"الفصل الحادي و الأربعُون"

1.4K 29 0
                                        

لقد عصفت بها الحياة و ألقت بها الى حافة جرف ، فهل لها من منقذ ؟ أم أنها سقطت سقطةً لا عودة منها ؟
__________________________________________________
تجمد جسدها فظلت متخشبة بلا حراك ، تثلجت أطرافها و شعرت بالدماء تنسحب من عروقها و هي مُحملقة به بعدم استيعاب هامسة باستنكار:
- خالد ؟
فـ ظهرت هويته الشيطانية التي كانت متوارية و هو يردد بصوتٍ فظ :
- خالد اللي اديتيه على قفاه و كنتي عاملة فيها شريفة و انتي و××× و عارفة واحد من ورانا !
هزت رأسها بهيستريا متمتمة باحتجاج :
- لا لا ، انت .. انت فاهم غلط
فـ هب واقفًا فجأة و هو يصيح باستهجان و قد توهجت عيناه :
- هو ايه اللي فاهم غلط ، انتي فاكراني مغفل ؟
زحفت على الفراش متراجعة للخلف و هي تنكمش أكثر على نفسها متمتمة بتوجس :
- خالد لو سمحت متتصرفش كده ، أنا .. أنا هفهمك
فـ كاد يهجم عليها و هو يردد بنبرة ساخطة :
- خلاص فهمت كل حاجة ، هو ده اللي رفضتيني عشانه ؟ ابن الـ××××× ده في ايه زيادة عني ؟
انفلتت منها صرخة مذعورة و هي تثب من فوق الفراش راكضة الى ركن الغرفة ، و تجمعت الدموع في عينيها و هي تردد بهلعٍ :
- اهدى يا خالد الله يخليك ، و الله انت مش فاهم حاجة ، أنا .. أنا مش بحبه !
انبعج ثغره بابتسامة ساخرة و هو يردد بصوتٍ بغيض :
- طبعًا مش بتحبيه ، ما انتي كلبة فلوس طمعتي في فلوسه فبعتي نفسك ليه !
انهمرت الدموع گشلالات من عينيها و هي تردد بمرارة :
- حرام عليك .. أنا .. أنا عمري ما همني الفلوس ، انت مش فاهم حاجة ، أنا اتجوزته عشان...
فقاطعها بصوتٍ جاف :
- مش أنا اللي يتعمل فيا كده ، مش واحدة زيك ترفضني أنا عشان كلب و لا يسوى من غير فلوسه !
شرع يدنوَ منها و قد برقت عيناه بوميض شيطاني ، فـ سرت رجفة في جسدها و هي تتراجع للخلف متمتمة بتوسل :
- خالد اسمعني الله يخليك ، أنا .. أنا معملتش حاجة ، صدقني أنا عملت كل ده عشان ..
اصطدم ظهرها بالجدار فـلم يعد لها مفرًا ، و قبل أن تحاول الفرار كان يُحاصرها بذراعيه  قبض بعنفٍ على معصمها و جذبها اليه و نظر اليها بشهوانية ، امتدت أنامله لتتلمس جانب وجنتها و هو يردد بنبرة أشبه للفحيح :
- انتي عارفة أنا مستني اللحظة دي من امتى ؟
سرت قشعريرة في جسدها و ارتعدت فرائصها و هي تدفع كفه بعيدًا عنها ، انسلت بحركة خاطفة قبل أن يحاصرها مجددًا لتوفض نحو الركن الآخر للغرفة و هي تردد بفزع :
- انت اتجننت ؟ ايه اللي بتعمله ده ؟
فاستدار مرددًا بنبرة شيطانية :
- أيوة اتجننت ، و انتي السبب !
كادت دقات قلبها تصم أذنيها و هي تردد باستنكار :
- خالد ، أرجوك تسيبني أمشي ، أرجوك ، انت .. انت أكيد مش في وعيك
حك عنقه و هو يدنوَ منها مجددًا و :
- مين قال كده ، أنا واعي للي بعمله !
تلفتت حولها محاولة البحث عن وسيلة تحتمي بها لتجد مزهرية فوق الكومود ، وزعت النظرات بينها و بينه ثم أوفضت نحوها ، و رفعت ذراعها لتصدمها بالجدار حتى تهشمت محدثة دوي مزعج ، ازدردت ريقها و هي تُشهرها في وجهه متمتمة بذعرٍ :
- لو .. لو قربت مني هقتلك ! سامعني يا خالد .. هقتلك
فرمقها بازدراء و أشار للمزهرية مرددًا باستخفاف :
- فاكراني هخاف ؟ ارمي البتاعة دي من ايدك !
فتلفتت حولها و هي تتراجع للخلف تحتسب المسافة بينها و بين الجدار حتى لا يُحاصرها و قلبها يتواثب رُعبًا بين أضلعها ، استغل هو انشغالها للحظة فقبض بعنفٍ على رسغها يجتذبها منها و ألقاها بلا اكتراث على الأرضية ، شهقت بفزعٍ بينما قبض بقوةٍ على عضديها و هو يردد بجنون :
- مفيش حد هيمنعك عني ، متحاوليش !
دفعها بعنفٍ لترتمي فوق الفراش ، فزحفت بجسدها للخلف و هي تردد بذعرٍ من بين شهقاتها :
- أنا بنت عمتك حرام عليك .. حرام عليك أنا عملتلك ايه ؟
فقبض على قدمها بعنفٍ و اجتذب جسدها و هو يجثو فوقها ليشل حركتها تمامًا مرددًا بنبرة جافة :
- كل اللي بتقوليه ده ميفرقش معايا ، أنا مش هسيبك
تلوت بجسدها محاولة تخليص نفسها من براثنه و هي تهدر باستهجان :
- ابعد عني يا حيوان ، ابعـــــد عني
شعرت بأنفاسه المعبأة بالنيكوتين تخترق روحها و هو يدنوَ أكثر منها مرددًا بهمسٍ شيطاني :
- أنا هوريكي الحيوان هيعمل ايه !
أخذت تُقاومه بكل ما أُوتيت من قوةٍ تحاول دفعه و لكنها لم تتمكن ، التفتت برأسها للجانب مُجبرة تحاول البحث عن ما تدافع به عن نفسها فاستغل الفرصة و كاد يسترق قبلاتٍ من وجنتها ، امتد ذراعها لتلتقط منفضة السجائر و جدت صعوبة في أن تلتقطها و لكنها فعلت بالنهاية ، فسحبتها و نظرت له بحقدٍ انعكس في مقلتيها و هي ترفعها عاليًا كادت تهوي بها على رأسهِ و لكنه انتبه الى فعلتها فكان الأسرع منها و هو يقبض بعنفٍ على معصمها ، صرخت متألمة و هي تحاول أن تُصيبه بها و لكنها فشلت حيث جذبها من قبضتها و ألقى بها أرضًا ، ثم نظر اليها باحتدام و هو يسبها بأبشع الألفاظ ، رفع ذراعه عاليًا ليهوي بكفه على وجنتها فشعرت بالأرض تميد بها وسال خيط دماء من بين شفتيها و لكنها عاهدت نفسها ألا تستسلم بتلك السهولة ، و لكن سريعًا ما  خبت قوتها تمامًا حين كور قبضته و سدد لكمة لها في وجهها .. تراخى جسدها فصارت غير قادرة على الدفاع عن نفسها ، أظلمت الدنيا أمام عينيها رويدًا رويدًا و لكنها ظلت محتفظة بوعيها .. أطبقت جفنيها بقوةٍ و هي تدعو الله أن يسترق منها وعيها حتى لا تشهد تلك اللحظات العصيبة ، لحظاتٍ ستترك بداخلها ندوب ، ستسترق روحها منها و تفنيها فتستكمل ما بقى من حياتها جسد بلا روح ، لاحت صورته أمام عينيها .. للمرة الأولى تتمنى لو أنها استمعت اليه و ارتضت بأسره لها ، فـ ها هو ذئب جديد ينوى افتراسها و نهش لحمها ، ها هو شرخ أكثر عمقًا لن تنجح الأيام برتقه .. مُطلقًا
.................................................................................
حاول الاتصال به لأكثر من مرة و لكن يبدو أنه أغلق هاتفه .. عجز عن الوصول الى أيهما ، فتهالك جسده على الأريكة و دفن وجهه بين كفيه مرددًا بتجهم :
- أنا مغفل ؟ ازاي أتصرف بالغباء ده و أكون سبب للي ممكن يحصل لها
مرر أصابعه بخصلاتهِ ثم نظر باتجاه الهاتف الأرضي .. تردد في اعادة الاتصال بـ " فارس" عسى أن يُجيبه تلك المرة ، و لكنه زفر مرددًا بنبرة فاترة :
- و بعدين .. مش هعرف أوصلهم ؟
دنت " هدى" منه و اعتلت الأريكة بجواره و على غير عادتها ، مسحت برفقٍ على وجنتهِ متمتمة بوداعة زائفة :
- عمورة ، مال وشك مخطوف كده ليه ؟
قطب حاجبيه و هو ينظر لها متشككًا ثم ردد بفتورٍ و هو يبعد وجهه عن كفها :
- عادي يا ماما ، أنا كويس
فلم تكترث له ، ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها و هي تتمتم :
- قولي يا عمورة .. هو يامن عرف يلاقي بنت الـ.. قصدي بنت حبيبة ؟
الآن اتضحت الصورة أمامه و سبب توددها له .. عبست ملامحه و هو ينظر لها بضيقٍ ثم حاد ببصره عنها قائلًا بتأفف :
- معرفش
تغضن جبينها و هي تردد بضيق :
- متعرفش ازاي يعني يا عمر ؟ ده...
فـ استقام واقفًا و هو يردد بنبرة جافة :
- معلش يا ماما أنا دماغي مش فيا فـهطلع أرتاح .. عن اذنك
ثم أوفض نحو الدرجات ليبتلعها للأعلى بينما تجهمت ملامحها و هي تعقد ساعديها أمام صدرها و تابعته بناظريها حتى تلاشى ، فكزت على أسنانها متمتمة بتوعد :
- بقى كده يا عمر ! ماشي ، بس بردو هعرف كل حاجة
لوت شفتيها بتأفف و هي تردد بنبرة ممتعضة :
- يا ريت قطر يدوسها و نخلص منها بقى الزفتة دي !
................................................................................
اتسعت ابتسامته الشيطانية و نظراته تتجول على تقاسيم وجهها ، تلمس الدماء التي سالت من بين شفتيها ثم ردد بصوتٍ بغيض :
- خلاص هتبقى بتاعتي .. بتاعتي أنا !
انتفض فزعًا حين اخترقت مسامعه صوت طلقاتٍ نارية أتت من الخارج ، هبّ واقفًا و هو يحدق بباب الغرفة بنظراتٍ مترقبة ، ثوانٍ و كان يقتحمه بطلته المهيبة دافعًا له بكتفه دفعة مشحونة بنيران سخطه المتقدة فلم يصمد كثيرًا ، ارتكزت نظراته عليها ليخفق قلبه بعنفٍ في صدره ، زُلزلت الأرض من تحت أقدامه ، اهتزّ كيانه للمرة الأولى في حياته حين رآى حالتها الواهنة  ، و سريعًا ما غلت الدماء في عروقه و تحولت عيناه لجمرتين من الجحيم و هو يدنوَ منه گ ذئب يهجم على فريسته و هو يجأر :
- يا ابن الـ××××× يا ×××××
أطلق وابلًا من السباب و هو يجتذبه لينهال عليه باللكمات تحطم فكه اثرها و تناثرت الدماء بغزارة من أنفه و بين أسنانه ، طرحه أرضًا و جثى فوقه و هو يستكمل زرع غضبه بالكامل به عسى أن تهدأ تلك النيران المندلعة بداخله و لكن هيهات ، تراخى جسد الأخير تمامًا و هو يصرخ متأوهًا من شدة الألم فكاد يسدد لكمة أخرى له لولا أن استمع لتأويهة خافتة خرجت من بين شفتيها لا يعلم كيف وصلت اليه ، فـ ختم ما يفتعله بلكمة أخرى لوجهه ، انحنى عليه لهمس بجوار أذنه بنبرة أشبه للفحيح :
- قولتلك مراتي خط أحمـر يا ×××× ، انت جيت على اللي يخصني ، و يامن الصياد مبيسامحش في اللي يخصه !
كاد قلبه يُقتلع من فرط رُعبه في تلك اللحظة عقب ما لاقاه على يده ، و لكنه لم يكن ليدرك بأنه لم يرَ مثقال ذرةٍ مما سيحل به ، فقد فتح على نفسه بابًا من الجحيم بلا وعي منه ، استقام " يامن" في وقفته  و ركله بعنفٍ في جوف معدته فـ تكور الأخير على نفسه و هو يصرخ من شدة الآلام المحيطة به  ، اجتذبه من ملابسه و استدار بجسده و هو يسير للأمام ساحلًا لجسده على الأرضية مزمجرًا بغضب و ملامحه لا تكاد تُبشر بالخير مطلقًا حتى مضى للخارج ، فـ اصطدم ظهر الأخير بعتبة الغرفة فانفلتت منه صرخة أخرى ، و گأن تألمه گنغمات موسيقية أمتعته ..
........................................................................................
جلست مُجبرةً بعد أن شعرت بالآلام تُداهم ساقها على طرف فراشها و قد شعرت بالنيران تتقد بصدرها ، أشارت لنفسها متمتمة باستنكار للمرة المائة تقريبًا :
- أنا تافهة !
ثم توسطت خصرها بكفيها ، و هزت ساقها بعصبية متمتمة بتشنج :
- هو اللي تافه و وقح كمان ، ازاي يكلمني بالشكل ده !
ثم عقدت ساعديها أمام صدرها مرددة بنبرة متقدة :
- فاكر نفسه مين يعني ؟ أوف ، مستنية ايه من ابن عم واحد زي البيه ! عيلة مفهاش فرد عدل !
ثم قوست شفتيها بازدراءٍ و هي تستلقي على الفراش و :
- قال تافهة قال ، ازاي يعلي صوته عليا !
ثم تمتمت باستنكار :
- و على فكرة أنا مش رغاية
زفرت بانزعاج و هي تقبض جفونها مرددة بنبرة فاترة :
- اهدى يا ولاء سيبك منه ، المهم يارا
ثم فتحت عينيها و استقامت في جلستها ، نظرت حيث باب الغرفة وطردت زفيرًا حارًا من صدرها متمتمة :
- ماما دايمًا بتحس بينا ، أنا خايفة يكون حصل لها حاجة
عبثت بخصلاتها و نظرت للفراغ أمامها بشرودٍ ، و سريعًا ما عبست ملامحه و :
- و على فكرة أنا مش رغاية !
............................................................................
أشهر سلاحه و هو يدلف بحذر دافعًا الباب بقدمه عقب أن حالفه الحظ و تمكن من العثور عليه ، تنغض جبينه متعجبًا من السكون الذي لم يدم ، حيث استمع الى صوت صرخاتٍ متآلمة من أكثر من شخص  أخفض نظراته لتتسع عينها و هو يُبصر ثلاث رجال قد أُصيب كلًا منهم بشكلٍ مختلف ، حيث تسيل الدماء من ذراع أحدهم و الآخر ساقه اليسرى و الأخير اليمنى ، مضى " فارس" نحو أحدهما و انحنى عليه مرددًا بخشونة :
- ايه اللي حصل ؟
- فارس بيه
قالها أحد أفراد الحراسة و هم يدلفون من خلفهِ فـ التفت " فارس" ليردد بنبرة جادة و هو يستقيم بوقفته :
- اتصل يا ابني بالإسعـ....
- فـــــــــارس
قالها " يامن" بصوتٍ جهوري و هو يدلف للداخل فاستدار " فارس" على الفور ، عقد حاجبيه و هو يُخفض نظراتهِ لذلك الذي يجتذبه ، و ارتفع حاجبيه بدهشةٍ و هو يردد :
- مش ده ...
فقاطعه و هو يدفع جسده بعنفٍ ناحيته ليرتمى تحت أقدامه :
- خد ابن الـ××××× ده على المخزن
و قبل أن يسأل مستفسرًا كان يرفع سبابته محذرًا :
- و لا كلمــــــة
تنهد " فارس" بحرارة و هو يُخفض نظراته متأملًا حالته التي كان على شفى حفرة من الهلاك .. تقريبًا لن يصمد كثيرًا عقب ما تلقاه من ضرب مُبرح يفتت قوة العظام و يُهلكها
استدار " يامن" ليمضي بخطى سريعة مبتلعًا المسافات التي تفصلهُ عنها ، حتى دلف للغرفة ، تسمر في مكانه ممررًا نظراته عليها ليشعر بـ فؤاده يُسحق بلا هوادة ، ازدرد ريقه و قد تباطأت خطواته رُغمًا عنه ، أطبق جفنيه و سحب شهيقًا عميقًا يستعيد به رباطة جأشه ثم فتحهما لتبدوان و گأنهما تُطلقان شررًا ، أسرع في خطواته نحوها ، خلع عنه سترته و وضعها فوقها عقب أن تمزقت أجزاء من ملابسها اثر مقاومتها.. لمح تلك الكدمة الزرقاء على وجهها فشعر بسعير صدره يتقد أكثر و أكثر  ، كز بعنفٍ على أسنانه و هو يطلق سبة خافتة من بين شفتيه ، تلمس موضع كدمتها بأطراف أنامله فاقشعر بدنها من لمسته ، فـ كز أكثر على أسنانه مشددًا على عضلات فكيه متمتمًا :
- قسمًا بالله لأكسر ايده اللي اتمدت عليكي !
أبعد خصلاتها المشعثة عن وجهها ثم مرر ذراعه خلف ظهرها و الآخر خلف ركبتيها ، حملها عن ذراعيه و ضم جسدها بقوةٍ اليه معتصرًا لها بين ذراعيه و گأنه يود لو يدفنها في أحضانه فـيمنع أن يطالها الأذى ، تأوهت بخفوتٍ مستشعرة قبضته الحديدية على جسدها ، فـ أرخى قبضته قليلًا عنها و هو يمرر نظراته المترقبة على وجهها ، حتى فتحت عينيها بوهنٍ و عادت تُطبقهما ، كررت الكرة حتى تبينت الرؤية أمامها بعدما كانت مشوشة ، تنغض جبينها و هي تردد بهمسٍ واهنٍ :
- انـ.. انت !
تمكن أن يشعر بارتجافة جسدها بين ذراعيه ، فـ ردد بصوتٍ أجشّ و نظراته مسلطة على عينيها :
- متخافيش ، انتي في أمان .. معايا !
تشبثت تلقائيًا بأطراف ياقته و هي تتمتم هامسة :
- سا..ساعدني
ضمها أكثر اليه ليزيد من احتوائه لها مؤكدًا :
- اهدى ، أنا موجود
فهمست و عيناها ترمشان بوهن :
- أنا .. أنا خايفة ، هيدبحني ، ساعدني !
لو أنها زرعت خنجرًا بفؤاده لكان أهون عليه ، نظراتها التي تبدلت لتصير استغاثة و گأنها على شفى حفرة من الهلاك أرخت جفونها و تراخت رأسها لتسقط على صدره و هي تهتم بكلماتٍ مبهمة ، فـ أسند ذقنه على رأسها و نظر أمامه بنظراتٍ تكاد تحرق الأرض و من فوقها و هو يردد بصوتٍ قاتم :
- محدش هيقدر يأذيكي طول ما انتي معايا
فكان صوته آخر صوتٍ اخترق أذنها لتستجيب بعدها لرغبة عقلها بالانسحاب من الواقع المؤلم بعالمٍ آخر تحتمى به .
مضى نحو الخارج بخطاه الواسعة ليجده منحنيًا عليه يتفقده و هو ينظر له بنظراتٍ شامتة فلم يتناسى للحظات ما قاله بحق زوجة من يعتبره أخيه ، رفع " فارس" نظراته اليه و هو ينتصب في وقفته مرر نظراته عليها مرددًا بنبرة قلقة
- هي كويسة ؟ حصل لها ايه ؟
فاستأنف سيره بدون أن يتوقف متمتمًا بنبرة قاتمة :
- تاخدو ولاد الـ×××× ده على المخزن القديم ، ميدوقوش طعم الأكل و لا الميا
تابعه "فارس" بناظريه حتى تلاشى من أمامه ، فأخفض نظراته المشمئزة اليه ، لم يكن من الصعب التكهن بما كاد يفتعله ، تأففت ملامحه و هو يبصق فوقه ، ثم ركله بقدمه في جوف معدته مُطلقًا سبة خافتة من بين شفتيه ، ثم أشار لعدد من الحراس لحمل جسده هو و الآخرون
.............................................................................
و گأنها تستشعر ما يلم بها .. و كيف لا و هي جزء منها ، فلذة كبدها ، كانت مستندة بظهرها الى الباب بغرفتها عقب أن انسلت من أحضانه رُغمًا عنه و عادت تختلي بنفسها بها ، كانت ممسكة بدميتها التي تحمل رائحتها ، ضمتها الى صدرها و دفنت رأسها فيها ، ثوانٍ و كانت تغرقها بدموعها و دفنت وجهها فيها أكثر تستنشق رائحة ابنتها التي افتقدتها أكثر من أي شئ ، انتحبت بأنينٍ خافت و قد استشعرت ذلك الشرخ العميق بفؤادها فـ جزء منه ليس على ما يرام ،  بينما جلس " حسين" على الأرضية مستندًا بظهره لبابها كما تجلس هي على الجانب الأخر ، تجمعت الدموع في مقلتيه و هو يعود برأسه للخلف مسندًا رأسه على الباب ، أصدر تنهيدة مشتاقة و هو يردد بلوعة :
- وحشتيني يا حبيبة ! وحشتيني ، انتي جمبي لكن المسافات بينا متتقاسش !
أطبقت جفنيها و هي تستند برأسها على الباب و ضمت ركبتيها لصدرها و قد سالت الدموع من بين جفنيها لتغرق وجنتيها متمتمة بتحسر :
- المسافات لما فعلًا كانت متتقاسش كنت أقرب ليا من حبل الوريد ، دلوقتي انت جمبي لكن بعيــد ، بعيد اوي يا حسيـن
شعر بكلماتها گسكين حاد يُغرس في منتصف فؤاده ، سالت الدموع رُغمًا عنه على وجنتيه حتى تغلغلت بين بصيلات ذقنه النابتة التي بدأ الشيب يغزوها ، فـ تمتم بنبرة شبه مبحوحة :
- يا حبيبة ..
فـ قاطعته بنبرة جافة :
- مش عايزة أسمع حاجة يا حسين ، سيبني لوحدي
فهز رأسه نافيًا عدة مرات و هو يهمس لنفسه بإصرار :
- مش هسيبك يا حبيبة ، مش هسيبك
أصغت الاستماع للخارج فلم تتبين أصواتًا و قد عم سكون مريب على كل من بالمنزل ، ظنت أنه قد رحل تاركًا لها فـ سحبت شهيقًا عميقًا زفرته على مهلٍ ، و ضمت تلك الدمية الخاصة لصدرها أكثر و هي تردد باشتياق :
- يا ترى انتي عاملة ايه دلوقتي يا حياة روحي ؟
........................................................................................
مسح برفقٍ على بشرتها و نظراته تتجول على تقاسيم وجهها ، جلس بجوارها على طرف الفراش ثم حاد ببصرها عنها و هو يستند بمرفقيه الى ركبتيه و دفن وجهه بين كفيه و هو يشعر بجذوة الغضب تكاد تصل لعنقه فتُطبق عليه مصيبة اياه بالاختناق أكثر و أكثر ، مازال وجهه متوهجًا و عيناه محتقنتان بالدماء التي يشعر بها تفور في أوردتهِ ، أنّت بخفوتٍ فالتفت گمن لدغه عقرب للتو ، حملق بوجهها ليجدها تتململ في الفراش و قد تقلصت تعبيرات وجهها ، تفصد جبينها عرقًا و گأنها تجابه كابوسًا لم يكن يصعب عليه التكهن بما تراه به ، احتضن وجنتها باحد كفيه و مال بجذعه عليها ليكون أقرب مرددًا بصوته الخشن :
- ششششش ، اهدى .. اهدى ، محصلش حاجة
هزت رأسها بشكل هيستيري و هي تتمتم بذعرٍ :
- لا..لا ابعد عني ، ابعد عني ، حـ..حرام عليك
بالرغم من تلعثمها الا أنه أدرك معنى كلماتها ، توهج وجهه أكثر و احمرت الشعيرات الدموية خلف الهالة البيضاء بعينيه ، كزّ بعنفٍ على أسنانه مشددًا على عضلات فكيه متمتمًا بتوعدٍ شرس :
- قسمًا بالله لأوريه .. هيدفع تمن اللي عمله !
استشعرت ملمسًا خشنًا على وجنتها فـسرت قشعريرة قوية بجسدها استشعرها ، قبضت جفونها بقوةٍ و كأنها تود لو تمحي ما تراه ، نهج صدرها علوًا و هبوطًا ، فـ مسح بابهامه برفقٍ على بشرتها و هو يتمتم بصوتٍ أجش :
- ده كابوس ..اهدي ، انتي معايا !
صدرت منها صرخة هلع و هي تنتفض من نومها فزعًا ، فـ استقام بجلسته ليوازيها ، نهج صدرها أكثر علوًا و هبوطًا ، و هزت رأسها بشكل هيستيري و هي تردد بهذيانٍ :
- لا ، ابعده عني ، هـ..هيدبحني ، ابعــــده عني !
فـ ضمّ وجهها بكلا كفيه ليثبته و هو يردد بصوتٍ جاف :
- شششششش ، اهدي
مازلت تهذي بكلماتها و عيناها متسعتان عن آخرهما من شدة هلعها وجهها شاحبًا و كأنها قد رأت شبحًا للتو ، لم تنظر له و لم تنبته حتى لوجوده ، بل كانت بوادٍ آخر تمامًا و هي تردد بقهرٍ امتزج مع هلعها :
- ده انا بنت عمتك .. حرام عليك ، حـــرام
فـأدار رأسها للجانب رُغمًا عنها ليُجبرها على النظر اليه فنقلت نظراتها الفزعة بين عينيه ، شدد من تطويقه لوجهها و هو يردد بصوتٍ ثابت و كأنه لا يجد غير تلك الكلمة يحتويها بها .. فـ هو فاشل بفن المواساة  :
- اهــــــــــدي !
نقل نظراته من خضراوتيه لزرقاوتيها معمقًا نظراته نحوها ، هاتان الماستان الزرقاوان التي يُحبذ الغوص بين أنهارهما ، حملقت بعيناه لثوانٍ و كأنها تستعيد ما حدث بعقلها لتأتي آخر صورة رأتها .. صورته هو ، و فجأة تمتمت بعدم استيعاب و هي تنقل نظراتها المذعورة بين عينيه :
- انت اللي عملت كده .. أيوة انت !
.....................................................................................

في مرفأ عينيكِ الأزرق حيث تعيش القصص. اكتشف الآن