"الفصل الخامس و العشرون"

1.4K 38 2
                                    


احتقـن وجهه بالدماء و اتقدت عيناه و هـو يشمله بنظراته من رأسه حتى أخمص قدميه بازدراء ، ثـم التفت اليها حين وصله صوتها هادرًا بنبرة عنيفة :
_ انتي تعرفيـه ؟
اعتقـدت أن والدتها قـد أرسلته للاطمئنان عليها ، كـذلك تمنت لـو أنها تتمكن من الاطمئنان على عائلتها عـن طريقه ، تهللت أساريرها و هـي تتمتم بـ حبور :
_ خـالد
فـ زأر بـ شراسـة و قـد شعـر بسخـونة تتغلغل لجسـده :
_ ميــن الزفــت ؟
التوى ثغرها ببسمة باهتة ، و تحفـزت حواسها و هـي تُـدير المقبض متمتمة بـ ابتهاج :
_ خـالد  ، أكيـد جاي يطمـن علـ…
هـدر بها بنبرة أشد بأسًا :
_ رايحـة فيـن ؟
التفتت لـ تنظر له بـ شدوه متمتمة بـ همـسٍ بلا وعي منها :
_ هـشوف خالد
تجهـمت ملامحه و هـو يبسط ذراعه ليفتح تابلوه السيارة و أخرج منها سلاحه الناري و دسـه في ملابسـه ، ثـم ترجـل من السيارة متمتمًا بتوعـد :
_ لأ أنا اللى هشـوفهـولك !
صفق الباب خلفه بـ عنفٍ و أخرج جهاز التحكم الصغير ليُغلق القفل الإلكتروني للسيارة ، فصارت أسيرةً لها ، اتسعت عيناها بـ ذهـولٍ سريعًا ما تحول لـ غيظٍ و هـي تهـدر بصوتها :
_ افتـح الباب ده ، أنا عايـزة أشـوفه !
لـم يكترث لها و هـو يدور حـول مقدمة السيارة ، فتشنجت ملامحها و هـي تطرق بـ عنفٍ على النفاذة المغلقـة :
_ افــتــح الباب ده ، نـزلني ، خــالد!
سار نحوها گالثـور الهائج و ملامحه متجهمة الى حـدٍ كبيـر  ، كاد أن يتقـدم خطـوة أخـرى ليصـل حتى بابها فـ سـد الطريق أمامه بجسـده الضخـم ليمنع عنه استراق نظرة اليها ، دفعـه بـ عنفٍ من كتفه ليرتـد " خالد" عدة خطوات للخلف رُغمًا عنه ، هدر به " يامـن" محـذرًا و عيناه تنطقان بـ الوعيـد الشرس :
_ خطـوة كمـان و تقـول على نفسـك يا رحمـن يا رحيـم !
تحـرك الحرس ناحيته فـ ردد أحـدهـم بنبرة راجيـة :
_ سيبك منه يا يامن باشا ، احنا هنتصـ…
بسـط كفه هادرًا بصرامة بدون أن يحيـد ببصره القاتم عنه :
_ و لا كلمـــة
ثـم اشار اليهـم بإصبعيـه لـ يطأطأ الجميـع رؤسهـم و يعـودون للخلف ساكنيـن كأنهـم تماثيـل لا روح فيها ، التوى ثغـر" خالد" بـ امتعاض لـ يردد بتهكـم :
_ هـو  انت بقى اللى محـدش قادر عليه ؟
عقـد "يامن" ساعديـه أمام صدره و هـو يشمله بـ نظرات مستخفـة ، دنا " فارس" منه ليردد بنبرة جادة :
_ يامن  سيبـك منه ، ده …
قاطعه هادرًا بـصوتٍ قاتم :
_ محــدش يدخـل
زفـر " فارس" بضيق و هو ينظـر لزوجته من طرف عيـن ثـم نظر له بـ انزعاج و هـو يتراجع للخلف ، بينما ظل" كمال" ساكنًا يتابع ما يجـري بعينيه و الفضـول يكاد يقتله لمعرفـة ما يجـري ، أشاح " خالد" بكفه هادرًا باصرار :
_ انا مـش ماشي من هنا غير و بنت حسيــن معايا !
اتسعت عينا " كمال" ذهـولًا و هـو ينقل بصره الى تلك الفتاة التي تجلس بالسيارة ، بينما تهللت أسارير " يارا" و قـد التوى ثغرها ببسمة واسعـة ، حرر " يامن" ساعديـه و حك بسبابته طرف أنفه ، ثـم دس كفيه بـ جيبيه و هـو ينظـر له بجمود على عكـس ما يـدور بذهنهِ من أفكار ستنتهـي حتمًا بارتكابهِ جريمـة ، قست نظراته الى حدٍ كبير و هو يردد بنبرة قاطعة لا تقبل النقاش :
_ و بنت حسيـــن مش هتمشــي من هنـا !
انفعـل " خالد" اكثر و هـو يتقدم ناحيتها فدفعه " يامن" ثانيـة من كتفه و هـو يحدجه بنظراتٍ نارية ، فـ هـدر " خالد" بـ شراسـة موجهًا حـديثه لها :
_ بيعتـي نفسـك يا بنت حسيــن ، عملك ايه عشان تبعيي نفسـك يا رخيصـة يا ×××× ، بقــى ده اللى سيبتيني عشـانه ! و أنا اللى فاكرك شريفـة تطلعـي ××××××
أطلق وابلًا من السباب يندى له الجبيـن اتسعت عينا" يارا" ذهـولًا ، و خفق قلبها بـ عنفٍ في صـدرها ، تلاشت ابتسامتها تمامًا لتحـل الصدمـة محلها ، سـرت قشعريرة في جسـدها و قـد شحـب لون وجهها ، بينما انفلت منه جمـوده تمامًا ، و كأنه نـزع فتيل القنبلة بـ كلماته ، احتقـن وجهه بالدماء الغضبـة و توهج بنذير غير مبشر ، برزت عـروق جبينه و تحـولت عيناه لـ جمرتيـن من النار ، اندفع نحوه قابضًا على تلابيبه هادرًا بشراسـة :
_ قسمًا بالله لأخليك تتشاهـد على روحـك هنا يـا ×××××
تنغض جبينه و قد شعـر فجأة بألم يجتاح جانب عنقـه ، استمـع الى صـوت " فارس" الذي ناداه بـ قلقٍ :
- يــامــن !
استغرق ثانيتيـن لاستيعاب ما حـدث حيث أخرج " خـالد" مُدية معدنيـة جرح بها جانب عنقـه ، و بثانيـة واحـدة كانت جميـع الأسلحـة الناريـة بأيدي الحراس قـد أُشهرت بوجهه ، بـينما حاول " خالد" اصابته مجددًا بـ جرح أكثر عمقًا يمكن أن يصيبه بمقتل ، و لكـن " يامن" كان الأسرع منه حيـث ظل قابضًا على تلابيبه و هـو يضرب مقدمـة رأسه بقسـوة بـ جبينه ضـربة كاد أن يرتد " خالد على اثرها للخلف لولا أنه جـذبه اليه ثانيـة ليلوي معصمه فـ أسقط المديـة من كفه ، كـور " يامـن" قبضتـه بقوة و هـو يسدد لكمـة في وجهه أعقبها بلكمـة أخرى أكثـر شراسـة جعلـت الدماء تنزف من أنفـه و من بيـن أسنانه ، أشار " يامـن" بعينيه للحراس الذيـن حاولوا التدخل فكانت نظرته الحاميـة التي تُنـذر بأنه على وشـك احراق الأرض و مـن عليها كافية ليتراجع الجميع للخلف ، طرحه " يامن" أرضًا و جثـى فوقه و هـو يُفرغ به شحنة الغضـب المكبـوت بـ داخله و كلماته التي أساءت لزوجته تترد على أذنيه لتجعـل النيران تتأجج أكثر بـ صدره ، رفع " يامـن" قبضته و كاد يسدد له لكمة من جديـد حاملة معها جـزءًا من النيران المستعـرة بصدرهِ ، لولا تدخـل " فارس" الذي قبض على كتفه هادرًا بقلق :
_ هيمـوت في ايـدك يا يامـن
فـ كـور قبضته بقوة أكبر و زمجـر غاضبًا و هـو يسددها له في وجهه الذي لم تعد تتبيـن ملامحه من فرط الدماء و الجروح ، حاول " فارس" اجتذابه من فوقه و هـو يصيح بارتباك :
_ هـتودي نفسك في داهيـة ، كفاية !
فـ دفعه " يامـن" بـ عنفٍ من كتفه و هو يزأر بـ:
- حاسب
ارتد جسد " فاريس" للخلف اثر دفعته ، بينما مال عليه لـ يقرب شفتيه من أذنه هامسًا بنبرة شيطانيـة :
_ مـرات " يـامـن الصيـاد" خـط أحمـر ، لـو خيالك اتجـرأ و فكـر بس انه يعديـه  اعرف انك وقعـت معايا ، و أنا مبرحمــش !
ابتعـد عنه قليلًا يحدجه بنظرات تعكـس ما بداخله تجاهه ، ثـم انتصـب  في وقفته و التفت برأسه لينظر لها بنظرات جعلت قلبها يهـوِي في قدميها ، فرّت الدماء تمامًا من عروقها و هـي متجمـدة في مكانها لا تقـوَ على استيعاب ما يحـدث و :
- افتحـــوا البوابـــة
جأر " يامن" بها و هو يسير نحو سيارته مسلطًا لنظراته التي تطاير الشرر منها عليها فشعرت بها تخترقها ، على الفور فتح الحرس البوابة الإلكترونية ، فـ استقل " يامن" السيارة صافقًا الباب بـ عنفٍ خلفـه ، انتفض جسدها و انكمـشت على نفسها ملتصقـة بالباب المجاور لها مُحاولة الحفاظ على أكبر مسافـة بينهما ، بينما كان مُسلطًا لنظراته الشرسة المميتة على جسده المسجى أمامه على بعـد عـدة أمتار ، أدار " يامن" المحـرك ، و ضغـط بـ قوة على دواسة البنزيـن ، فـ اتسعت عيناها رُعبًا و هـي تراه يتحرك نحـو جسده المفترش الأرضية و لـم يقوَ حتى على الوقوف على ساقيه بعدما ناله من ضرب مُبرح يفتت العظام ، حاول " فارس" ايقافـه فوقف أمام السيارة منتصبًا يرمقه بنظرات حازمة و قـد تفهم ما ينتوي فعله ، فـ لم يكترث " يامن" له و هـو يدير المقـود لينعطف قليلًا ، ثـم ضغـط اكثر على دواسة البنزين فـ صاحت بـ ذعـر و هـي توزع النظرات بينه و بين الأخيـر:
_ انت هتعمــل ايــه ؟
كانت نظراته مليئة بالتوعد الشرس يكـز على أسنانه بـ عنفٍ مشددًا على عضلات فكه ، لـم ترَ " يارا" أي تردد في عينيه مما ينتوي أن يفعـل بل رأت في حدقتيه شرًا لم تره من قبل إلا فيهما ، و گأن الجحيم قد نشبت في حدقتيه ، تضاعف هلعها فـ هتفت بـ توسل :
_ لأ ، متعمـلش كده ، عشان خاطري
و لكنه لـن يستجيب و كأنها سـراب لا وجـود له ، فـ نظرت " يارا" للأخير  بذعر ، و دفنت وجهها بين كفيها كي لا ترى المشهد الدامي ، أصدرت صرخة هلع و قـد تأكـدت ان لا مفـر مما سيحدث ...!
………………………………………………………………………………..
انتفض " حسيـن" واقفًا حيـن استمع الى صوت المفتاح و هـو يُدار لينفتح الباب على مصـرعيه ، دلفت منه كلًا من "حبيبـة " و ابنته متكأة على عكازها و والدتها تساندها لتتمكن من الدلوف ، اتسعت عيناه ذُعرًا و هو يتمتم بـ قلق :
_ ولاء ، ايه اللى جرالك ؟
كاد يدنو من كلاهما ، فـ استوقفته " حبيبة" باسطة لكفها ، و نظـرت له بـ جفاء متمتمة بقسـوة :
_ متقربـش
نظرت " ولاء" لوالدها بـ حنوٍ و اشتياق ، كادت أن تغيـر وجهتها لتتحرك نحوه متنهـدة باشتياق :
_ با..بابا !
تفاجأت بـ قبضة والدتها تعتصـر ذراعها مجبرة لها على تغيير وجهتها مرددة بنبرة ثابتة :
_ يالا يا ولاء على أوضتك ، انتى محتاجة ترتاحى
نظـرت لها " ولاء" بـ شدوه ، ثـم تعلقت عيناها بـ عيني والدها الذي امتلأت نظراته بالحسـرة ، بالفعل تحركت مع والدتها لتُدخلها غرفتها جبرًا كاد " حسيـن" ان يستوقفها ليطأمن فؤاده الملتاع على فلذة كبده ، رغبة قوية حثته على السؤال عنها و معرفة كيف حالها ، و لكـن أبى لسانه أن ينطق.. أبت الكلمات الخروج من شفتيه ، تعلقت عيناه بكلتاهما حتى أوصدت " حبيبة" الباب خلفها و هي تقاوم بصعوبة النظر اليه و الارتماء في أحضانه و اشباع شوقها اليه ، و لكن ما حدث قـد شيّد حاجزًا جليديًا بينهما ،  ، تسمـر " حسيـن" في مكانه و قـد تجمعت الدموع في مقلتيه و سريعًا ما سالت على وجنتيه ، أطبق جفنيه يعتصرهما بقوة لتنهمـر الدموع من بينهما ، فها هـو متسببًا بـ أذى ابنته الأخـرى ، لقـد نجح بالفعـل .. نجح بـ تدميـره بالكامل ، نجـح بـ انتشال روحـه بطيئًا من جسده و هـو على قيـد الحياة ، نجـح بجعل فؤاده يكتوي بالنيران على كلتا ابنتيه و زوجته التي يجـزم بأنها لـن تعـود كما كانت ، لقـد هـوى الى غيابة بئـر عميق مُظلـم و يبـدو أنه سيظـل وحيدًا بـه متقدًا بـ نيران ذنب لـم يرتكبه .
…………………………………………………………………………………...
مرّت ثـوانٍ عصيبة تفصـد فيها جبينها عرقًا ، و تلاحقت بها أنفاسها المتوترة و هي تخشـى أن تُزيـح كفيها عـن وجهها حتى لا يصدمها المشهـد أكثر و لكنها شعـرت بـ انعطاف السيارة للجانب فجأة فـ ارتد جسدها لتصطدم بجسده ، أزاحـت كفيها عـن وجهها لترفع نظراتها المذعـورة اليه ، و لكنه ظـلّ مسلطًا نظراتهِ على الزجاج الأمامي صرخـت بهلعٍ و هـي تبتعـد عنه ليلتصـق جسدها بالباب المجاور لها ، لم تكترث لألم جـرح ظهرها ، بل أنها لم تنتبه له في ظـل ما يحدث ، خفق قلبها بعنفٍ و هـي تتمتم بذعر :
_ خـالد
التفتت برأسها لـ تُبصر من النافذة الموصدة جسده مازال مسجيًا على الأرضيـة نظرت أمامها بعدم تصديق و صدرها ينهج علوًا و هبوطًا من فـرط التوتر و الهلع ، وضعت كفها على قلبها تستشعـر نبضاته و هـي تشعر به سينفجـر من فرط دقاته ، أطبقت جفنيها تعتصرهما بقوةٍ متمتمة بتهدج محاولة مواساة نفسها :
_ محصلش حاجة ، محصلش حاجة
لـم يلتفت اليها ، تـرجـل من السيارة و دار حـول مقدمتها ، وقف منتصبًا أمام بابها و التفت برأسه لينظر للحراس بـ عينين ثاقبتين گالصقـر و جــأر ليصل صوته اليه:
_ لــو شفت خلقتك دي هنا تانـــى تكـون مجهـز كفنك قبلها !
ثـم وزع النظرات بينهـم هادرًا بصرامة :
_ ارمـــوه بـــــرا !
أومأ الجميـع برؤسهـم ، فـ التفت لينظـر لها و فـتح بابها ، ثـم جذب رسغها بقوة مجبرًا لها على الـترجل تأوهـت " يارا" بصوتٍ مسموع بينما استدار " يامن" بجسده و هـو يسيـر قاصدًا باب القصـر الخشبـي الضخـم ، تعثرت لأكثر من مرة و هـو يجتذبها خلفه ، و تلوت بـ معصمها محاولة التملص من قبضته ، تآوهـت بصوتٍ مسمـوع و هـي تردد باختناق :
_ ضهـري يا بني آدم ، حـاسب ، سيبني و أنا همـ….
تسمـر في مكانه فجأة و وجهه متجهـم .. عيناه كـ جـذوتيـن من الجحيـم ، انحنـى بجذعه للأمام قليلًا لـ يمرر ذراعه خلف ركبتيها و الأخـر خلف ظهـرها و حملها بيـن ذراعيه و هـو يستكمـل طريقه ، شهقـت بـ ذعـرٍ و هـي تشعـر بأن ساقيها لا يلامسا الأرضيـة ، و لكنها طوقت عنقه مجبرة خـوفًا من أن تسقط على حيـن غـرة فهـي لـن تتحمـل مزيدًا من الالم ، تقلصت تعبيراتها و هـي تكور قبضتها مرددة بـ تشنـج :
_ نــزلنى ، نـزلني بقــولك ، انا مش مشلولـة
لـم يكترث لكلماتها وصـل الى باب القصـر ، فـ تسمـر أمامه و رفع قـدمه لـ يلكم بها الباب بـ قـوة كي لا يضطر الى انزالها ، ثـوانٍ و قامت احـدى الخادمات بـ فتحه ، شخصت أبصارها نحوه و قـد دبّ الذعـر في قلبها من حالته التي لا تُنـذر بالخيـر مُطلقًا ، تحرك بصرها نحـو تلك التي يحملها بيـن ذراعيه ، لتتسع عيناها في صـدمةٍ أشـد ، أحنت " يارا" بصرها و قد تضرجت وجنتيها بالحمـرة بينما لـم تظـل الخادمـة هكـذا كثيرًا حيــث هـدر بها بـصوتٍ قاتم :
_ انتــى هتاخدينــا صــورة ، وسعـــــي !
حمحت " زينة" بحـرج  و هـي تتنحى جانبًا و تفتح الباب على مصراعيه ، سار " يامن" للداخـل ، فـ لـم تتوقف عـن الهمس المتشنـج :
- نزلنى بقى كفايــة ، نــزلني بقولك
و كأنها سـراب لا وجـود له ، دلف " يامن" حاملًا لها بيـن ذراعيه و كـاد يتحـرك نحـو الدرجات لـ يصعـد للأعلى و لكنه تسمـرّ في مكانه على صـوتها المذهول :
_ يــــامـــن ، ايــه المنظـر ده ؟
…………………………………………………………………………………
تنهـد بـ حرارة و هـو يرى الحرس يحملـونه ليقصونه عـن محيط القصر بأكمله ، نظر له " كمال" محاولًا سبر أغوار عقله ، ثـم ردد بصوتٍ أجشّ :
_ تعـرف تفهمنـى ايه اللى بيحصل ده ؟
فـ نظـر له من طرف عيـن مرددًا بتأفف :
_ اسأل يامن
شمله بنظراتٍ حانقة فلم يكترث له " فارس" سار للأمام ليسيـر على الممر الرخامـي المزدان بـ جانبيه بحواف جرانيتية لامعة ، فـ هـدر " كمال" بعصبية :
- فارس ! أنا متأكد انك عارف و فاهـم كويس اللي بيحصل
فـ ردد بـ حـزم دون ان يلتفت له مستكملًا طريقهِ :
_ الموضـوع يخـص يامن ، أنا مليش الحق أتكلم فيه
ثـم دلف لداخـل القصـر ، فـ وقف " كمال" كمـن يتّقد غيظًا ، خلل أصابعه بـ خصلاته و قـد احتقـن وجهه بالدماء و استعاد كلمات " خالد" بأذنيه فـ تمتم بنبرة حانقة :
_ لـو دي صحيـح بنت حسيـن تبقى كارثـة ، ايه اللي هيجيـب بنت حسيـن هنا ؟
ثـم نظـر في اتجاه ابنه الذي تلاشـى أثره عقب ما دلف للقصـر ، فكز على أسنانه بـ عنفٍ مرددًا بـ توعد :
_ مـاشي يا فارس ، بس أنا بردو هفهـم اللي بيحصـل ، مـش هفضـل واقف كـده مـش فاهـم حاجـة
...................................................................
كان مندمجًا في تلك اللعبة التي يلعبها على هاتفه ، جلّ الضجـر على وجهه حيـن خسـر الجولة مجددًا فـ تمتم بتأفف :
_استغفر الله العظيـم ، و الله هكر ، قتلنى ازاي ده و هو مضربنيش غير رصاصتيـن !
ضغـط على الزر الجانبي للهاتف ليغلقه و رفع نظراته ليستأذن والدته للصعـود لغرفته و لكـن تجمـدت نظراته على أخيه الأكبر و هـو يدلف حاملًا لفتاة بيـن ذراعيه ، اتسعت عيناه و فغـر شفتيه مصدومًا ليهمس:
_ يـامـن !
تحركت عيناه تلقائيًا نحو والدته الجالسة على الأريكة ذات اللون الفيـروزي المجاورة له ، و قـد كانت رافعـة ساقها فوق اﻷخرى ، ممسكة بـ قدح من القهوة تتلذذ بـ أخـر رشفة منها على أطراف شفتيها ، و بكفها الآخر هاتفها مرتكزة ببصرها عليه ، رمـش " عمـر" بـ عينيه عـدة مرات لا يعلـم ماذا يفعل ، وزع النظرات بين كلاهما حتى مالت " هدى" بجسدها للأمام  لتسند القدح على الطاولة المستطيلة فلمحت بـ طرف عينيها ابنها يسير نحـو الدرج ، رفعت عينيها اليه لتتسعان عن آخرهما بـ صدمة ، فغـرت شفتيها بـ ذهـول و هـي تخفـض ساقها متمتمة بـ شـدوه :
_ يــــامن ، ايــه المنظـر ده !
تسمر في مكانه و كـز على أسنانه بـ قوة مشددًا على عضلات فكه ، لم يكن ينقصـه سـوى والدته ، توهج وجهه أكثر و كاد يستكمل طريقه لولا أن استوقفته و هي تسد الطريق أمامها بجسدها ، نظرت للفتاة بذهـولٍ قبـل ان تردد بـ شـدوه :
_ ميــن دي ، و ايـه المنظـر ده ؟
تضرجـت وجنتيها بالحمرة و هـي تخفض رأسها متجنبة النظر اليها ، همـست له بحنق :
_ نزلنى بقى ، كفاية أوي لغاية هنا
لم يكترث لها بل أشار لـ " هدى" بعينيه مرددًا بنبرة جافة :
_ وسعـي يا هـدى
عقدت ساعديها أمام صدرها و شملتها بازدراء متمتمة بـ سخطٍ :
_ مش قبل ما ترد عليا يا يامن ، ميـن اللى انت شايلها و داخل عليا بيها دي ؟
التمس الاساءة اليها من كلمات والدته ، فـ توهجـت عيناه و هـو يرمقها بنظراتٍ ناريـة قبـل أن يـردد بنبرة جامدة متعمدًا الضغـط على أحرف كلمتهِ :
- مــراتي !
…………………………………………………………………………………………………………………………...

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن