* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *±وِجَهة نَظر الكَاتِب.
+
عند ساعات الشُّروق الدَّافئة، أطلَّ ضَوء ذَهبيٌّ مُحببٌ على نَوافذ السَّاكنين بدِيارهم، مُوقظًا إياهم من سُبات اللَّيل العَميق كَتحية، يُعلمهم معها عن بِدء يومٍ جديدٍ من حياتهم، يَحملّ بين طَيّاتِه مَشاعر بانتظارهم لتُعاش، ووجوهًا لتُقابل، وأحداث ليَمضوا بها، تَزاحمت أصواتُ المَّخلوقات الحَية المُّرافقة للشمس، مُعينةً إياها على إيقاظهم، فيتخلل كِلاهما بصوت أفرادٍ قِلة، كانوا مُشغلين بذات الفِعل، أمٌ توقِظ أطفالها للاستعداد وتناول الإفطار، وشُركاء يَقضي أحدهم وقته وجهده بإيقاظ شَريكه، أوراق الأشجار الرَّقيقة تُزين الأرض وُتُعلِم المَّارة عن مُرور نَسيمٍ لطيفٍ عليها قبل لحظات، الهُدوء والطَّمأنِينة، الدِّفء والرِّقة، حُمِّلت هذه الأيام بهم، جَاعلةً إياها تَمر على من يَحيا وتملأ قَلبه بالامتنان والتَّمني أنّ تدوم عليهم، فلا أمنية يتشارك غَريبان بها مِثل يومٍ هانِئ وسَعيد، يَغسل معه حُزنًا قد مَضى، ويُسكن مَكانه بَهجةً مُؤنِسة.
في الجِهة الجَّنوبية الشَّرقية للمَدينة، استقر المَّبنى الجَامعي بتلك البُقعة، يُرافق استقراره مجموعةٌ من المَّبانِي أصغر حجمًا مِنه، عُرفت من اللَّوحاتِ الإرشادية أنَّها سَكن طُلابها، جُزءٌ منها كانت مُخصصةً لمن تَزوج منهم وطَلب العَيش مع شَريكه بذات المَّكان حَال اتباعهم القَوانين المَّوضوعة، والجُزء الأكبر المُّتبقي لمن كَان بمُفرده ولا يَهمه مع مَن يُوضع.
بدَاخِل أحدها، وبين زواياه المُّفعمة بالدِّفء والسَّكينة انعكاسًا لرُوح من يَسكنها، يَرِنّ صَوتُ أكبر السَّاكنين مع كل مرةٍ يَهتف بها بشريكته أنّ تنهض وتبدأ بالاستعداد لئلا يتأخرا عن درسهما الأول، لكنه لم يَكن يَتلقى شيئًا عدا أنينٍ مُتذمر، أو جَذبٍ مُتكررٍ للغِطاء والوَسائد كلما جَرّ أحدهما بعيدًا عنها، أو تَقوم بدَفعه بخفة، علّ مُحاولاته لإخراجها من دَائرة الرَّاحة تتَوقف عند هذا الحد، لكنه بخِلاف ما أرادت، كَان قد دَفع الغِطاء بَقوة هاتفًا بها بنبرةٍ بلكنةٍ مُتذمرة: اليَوم هو الثُّلاثاء وليس الإثنين، نَملك دُروسًا لذا عليكِ أنّ تَنهضي فلا أريد الحُصول على عِقاب!!
تَفاجأ بها قد قَبضة على يَاقة قميصه مُقربةً إياه إليها، وَجد جِفنيها قد تَفرقتا بصعوبة، لتتصل عدساتها بخاصته، ومن ثُمَّ تتحدث بنبرةٍ خاملة: قُل ليِ أنَّك لم تَفتح هاتفك ولا تَتذكر حتى ما حدث قبل بِضع ساعات وصَدقني سَأصَفع هذا الوجه الوَسيم بالوِسادة.
انعقدت حاجباه دَلالةً على استنكاره لمَ قالته، مما دعاها لتدفع بكفّها الحُرة إلى الجَانب حد تَمكنها من التقاط هاتفها، باحثةً عن رِسالةٍ مُعينة بصندوق البريد حتى وجدتها، ومن ثُمَّ ألصقت الهاتف بوجهه ليَرى، فيجد رِسالة اعتذارٍ من أستاذهما بشأنِّ انشغاله بأمرٍ ما، لذا لا تُوجد لديهما أيّ دُروسٍ حتى الواحدة والرُّبع، تَسبب ذلك بشُعوره بالكَثير من الإحباط والذَّنب، لكونه نَهض بوقتٍ مُبكرٍ جدًا لإعداد وجبة إفطارٍ شهيةٍ لكليهما مُنذ أنّ يومهما الدِّراسي طَويلٌ جدًا مُقارنةً بالأيام المُّتبقية، ولإيقاظه لها بلا حاجة، وكِلا هذين الشُّعورين لم يَمرا دون مُلاحظةٍ منها، مما جَعلها تستأنف الحَديث مُعيدةً انتباهه لها: أتشعر بالذَّنب مُجددًا هُوتارو؟