* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *±وِجهة نَظر الكَاتِب.
الاثنين|| العَاشِرة وسبعٍ وثلاثين دقيقةً صباحًا.
+
انقضت بِضعةُ أيامٍ مُنذ وَقوع تِلك الحادِثة المُّفزعة، صَدر بعدها قرارٌ من مُدير الصَّرح إعطاء عُطلة اضطرارية للجميع حتى إشعار أخر، علّه يتمكن من حلِ ما حدث من مَشاكل، سواءً ما ارتبط بالطُّلاب وعائلاتهم أو المُّوظفين، وشُركةِ البِناء التِّي تعاقد معها سابقًا.
في هذه الأثناء، قَدم هُوتارو برِفقة إيزومي إلى موعدها المُّتفق عليه سابقًا، إذّ أنَّها قد أُصيبت بتمزقٍ شَديدٍ بساقها، يتَطلب خِياطته أولًا، فلا فُرصة لالتئامه وهو بهذا الحَال، لكن حَقيقة عَدم حُصولها على أيِّ تخديرٍ موضعي جَعلت المَّوقف صعبًا عليها قليلًا، لكنها لم تُفصح عمَّا تَشعر به حتى هذه اللَّحظة، لئلا يتضاعف قلق مُرافقها أكثر مما هو عليه.
كَانت تستلقي على مَعدتها كما أوصتها الطَّبيبة، مُظهرةً تَمزق قدمها أمامها، بجانب استقرار الأكبر عن يَسارها، أخذًا دوره بتهدئتها والتَّخفيف، لكن هذه المُّحاولات قد انقطعت بصورةٍ جزئية ما أنّ بدأت الطَّبيبة بعملها، مما دعا هتفًا لا إراديًا ليُغادر من بين شَفتيّ الفتاة، جاعلًا إياها تَخفي وجهها بالوِسادة، دون أنّ تتمكن من تَحريك قَدمها ولو قليلًا، وذلك لتثبيت إحدى المُّمرضات لها تحسبًا لمثل هذه المَّواقف، ليتجاهل هُوتارو ما يَشعر به، مقتربًا من فتاته لتهدئتها والهَمس بكل ما يحويه من كلماتٍ مُطمئنة، علّ إحداها ينجح بتخفيف ارتعاش جَسدها، رغمّ شُعوره بالانكسار مع كل شهقةٍ مَسموعة تَصدر منها...
عَقب ما يُقارب الأربعين دقيقةً أو ما يزيد عليها بقليل، كانت الطَّبيبة قد انتهت من خِياطة الجُرح وتَضميده جيدًا لها، بجانب كِتابة من تحتاجه من أدوية ومراهم وحتى تغذيتها وما يحتاج للتركيز عليه خِلال الأيام الأولى، فيُقدم شُكره بالمُّقابل، مُراقبًا إياها حتى غادرت برِفقة المُّمرضتين، فيَعود للالتفات إلى فتاته، فيُقيمها بلطف، ويُعطيها عِناقًا ضَيقًا، سامحًا لها بالبُكاء على كَتفه، دون أنّ يَترك الرَّبت على ظهرها للتخفيف من حِدة سُعالها وشهقاتها، يُصاحبها الكَثير من الإطراء والكلام المُّشجعة لتحمّلها ألمًا شديدًا كهذا، فيُغادر حاملًا إياها بين ذِراعيه ما أنّ بدأت تهدأ بعد بضعة دقائق، واضعًا إياها بمقعدها، ومن ثُمَّ يَتجه إلى مقعده بالمِّثل، مُنطلقًا إلى أقرب صَيدلية لابتياع أدويتها، ويعودا للاستقرار بمنزلهما، فتحصل على المَّزيد من الرَّاحة بعد الذِّي لقيته واحتملته...
+
الثَّامنة وثلاثة عشر دقيقة.
كَان هُوتارو مُستقرًا بشقه على السَّرير، مُسندًا ظهره على لوحه الخَّشبي العَريض، والأصغر تَضع رأسها على قدمه، مُتشبثةً بكلتا يديها بالغِطاء، والأكبر مُستمرٌ بملاطفة خُصلات شعرها بلحظاتٍ ساكنة، اقتطعتها هيَ بسردها ما يَجول بعقلها: كَان الجَو هادئًا حقًا، كل شخصٍ يتحدث إلى أخرٍ أو أكثر، كان الأستاذ يمُازحنا جميعًا ويُساعدنا بين حينٍ وأخر، يُطري بلا توقف على كل ما نقوم به، كانت أكاني تتحدث عن خِطبتها وما تَشعر به وما تُخطط لفعله فيما بعد والكَثير، كان مُخيفًا تحوّل كل هذا الجُهد إلى رمادٍ لا يُميز منه شيء، رأيت دموع الكَثير منهم، لا أعلم كيف من المُّفترض بي وصف المَّوقف، لكنه مُخيف، فقط مخيف...
همهم المُّخاطب بالحَديث كإجابةٍ أولى لمَ أردفته، فيتبع هذا استطراده قائلًا: عندما أتى إلينا ذلك الفتى وأخبرنا بما حدث، أظُّننا جميعًا شعرنا بذات الخَوف، نَهض الكل لتفقد رِفاقه أو قرابتهم، شَعرت بالحُزن على الجَميع لكنكِ كُنتِ أكثر من انشغل عقلي به، لا تُدركين كم كانت الأحمال قد سقطت عن كتفيّ عندما رأيتكِ، اتصلت بالبقية للاطمئنان عليهم، ويبدو أنّ الجميع يعيش ذات الحَال المُّرتبك الذِّي نَعيشه، منهم من لا يزال باقيًا بالمَّشفى ومنهم مثلنا يذهب إلى المَّواعيد ويعود وهكذا، اتصلت والدتي للاطمئنان علينا وكانوا بصدد القدوم، لكنني أجلت ذلك لأنَّني أعلم أنَّكِ لا تَرغبين بمواجهة أيِّ شخصٍ في الوقت الرَّاهن، ورِفاقنا بالمِثل، لنُبقها حتى يعود شقيقكِ بعد بِضعة أيام، علّ حالتكِ تتحسن قليلًا إيزومي...
نَهضت الفتاة مُتخذةً مَقعدها بشِقها بملامح يَظهر عليها الإحباط والحُزن كما قرأه الجَالِس بجانبها، حتى أوشكَ على سُؤالها عمَّا بها، لتٌقاطعه بتحدثها بنبرةٍ تُشابه ملامحها: لا أريد السُّؤال عن سبب حدوث هذا، لكنني أشعر بالحُزن الشَّديد، لقد قضينا أيامًا طويلة للبحث وإنهائه، لم نُصدق أنّ هذا اليوم قد أتى وسنُري الجَميع ما صنعنا، لكن كل شيءٍ قد تحطم واختفى والفضل عائدٌ إلى من لا يَملك أيّ ضميرٍ أو حسٍ بالمَّسؤولية، إنَّه يُحزنني، إنَّه كذلك...
بدأت الدُّموع بالتَّناثر على وجنتيِّ الفتاة بعدما سَردت جُزءً مما علَق بصدرها من مشاعر حَزينة، كانت قد اقتطع ببكائها، والذِّي كان دافعًا ليجذبها هُوتارو بين ذراعيه لتهدئتها، لكنها قد استأنفت الحديث رغم تَدافع الشَّهقات، قائلةً: بما ستُفيد محاسبتهم بعدما تَدمر كل شيء؟ لن تحدث فارقًا بالنِّسبة لنا، فقد ذَهب كل شيء.
يُجيبها بنبرةٍ لَينةٍ معهودة: لئلا يتحطم قلبُ شخصٍ أخر بعدكم، لا يَعني هذا أنّ حُزنكم لا قيمة له أو أنّ عليكم تجاوز المَّوقف وتجاهل مشاعركم، يحق لكم البُكاء وسرد إحباطكم ولا يحق لأحدٍ رفضه أو إيقافكم، لربما سيتوقف الكثير عن مُحاولة صُنع شيءٍ مُشابهٍ لما صنعتموه، على كل مُذنبٍ أن يتحمّل مَسؤولية ما اقترفه، لا يَزال بداخلكِ الكَثير وأنا سأتواجد معك طِوال الوقت ومتى ما أردتِ الحَديث، لكن الأن فقط ابقيّ هكذا حتى تهدئي ويستقر حالك، وبعدها لنُكمل ما لدينا، احصلي على المَّزيد من ساعات الرَّاحة لتتعافي، وبعدها يُمكننا النَّظر بما يجب فعله، الجَميع يُركز على التَّعافي، لذا لنُركز نحن كذلك عليه.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * * *