زمّ "راشد" شفتيه و هو يحاول التبرير بتريث:
- يا بابا،.. بصراحة، رهيف طيبة أوي، مقدرش أعمل فيها حاجة زي دي!
التهبت عينيّ "متولي" و هو يجأر بهِ:
- جسمًا عظمًا يا راشد، إن فكرت بس تبوظ الجوازة دي، لاكون متبري منك، لا هتكون ابني، و لا أعرفك
شُده "راشد".. ظل متيبسًا بمحله يرمقه بعينيه المتوسعتين ثُم قال بعدم استيعاب:
- بابا!، انت.. بتقول إيه؟
 تقوست شفتيّ "متولي" و هو يمر من جوارهِ ليتقدم عنه خطوتين موليًا ظهره له و هو يشمل المكان من حولهِ:
- مهتجيش تخرب كل اللي عملته لما خلاص أمي حددت كل حاجة و البت وافجت!
و نظر خلفه و هو يقول مؤنبًا بجفاء:
- انت متعرِفش أنا عملت ايه عشان نوصل لهنهِ، متعرفش أنا تعبت جد إيه عشان أجدر أقنعها و أملي راسها بالحكاية دي!
كزّ "راشد" بعنفٍ على أسنانه و هو يلتفت نحوه ليقول من بين أسنانه المطبقة:
- يا آبا.. يا آبا افهمني الله يخليك، لا أنا بحبها و لا هي بتحبني، لكن صعب.. دي مهما كانت بنت عمتي! انت مش هامك أختك خالـص؟
مسح "متولي" بلسانهِ على أسنانه و هو يحيد بأنظارهِ الحاقدة عنه ليقول بلهجة ثابتة:
- أختي على عيني و على راسي.. لكن بتها لع، بت فؤاد متهمنيش!
زفر "راشد" حنقًا و هو يمسح على وجهه بعنف حتى احمرّت بشرتهِ، هو يدرك ذلك العداء القديم بين والده و والد "رهيف"، و لكنه لم يرد أن يخلق مجالًا لينحرف الموضوع إلى ذلك، لذا فأردف:
- بابا، فيها إيه لو حاولت أقنع رهيف تبيع الأرض
- حاولنا جبل سابج، البت دي مهينفعش معاها الطريجة ديْ!
زفر "راشد" بقنوط و هو يخطو نحوه ليتوسلهُ:
- نحاول تاني.. تاني و تالت و رابع، اللي يخيلها توافق تتجوز مني، يخليها توافق تبيع الأرض!
فهدر حينئذ الحاج "متولي" و قد سئم الحديث الذي طال:
- راشـــد، نهاية الحديت، هتتجوز بت أختي، و دِه آخر كلام عندي!
و لم ينتبه كلاهما.. إلى ذلك الرجل الذي كان يلتقطهم بعدسة هاتفه.. في مقطع مرئي "ڤيديو"، ليبعثهُ لربّ عمله»
تأمل "يامن" حالتها المبهوتة قبل أن يحيد بأبصارهِ الجافة و هو يقول:
- متثقيش في حد زيادة عن اللزوم.. عشان متتصدميش الصدمة دي مرة تانية!
و تركها و انصرف بينما هي تقف محلها لا تقوى على الحراك، حاولت أن تبتلع تلك الغصة العالقة في حلقها، و كأن جوفها تعبّأ بالمرارة، فاستثقلت ذلك الشعور المميت، عينيها المتوسعتين قد  هطلت دموعها بغزارة على وجنتيها دون أن تحسّ بذلك حتى، شعرت بساقيها كأنها هلام، فخرت على ركبتيها مستسلمة لذلك الخور، أطبقت جفنيها و هي تدفن وجهها بين كفيها بينما تهمس من بين نحيبها الخافت:
- ليــه؟، ليه لما حاولت أثق فيك تعمل كده!، ليـه يا راشد؟
و صرخت صرخة نبعت من جرح فؤادها الذي فُتق توًا:
- ليـــه؟ 
.......................................................
كانت صدمة بالنسبة له، خاصة أنهُ لم يدرك تواجده سوى الآن من بين تلك الجموع، أو لربما لأنه مهتمًا بشخص واحد فقط دونًا عن غيره، رفرف بعينيهِ  و الأخير يقف أمامه و يتضاحك بمرح بينما يربت على كتفه:
- I was so excited to see your expressions!
" كنت متحمّسًا لرؤية تعبيراتك"
فاغرًا شفتيه، لم ينبس بكلمة واحدة، حتى انتبه إلى تلك اللكزة العنيفة التي حطت بكتفهِ:
- بدل ما تتعب نفسك.. جبتهولك لحد عندك!
فصاح "مايكل" فور رؤيته:
- yamen!.. congratulations man
و دنا منه ليعانقه مربتًا على كتفه بينما يقول:
- Miss you..really!
أبعدهُ "يامن" و هو يقول متأففًا:
- و انت موحشتنيش، ابعد بقى!
فربت "مايكل" على كتفه بقوة و هو يضحك بحبور، مدمدمًا:
- و اشتقت إلى صراهتك!
تقلصت المسافة ما بين حاجبيّ "يامن" و هو يردد:
- فُصحى! ماشي
احتفظ "مايكل" بابتسامته و هو يشير بعينيهِ لرفيقه المقرب:
- I learned it for him
" تعلمتها لأجلهِ"
و أطال النظر نحوه قليلًا، مترقبًا أن يصدر عنه أي ردّ فعل، و لكنه كان جامدًا و كأن وقع الصدمة لم يزُل عنه بعد، فردد يشكوه لـ "يامن" باستنكارٍ:
- look.. He didn’t care to huge me or talk at least!
" انظر؟.. لم يكترث لمعانقتي أو حتى التحدث على الأقل"
رمش "فارس" عدة مرات و هو يقول مستهجنًا و قد بدأ توًا يستوعب وجوده:
إيه يا مايكل الله يخربيتك!، انت إيه اللي جايبك؟ huge-
 و تلفت حوله و هو يسأل بارتياب:
- البت أسيليا فيـن، تلاقيها مستخبية في جيبك، أنا عارفها عفريتة! بتنط في أي حتة
جلجل صوت ضحكات "مايكل" ثم قال بتكسرٍ من بين ضحكاتهِ و هو يربت على كتفه:
- لا تقلق، لم تألم "تعلم" أنني سافرت!
فارتكز "فارس" ببصرهِ عليه و هو يقول:
- قول و النبي؟
حملق كليهما ببعضهما البعض لما يقارب الدقيقة، ضحك "فارس" ملئ شدقيهِ إثر رؤيتهِ لثغر رفيقه الأقرب ينبعج بابتسامة واسعة، فـ إذ بهِ يفتح ذراعيهِ ليتعانق كلاهما، ربت حينها "فارس" على ظهرهِ بقوة، ثم قال:
- Miss you micheal..really I missed you!
....................................................................
كان قد انسحب بذهنهِ من بينهم و هو يبحث بعينيهِ عنها عفويًا، حتى وجدها تجلس بين عائلتها، و لكن تلك الـ"ولاء" غير موجودة، فقط هي و والدتها و خالها، و قد بدت منشرحة الصدر و هي تحادثهم، و لكنه ارتاب من تلك الفتاة التي يعلم نواياها جيّدًا، تلفت حولهُ باحثًا عنها و لكن لم يجدها، فانسل من بينهم، و قد شعر أن هنالك شيئًا ما تحيكه تلك الحيّة.
.............................................................
انسحب قليلًا من حصارهِ _ و على مبسمهِ ابتسامة عريضة حينما يتذكر بلاهتهِ و أسئلته التي شرع يلقيها على مسامعهِ واحدًا تلو الآخر_ منتويًا التدخين في تلك البقعة النائية عن الضيوف، و لكن.. تغضن جبينه و قد اخترق أذنيه ذلك النشيج الخافت، حثّ خُطاه حتى بات على مقربة منها، فسأل متشككًا بلهجة خشنة:
- are you okay?
ارتفعت عيناها الدامعة إليه فانعقد حاجبيه أكثر و هو يقول مستنكرًا:
- you?.. again?
و هي واجمة الوجه.. تتأمل ملامحه الغربية تلك المرة فتيقنت كونهُ أجنبيًّا، تقوست شفتيها استخفافًا و هي تنهض عن الأرضية، و قد شعرت و كأنهُ يلاحقها:
- يعني هي ناقصة أجانب و رخامتهم! حاجة تقرف، أوف.. استغفر الله
و نزحت دموعها و هي تهمّ بالسير ، استدارت و لكنها تيبست حالما كان يردد، مازجًا اللغة الدارجة بالفُصحى، و بلهجة متكسّرة و هو يعقد ساعديه أمام صدره:
- أظن مغلطتش.. لأتلقي ذلك التوبيخ!
...............................................................
و ما إن كان يمضى نحوهم التقطها بأعينه.. حيث كانت تسير بخطواتها المتعرجة حاملة أسطوانة غازية ، و ترتشف منها، بينما أعينها مُسلطة عليها، و ابتسامة خبيثة تتراقص على شفتيها، و ما إن دنت حتى فعلت ما انتوت.. تظاهرت و كأن كفها ارتعش فجأة، فسقطت الأسطوانة منها، فُوهتها مُسلطة على ملابسها التي أرادت إفسادها لربما تتمكن من إفساد يومها، و تنغيص فرحتها تلك، و لكن للأسف.. حدث ما لم تتوقع، و قد سقطت الأسطوانة على ملابس ذلك الحائط البشريّ الذي وقف أمامها فجأة، فغرت شفتيها و هي تتراجع للخلف رامشة بعينيها عدة مرات، بينما هبّت "يارا" واقفة على قدميها و قد لاحظت نظراتهِ الشرسة المسلطة على شقيقتها، سحبت عدة محارم ورقية من العلبة القريبة، ثم حاولت أن تُسعف الموقف و هي تقول بارتباك بينما تمررها على قميصه و سترتهِ:
- هي متقصدش
 و نهضت "حبيبة" هي الأخرى لتدور حول الطاولة و هي تقول:
- معلش يا يامن.. أصلها تعبانة شوية
و گأنها بغبائها منحتهما فرصة التقارب مجددًا، بينما شقيقتها تتلمس صدره محاولة نزح المشروب الغازيّ عن ملابسهِ، و ما جعلها أكثر امتعاضًا حين انحرفت أنظار "يامن" الشرسة عنها لتتيبس عليها، فتبدلت.. و رأت بعينيها ذلت التغيير، من الشراسة.. إلى نظرة أخرى جعلت الدماء تغلي في أوردتها، كزت على أسنانها و هي تتقدم منها بتهور لتسحب المحارم من كفيها هاتفة باندفاع:
- سوري يا جوز أختي،.. مش أنا عملت كده، هصلح اللي حصل
و ارتفع حاجبيّ "يارا" استنكارًا حينما دنت "ولاء" منه للغاية مقلصة المسافة بينهما و هي تلوى ثغرها بابتسامة باهتة، ثم قالت و كأنها تتدلل:
- سوري للمرة التانية، بجد مكنتش أقصـد!
و تجلى الظفر في عينيها، و قبل أن تتلمس صدرهُ بأناملها كان يسحب المحارم الورقية منها بحركة عنيفة ليُسلمهم لزوجتهِ:
- مراتي موجودة، مش محتاج مساعدتك!
و بدلًا من أن يمضى بعيدًا ليخلع سترته أو يبدل ملابسه كما انتوى منذ قليل قبل فعلتها الجريئة للغاية تلك، كان يستسلم لـ "يارا" التي تناولت منه المحارم الورقيّة، و هي توزع النظرات المتعجبة بين الجميع، بينما تمسح على ملابسهِ بهم، بينما هي تقف كمن يسرى الحميم في أوردتها، تقبض كفيها حتى ابيضت مفاصل أصابعها، لم تتمكن من الوقوف هكذا و المشاهدة، فراحت تنسحب من بينهم، تضرب بخطواتها الأرض بتشنج شديد، تتابعها أنظارهِ القاتمة.
.......................................................
التفتت نحوهُ و هي ترمقه بتعجب فاغرة لشفتيها، ثم غمغمت بعدم تصديق:
- انت.. بتتكلم؟
خطى "مايكل" نحوها و هو يتأملها بنظرات باردة أثناء سؤالهِ:
- أأبدو لكِ أخرسًا؟
ازدردت ريقها و هي تطبق جفنيها ثم قالت متلعثمة:
- قـ..ـصدي عربي، قصدي إنت بتتكلم عربي؟
ارتفع كتفيهِ و هو يقول مُضيّقًا عينيه:
  you have a problem in your ears! - أليس واضحًا؟ أم..
"تعانين من مشكلة في الأذن"
سحبت "رهيف" شهيقًا عميقًا زفرته متمهلة ثم قالت و هي تحذره بينما تطبق اسنانها:
- شوف يا اسمك إيه، أنا.. بجد مش في مزاج أواجه حاجة زي دي دلوقتي
و كأنهُ تفهم مقصدها، و لكنهُ ظلّ مضيقًا عينيه الخضراوين و هو يسألها بشئ من الاستنكار:
- What !..What did you mean
"ماذا!.. ماذا تقصدين؟"
أشاحت بكفها و هي تحدجه بغيظٍ متّقد:
- قصدي إنك بتراقبني، ماشي ورايا في كل حتة!
ارتفع حاجبه الأيسر استنكارًا و هو يقول مخرجًا علبة سجائره من ملابسهِ و مشهرًا لها في وجهها:
- Wrong!.. I’m coming to smoke!
" خطأ.. أتيتُ للتدخين"
و التوت شفتيهِ باستخفاف و هو يقول:
- and I’m sorry to say that.. But Who are you to think that I’ll follow you!
" و أعتذر لقول ذلك، و لكن من أنتِ كي تظنين أنني سأتبعك"
و شاب نبرتهِ التكسّر و هو يتمتم:
- إنها.. الصدفة كما تقولون!
رمشت عدة مرات بغيظٍ جلي و قد توهج لون بشرتها، شملته بنظراتٍ نافرة، ثم تحركت لتخطو مبتعدة و هي تزفر بحنق جليّ، تضرب الأرض بقدمها بتشنج واضح، تابعتها انظارهِ التي شملت جسدها المتخفي خلف ثوبها الواسع ثم أشعل سيجارتهِ و قد حازت على جزءً من تفكيرهِ، ترك دخان سيجارته أمام شفتيه فصنع سحابة رمادية، بينما يقول بتحيُّر:
- Who is she?
......................................................................
مضت نحو طاولتها و عينيها تطلقان شررًا، ضعفها.. و بكائها الحارق منذ قليل تحوّل لقوةٍ اختزنتها في روحها الضعيفة، رمقتهُ شزرًا...خالها، كانت محقة بشأنهِ، هو لم يتقبلها و لو ليوم واحد، لم يكن لها أي مشاعرًا سوى الكره، حتى انحرفت أنظارها نحو ذلك الوسيم الغادر، لم تكن صدمتها بخالها گصدمتها بهِ، هو من حاولت خلال الايام الماضية أن تتقبل وجوده في حياتها، لم يكن بينهما توافق قبلًا.. و لكن خلال تلك الأيام حاولت قسرًا أن تصنع له مكانًا في قلبها، و تخشى.. تخشى للغاية من أن تكون نجحت في ذلك، و لكن بيد أنها فعلت حقًا، ذلك الشعور الذي يكوي فؤادها ما هو إذًا إن لم تكن فعلت؟، إن لم يكن تسلل لحصونها التي شيّدتها حول مضغتها النابضة، سحبت حقيبتها بانفعال حالما توقفت أمام الطاولة، فارتفعت أنظار "راشد" نحوها عفويًّا، تغضن جبينه و هو يتأمل ملامحها المتشنجة، فضيّق عينيه و هو  يقف مستقيمًا ليقول مستوضحًا:
- مالك؟ في حاجة؟
انتقلت أنظارها المتوهجة نحو خالها الذي عقد حاجبيه بعدم فهم، ابتلعت "رهيف" تلك الغصة العالقة في حلقها و نظراتها المشبعة بالعتاب الجاف مسلطة عليه، ثم أردفت بلهجة قوية و كفها يتقبض على حقيبتها:
- خالي.. ممكن دقيقة على جمب لو سمحت
امتد كفّ "راشد" إلى ساعدها تلقائيًا ليجبرها على النظر لعينيه و هو يسألها مرتابًا:
- في إيه يا رهيف؟، إيه اللي حصل بالظبط؟
اجتذبت ذراعها بعنف من قبضته دون أن تكلف نفسها عناء النظر إليه، نظراتها المحتدة مسلطة على خالها، ثم أردفت بلهجة أكثر بأسًا:
- معلش يا خالي، دقيقة معايا لو سمحت!
تنهد " متولي" و هو ينهض عن جلستهِ بوجه عابس، بينما تتابعهُ أنظار "راشد" ثم قال بلهجة حاسمة قبل أن يتحرك:
- رهيف..قولي اللي عايزة تقوليه قدامي.. انتي بتقلقيني، إيه اللي حصل؟
حينها انحرفت أنظارها إليه، مؤنبة.. تلك الدمعة التي ترقرقرت في مقلتيها كانت گطعنة نافذة لقلبهِ، حرف أنظاره بين عينيها و هو يستفسر بنظراته، بينما كانت تقول "رهيف" بلهجة مبحوحة حاولت أن تجعلها متماسكة:
- بعديـن.. يا راشد، هتفهم كل حاجة
 و قبل أن تحثّ الخطى كانت تقول:
- لينا كلام مع بعض.. كلام كتيـر!
...........................................................
............................
...................................................................................
 
 
  
 "الفصل الثالث و الأربعُون"
" لا تتهم حوّاء بضعفها الظاهريّ،.. فـ ما أنّت من خُدش سطحي، ما بـ الأمر أن الخدش توغل لـ شق روحها النازف فـ فاقم إدمائهِ!"
تركت رفيقتها قليلًا و تجولت هنا و هناك و قد شرد ذهنها للغاية، رفضت قطعًا العودة للطاولة، و انتقت مكانًا بعيدًا نسبيًا عنها، وسط الكلأ.. أطبقت جفنيها مستسلمة للنسمات الباردة التي تحيطها، و لم تفتح عينيها إلا حين اصطدم جسدها بجسد صلب، كادت تسقط أرضًا لولا كفيه اللذان اُحكام حول كتفيها ليثبتها، أثناء قولهِ الجاد:
- I am so sorry, are you okay?
فغرت شفتيها غير مستوعبة ما يحدث:
- هاه؟
ابتعدت خطوة للخلف حالما أرخى قبضتيه عنها و قد تضرجت وجنتيها بالحمرة الفاقعة، دوت نبضاتها گالطبول و هي تتلفت حولها خوفًا من رؤية "راشد" لها، تغضن جبينهُ و هو يتأملها جيّدًا و تساءل مجددًا:
-  are you okay?
ارتجفت شفتيها حالما تسلطت أنظارها عليه، ثم أحنت بصرها، و قد نهج صدرها علوًا و هبوطًا من فرط ارتعادها من أن يكون اقتنصها، و على الفور فرّت دون أن تجيبه، فارتفع حاجبيه و هو يلاحقها بنظراتهِ حتى تلاشت من أمامه، فغمغمَ ساخرًا:
- Is she crazy?
...............................................................
تشددت قبضتيهِ بجواره و هو يقف بجسده بالكامل گحائلًا فولاذيّ، بينما يقول محتجًا بضراوة:
- مش هتعرف أي حاجة دلوقتي
فسألتهُ باستنكار:
- أومال امتى يا يامن؟.. عايزها تعرف إمتي؟
فكانت لهجتهِ غامضة كنظراتهِ و هو يقول:
- في الوقت المناسب!
زفرت بحنق شديد و هي تشيح بأبصارها عنه، أثناء قولها و كأن هنالك ما ينهش من خلايا ذهنها:
- مش قادرة أبدًا
حكّ "يامن" ذقنه بسبابتهِ و هو يقول بلهجة ثابتة:
- لازم تقدري، أنا مش بخيّرك
كزّت على أسنانها مشددة على عضلات فكيها، ثم سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهل و هي تحرف أنظارها نحوه و هي تقول و كأنها تضغط على أعصابها:
- حاضر.. حاضر يا يامن، هصبر، و أستحمل الوضع ده، و أتظاهر إن كل حاجة طبيعيّة، و إني برا مصر، هعمل كل ده، عشان بس اتفاقنا
فـ دسّ "يامن" كفيه بجيبيه و هو يشيح بوجههِ عنها، ليشمل المكان حولها بعينيهِ الضائقتين:
- عظيم!
حكت مجددًا عنقها بانفعال و هي تحيد ببصرها عنه:
- مشوفتهاش.. كنت عايزة على الأقل أشوفها!
أخرج إحدى كفيهِ من جيبه و أشار بهِ و هو يردد بصوتهِ الأجشّ:
- تعالي معايا!
استوقفته و هي تتشبث بذراعه بينما تنفي عدة مرات برأسها:
- لأ لأ، خلاص مش عايزة.. مش هقدر
زفر "يامن" أنفاسهِ بعمق، ثم اصطحبها رغمًا عنها و هو يقول بلهجة جامدة:
- اتحكمي في نفسك شوية!
و مضى مجبرًا إياها على الحراك، حتى توقف على مسافة تسمح لهُ برؤيتها من زاوية معينة، تغضن جبينها و هي تضيق عينيها متربة، حتى أشار بسبابتهِ إلى زوجته و هو يقول:
- أهي
كانت في البداية مولية ظهرها له، فأعربت و هي تتأمل قوامها بأعين مغتاظة:
- حلوة، خليني أمشي بقى!
و كادت تستدير بجسدها، و لكنهُ طوق كتفيها بذراعهِ الغليظ فأجبرها على الثبات بمحلها، أطبقت أسنانها و هي تتنهد بضيق، ثم عدت تنظر نحوها بأعين متشوقة لرؤيتها، و قلبٍ يأكله الغيظ، حتى التفتت "يارا" قليلًا و هي تبتسم لرفيقتها.
و گأن صاعقة مسّتها، صدمة شلّت أطرافها حرفيًا و قد توسعت مقلتيها للغاية حتى كادتا تخرجان عن محجريهما، برودة سرت بأوصالها و فقد فغرت شفتيها، نبضات قلبها تكاد تصم أذنيها و هي متيبسة بمحلها غير قادرة على الحراك، هي عزفت عن رؤية أيّ من صورها مسبقًا، و لكنها تمنت توًا لو كانت فعلت.
ضيّق "يامن" عينيهِ و هو يتأمل بنظراته المقتنصة ملامحها المريبة، فسألها مُستشفّا ذلك التغير المريب بها:
- مالك؟
استفاقت إثر صوتهِ، فأشارت بكفٍ مرتجف نحوها و هي تسألهُ بتيهٍ متشكك، عقب أن ابتلعت ريقها:
- مين دي؟
- يارا!
ازدردت ريقها من جديد، و كأنهُ صار كالعلقم المُر، تكبدت العناء كي تسيطر على حالتها، توترها و تلجلجها المفاجئ و الملحوظ أمامهِ، فتهدجت أنفاسها بينما تقول و هي تنظر لساعة يدها بارتباك جلي:
- أنا.. اتأخرت يا يامن، لازم أمشي
و رحلت بخطى متوترة متشبثة بحقيبتها.. تتابعها أنظارهِ الثاقبة و عقله يضجّ بمئات الأفكار، حتى انتبه إلى تلك التربيتة على كتفه فالتفت ليجد "فارس" يقول:
- انت كنت فيـن؟، كان في واحد بيسأل عليك
سألهُ مضيقًا عينيهِ بلا اهتمامٍ يُذكر:
- ميـن؟
أشار "فارس" لنقطة ما خلفه و هو يقول:
- واقف هناك
و تغضن جبينه و هو يبحث عنه بنظراته متلفتًا حوله:
- إيه ده! كان لسه هنا حالًا
فردد "يامن" بلا اكتراث :
- خلاص.. سيبك منه
شدد "فارس" من قبضته على كتفه و هو يقول متنهدًا:
- كان شكله راجل مهم.. راجل كبير كده، مش عارف جنسيته.. لكن قالي إنه عايزك ضروري
لم يعبأ "يامن" كثيرًا لما يقول.. بل ارتكزت أنظارهِ على شخص ما و قد شعر بالدماء تغلي غليّا في أوردتهِ، توهج لون بشرته و التهب حين التقت أعينهما، فردد "فارس" و هو ينظر نحوه مرتابًا:
- في حاجة و لا إيه؟
ارتفع جانب وجهه بابتسامة ساخرة مناقضة لتعابير وجههِ الشرسة و هو يقول:
- ده الحبايب كلهم متجمعين!
انحرفت أنظار "فارس" نحوهُ فابتسم متهكمًا و كأنه تفهم:
- حبايب.. آه!
فرك جانب صدغهِ و هو يقول و قد شعر بالحنق هو الآخر:
- ده بيعمل إيه هنا ده؟
كان يقبل عليهما و ثغرهُ مفترّا عن ابتسامة سمجة بينما يمسك بكأس مشروبهِ، فانحرفت أنظار "فارس" الضائقة نحو "يامن" و هو يسأله بشك:
- انت عرفت انه خرج؟
دس "يامن" كفيه بجيبيه و هو يقول بلهجة ثابتة:
- أكيد يعني حاجة زي دي مش هتفوتني!
كان يخيّل إليهما أنه مقبلًا نحوهما، و لكنهُ تعمد أن يستدير باللحظة الأخيرة منعطفًا بخطواتهِ للجانب قليلًا، تقلّصت المسافة بين حاجبيه  و هو يتابعهُ و قد شعر أنه يوشك على فعلة ما، و كان اعتقادهِ صائبًا.. حيث تحرك نحوها مخترقًا الصفوف، حتى توقف أمامها مباشرة، ابتسامتهِ السمجة تلك تلاشت ليحل محلها ابتسامة ساحرة رجوليّة، وقف منتصبًا أمامها ، ثم انحنى عليها ليسحب كفها بحركة لطيفة، و ألصق شفاهه بظاهرهِ، ثم انتصب مجددًا ليقـول:
- ألف مبروك يا يارا! بتمنى لك السعادة من قلبي
- آه يا ابن الـ*******
و مضى مندفعًا نحوه و هو يكاد يقبض على عنقه فيرديه قتيلًا، استشعر تلك السخونة المنبعثة من جسده بالرغم من لطف الجو، واشتعال رأسهِ و كأن ما يتدفق إليها جمرات لا دماء، بينما "فارس" يتابع ما يحدث بحاجبين مرفوعين، مُتنبّئًا بما يمكن أن يحدث، بعد فعلتهِ الجريئة تلك:
- أوبـا!
انتفضت "يارا" في وقفتها حالما شعرت بذراعه يطوق خصرها، و أنظارهِ الملتهبة مسلطة على الواقف قبالتهما، فانحرفت أنظارهِ الباردة نحوه و قد تلاشت بسمته:
- أهلًا يامن.. ألف مبروك
و عاد ينظر نحوها مجددًا بنظراتٍ والهة:
- انت خدت الجوهرة بتاعتنا، يا ريت بقى تحافظ عليها
تشدد كفه دون قصد على خصرها، بينما "يارا تزدرد ريقها و هي تتلفت حولها خوفًا من تطور الموقف، خاصة حين لاحظت تلك الأنظار الفضولية التي تتابعهم، غير منتبهة لبركانهِ الذي يكاد يثور في أي لحظة، و نظراتهِ التي تبعث شررًا حاميًا نحو ذلك السمج، و ما إن قرر تفريق أسنانهِ المطبقة ليتحدث من بينهما كان نبرتهِ حالكة:
- أهلًا يا نائف.. خرجت امتى من السجن؟
انحرفت نظرات "نائف" المحتدة نحوهُ و هو يطبق على أصابع كفيه بحنق شديد، بينما كانت "يارا" تقول بأعين متوسعة و هي تحرف نظراتها بينهما:
- سـجن!
و ارتكزت ببصرها على "نائف" و هي تسأله باحتداد:
- انت كنت في السجن؟
حمحم "نائف" حرجًا و هو يتطلع لـ "يامن" بأنظارهِ الممتعضة، بينما كان "يامن" يجيبها ببرود يناقض حالة الهياج التي تداهمه دون أن يحرف أنظاره عنهُ:
- أيوة يا حبيبتي، ست سنين.. و لا أنا غلطان يا نائف؟
ارتفع حاجبيّ "يارا" تعجبًا و هي تنظر لـ "نائف" بنظرات ذات مغزى، بينما "يامن" يلاحقه بأنظارهِ الحامية، حتى شعر بضرورة الانسحاب، فغمغم و هو يمرر النظر بينهما بلهجة باردة:
- لأ يا حبيبي مش غلطان، عمومًا ألف مبروك
و ارتكز بأنظارهِ على "يارا" ثم كاد يسحب كفها مجددًا بجرأة بالغة لولا كفّ "يامن" الذي ضمّ كفه قبل أن ينحني و هو يطبق بأناملهِ القوية عليه معتصرًا لهُ في قبضته، فبادلهُ "نائف" نظرات ساخطة و هو يطبق أسنانه بينما كان "يامن" يقول بلهجة صقيعيّة:
- الله يبارك فيك يا نائف.. نورت، متخلينيش أشوف خلقتك تاني!
 و دفعهُ دفعة عنيفة للخلف، فارتد "نائف" للخلف، وازن جسدهُ في اللحظة الأخيرة و هو يتوقف متجمدًا بمحلهِ ليرمقه بأنظار مستشاطة و قد التهب وجهه و طغت الحمرة عليه، ضبط "نائف" سترتهِ و هو يزمجر بغضب، ثم أومأ و هو يتوعده وعيدًا صريح:
- ماشي يا يامن.. ماشي!
حك "يامن" بسبابتهِ الحُرة طرف أنفه و هو يتابعه ببرود شديد، و لكنه شعر و كأنهُ يوشك على دكّ عنقهِ حين انحرفت أنظاره المتوهجة نحو "يارا"، فأخفض كفه و قد تقبض بجواره و هو يكز على أسنانه حتى اهتزت عضلات صدغيه، متابعًا "نائف" الذي شرع يشق طريقهُ بالاتجاه العكسيّ، همست "يارا" محاولة ابعاد ذراعه عنها باحتجاج:
- حاسب دراعك، الناس كلها بتبص علينا!
انحرفت نظراتهِ المتقدة نحوها فشعرت بها تلتهمها حيّة، ازدردت ريقها و هي تبعد كفها عن ذراعه، و قد شعرت و كأنهُ سيقول الكثير، و لكنه عكس توقعاتها، أرخى قبضته عنها حتى حررها، ثم تركها و رحل مبتعدًا عنها تاركًا لها وسط رفيقاتها، دنت منها احداهنّ و هي تسألها بفضول شديد:
- هو ايه اللي حصل؟، ميـن ده؟
رفعت "يارا" كتفيها معربة عن عدم فهمها لما يجري:
- معرفش!
...................................................................
كانت تحمل صحنها بيدها و هي تسحب الطعام بحذر لتنقله لهُ، و لكنها عبست قليلًا و هي تقول:
- إيه ده؟، البروست خلص؟ لحق!
حتى تفاجأت بتلك اليد الممدودة لها لتترك قِطع الدجاج بصحنها، التفتت نحوهُ لترمش مرات عديدة، و لكنه لم يلتفت نحوها، تأففت و هي تكاد تترك الصحن من يديها، و لكنهُ قال بلهجة شديدة:
- اثبتي.. متلفتيش النظر
 كزت على أسنانها و هي ترفع أنظارها المحتجة إليه لتردد بلهجة مستنكرة:
- انت عايز إيه بالظبط؟ مش كفاية جيبتني غصب عني!
حينها انحرفت أنظارهِ المتوهجة ناحيتها ليردف بلهجة جادة ذات مغزى:
- كان لازم تشوفي بعينك!
و أشار بكفهِ لنقطة ما حيث "يامن" المطوق لخصر "يارا" قائلًا:
- يمكن تقدري تقتنعي
أطبقت على أسنانها أكثر و هي ترمقهم بأنظارها المشتعلة، ثم بحركة عنيفة تركت الصحن أمامه، فأردف "فارس" ببرود:
- خديه!
قالت "ولاء" قبل أن تشرع في التحرك مبتعدة:
- نفسي اتسدت!
......................................................................
عادت "رهيف" لطاولتها و هي تبحث بأنظارها عن "راشد"، و لكنها لم تجده، مما جعل الخوف يتسرب في أوردتها، سحبت مقعدها بارتجاف لتعتليه و هي تسأل خالها:
- خالي.. هو راشد فين؟
أشار "متولي" لنقطة ما خلفها:
- بيبارك للعريس ، مشوفتهوش عاد و لا ايه؟
ازدردت "رهيف" ريقها، ثم سحبت حقيبتها مجددًا و هي تستأذنه:
- طب.. ثواني و راجعالك يا خالي
 و لم تنتظر رده، حيث انطلقت نحوهُ من فورها، خوفًا من أن يحدث صدامًا بين كلاهما، فهي تعلم "راشد" جيّدًا، لن يتحمل غطرسة "يامن" و تعجرفهِ، وقفت على مقربة منهما، فكان "راشد" و كأنهُ وصل إليه توًا، امتد كف "راشد" نحو "يامن" الذي يدس كفيه بجيبه و قد بدا الجفاء على ملامحه، شملهُ "يامن" بازدراء تام ثم توقفت أنظاره على يده الممدودة بينما يبتسم "راشد" بود:
- ألف مبروك يا عريس، أنا راشد.. ابن خال رهيف صاحبة يارا!
تقوست شفتي "يامن" و أنظارهِ الثاقبة تتسلط على عينيه مباشرة، متجاهلًا كفه الممدود، حتى شعر " راشد" بالحرج، و الحنق في ذات الوقت، سحب كفه إليه و هو يحمحم، بينما كان "يامن" يقول ببرود:
- أهلًا!
 - راشد
تفوّهت بها "رهيف" و هي تقف على مقربة منه و قد تدخلت في الوقت المناسب بالفعل أخرجته من حالة الهياج التي كادت تنتابه لدى معاملة "يامن" الجافّة و المزدرية، و لكنها لوت ثغرها بابتسامة مرتعشة و هي تهمس:
- عايزاك.. معلش
أومأ "راشد" و هو يتحرك نحوها، بينما ارتكز "يامن" بأبصارهِ التي تحمل مغزى لم تفهمه عليها، حتى تفاجأت بأنظارهِ تذهب بعيدًا للغاية لمنطقة تقريبًا شبه خالية من الضيوف، فتفهمت نوعًا ما مقصده، أومأت برأسها بحركة لا تكاد تلحظ، بينما كان "راشد" يسير جوارها غير مدركًا ما يحدث من خلفه و هو يسألها بامتعاض:
- ماله ده؟، بيبص لي بقرف كده ليه؟
تنفست الصعداء و كأنها استشفت نوعًا ما أنهُ لم يلحظ ما حدث منذ قليل، ثم أردفت بانشراح:
- لأ.. متاخدش في بالك، هو دايمًا كده!
فأشار "راشد" مستنكرًا:
- دايمًا كده؟ ازاي يعني؟
انحرفت أنظار "رهيف" نحو رفيقتها المقربة فتوقفت محلها و هي تهمّ بالانعطاف نحوها أثناء قولها الضجر:
- يا راشد هو كده، بقولك إيه، أنا هروح أشوف يارا
فقال مقطبًا جبينه:
- يارا! انتي مش قولتي عايزاني؟
فتهربت منه كعادتها:
- بعدين يا راشد.. بعدين!
 و فرّت من أمامه، تتابعه أنظارهِ الحانقة و هو يتخصر بكف، و بالكف الآخر يحك جلد وجهه بانفعال متأففًا بقوة:
- أوف!
قضت برفقتها القليل من الوقت و هي تتابعهُ خِلسة ريثما تتأكد من إنشغالهِ عنها، و حالما حدث.. كانت تترك رفيقتها متملّصة من بين الفتيات، حتى بلغت ذلك المكان الذي أشار إليه، وجدتهُ بالفعل يقف موليّا ظهره لها، عاقدًا كفيه خلف ظهرهِ، منتصبًا بكفيه، للحظة أهابها، و لكنها حاولت السيطرة على رجفة جسدها و هي تعبث بتوتر بكفيها، خرج صوتها متلعثمًا و هي تقف على مسافة معقولة منه:
- أستاذ يامن؟
انتبه إليها، فالتفت نحوها أولًا لينظر نحوها بنظرات غامضة، ثم استدار بجسده بالكامل و هو ينتصب أكثر بكتفيه، أحنت نظراتها المرتبكة عنه و هي تقول باضطراب واضح:
- حضرتك قلقتني.. هو في إيه؟
أشاح "يامن" بأنظاره القاتمة عنها و هو يقول بلهجة غامضة:
- سمعت إنك وافقتي؟
أطبقت جفنيها و قد تفهمت مقصه، ثم أومأت بضيق:
- أيوة
حرر "يامن" كفيه ليحك صدغه و هو يسألها بنبرة أثارت ريبتها:
- يا ترى انتي تعرفي إيه عنه؟
ارتفعت أنظارها إليه و هي تطرد زفيرًا حارًا من صدرها، ثم قالت ببعض من التوتر:
- ابن خالي، و أعتقد إنه.. أخلاقه كويسة، و انسان كويس، بيحب شغله، معتقدش إنه مش مناسب
- نــصاب!
وقعت الكلمة عليها وقع الصاعقة، عقدت حاجبيها و هي تسأله بعدم استيعاب:
- أفنـدم؟
كان متصلبًا للغاية و هو يعقد ساعديه أمام صدره قائلًا و هو ينظر نحوها:
- نصاب.. هو و أبوه، عايز يتجوزك بأمر من أبوه عشان أرض أبوكي اللي انتي رافضة تبيعيها، وقتها هتكوني مراته.. يتحكم في الأرض، يجبرك على بيعها، مش هتقدري تعترضي!
شعرت و كأن هنالك ما يُطبق على صدرها، توسعت عيناها و قط حطّت كلماتهِ گالصقيع على قلبها، شعرت بدمائها تفرّ من أوردتها، تلاحقت أنفاسها و هي تعود خطوة للخلف و قد ترقرقت العبرات في مقلتيها بينما تهمس بعدم تصديق:
- مستحيـل!
«كان متشككًا بأمرهِ، خاصة حين أمر رجلهِ التابع له بالتقاط صورة للأخير على حين غفلة، و فور أن تأمل ملامحه شعر و كأن هنالك شيئًا ما خلف ملامحهِ الوسيمة تلك، و كأن عيناهُ تبدوان خبيثتين على الرغم من إخفائهِ لذلك، و لكنهُ لم يثق به مُطلقًا،.. حتى أمر رجلهِ بتتبعه هو الآخر، و محاولة معرفة ما يخفيه ذلك الرجل، حتى و بالفعل أتتهُ الفرصة على طبق من ذهب، حين كان الوقت مبكرًا للغاية.. تقريبًا بعد صلاة الفجر بينما يعودان من المسجد القريب، حتى تفاجأ بانحراف مسارهما، اختفيا عن الأعين بمنطقة شبه خالية من البشر وسط الغيطان، توقف مختبئًا خلف أحد الأشجار و هو يتنصت عليهما، فوصلهُ صوت "راشد" المحتج:
 أنا مش قادر يا بابا، مش قادر أفضل أخدعها كده!
لكزهُ "متولي" بعنف في كتفهِ:
- انت هتجول إيه يا واد إنت؟ اتجنيت و لا إيـه؟، احنا كنا مصدجين البت توافج، عشان تيجي انت و تجول مش جادر؟
زمّ "راشد" شفتيه و هو يحاول التبرير بتريث:
- يا بابا،.. بصراحة، رهيف طيبة أوي، مقدرش أعمل فيها حاجة زي دي!
التهبت عينيّ "متولي" و هو يجأر بهِ:
- جسمًا عظمًا يا راشد، إن فكرت بس تبوظ الجوازة دي، لاكون متبري منك، لا هتكون ابني، و لا أعرفك
شُده "راشد".. ظل متيبسًا بمحله يرمقه بعينيه المتوسعتين ثُم قال بعدم استيعاب:
- بابا!، انت.. بتقول إيه؟
 تقوست شفتيّ "متولي" و هو يمر من جوارهِ ليتقدم عنه خطوتين موليًا ظهره له و هو يشمل المكان من حولهِ:
- مهتجيش تخرب كل اللي عملته لما خلاص أمي حددت كل حاجة و البت وافجت!
و نظر خلفه و هو يقول مؤنبًا بجفاء:
- انت متعرِفش أنا عملت ايه عشان نوصل لهنهِ، متعرفش أنا تعبت جد إيه عشان أجدر أقنعها و أملي راسها بالحكاية دي!
كزّ "راشد" بعنفٍ على أسنانه و هو يلتفت نحوه ليقول من بين أسنانه المطبقة:
- يا آبا.. يا آبا افهمني الله يخليك، لا أنا بحبها و لا هي بتحبني، لكن صعب.. دي مهما كانت بنت عمتي! انت مش هامك أختك خالـص؟
مسح "متولي" بلسانهِ على أسنانه و هو يحيد بأنظارهِ الحاقدة عنه ليقول بلهجة ثابتة:
- أختي على عيني و على راسي.. لكن بتها لع، بت فؤاد متهمنيش!
زفر "راشد" حنقًا و هو يمسح على وجهه بعنف حتى احمرّت بشرتهِ، هو يدرك ذلك العداء القديم بين والده و والد "رهيف"، و لكنه لم يرد أن يخلق مجالًا لينحرف الموضوع إلى ذلك، لذا فأردف:
- بابا، فيها إيه لو حاولت أقنع رهيف تبيع الأرض
- حاولنا جبل سابج، البت دي مهينفعش معاها الطريجة ديْ!
زفر "راشد" بقنوط و هو يخطو نحوه ليتوسلهُ:
- نحاول تاني.. تاني و تالت و رابع، اللي يخيلها توافق تتجوز مني، يخليها توافق تبيع الأرض!
فهدر حينئذ الحاج "متولي" و قد سئم الحديث الذي طال:
- راشـــد، نهاية الحديت، هتتجوز بت أختي، و دِه آخر كلام عندي!
و لم ينتبه كلاهما.. إلى ذلك الرجل الذي كان يلتقطهم بعدسة هاتفه.. في مقطع مرئي "ڤيديو"، ليبعثهُ لربّ عمله»
تأمل "يامن" حالتها المبهوتة قبل أن يحيد بأبصارهِ الجافة و هو يقول:
- متثقيش في حد زيادة عن اللزوم.. عشان متتصدميش الصدمة دي مرة تانية!
و تركها و انصرف بينما هي تقف محلها لا تقوى على الحراك، حاولت أن تبتلع تلك الغصة العالقة في حلقها، و كأن جوفها تعبّأ بالمرارة، فاستثقلت ذلك الشعور المميت، عينيها المتوسعتين قد  هطلت دموعها بغزارة على وجنتيها دون أن تحسّ بذلك حتى، شعرت بساقيها كأنها هلام، فخرت على ركبتيها مستسلمة لذلك الخور، أطبقت جفنيها و هي تدفن وجهها بين كفيها بينما تهمس من بين نحيبها الخافت:
- ليــه؟، ليه لما حاولت أثق فيك تعمل كده!، ليـه يا راشد؟
و صرخت صرخة نبعت من جرح فؤادها الذي فُتق توًا:
- ليـــه؟ 
.......................................................
كانت صدمة بالنسبة له، خاصة أنهُ لم يدرك تواجده سوى الآن من بين تلك الجموع، أو لربما لأنه مهتمًا بشخص واحد فقط دونًا عن غيره، رفرف بعينيهِ  و الأخير يقف أمامه و يتضاحك بمرح بينما يربت على كتفه:
- I was so excited to see your expressions!
" كنت متحمّسًا لرؤية تعبيراتك"
فاغرًا شفتيه، لم ينبس بكلمة واحدة، حتى انتبه إلى تلك اللكزة العنيفة التي حطت بكتفهِ:
- بدل ما تتعب نفسك.. جبتهولك لحد عندك!
فصاح "مايكل" فور رؤيته:
- yamen!.. congratulations man
و دنا منه ليعانقه مربتًا على كتفه بينما يقول:
- Miss you..really!
أبعدهُ "يامن" و هو يقول متأففًا:
- و انت موحشتنيش، ابعد بقى!
فربت "مايكل" على كتفه بقوة و هو يضحك بحبور، مدمدمًا:
- و اشتقت إلى صراهتك!
تقلصت المسافة ما بين حاجبيّ "يامن" و هو يردد:
- فُصحى! ماشي
احتفظ "مايكل" بابتسامته و هو يشير بعينيهِ لرفيقه المقرب:
- I learned it for him
" تعلمتها لأجلهِ"
و أطال النظر نحوه قليلًا، مترقبًا أن يصدر عنه أي ردّ فعل، و لكنه كان جامدًا و كأن وقع الصدمة لم يزُل عنه بعد، فردد يشكوه لـ "يامن" باستنكارٍ:
- look.. He didn’t care to huge me or talk at least!
" انظر؟.. لم يكترث لمعانقتي أو حتى التحدث على الأقل"
رمش "فارس" عدة مرات و هو يقول مستهجنًا و قد بدأ توًا يستوعب وجوده:
إيه يا مايكل الله يخربيتك!، انت إيه اللي جايبك؟ huge-
 و تلفت حوله و هو يسأل بارتياب:
- البت أسيليا فيـن، تلاقيها مستخبية في جيبك، أنا عارفها عفريتة! بتنط في أي حتة
جلجل صوت ضحكات "مايكل" ثم قال بتكسرٍ من بين ضحكاتهِ و هو يربت على كتفه:
- لا تقلق، لم تألم "تعلم" أنني سافرت!
فارتكز "فارس" ببصرهِ عليه و هو يقول:
- قول و النبي؟
حملق كليهما ببعضهما البعض لما يقارب الدقيقة، ضحك "فارس" ملئ شدقيهِ إثر رؤيتهِ لثغر رفيقه الأقرب ينبعج بابتسامة واسعة، فـ إذ بهِ يفتح ذراعيهِ ليتعانق كلاهما، ربت حينها "فارس" على ظهرهِ بقوة، ثم قال:
- Miss you micheal..really I missed you!
....................................................................
كان قد انسحب بذهنهِ من بينهم و هو يبحث بعينيهِ عنها عفويًا، حتى وجدها تجلس بين عائلتها، و لكن تلك الـ"ولاء" غير موجودة، فقط هي و والدتها و خالها، و قد بدت منشرحة الصدر و هي تحادثهم، و لكنه ارتاب من تلك الفتاة التي يعلم نواياها جيّدًا، تلفت حولهُ باحثًا عنها و لكن لم يجدها، فانسل من بينهم، و قد شعر أن هنالك شيئًا ما تحيكه تلك الحيّة.
.............................................................
انسحب قليلًا من حصارهِ _ و على مبسمهِ ابتسامة عريضة حينما يتذكر بلاهتهِ و أسئلته التي شرع يلقيها على مسامعهِ واحدًا تلو الآخر_ منتويًا التدخين في تلك البقعة النائية عن الضيوف، و لكن.. تغضن جبينه و قد اخترق أذنيه ذلك النشيج الخافت، حثّ خُطاه حتى بات على مقربة منها، فسأل متشككًا بلهجة خشنة:
- are you okay?
ارتفعت عيناها الدامعة إليه فانعقد حاجبيه أكثر و هو يقول مستنكرًا:
- you?.. again?
و هي واجمة الوجه.. تتأمل ملامحه الغربية تلك المرة فتيقنت كونهُ أجنبيًّا، تقوست شفتيها استخفافًا و هي تنهض عن الأرضية، و قد شعرت و كأنهُ يلاحقها:
- يعني هي ناقصة أجانب و رخامتهم! حاجة تقرف، أوف.. استغفر الله
و نزحت دموعها و هي تهمّ بالسير ، استدارت و لكنها تيبست حالما كان يردد، مازجًا اللغة الدارجة بالفُصحى، و بلهجة متكسّرة و هو يعقد ساعديه أمام صدره:
- أظن مغلطتش.. لأتلقي ذلك التوبيخ!
...............................................................
و ما إن كان يمضى نحوهم التقطها بأعينه.. حيث كانت تسير بخطواتها المتعرجة حاملة أسطوانة غازية ، و ترتشف منها، بينما أعينها مُسلطة عليها، و ابتسامة خبيثة تتراقص على شفتيها، و ما إن دنت حتى فعلت ما انتوت.. تظاهرت و كأن كفها ارتعش فجأة، فسقطت الأسطوانة منها، فُوهتها مُسلطة على ملابسها التي أرادت إفسادها لربما تتمكن من إفساد يومها، و تنغيص فرحتها تلك، و لكن للأسف.. حدث ما لم تتوقع، و قد سقطت الأسطوانة على ملابس ذلك الحائط البشريّ الذي وقف أمامها فجأة، فغرت شفتيها و هي تتراجع للخلف رامشة بعينيها عدة مرات، بينما هبّت "يارا" واقفة على قدميها و قد لاحظت نظراتهِ الشرسة المسلطة على شقيقتها، سحبت عدة محارم ورقية من العلبة القريبة، ثم حاولت أن تُسعف الموقف و هي تقول بارتباك بينما تمررها على قميصه و سترتهِ:
- هي متقصدش
 و نهضت "حبيبة" هي الأخرى لتدور حول الطاولة و هي تقول:
- معلش يا يامن.. أصلها تعبانة شوية
و گأنها بغبائها منحتهما فرصة التقارب مجددًا، بينما شقيقتها تتلمس صدره محاولة نزح المشروب الغازيّ عن ملابسهِ، و ما جعلها أكثر امتعاضًا حين انحرفت أنظار "يامن" الشرسة عنها لتتيبس عليها، فتبدلت.. و رأت بعينيها ذلت التغيير، من الشراسة.. إلى نظرة أخرى جعلت الدماء تغلي في أوردتها، كزت على أسنانها و هي تتقدم منها بتهور لتسحب المحارم من كفيها هاتفة باندفاع:
- سوري يا جوز أختي،.. مش أنا عملت كده، هصلح اللي حصل
و ارتفع حاجبيّ "يارا" استنكارًا حينما دنت "ولاء" منه للغاية مقلصة المسافة بينهما و هي تلوى ثغرها بابتسامة باهتة، ثم قالت و كأنها تتدلل:
- سوري للمرة التانية، بجد مكنتش أقصـد!
و تجلى الظفر في عينيها، و قبل أن تتلمس صدرهُ بأناملها كان يسحب المحارم الورقية منها بحركة عنيفة ليُسلمهم لزوجتهِ:
- مراتي موجودة، مش محتاج مساعدتك!
و بدلًا من أن يمضى بعيدًا ليخلع سترته أو يبدل ملابسه كما انتوى منذ قليل قبل فعلتها الجريئة للغاية تلك، كان يستسلم لـ "يارا" التي تناولت منه المحارم الورقيّة، و هي توزع النظرات المتعجبة بين الجميع، بينما تمسح على ملابسهِ بهم، بينما هي تقف كمن يسرى الحميم في أوردتها، تقبض كفيها حتى ابيضت مفاصل أصابعها، لم تتمكن من الوقوف هكذا و المشاهدة، فراحت تنسحب من بينهم، تضرب بخطواتها الأرض بتشنج شديد، تتابعها أنظارهِ القاتمة.
.......................................................
التفتت نحوهُ و هي ترمقه بتعجب فاغرة لشفتيها، ثم غمغمت بعدم تصديق:
- انت.. بتتكلم؟
خطى "مايكل" نحوها و هو يتأملها بنظرات باردة أثناء سؤالهِ:
- أأبدو لكِ أخرسًا؟
ازدردت ريقها و هي تطبق جفنيها ثم قالت متلعثمة:
- قـ..ـصدي عربي، قصدي إنت بتتكلم عربي؟
ارتفع كتفيهِ و هو يقول مُضيّقًا عينيه:
  you have a problem in your ears! - أليس واضحًا؟ أم..
"تعانين من مشكلة في الأذن"
سحبت "رهيف" شهيقًا عميقًا زفرته متمهلة ثم قالت و هي تحذره بينما تطبق اسنانها:
- شوف يا اسمك إيه، أنا.. بجد مش في مزاج أواجه حاجة زي دي دلوقتي
و كأنهُ تفهم مقصدها، و لكنهُ ظلّ مضيقًا عينيه الخضراوين و هو يسألها بشئ من الاستنكار:
- What !..What did you mean
"ماذا!.. ماذا تقصدين؟"
أشاحت بكفها و هي تحدجه بغيظٍ متّقد:
- قصدي إنك بتراقبني، ماشي ورايا في كل حتة!
ارتفع حاجبه الأيسر استنكارًا و هو يقول مخرجًا علبة سجائره من ملابسهِ و مشهرًا لها في وجهها:
- Wrong!.. I’m coming to smoke!
" خطأ.. أتيتُ للتدخين"
و التوت شفتيهِ باستخفاف و هو يقول:
- and I’m sorry to say that.. But Who are you to think that I’ll follow you!
" و أعتذر لقول ذلك، و لكن من أنتِ كي تظنين أنني سأتبعك"
و شاب نبرتهِ التكسّر و هو يتمتم:
- إنها.. الصدفة كما تقولون!
رمشت عدة مرات بغيظٍ جلي و قد توهج لون بشرتها، شملته بنظراتٍ نافرة، ثم تحركت لتخطو مبتعدة و هي تزفر بحنق جليّ، تضرب الأرض بقدمها بتشنج واضح، تابعتها انظارهِ التي شملت جسدها المتخفي خلف ثوبها الواسع ثم أشعل سيجارتهِ و قد حازت على جزءً من تفكيرهِ، ترك دخان سيجارته أمام شفتيه فصنع سحابة رمادية، بينما يقول بتحيُّر:
- Who is she?
......................................................................
مضت نحو طاولتها و عينيها تطلقان شررًا، ضعفها.. و بكائها الحارق منذ قليل تحوّل لقوةٍ اختزنتها في روحها الضعيفة، رمقتهُ شزرًا...خالها، كانت محقة بشأنهِ، هو لم يتقبلها و لو ليوم واحد، لم يكن لها أي مشاعرًا سوى الكره، حتى انحرفت أنظارها نحو ذلك الوسيم الغادر، لم تكن صدمتها بخالها گصدمتها بهِ، هو من حاولت خلال الايام الماضية أن تتقبل وجوده في حياتها، لم يكن بينهما توافق قبلًا.. و لكن خلال تلك الأيام حاولت قسرًا أن تصنع له مكانًا في قلبها، و تخشى.. تخشى للغاية من أن تكون نجحت في ذلك، و لكن بيد أنها فعلت حقًا، ذلك الشعور الذي يكوي فؤادها ما هو إذًا إن لم تكن فعلت؟، إن لم يكن تسلل لحصونها التي شيّدتها حول مضغتها النابضة، سحبت حقيبتها بانفعال حالما توقفت أمام الطاولة، فارتفعت أنظار "راشد" نحوها عفويًّا، تغضن جبينه و هو يتأمل ملامحها المتشنجة، فضيّق عينيه و هو  يقف مستقيمًا ليقول مستوضحًا:
- مالك؟ في حاجة؟
انتقلت أنظارها المتوهجة نحو خالها الذي عقد حاجبيه بعدم فهم، ابتلعت "رهيف" تلك الغصة العالقة في حلقها و نظراتها المشبعة بالعتاب الجاف مسلطة عليه، ثم أردفت بلهجة قوية و كفها يتقبض على حقيبتها:
- خالي.. ممكن دقيقة على جمب لو سمحت
امتد كفّ "راشد" إلى ساعدها تلقائيًا ليجبرها على النظر لعينيه و هو يسألها مرتابًا:
- في إيه يا رهيف؟، إيه اللي حصل بالظبط؟
اجتذبت ذراعها بعنف من قبضته دون أن تكلف نفسها عناء النظر إليه، نظراتها المحتدة مسلطة على خالها، ثم أردفت بلهجة أكثر بأسًا:
- معلش يا خالي، دقيقة معايا لو سمحت!
تنهد " متولي" و هو ينهض عن جلستهِ بوجه عابس، بينما تتابعهُ أنظار "راشد" ثم قال بلهجة حاسمة قبل أن يتحرك:
- رهيف..قولي اللي عايزة تقوليه قدامي.. انتي بتقلقيني، إيه اللي حصل؟
حينها انحرفت أنظارها إليه، مؤنبة.. تلك الدمعة التي ترقرقرت في مقلتيها كانت گطعنة نافذة لقلبهِ، حرف أنظاره بين عينيها و هو يستفسر بنظراته، بينما كانت تقول "رهيف" بلهجة مبحوحة حاولت أن تجعلها متماسكة:
- بعديـن.. يا راشد، هتفهم كل حاجة
 و قبل أن تحثّ الخطى كانت تقول:
- لينا كلام مع بعض.. كلام كتيـر!
...........................................................
............................
...................................................................................
 عارفة إن الرواية طولت و ان البعض ممكن يكون ملّ.. بس للأسف الأحداث اللي في دماغي و اللي لسه هتظهر هتاخد وقت شوية
متنسوش ال vote فضلًا♡

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن