"الفصل الرابع و الثلاثون"

893 18 0
                                    

" الفصل الرابع و الثلاثون"

 
س

حب الستائر الحاجبة للضوء حتى يسمح لهُ بالمرور للغرفة، ثم التفت إليها و شرع  يدنو منه بخطاهُ ، حتى توقف أمامها، انحنى قليلًا لينفث من دخان سيجارتهِ فتشنجت ملامحها قليلًا، سحب السيجارة من بين شفتيه بينما يقول بلهجة متصلبة:
- عارف إنك مش نايمة، متتعبيش نفسك كتير!
أجبرت جفنيها على الانطباق فتجعدت بشرتها بجوار عينيها و ارتجفا، فاستقام و هو يستدير ليمضي نحو خزانتها، ليقول بلهجة آمرة:
- قومي يا بنت حسين.. معندناش اليوم بطوله
 فور أن سمعت صوت ضلفة الخزانة ينفتح، انتفضت عن نومتها و هي ثب من فوق الفراش لتقف أمامه فتسد عنه الطريق غير مدركة أنها سـ تُحاصر بين جسده و بين الخزانة من خلفها، مرتدية قناع الشراسة:
- أيوة صاحية، عايز إيه؟ إيه اللي جايبك هنا؟
دس سيجارته بين شفتيه ليسحب نفسًا عميقًا منها، ثم سحبها لينفثهُ على مهل حتى صنع سحابة رمادية بينهما، فأشاحت بكفها أمام عينيها و هي تسعل:
- انت جاي أوضتي عشان تدخن؟
استند بكفهِ إلى حافة الضلفة بجوار رأسها و هو يميل عليها لتتسلط أنظاره النهمة على شفتيها، عقب أن سحب سيجارتهِ من جديد لتكون بين سبابتهِ و الوسطى، فاستشاطت غيظًا من نظراته، راحت تضع كفها حاجزًا بينهما و هي تحذره بسبابتها قبل نظراتها المحتدة:
- إيّاك!
التوى ثغره ببسمة شرسة و هو يقول بلهجة ذات مغزى، مائلًا برأسهِ للجانب قليلًا:
- شكلك نسيتي!
تجعدت بشرتها بجوار عينيها إثر تضييقهما و هي تناظره باستفسار فأردف و هو يقلص المسافة أكثر:
- انتي اللي بدأتي يا بنت حسين! شوفي بقى هتنهي دا ازاي!
ألصقت كفها بشفتيها و هي تقول محذرة ملتصقة أكثر بالخزانة من خلفها حتى تكاد تسقط بجسدها في داخلها، ارتبكت قليلًا و هي تحاول التظاهر بالثبات:
- ابعد.. بدل ما..
فقاطعها بلهجة متحدية بصوته الرجولي المحتد و هو يمرر إبهامهِ على وجنتها، متعمدًا أن تلفحُ أنفاسهِ المعبّأة بالنيكوتين وجهها:
- هتعملي إيه؟
ابتلعت ريقها و هي تحني أهدابها عن عينيهِ الثاقبتين، قشعريرةً سرت بجسدها لدى أنفاسهِ التي شعرت بها تطوف حول وجهها، و بدون أن تزيح كفها عن شفتيها، حاولت أن نزح كفهِ عن وجنتها بيُسراها:
- هـ..مـ..هعمل...
قاطع تلعثمها بلهجة قاتمة ذات مغزى و قد مال أكثر عليها فكادت أنفهِ تلامس أنفها:
- أنا لو عايز حاجة كنت خدتها من زمان يا بنت حسين!
و خفتت نبرتهُ قليلًا فباتت گالفحيح:
- اللي عايزه باخده في وقته!.. مفيش قوة تقدر تمنعني عنه!
و أنهى حديثهُ بقبلة خاطفة ساخرة فوق أناملها المكممة لفاهها و هو يزيح كفيه ليحررها من حصاره، ابتعد مستديرًا و هو يهم بالخروج أثناء قولهِ الصارم:
- ربع ساعة بالكتير و تكوني جهزتي!
هل هو سوء الحظ؟ أم أنها تتخيل ذلك؟، تلك الرياح العاتية التي هبّت بشكلٍ مفاجئ تطايرت الستائر إثرها بينما هي تتابعه بأنظارها الحانقة، فتبدلت نظراتها و قد اصطدمت الريح بأوراقها البيضاء فنثرتها و بعثرتها على الأرضية حتى وصلت إلى قدميه، تغضن جبينه أكثر و هو يتيبس بمحلهِ، و انحنى ليسحب إحدى الأوراق المقلوبة على وجهها الأبيض، و استقام و هو يلتفت نحوها ليجد ملامحها قد تبدلت مما أثار فضوله، همّ بقلبها على وجهها ليرى ما بها، لولا كفها الذي انتشل الورقة من بين كفيه و هي تقول بوجهٍ محمر:
- انت بتعمل إيه؟
فباغتها بالسؤال المحتد و أنظاره معلقة بالورقة:
- إيه دا؟
انحنت لتجمع الأوراق موارية شعورها بالتوتر و هي تتظاهر بالغضب، و انتصبت أمامه و هي تضبطهم بين كفيها ثم ضمّتهم إلى صدرها و هي ترفع نظراتها المحتقنة نحوه قبل أن تسألهُ باستهجان:
- و انت مالك؟.. مش انت مش عايزني أتدخل في اللي يخصك؟، يبقى انت كمان متتدخلش! تمام؟
تقلصت المسافة ما بين حاجبيه حتى باتا گمسطرة مستقيمة و هو يدس إحدى كفيهِ في جيبيهِ، بينما يردد ساخرًا بلهجتهِ المحتدة:
- القطة طلعلها ضوافر و بقت تخربش!
أومأت و هي تقول بتحدٍ واضح من بين عينيها المتوهجتين:
- أيوة، و الفضل ليك، متشكرة!
و كادت تمر من جواره لولا أن أخرج كفه من جيبهِ، ليسحب مرفقها إليه، مجبرًا إياها على النظر لعينيهِ الملتهبتين:
- انتي بنفسك تخصيني يا.. يا يارا، و أي حاجة تخصك تخصني!
احتدت نبرتها و نظراتها تنحرف بين عينيه:
- ليه ؟ ليه أي حاجة تخصني تخصك، و أي حاجة تخصك متخصنيش؟
و ضيقت عينيها و هي تقول:
- عشانك الراجل، صح؟
فحذرها و نظراته المتقدة يتفاقم اضطرامها:
- قولتلهاك و هكررها، انتي بتلعبي بالنار يا بنت حسين!.. خدى بالك
غمغمت "يارا" بنفور بينما نظراتها القوية تنحدر بين عينيه:
- الخطر أنا معرفتش معناه غير لما دخلت حياتي يا صيّاد!.. خليك فاكر ده كويس
أحنى بصره نحو الأوراق التي تضمها إلى صدرها، ثم ارتفعت أنظاره إليها و هو يقول بلهجة باردة.. على عكس تمامًا ملامحه المتشنجة و توهج عينيه:
- محاولاتك إنك تتوهيني فاشلة يا.. بنت حسين، مبتنفعش معايا
و غمز بوقاحة متابعًا بعبث بالرغم من صلابة نبرته:
- زي اللي عملتيه امبارح كده
بعثت وجنتيها بسخونة إليها فتأكدت أنهما تشربتا بحمرة الحرج إثر كلماته، و لكنها احتفظت باحتداد ملامحها و هي تتظاهر باللامبالاة، على الرغم من ذلك.. إلى أنها لم تقوَ على النظر لعينيه فانحرفت نظراتها بعيدًا عنه، بينما كان يترك ذراعها و قد تصلبت ملامحه ليردف بلهجة حالكة:
- و عارف إنك مخبية حاجة، خلينا نشوف الضرر اللي هتعمله القطة من خربشتها!
فراحت أنظارها تتجه نحوه و هي تقول مشددة على كلماتها و هي تسحب ذراعها إليها:
- أكيد مش هيكون قد ضررك ليا يا صياد، لكن هتشوف، و قريب كمان!.. هتشوف القطة هتخربشك إزاي!
..................................................................
انتهى الرجل من ترك آخر الحقائب بالصندوق الخلفي للسيارة، ثم انسحب ليستقل السيارة الأخرى التي ستتبعهم، بينما "يامن" يحتل مقعده بالسيارة و أنامله تمرر على هاتفه في محاولة منه لإصراف ذهنهِ عن التفكير بها، و لكنهُ ضجر و قد تمددت الخسمة عشر دقيقة إلى ما يقارب الستون، أصابه السخط حين تسلطت عيناه على ساعة اليد الخاصّة بهِ، فغمغم مستنكرًا:
- ساعة ليـه؟ الهانم بتعمل إيه فوق؟
و نفخ حانقًا من وضعه ذلك، فراح يتصل بها حتى أتاه ردها البارد بصوتها الناعم:
- ألو!
فردد مستهجنًا بوضوح:
- بتعملي إيه؟
حتى انتبه إلى الباب السيارة الخلفيّ الذي انفتح لتستقلهُ بينما تقول و هي توصد الباب بتحدي واضح:
- وراك!
التفت ليرمقها بنظراته الساخطة و قد شعر بالدماء تغلى في أوردته، فـ أنهى المكالمة و هو يلقى بهاتفه ليحدجها بنظراته الناقمة، ثم زفر مشيحًا بأنظاره عنها و هو يشير للمقعد الأمامي:
- انزلي متختبريش صبري، أنا مش السواق بتاع الهانم
عقدت ساعديها أمام صدرها و هي تنصرف بأنظارها بعيدًا عنه لتحدق في الزجاج الأمامي بينما تقول ببلادة:
- مش عايزة أقعد جمبك، أنا مرتاحة هنا!
فهدر و هو يلكم المقود و قد توهجت أنظاره و هو يسلطها عليها:
- بنت حسيــن، انزلي بدل ما أجيلك!
فغمغمت و هي تلوى شفتيها باستخفاف:
- هه
التهب وجهه و كأنهُ جمرة متقدة من النيران، فالتفت ليترجل من السيارة و هو يصفق الباب بعنف جعل جسدها ينتفض داخليًّا، و لكنها تشبثت بالتماسك الظاهري، دار "يامن" حول مقدمة السيارة حتى فتح بابها فسحب مقبضه بعنف ليفتحه،  امتد كفه ليسحب بعنف ساعدها و هو يجبرها على الترجل بينما يقول بلهجة ثائرة:
- بقولك إيه؟ أنا صابر عليكي و متعودتش أصبر على حد! لكن قسمًا عظمًا يا بنت حسين، لو حاولتي تلعبي بديلك مش هتلاقي يامن اللي تعرفيه! أنا مقلبتش عليكي لسه، و الأحسن مقلبش.. لأن قلبتي وحشة أوي، مظنش هتعجبك
حاولت سحب ذراعها من قبضته و هي تغرس نظراتها بين عينيه مغمغمة بتحدي واضح:
- هتعمل إيه؟ قولي هتعمل إيه لو قلبت عليا؟.. هتعمل زي ما كان هيعمل، صح؟
امتد كفهُ ليطبق على فكها و قد أدار عنقها بحركة خاطئة آلمتها بينما أنظاره الملتهبة تكاد تحرقها حيّة و هو يحذرها:
- لو أنا وسخ في نظرك أوي كده، فأنا هسيبك خيالك يصورلك اللي ممكن أعمله!
أرخى قبضته عن فكها و هو يستدير ليهم بسحبها، فاستوقفتهُ بتصميم و قد ترقرقت العبرات في مقلتيها تألمًا:
- مش عايزة أركب جنبك قولت!
تحرك ليفتح باب مقعها الأمامي و هو يلقي بها في المقعد، ثم صفقه بعنف و هو يدور حول مقدمة السيارة أثناء قولهِ:
- و صدقيني رأيك عندي مالوش أي أهمية!
و راح يستقل المقعد ليقتاد السيارة مبتعدًا بينما هي تهدر متأففة:
- يـــوه، انت عمرك ما هتتعامل زي الأناسي الطبيعية أبدًا! أنا زهقت
فكان رده باردًا و هو ينحرف للطريق الرئيسي بينما سيارة الحراسة تتبعه:
- معلش.. مسيرك تتعودي!
- أوف
......................................................................
انحنت قليلًا بجذعها لتترك الحامل المعدنيّ، ثم انتصبت و هي تسحب أحد القدحين لتدور حول المنضدة الصغيرة فتقدمها إليه، زفر "فارس" معربًا عن ضجره و هو يسحب الكوب منها ثم تركهُ أعلى المنضدة أمامه و قد جلست إلى جواره، فالتفت إليها ليقول بلهجة قاتمة:
- خير يا مدام حبيبة؟ إيه الموضوع المهم اللي عايزاني فيه!
 و قبل أن تتفوه ببنت شفة كان يقول بجفاءٍ غير مسبوق منه:
- و بسرعة لو سمحتى، عندي مشوار مهم!
تنهدت "حبيبة" بحرارة و هي تمعن النظر لملامحه، بينما تقول بلهجة قانطة:
- أنا عارفة إنك مبقتش طايق حد فينا بعد اللي بنتي عملته، لكن..
فـ استهجن صمتها الذي لم يطل:
- لكن إيه يا مدام حبيبة؟ لكن إيه؟
و أشار بكفه و قد تشنجت ملامحه و هو يتابع:
- بنتك كانت هتقتل يامن ببرود، عايزاني أشكرها مثلًا، المفروض أعمل إيه؟
زمّت شفتيها و هي تحنى بصرها عنه محاولة التبرير:
- يا ابني.. انت الوحيد اللي وقفت جنبي و وثقت فيك في العيلة دي، و عشان كده عايزة أبررلك!
كان كمن يغلى على موقد و هو يقول ثائرًا في وجهها:
- مفيش تبرير يا مدام حبيبة، مفيش تبرير للي عملته!
تنهدت بضيق و هي تميل بجذعها عليه قليلًا لتقول بلهجة احتدت قليلًا:
- ما انت عارف اللي فيها يا ابني، و عارف هو عمل إيه فيها، أومال لو مكنتش عارف الموضوع كله؟
 و حررت زفيرًا حارًا من صدرها و هي تقول بلهجة مترققة:
- احنا بشر يا ابني، بشر.. بنغلط كتير يا فارس يا ابني، و بنتي انسانة و عارفة إنها غلطت، لكن صدقني، حاولت تصلح غلطها ده بكل الطرق
استند "فارس" بمرفقيه على ركبتيه و هو يشيح بأنظاره عنها محررًا أنفاسه الحارة فبدا و كأنه ينفث نيرانًا، كز على أسنانه قليلًا ثم التفت ليقول بلهجة اتهام واضح:
- مين اللي قتل عمي يا مدام حبيبة؟ مين اللي قتل عمي؟
للحظة شُدهت من سؤاله المباغت، فأحنت ناظريها عنه و قد انحنى كاهليها بينما تقول بقنوط:
- معرفش، معرفش مين اللي قتله!
فـ أردف "فارس" محتدمًا و قد برزت عروق جانبيّ رأسه:
- لكن أنا عارف يا مدام حبيبة، اللي حاول يقتل "يامن" في المستشفى هو نفسه اللي قتل عمي "يوسف"
ارتفعت أنظارها إليه و قد تغضن جبينها متسائلة باندهاش:
- انت بتقول إيه؟ حاول يقتله في المستشفى؟
أومأ "فارس" و هو يقول مُؤكدًا:
- أيوة.. حسين حاول يقتل يامن في المستشفى، حط له سم في المحلول!
توسعت عيناها و قد بهتت مما قال:
- انت غلطان.. مستحيل، مستحيـل يا فارس!
فـ صرخ بها بصوت جهوري و قد فرغ صبره:
- لأ مش مستحيل.. ليـه؟ محاولش يعملها قبل كده؟ محاولش يقتله قبل كده و جت في بنته، و برضو مبتتعظش!
رمشت "حبيبة" عدة مرات و قد خفق قلبها بعنف بين أضلعها، ثم همست بعد فهم:
- قـ..صدك إيه يا فارس
نهض "فارس" عن جلسته و هو يشير حوله قائلًا بلهجة ذات مغزى و قد خفتت نبرته قليلًا:
- قصدي خدي بالك من بنتك كويس عشان متروحش في الرجلين، اللي قتل و خسّر ابن أبوه قدام عينه.. وارد جدًا يخسر بناته!، خـدي بالك!
و مضى نحو الباب تاركًا إياها تخلس شاخصة الأبصار، همّ بفتحه و لكنهُ وجده يُفتح من الخارج لتكاد تدلف هي، فتخشبت و هي تراه أمامها، انعقد حاجبيها و هي تشمله بنفور واضح:
- انت بتعمل إيه هنا؟
توهجت أنظاره و هو يمرر نظراته على طول جسدها، حتى ارتفعت أنظاره إليها و هو يقول بلهجة مستهجنة:
- إيه اللي لابساه ده؟
تشربت وجنتيها بالحمرة الغاضبة و هي تقول مستنكرة:
- و انت مالك؟ كنت من بقية عيلتي!
توقفت أنظاره عند فتحة صدر ثوبها الدائريّة بعدما تقوست شفتيه نفورًا من قِصر ثوبها الذي يبرز ساقيها الطويلتين المرمريتين، فراح يسحبها من ذراعها و هو يجبرها على الدلوف متجاهلًا صراخها الغاضب:
- بتعمل إيه يا همجي؟ سيبني!
 فراح ينظر لوالدتها و هو يشير لثيابها الضيقة بينما يقول بلهجة قاتمة:
- انتي شفتي بنتك لابسة إيه و هي نازلة؟
ارتفع حاجبيّ "حبيبة" و هي تقف ببطء متأملة ثوب ابنتها الذي يكشف أكثر مما يُظهر، ثم تقدمت نحوها و هي تزجرها:
- ايه اللي لابساه ده؟ من امتى و انتي بتلبسي كده؟
ترك "فارس" ذراعها و هو يدفعها تجاه والدتها، فراحت الأخيرة تغرس أظافرها في عضدها هادرة:
- جبتي الزفت ده منين؟ انطقي؟
تقوست شفتي "ولاء" استهجانًا و هي تسحب ذراعها بعنف من قبضتها:
- استلفته من صاحبتي!
فنهرتها بعنفٍ:
- امشي غيري القرف اللي لابساه ده، و صاحبتك دي متكلميهاش تاني، مش عشان سمحتلك تنزلي يبقى خلاص، تتصرفي على مزاجك، تنزلي و أنا نايمة، من غير ما تقوليلي و عديتها، انما المنظر اللي شايفاه ده لو شوفته تاني هيبقى فيه كلام تاني ، انتي فاهمة؟
فـ احتجت "ولاء" على قراراتها الظالمة لها من وجهة نظرها و هي تقول:
- يــوه!.. ما تسيبيني بقى أعيش حياتي بالشكل اللي عايزاه، عايزاني أعمل إيه؟ اقعد جمبك أعيط على اللي خسرته؟ و لا أندب حظي
 و راحت تنسحب لتتجه نحو غرفتها بخطواتها المتعرجة فازدادت حنقًا لمُصابها، فهدرت بسخط جليّ:
- دي عيشة تقرف!
كان يتابع ما تفعل بأعين ضائقة، أتلك "ولاء" التي عهدها؟ أم أنها شبحًا عجيبًا منها، تابعتها "حبيبة" بأنظارها الحانقة و قد تماسكت ببراعة لئلا تسكب عيناها الدموع قهرًا على ما تنحدر إليه حال ابنتها، أشار "فارس" إليها بعينيه و هو يسألها:
- مالها دي كمان؟
زمّت على شفتيها بضيق و هي تحني أبصارها ، ثم غمغمت بقنوط:
- رجلها
لم تحل عقدة حاجبيه و هو يسألها باهتمام متواري خلف قناع القسوة و الغضب:
- مالها؟
سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهل بينما تقول باستياء واضح:
- الدكتور قالها عضمها ضعيف، الموضوع محتاج وقت عشان ترجع زي الأول، لكن هي حست إنه بيديها أمل فاضي، و إنها هتفضل كده طول العمر!
 للحظة أصابهُ الشعور بالذنب لما أصابها بسببه، و كره تمامًا هذا الشعور فتفاقم نقمه و هو ينفخ حانقًا، ثم همّ بالفرار و هو يقول بلهجة مستشاطة:
- خلي بالك من بنتك يا مدام حبيبة!
فكادت تستوقفه قائلة:
- يا ابني اسمـ..
قاطعها بينما يلج خارجًا:
- أنا خلصت كلامي، و مش مستعد أسمع حاجة!
......................................................................
 و گأنها الجنان حقًا.. سعف النخيل بطلعهِ النضيد يظلل الأفق، عبق الزهور الرائعة تخترق حاسة الشم لديها فتنعشها، النسيم الهادئ الذي يصطدم بصفحة وجهها فتطبق جفونها لاستقبالهِ، الخُضرة المحيطة بها هنا و هناك فتبهج الناظر إليها وسط محيطٍ من الكلأ و الحشائش المزروعة، للحظة عادت حلمها أمام عينيها و قد كانت بمكان مشابه لذاك، كانت ثغرها منبعجًا كاشفًا عن ابتسامة عريضة متناسية مصابها، بينما السيارة تعبر من البوابة الرئيسيّة لمنزل المزرعة الخاص بـ عائلة "الصيّاد".
يقتاد السيارة فوق الممر الرخامي المزدان من الجانبين بالحشائش الخضراء الممتدة على طول النظر كانت تتابع تلك المناظر الطبيعية من السيارة، حتى انتبهت إلى صوته الآمر و قد أطفأ المحرك:
- انزلي!
و ترجل ليدور حول مقدمتها بينما هي تحدتهُ و قد استشاطت من نبرته الآمرة، فعقدت ساعديها أمام صدرها و هي تتظاهر بالبرود التام لتثير أعصابه، كان قد مر من أمام بابها حتى انتبه إلى أنها لم تترجل، فتوقف و هو يلتفت نحوها رامقًا إياها بنظراتٍ ممتعضة، زفر حانقًا و هو يستدير عائدًا إليها ليفتح بابها، ثم سحب ساعدها ليجبرها على الترجل بينما هي مثبتة عنقها فتنظر إليه بالكاد من زاوية عينها و هي تقول بحنق واضح:
- بالراحة، أوف!
صفق الباب بعنف و هو يحدجها بنظراته المتوهجة، ثم قال و هو يستدير ليسحبها من عضدها بجواره و هو يحذرها قائلًا:
- عدي يومك!
زفرت حانقة و هي تنظر لجانب وجهه من طرف عينيها، حتى ضاقت أنظارها حين توقف أمام ذلك الكهل البشوش ذو الجسد الشبه ممتلئ و اللحية البيضاء تزين وجهه فتعطيه مظهرًا هادئًا، أحدب الظهر قليلًا، هشّ الرجل فور أن رآه فتحرك على الفور ليمضي نحوها، توقف "يامن" ليلتقيه بنقطة في المنتصف، فأرخى قبضته عن عضدها، و حرر تمامًا ذراعها، و من ثُم قال محذرًا:
- من بعيد يا أحدب!
 و لكنه لم يُصغي إليه، بل راح يضمهُ محتويًا جسده الصلب بين ذراعيه و هو يربت بقوة على ظهره:
- بعد الغيبة دي كلها هيهون عليا أشوفك قدامي و ماخداكش في حضني يا يوسف!
بالرغم من امتعاض "يامن" من فعلتهِ، إلا أنه لم يكن ليكسر بخاطره، و لكن كفاه لم يرتفعا ليبادلهُ العناق، حتى ابتعد عنه ليدقق في تقاسيم وجهه، ثم ربت على وجنته برفقٍ و هو يقول ببشاشة:
- ما شاء الله! كبرت كده إمتى يا يوسف!
ارتفع حاجبي "يارا" و هي تتابع التآلف العجيب الذي يظهره الكهل، فتغضن جبينها و هي تنقل أنظارها بين الرجلين، حاول "يامن" أن يبعد كفه عن وجهه و هو يقول بلهجة متراخية:
- يوسف بردو يا أحدب! ماشي
كادت ابتسامته تصل لأذنيه و هو يتضاحك مربتًا على كتفه العريض بينما يقول بود:
- ما انت يوسف، و هتفضل يوسف في نظري!
انصرفت نظرات "يامن" الغامضة عنه و هو يقول بلهجة صلبة ظاهريّا:
- غلطان يا أحدب!
أومأ العجوز بتفهم و هو يردد مترققًا:
- انت اللي فاكرني غلطان، مسيرك تفهم قصدي!
تقلصت المسافة ما بين حاجبيه و هو يسلط أنظاره عليه، بينما انحرفت عينا العجوز الصافيتين نحو "يارا" فانفرجت شفتيه بإعجاب واضح و هو يخطو خطو نحوها متأملًا ملامحها الجميلة أثناء قوله المشدوه:
- ما شاء الله تبارك الخالق!.. إيه الجمال ده!
اشتعلت وجنتيها بحمرة خجلة و هي تحنى أبصارها عنه فانعطفت نظرات الكهل إليه ليقول و هو يضحك بمرح:
-عرفت تختار فعلًا يا ابني!
و عادت أنظاره تتجه نحوها و هو يسألها بودّ:
- إزيك يا بنتي
رفعت أنظارها إليه لتومئ برأسها بينما تقول باقتضاب:
- كويسة
فربت الكهل على كتفها و هو يقول مشيرًا لـ "يامن":
- يدوم يا بنتي، تعالو، فاتكم تعبانين من الطريق، الفطار جاهز
و سار من أمامهم فانحرفت نظراتها المتسائلة نحوه، فقبض برفقٍ على عضدها و هو يسير ساحبًا لها بجواره و هو يقول:
- تعالي
فهمست له بفضول شديد و هي تضيق عينيها:
- مين الراجل الطيب ده؟
انحرفت أنظاره المستنكرة فضولها نحوها فرفعت كتفيها بينما تقول:
- خلاص، أنا هسأله هو، الواحد غلطان إنه بيتكلم معاك أصلًا
تكاد تجزم أن ذلك القصر يتعدى قصر عائلة الصيّاد حجمًا و فخامة، التحف و التماثيل هنا و هناك و التي تكتظ بها ساحة القصر الداخليّة، أنظارها المشدوهة شرعت تتابع ما يمكن لعينيها التقاطهِ من تلك الزاوية لعنقها، حتى دلف بها لغرفة الطعام من خلف الكهل فسحب لها مقعدًا حول الطاولة الممتدة و هو يقول مشيرًا لها:
- اقعدي كلي، و الأحدب هيوريكي أوضتك فوق
 وارتفعت أنظارهِ نحو الكهل ليسأله:
- أشهب فين يا عجوز؟
انبعجت شفتيّ العجوز بابتسامة و هو يقول:
- مستنيك متقلقش!
أومأ "يامن" بحركة لا تكاد تلحظ و هو يرخى قبضته عنها ثم قال و هو يهم بالمغادرة:
- هروح أشوفه
تمردت "يارا" و هي تعقد ساعديها أمام صدرها شاملة طاولة الطعام بضيق متفاقم و هي تحتج قائلة:
- أنا مش جعانة، عايزة أطلع أرتاح
استدار مجددًا و قد امتعض و تجهم وجهه من تحديها المتوالي له، سحب ساعدها و هو يجبرها على الجلوس قائلًا بلهجة متصلبة مشددًا على أحرفه:
- انتي مكلتيش حاجة من الصبح، اقعدي
فقاومته كي لا تجلس و هي تقول مستنكرة:
- قولت مش جعانة ، الله، هو عافية؟
 تأوهت متألمة و قد التوت عنقها و هي تلتفت لتنظر نحوه، فتلمستها بأطراف أناملها و هي تتأوّه بصوت خفيض مطبقة جفونها، بينما الكهل قد اضطرب قليلًا ظنًا أن قبضته آلمتها فراح يحاول تلطيف الأجواء:
- بالراحة عليها شوية يا يوسف
تأمل "يامن" تعبيراتها المتألمة فسألها بلهجة ثاقبة:
- مالك؟
أزاحت كفها عن عنقها لتقول و  هي تحرف أنظارها بعيدًا:
- مفيش
شدد من قبضته على ساعدها و هو يسألها مستهجنًا:
- سألتك سؤال جاوبي عليه؟ مالك؟
كادت من فرط استشاطتها تلتفت إليه مجددًا –غير منتبهة لألم عنقها- بينما تهدر بشجب:
- قولت مفيش الله، آه!
تأوهت حين تلمس عنقها بقبضته الخشنة حين لمح تلك الزرقة أعلى جانب عنقها و كأنهُ تورّم فسألها عاقدًا حاجبيه:
- ايه اللي في رقبتك ده؟
زفرت حانقة و هي تقول باقتضاب:
- معرفش
اتجهت أنظاره نحو الكهل ليقول بلهجة آمرة:
- اطلب لها الدكتور يا أحدب
و أشار للمقعد و هو يجلسها برفق بينما يقول بلهجة متصلبة:
- و انتي اقعدي كلي لغاية ما الدكتور ييجي
لمح قدح القهوة المتروك أمامها، فأشار بعينيه للكهل و هو يقول:
- يارا مبتحبش القهوة يا أحدب، خليهم يعملولها شاي
 بسط كفه ليسحب قدح قهوته بينما تتابعه بأنظارها الضائقة و هي تحيط عنقها بكفها:
- يعني رأيي بردو مش فارق معاك
كان يقف جوارها تمامًا.. بل أنه استدار ليستند بجسده للطاولة بينما يرتشف من قهوته ، التفت ليشير بالقدح للعجوز بينما يقول بلهجة ثابتة:
- كانت واحشاني قهوتك يا أحدب
ضربت على الطاولة بقبضتها الضئيلة المنفعلة و هي تقول و قد توهجت زرقاوتيها:
- على فكرة في واحدة بتتكلم
و لكن أنظاره لم تنحرف إليها حتى، فزمجرت غاضبة و هي تسحب إحدى الشطائر و قد أصابها الحنق الكافي، بينما العجوز يتابعهما بأنظاره الهادئة البشوشة، أشار لـ "يامن" و هو يقول:
- اقعد يا يوسف كل لك لقمة، ده انت جاي من طريق سفر يا ابني
كان يرتشف من قدحه الذي يتصاعد منه البخار، ثم أبعده عن شفتيه ليقول بلا اكتراث:
- 3 ساعات سواقة!.. عادي
فاستنكر العجوز ما يفعل و:
- نفسي أعرف بتتعب نفسك ليه في السواقة، ما انت عندك أكتر من سواق
فأفضى القول لديه كما لا يفعل مع غيره:
- مبثقش في حد يا أحدب!
و انحرفت أنظاره الغامضة نحوه و هو يقول مستطردًا:
- رجالتي فيهم جاسوس، أنا واثق من ده،.. اللي فاضل إني أعرفه و...
رغمًا عنها سعلت و قد شعرت  و كأن اللقمة قد توقفت في منتصف حلقها، فاتجهت أنظار "يامن" نحوها بينما العجوز سارع بتقديم كوبًا من الماء إليها و هو يقول بلهجة مرتابة:
- خدى يا بنتي اشربي ده
سحبته منه على الفور و قد شعرت باختناقها فأدمعت عيناها، راحت تتجرع ما بالكوب من ماء و قد استشعرت خفقات قلبها كالطبول، بينما  تشعر أن أنظاره الثاقبة تكاد تخترقها، أنهت ما بالكوب فتركته أعلى الطاولة، فسألها العجوز بقلق اتضح في نبرته:
- انتي كويسة يا بنتي؟
أومأت و هي مطرقة الرأس و لتقول بتلعثم:
- كـ..ويسة
و تركت شطيرتها جانبًا لتنهض و هي تقول بارتجافة أحاطت نبرتها:
- أنا شبـعت، عايزة.. أطلع أرتاح
أشار "يامن" للشطيرة أثناء قولهِ الآمر بصوتٍ خشن:
- كملي أكلك
ازدردت ريقها لتقول بخمود على عكس تأججها منذ قليل:
- مش عايزة
زفر "يامن" حانقًا و هو يقول بلهجة أشد:
- كملي أكلك يا يارا بدل ما أكلك بطريقتي
ارتفعت أنظارها الحانقة نحوه من زاوية عينها، ثم تنهدت بفتور و هي تعتلي مقعدها مجددًا، ثم راحت تسحب الشطيرة بتعنّـف، بينما العجوز كان يقول قبل أن ينسحب من الوسط:
- أنا نسيت الدكتور، هروح أستدعيه يا يوسف
و ولج خارجًا بينما كانت تقول و هي تقضم من شطيرتها بانفعال:
- انت هتفضل واقف فوق دماغي كده
باغتها بإزاحة خصلاتها عن عنقها ليتلمسه بترفق أثناء تسائله:
- رقبتك حصل لها كده من إيه؟
لم تتمكن من رفع أنظارها الملتهبة نحوه و هي تلتهم قضمتها، بينما تقول بفتور شديد:
- بسببك!
ضاقت عيناه و هو يسألها بإيجاز:
- امتى؟
 تضرجت وجنتيها بالحمرة و قد ارتبكت قليلًا، و لكنها أجابت في النهاية و بعد تلكؤ:
- الصبح
فراجح يُمعن النظر لتورّم عنقها، لم يكن عنيفًا معها لتلك الدرجة التي تجعل عنقها يتورّم هكذا، فسألها بوضوح:
- رقبتك مالها؟
- معرفش
فنعتها بغِلظة:
- كذابة
ورابت جلستها لتكون في اتجاهه فرفعت أنظارها نحوه بصعوبة و هي تقول بلهجة ثابتة:
- مبكذبش
انحنى قليلًا و هو يترك قدحه أعلى الطاولة ثم استند بكفه على سطحها ليميل عليها بينما أنظاره تنحرف بين عينيها، ارتبكت من أنظاره المقتنصة، فحادت بأنظارها بعيدًا عن مرمى بصره، فارتفع جانب ثغره ببسمة ساخرة متشدقًا:
- واضح
تغضن جبينها بعدم فهم و هي ترمقه بأنظارها الضائقة، فأشار لشطيرتها و هو يسحب قدحه مجددًا ليعود سيرته الأولى:
- كملي أكل
سحبت الشيطرة بعنف و هي تقول محتجة:
- هو انت واقف معايا ليه؟ ما تروح تشوف كنت هتعمل إيه؟
فـ أجابها ببرود متفاقِم بينما يرتشف من قدحه و كفه الآخر دسه في جيبه:
- عاجباني الوقفة هنا!
فاعتدلت في جلستها و قبل أن تقضم مجددًا قالت حانقة:
- لأ انت مش عاجبك الواقفة، انت عاجبك مضايقتي
أجابها دون حتى أن يمنحها نظراته:
- يمكن!
نظرت نحوه باستهجان من زاوية عينها ثم راحت تتأفف بقوة:
- أوف!
.............................................................
 تجوب الغرفة ذهابًا و إيابًا بينما تدلك جبينها و هي تقول بلهجة مستهجنة:
- مستحيل ده يحصل، أساسًا ماما ملهاش كلمة عليا، زي ما بقولك كده يا وداد، مش هتقدر تمنعني لو عملت إيه،.. طب أنا أعمل إيه بس يا وداد؟ ما قولتلك كلها يومين و أرجع أنزل معاكي ، لأ متقلقيش، خلاص تمام see you
 و أنهت المكالمة و هي تحرر زفيرًا حارًا من أسرهِ بصدرها، ثم راحت تجلس على طرف الفراش بعدما آلمتها ساقها، توهجت أنظارها و هي تتذكر تعرجها أمام عينيه فحنقت أكثر و أكثر و قد شعرت و كأنها خسرت بمعركة وهمية صنعتها بمخيلتها، فقد كان الطرف الأساسي لما أصابها، كزت على أسنانها بعنف و هي تقول بلهجة متشنجة و قد أظلمت عيناها:
- محدش هيقدر يمنعني، أنا هعيش حياتي بالشكل اللي عايزاه، كفاية كبت و قرف بقى!
...............................................................
وجه سؤاله إليها بينما يعقد حاجبيه:
- انتي متأكدة إن دي من يوم واحد بس؟
كادت تهز رأسها نافية و لكنها لم تتمكن فأطبقت جفنيها لتقول:
- الحقيقة لأ.. أنا حاسة بألم فيها تقريبًا من لأسبوع
شعر و كأنها تقتضب في الحديث، فراح يجتذب الكلمات من بين شفتيها:
- و ده من غير سبب؟
فتحت عينيها، ثم ارتكزت عيونها عليهِ، و هي تقول زافرة بعمق:
- لأ في سبب، عملت حادثة عربية
و تحركت بجسدها لتكون في مواجهة الطبيب و هي تسأله بارتياب:
- هي ممكن تكون اتكسرت؟
زفر بانزعاج شديد و هو يرمقها بنظرات حانقة، بينما التوت شفتي الطبيب بابتسامة بشوش بينما يقول:
- يا مدام لو اتكسرت مكنتيش استحملتي وجعها ثانية واحدة، متقلقيش
 و راح يخط بقلمه في دفتره الصغير الذي أخرجه من جيبه و هو يقول موجهًا حديثهُ لـ "يامن" المسلط لأنظاره المغتاظة عليها:
- متقلقش يا فندم، أنا هكتب لها على مرهم للعظم و مسكن للألم
و راح ينتزع الورقة من الدفتر ليسلمهُ الوصفة بينما يقول بلهجة جادة:
- و يا ريت لو تلبس رقبة طبيّة عشان متلويش رقبتها تاني، و لو ممكن فيتعملها كمادات.. اتفضل
سحب الكهل الوصفة من بين أنامله و هو يومئ قائلًا:
- متشكرين يا دكتور علاء
انحرفت أنظار "يامن" نحوه ليسأل بثبات، بينما كلا كفيه في جيبيه:
- مش هتحتاج إشاعة؟
هز الطبيب رأسه بينما يجيب:
- مبدئيًا فأنا مش شايف أي حاجة لده، لكن لو لا قدّر الله مستجابتش للعلاج.. ممكن نعمل إشاعة وقتها
انحرفت أنظار "يامن" نحو الكهل ليقول بلهجة آمرة:
- وصل الدكتور و ابعت حد بدالك يا أحدب
أومأ الكهل و هو يشير للطبيب ليخرج:
- حاضر يا يوسف، اتفضل يا دكتور
 جمع الطبيب حاجياتهِ ثم أردف ببشاشة و هو يسلط أنظاره عليها:
- بالشفا ان شاء الله
فغمغمت بامتنان و هي تجفل أبصارها:
- شكرًا
تفاجأ بتلك الدفعة العنيفة التي حطّت على كتفه متزامنة مع قولهِ الفظّ:
- متهيألي إنك اتأخرت يا دكتور، و لا إيه؟
تحرج "علاء" من فجاجتهِ الملحوظة، فزم على شفتيه و هو ينسحب من الغرفة بصحبة العجوز، تابعتهُ أنظار "يامن" الحانقة ثم عاد تتسلط عليها فور أن أُغلق الباب ليقول بامتعاض:
- لما انتي رقبتك بتوجعك من أسبوع ساكتة ليه؟
كانت تتلمس عنقها بكفها فتغضن جبينها و هي تنحرف بجذعها نحوه لتنظر له باستنكار:
- و الله!
زفر بحنق واضح و هو يحدجها بأنظارهِ الملتهبة، ثم أشاح بوجهه عنها ليمسح على وجهه بعنف حتى احمر جلده، دنا منها ليجلس جوارها و هو يغرس أنظاره مباشرة بعينيها، و كأن هنالك كمّا مريبًا من الكلمات التي يختزنها في جوفهِ:
- بنت حسيـن!
......................................................................
..........................................
 
 
 
 
 
 
 
 

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن