( ذلك الطرقُ المُبهَم مُجدَّدًا .. يستمر بصوته المدوي على الباب بجانبِ المُنادِي المجهول والباكي بِاِسمي مرة أخرى .. يُعيدُ نفسه بشكلٍ مُهلِك لحدٍ جعلني استفيق إزاءَ الفزع الذي انتابني ..
وجدتُ المكانَ غريبًا باردًا
كل شيء هُنا في اللحظةِ التي استفقتُ بِها يجعلني مندهشًا !
فراش عتيق حيثُ كنتُ أرقِدُ بِسلام .. أرضيةٌ خشبية يكسوها الرماد .. وهذا المكان .. اشبه بكوخ مهتريء ذو سقف رَطِبَ مهشم يرفعُ على متنهِ المصابيح الذَّهبية الخافتة التي تترنح بوهنٍ حيثُ تُعلَّقُ هناك في الأعلى ..
شعرتُ بوحشةٍ حتى اعمقِ نقطة في صدري ..
لست خائفًا .. بدوتُ مُعتادًا على هذا لوهلة ..!
هذا المنظر يُشعِرُنِي بالحنين دون أن أدركَ السبب خلفهاستمرّ ذلك الطرقُ الواهِنُ بالترددّ بنمطٍ متكرر ..
مما جعلني استعجل للذهاب وفتح الباب فورًا .تسنى لي رؤية فتاة بدت في أوائل العشرينات ..
بصحبة عربة طفل فارغة ..
بجانِبِ أنها ليست على مايرام ابدًا ابدًا !عنقها من دم وقدمها متربة ..
ترتدي ثوب النوم الذي كشف ماخلفتهُ جِراحاتها من دماء لشدة ماكان قماشه ابيضًا .. بقعةٌ حمراء منتشرة تحتضن ثوبها الناصع .. مُكتسيةً بطنها الذي انطوت عليه المًا وانحنى ظهرها إزاءه ..
لا زالت تبدو بخيرٍ بالنسبةِ لفتاةِ أصيبت بطلق ناري كما هو واضح .. لكن يملأ ملامحها كمٌّ من الجمود رُبّما هي في حالةٍ من الذهول لما مرّت به !نَظَرَت هي في عيني وحينها انصهرت تلك الأعين الجامدة وانهمرت منها الدموع دون وعي
قمتُ أحيطُ كتفيها بساعدي اليمنى ، أدُلُّها بعدَ أن رأيتُ حالها تلتجئ ..
وأدعوها بأنسٍ للدخول لهذا المنزل المُهترِئأجلستُها بِوُدٍ على الاريكة المهشّمة هناك واحنيتُ ظهري نحوها لِأهدّئ من روعها في حِين استحوذت علامات التساؤل معالم وجهي ..
سألتها باهتمام " اخبريني ما الذي حصل معك أيتها الفتاة ؟ "
بدأت كفّاها بالارتجاف معًا لتضُمَّا ببعضهما البعض غريزيًا كما لو انها خائفة حد الموت ..
إستقرّت كَفِّي على كفّيها المتعانِقين ، تتمسّكُ بأناملها على أملِ أن تواسي ولو طلًا ..
اغرورقت عيناها لحدٍ مُثقِل .. أجبرها ثقل تلك الدموع على أن تدلي بعنقها وتحني برأسها فوق كفيها و تسقي بدمعها ترابهما الدامي ..
أول ما طرأ على رجفة لسانها " طِفلي .. لقد سُلب مني طفلي ! "
أطبقتُ شفاهي لانينها الموجِع ، فقد أخرس ذلك الانين ما أبديتُ من دهشةٍ وتساؤل .
قليلًا حتى التفتُّ لصرير الباب الخشبي عندما أعلنَ دخول احدهم " ماما " ، تسلل صوت ذلك الطفل الذي لا يتجاوزُ الثالثة من عمره والذي هو واقفٌ خلفَ الباب " اوه البابُ ليسَ موصدًا ! " .
لكن تلك المرأة هرعت ناحية ذلك الطفل واحتضنته ثم حملته غير آبهةٍ بإصابتها .. وعلى محياها ابتسامة منكسرة
نظرت إليه وهو بين ذراعيها واتجهَتْ هي به لغرفة نومي ووضعَتْهُ على سريري ..
اعني السرير الذي استيقظت منه .وبينما أنا ..
مشيتُ على مهلٍ لتلك الغرفة وبقيتُ على عتبة الباب اراقب الام التي تعتني بطفلها الصغير و كانت هي المسكينة الجديرة بهذا الاعتناء .
التفتت لي تأمُرُني " إلي بقدح من الماء " .
اين اجد الماء .. انا لا اعلم .. لا أعلم شيئًا يُمكنني أن أجد به هذا الماء كي أقدِّمَ يد العون !
" انه في الجانب الأيمن من هذه الغرفة " ، اشارت لتنبهني وأتّجِهُ أنا تلقائيًا سمعًا وطاعة وأحضر لها قدح الماء ذاك .
بعد ذلك ظللتُ واقفًا ، راقبتُ الطفل والأم الحنون ، أشعر بوهن في هذا الموقف وأشعر بالحزن ولا مُبرر لذلك !
نادت الأم وعَلَا صوتها كل الحنان والحب " جونغ ان يا عزيزي " .
إلتَفَتُّ أنا إليها غريزيًا لَمَّا سَمعتُها نادت باِسمي بملئ حنان
وفي الحين ذاته استجاب الطفل ذو الثلاثة أعوام بتزامُنٍ مستجيبًا لها بدلًا عنّي " نعم ماما !! " ) .
أنت تقرأ
قُطبَان
Mystery / Thriller" يُحكَى أنّهُما لا يلتقيانِ حتى يُفنِي أحدُهُما الآخَرَ " - KAI -